حين انطلق مهرجان دبي السينمائي الدولي قبل سبع سنوات (دجنبر 2004) عبّر بعض الصحافيين (المصريين، خاصة) عن استغرابهم تنظيم مهرجان سينمائي في بلاد لا تتوفر على صناعة سينمائية، وهو استغراب يضمر، في المقدمات التي سكت عنها، اعتقادا يتمثل في أن كل الدول التي تنظم مهرجانات من هذا النوع لا بد أن تكون منتجة للأفلام قبل أي شيء آخر. بعد أقل من ثلاث سنوات على انطلاق المهرجان المذكور، تبيَّن أن هذا الاعتقاد غير صحيح بالمرة وأن بالإمكان عكس الآية: حيث إنه بدل أن يتمَّ الاحتفال بالسينما انطلاقا من توفر إنتاج سينمائي، يمكن أن يتحول هذا الاحتفال إلى أداة مساعدة على انطلاق صناعة سينمائية في المنطقة، لم ينتبه هؤلاء الصحافيون إلى شيء مهم، وهو عملية التحديث السريع، التي تحدث في منطقة تسود فيها بنيات اجتماعية تقليدية (عشائرية وقبلية) وما فرضته من تحولات ذهنية وقيميّة كان لا بد من مواكبتها والتوفيق بينها وبين تلك البنيات، وهل هناك أفضل من السينما للقيام بعملية التوفيق هذه؟ لقد سبقت انطلاقة المهرجان (التي تلاها انطلاق مهرجانات سينمائية أخرى في المنطقة: مسقط في سلطنة عمان، أبو ظبي في الإمارات العربية المتحدة، الدوحة -ترايبيكا في قطر) إرهاصات تمثلت، خصوصا، في «مسابقة أفلام من الإمارات»، التي انطلقت عام 2001 بمبادرة من الشاعر والمخرج الإماراتي مسعود أمر الله آل علي، بهدف اكتشاف المواهب الإماراتية الصاعدة في مجال السينما، والتي توسعت بعد ذلك (أي المسابقة) لتشمل المواهب الخليجية بوجه عام، مما يعني أن الإحساس بضرورة لعب السينما دَوراً ما في تلطيف الاحتكاك بين عملية تحديث متسارعة وبنيات اجتماعية وذهنية عتيقة قد تولّد في وقته تماما. كان لافتا للانتباه أن الدول التي كانت سبّاقة إلى إنتاج أفلام سينمائية (مثل العراق والكويت) لم تساهم في هذه الحركية الجديدة على مستوى بلدان الخليج العربي، والتي أدت إلى ظهور مواهب سينمائية جديدة من الإمارات والسعودية واليمن والبحرين (في الفيلم القصير، خاصة)، بل وإلى ظهور أول فيلم روائي إماراتي طويل، هو «دار الحي» (2009) لعلي مصطفى، الذي فضّل أن يتناول الواقع الحالي لدبي عبر أربع قصص متداخلة ومتشابكة يلعب أدوارَها مواطنون إماراتيون وأجانب قادتهم إلى دبي أحلامهم بالثروة وبالعيش الرغيد في مدينة تحولت، خلال سنوات معدودة، إلى مركز للعالم. والواقع أن مهرجان دبي السينمائي (مثله في ذلك مثل مهرجان أبو ظبي) لم يقتصر دوره على اكتشاف المواهب الجديدة (الإماراتية والخليجية في البداية، ثم العربية والأفرو -آسيوية في نهاية المطاف)، بل تحول إلى منصة لإطلاق مشاريع سينمائية عديدة في المنطقة العربية، سواء على مستوى الدعم، الذي صار يخصصه للمشاريع السينمائية العربية (من مرحلة الكتابة إلى مرحلة ما بعد الإنتاج) أو على مستوى فرص اللقاء التي يتيحها بين السينمائيين العرب وشركات الإنتاج والتوزيع العالمية التي تحضر المهرجان بحثا عن مشاريع جديدة للدعم. معنى ذلك أننا هنا أمام تصور جديد للأدوار التي يمكن أن يلعبها مهرجان للسينما، تخرج به عن التصور التقليدي، الذي سبق أن تعرّفنا عليه في مهرجانات عربية «تقليدية» (مثل مهرجانات القاهرة ودمشق وقرطاج والإسكندرية.. والذي يكتفي بعرض الأفلام ودعوة «النجوم» للقاء بمعجبيهم) وتُدْخله ضمن أفق أوسع يجعل منه مناسبة لخلق ديناميات جديدة ومواكبتها باستمرار من أجل إنتاج المزيد من الأفلام على مستوى المنطقة وخلق المزيد من التواصل حولها، مع إتاحة الفرصة للتعريف بها على المستويين، المحلي والدولي. من هنا، نستنتج أن تحوّل مهرجان دبي (ومعه مهرجان أبو ظبي الآن) إلى ملتقى لا غنى عنه لكل صانعي السينما، في العالم العربي والعالم بأسره، لم يتمَّ بفضل ميزانية قيل عنها إنها في منتهى «الضخامة»، بقدْر ما تم بسبب سعة في الأفق ووضوح في الأهداف ورغبة في احتلال موقع الصدارة ضمن حركية سينمائية عربية قيد التشكل، الآن وفي المستقبل.