ه أغلوطة العولمة: لا يفيد معنى العولمة -في تقديري الشخصي المتواضع، كفرد مسلم- معنى الشمولية، وإلا لكان تنميط العالم ممكنا؛ والحال، في حقيقة الأمر، أننا شعوب وقبائل؛ والمطلوب سيدي التعارف في ما بيننا وليس أن نتحول إلى حضاريين في ما بيننا ومتوحشين في مواجهة الآخر. «إننا لننقاد، في أجواء الهواجس «الباسكالية» و«الكيركاردية» و«النتشوية» و«الهادغيرية» كبورجوازيين بشعين»، فتأمل! فإذا كان فيلسوفكم «سورن كيكارد» قد صرخ في وجه الفيلسوف الشمولي قائلا: «لست لحظة في نسقك»، أو كما قال: «أنا نسخة فريدة»! فكذلك حال كل أمة أو شعب من الأمم والشعوب، فلن تبلعونا، سيدي، مثلما ظننتم أنكم ابتلعتم الآلهة! إن العولمة، سيدي سيلفر شاربونييه المحترم، اعتراف بالغير وليست غارة عليه، إن الآخر أو الغير جزء من كيان الإنسانية، وبالتالي فهو جزء من البنية الأنطولوجية للذات. 1 بشرى لأمة الإسلام: أقصد، سيدي، أن الرسالة المحمدية موجهة إلى الإنسان، فلا عرقية فيها ولا ميز ولا شوفينية... لذلك أعتبر أن ما مس الرسول الكريم سينقلب على أهله وسيحيق بهم مكرهم، فمن حيث لا يشعر أعداء هذا الدين الخاتم قدموا إلى أهله أزكى خدمة كشفت عن تعلق الإنسانية به وزيف وضلال من خالفه، لأن كيدهم ضعيف «وأوهى من بيت العنكبوت»، فبشرى لأمة الإسلام لأنها ستظهر بالحق وليس بالكاريكاتور، فتأمل!... وينبغي أن تتفهموا أن الاعتذار قيمة إنسانية، إذ كما يقول الرسول الكريم: «من اعترف بذنبه فلا ذنب عليه» لأن «كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون»! والتراجع عن الفعل الذميم قيمة تعلو بأخلاق الإنسان، أليس الاعتراف في ثقافتكم المسيحية أمرا محمودا يقود إلى تطهير النفس!... 2 أسطورة رفع تسحير العالم: ليس يخفى عليكم سيدي أن حداثتكم جاءت بأسطورة رفع تسحير العالم، وهي لعمري أسطورة واهية، لأنه برفع التسحير المزعوم جاءت بآلهة جديدة، كبيرُها «إله الإعلام» الذي اجتر مقدسا ولا حول ولا قوة لنا حياله حتى إن سلطته أضحت لا تضاهيها سلطة سياسية، فمن إبطال تسحير العالم انتقلنا إلى تسخير العالم بالإعلام الذي صار يشكل سلطة، فكيف السبيل إلى التخلص من هذه الهيمنة الجاثمة باسم التعبير كحق يراد باطل، في كثير من الأحيان؟ وإذا كان من اللازم أن تأخذ بهذا «الإله الجديد»، أي الإعلام، فيحق لنا ألا نسكت عن أشياء أصمتتنا وأخرست ألسنتنا دون أن يفتح ملف المحرقة، وكإبادة الشعوب باسم العصرنة، ونهب خيراتنا واستغلال أبنائنا، والقائمة -أيها السيد المحترم- طويلة! نافلة القول: سيدي إذا لم تفرّق، بعد هذا الكتاب، بين البحث في المقدس والإساءة إلى المقدس، سيبقى تائها في تحديد ضوابط حرية الرأي... أما معك سيدي ليست هناك ضوابط لحرية الرأي... هذا ما نعتقده شرعا وعقلا... والقرآن الكريم والسنة النبوية مليئة بعرض الآراء المتناقضة، ولكن يجب أن يبقى الرأي رأيا حتى تكفل له الحرية، أما القذف والشتم والإساءة إلى مقدساتنا فهذا، في نظري، ليس رأيا بل تعدِّيا وجناية يطالها القانون. وفي الأخير، أختم رسالتي هاته بالقول إن الفكر والرأي لا يمكن أبدا قمعه بالإرهاب والتهديد والمولوتوف، لأن الإسلام يحرم هذا، فهو دين السلم والسلام، وإنما دحضه بالفكر والرأي المضاد، «فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض»، فتأمل!... لذا أجبتكم، سيدي، بنكهة إسلامية تقيدها الأخلاقيات الإسلامية، وتفضلوا بقبول أزكى التحيات والاحترام. عبد الواحد شعير - كلية الحقوق المحمدية