تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    الحكومة تُعزز حماية تراث المغرب وتَزيد استيراد الأبقار لتموين سوق اللحوم    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    بورصة البيضاء تنهي التداولات ب "انخفاض"    رسميا.. اعتماد بطاقة الملاعب كبطاقة وحيدة لولوج الصحفيين والمصورين المهنيين للملاعب    البيت الأبيض يرفض قرار الجنائية الدولية اعتقال نتنياهو وغالانت    تحطم طائرة تدريب تابعة للقوات الجوية الملكية بداخل القاعدة الجوية ببنسليمان    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط: اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله    سلطات القنيطرة تُعلن عن قرار سار لجماهير اتحاد طنجة    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    توقيف شخصين بطنجة وحجز 116 كيلوغراماً من مخدر الشيرا    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    القنيطرة تحتضن ديربي "الشمال" بحضور مشجعي اتحاد طنجة فقط    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحضارات لا تتحاور
نشر في هسبريس يوم 09 - 02 - 2010


مقاربة تأويلية قرآنية
مقدمة:
كما وعدت، فإن منهج التأويل وفق الضابطة التي تناولناها في مقال سابق هو منهج قابل للتطبيق على كافة الموضوعات حتى قلنا أنه لا وجود معه لمنطقة فراغ. فمنطقة الفراغ هي من لوازم الأصول الظنية التي هي قوام آلية الاجتهاد. فالتأويل قابض على الواقع كاشف عنه وليس مجرد وظيفة أو ظنا بالأحكام. فهل يا ترى بإمكاننا وفق هذا المنهج أن نقف على معنى للحضارة والثقافة ورأيا في حوار الحضارات أم صراعها ، علما أن هذه من إشكاليات عصرنا لا من نوازل عصر النزول؟ هذا مجرد نموذج للتفاعل مع هذه الموضوعة تأويليا. فكيف يا ترى نستقرئ موقف القرآن وكيف نستنطقه إزاء قضيتنا المنظور فيها؟ كنت قبل فترة تبنيت رأيا حول حوار الحضارات أو صراعها ، ملخصه أن الحضارة قوة ورسوخ في الزمان والمكان وبأن الحضارة بهذا المعنى ليست موضوعا للحوار. وميزت كذلك بين مفهوم الحضارة ومفهوم الثقافة. وفي كل ذلك كنت أستنطق القرآن وفق هذا المنهج فأقف على حقائق من هذا القبيل. وإذا جربناه سنطلق سراح القرآن ونكسر الأقفال التي أحكمت حول القلوب فحالت بينها وتدبر الكتاب، فكانت النتيجة الحتمية : الهجران. فبهذا المنهج سينطق القرآن كثيرا ويقول كثيرا وسيجده المتدبر طاقة لا تنضب ومدد لا ينفذ وعجائب لا تنقضي .
مدخل:
اعتاد الفقهاء في معرض بحثهم ونظرهم في المسائل الخلافية على تأسيس قاعدة للتفاهم أو أرضية مشتركة للنقاش، لنسمها الأرضية الأولى أو الأصول التواصلية الرئيسة. وحتى لا يقعوا في مأزق اللبس والفوضى ويصبح نقاشهم لا مناط يشد ظهره ولا أرضية تسنده، بل مجرد انتشار لاهتزازات الأسس والمحددات ذاتها وإلى ثرثرة لفظية وحوار طرشان، قالوا بضرورة تحرير محل النزاع. وذلك ابتداء بتحديد الموضوع ورصد حيثيات الإشكال والاتفاق المبدئي على تصور أو محدد ما للمفهوم. ومحل نزاعنا وموضوعه في المقام ، هو "الحضارة". مدار ومتعلق حوارنا أو صراعنا. فعن أي حضارة نتحدث يا ترى ؟
إننا نعتقد أن جزءا من التوتر الذي شهدته أغلبية الأطاريح التي تناولت موضوع حوار الحضارات، فيما هي تكتنز بهروبها وتقيتها المفرطة، عناصر لصراع محتمل أو مؤجل، راجع إلى أننا نتنازع حول قضية يحتل الوهم فيها مساحة كبيرة. فأمامنا تنتصب الحضارة المعاصرة بسماتها التي تحمل في ثناياها كل أشكال الإكراه والعنف إلى جانب ما تحمله من واجهة مغرية ومن أساليب الغواية. هذه الحضارة هي حضارة كونية بختم غربي. والمشكلة ليس في "كوننة" هذه الحضارة أو تفردها أو تجنيسها. بل المشكلة تتجلى في أن ثمة قوى طارئة من صلب الحداثة، عرفت كيف تستفيد من هذه الصيرورة العظمى وتوجيهها إلى خدمة أهدافها. إنها بالتالي الكيفية التي تقدم بها الحضارة نفسها اليوم للعالم. وهذه الكيفية في نظرنا، «ثقافية" محض! ها هنا نختلف مع الرؤية الحلولية التي رأت إلى "الحضارة" و"الثقافة" وكأنهما أمران مترادفان. ولعل رأيا كهذا قد يجعل العالم مسرحا لحضارات مملوكة وحدود وضيعات وقبائل... تستدعي حمايتها والذود عنها. في حين أن ليس ثمة إلا حضارة واحدة، هي المظهر الأقوى للحضور التاريخي الإنساني. إن الحضارة في حد ذاتها قوة لو أردنا استعمال المنظور الفوكوني هي قوة من حيث هي علاقة. أي كيفية الانتماء والتوجيه والتوظيف لهذا الكل الذي يمثل السند الخلفي للحضارة. وها هنا يبدو الغرب في أوج غروره الحداثي، يوهم بذلك التماهي بين الحضارة وأعراضها وتشخصها في المجال الغربي. مع أن هينتنغتون ما فتئ يؤكد هو الآخر على أن الغرب كان غربا قبل أن يكون حديثا. فالملازمة، أو لنقل سعة التمركز والتماهي الذي ينظر إلى الحضارة كجنس مطلق أو كمركز، هي رؤية تحول دون إمكانية التصريف الكوني العادل للحضارة. إذن، إذا كان ولابد من الحوار، فحوار مع من ؟ وإذا كان ولابد من صراع، فصراع ضد من ؟ هل هو حوار مع وجودنا ومع تاريخنا يستهدف استقالة منه وخروجا عنه ؟ أم هو حوار مع العماء ؟ وهل الصراع هو مع الحداثة بوصفها معطى حتميا وبنية تناقضية أم هو صراع مع التمظهر القمعي لها ؟ والآن، لنر أي الأوهام تلك التي لازالت ترين على مفهوم الحضارة !
الالتباس المفهومي و تاريخانية المواضعة
لعل السبب الرئيسي في التباس مفهوم الحضارة، راجع إلى تعاملنا مع المفاهيم. حيث اعتدنا النظر إليها بوصفها معطيات ثباتية أشبه ما تكون بمفاهيم توقيفية، ننظر إليها كمعطى لغوي وقاموسي، وليس كمفهوم تطوري من حيث أنها (=المفاهيم) هي نتيجة تراكم علائق مفهومية أخرى أو من حيث كونها خضعت إلى تطورات تداولية مختلفة. إن المفهوم بهذا المعنى هو كائن متطور ومخزون دلالي تاريخاني. إذ اللغة بشكل عام هي وسيلة للتأمل وفاعلية تواصلية متطورة وليست جوهرا توقيفيا مطلقا. وهذا ما يعني أن مفاهيمنا تعبر عن لحظاتها التاريخية. وأنها بالنتيجة لا نهائية وغير مكتملة. وحتى إذا ما سلمنا بأن اللغة هي مأوى الوجود بالمنظور الهيدغيري، فإن الوجود ذاته الذي تمثل اللغة مأواه، هو معطى متطور. من هنا تعين على اللغة أن تكون متطورة. إن علم اللغة أو مباحث الألفاظ يظهر إلى أي حد أن المفهوم أو الألفاظ هي بشكل عام خاضعة إلى ضربين من المواضعة بحسب التفصيل الكلاسيكي :
أحدهما تعييني (=تواضعي منشؤه الجعل الاتفاقي أو التوافقي، لنسميه التواضع الجعلي البسيط).
الآخر، تعيني بضم الياء مع تشديدها (=تواضعي منشؤه الإثبات والتأكيد التوافقي، لنسميه التواضع الجعلي المركب).
يتحدث فقهاء اللغة ومباحث الألفاظ عن صورتين للمواضعة ؛ إحداهما التعييني والأخرى التعيني. ولكننا أحببنا التعبير عنهما بالجعل البسيط والجعل المركب وهما مصطلحان فلسفيان متعلقان بمبحث الوجود ، لبيان حقيقة وجودهما. وواضح أن الجعل البسيط هو إيجاد الشيء من عدم في حين يكون الجعل المركب تبديلا في حال الموجود،أو إيجاد الموجود على نحو آخر كما يفيد الفعل المتعدي لاسمين نظير قوله : جعل الأرض مسجدا، وكأن التعيني مجعول على نحو مركب، فتكون العين تعيينا، تفيد الباصرة أو النابعة، لكنها، "تعيّا" تتعدى إلى المتربصة !
فالتعييني هو التواضعي الابتدائي، في حين التعيّني هو التواضع التداولي. وليس التواضعي التعييني بخارج عن الإطار التاريخي. فمهما بدا التوافق التواضعي اعتباطيا، إلا أن ثمة عوامل سابقة لتشكل الرغبة في التواضع الابتدائي التعييني. أما التواضع التعيّني ، فهو استجابة ضرورية لتطور المفهوم في التداول العام. وكلاهما يضفي الطابع التاريخي على المفهوم أو ( اللفظ) إلى جانب الطابع الاعتباطي والاجتماعي للمواضعة. إن الإشكال يبدأ متى ما استمر التعاطي مع التعييني دون التعيّني أو التعاطي مع المفهوم خارج إطار بنيته المتحولة ، أي تكوينه التاريخي. ذلك لأن المفهوم يمكن أن يأخذ معنى مختلفا وربما نقيضا بفعل التداول. فإذا كان المعنى التعييني هو ذاكرة المفهوم، فإن التعيّني هو المعنى الأخير والحاكم للمفهوم، لحكومة المآل على الأول، والنهايات على البدايات.
إن لفظ "الحضارة" خضع هو أيضا إلى قراءة من هذا القبيل. أي استمرار التواضع التعييني في التداول العام، مما جعل المفهوم يعيش تخلفا ومأزقا، فلا يواكب التطور الحاصل للمضمون، مما أدى إلى التباسات كبيرة نذكر منها ما يلي :
1 خلط فاحش بين مفهوم الحضارة والثقافة و المدنية([1[)
2 استصحاب معنى "التحضر" كمقابل للبداوة والرحّلية.
3 الحضور، كحضور مطلق وليس حضورا خاصا وفريدا.
الأمر الذي أدى إلى أن يكون للحضارة معنى عاما وفقيرا، يجعلها جوهرا يمتلك لا صيرورة تدرك . نلاحظ من ناحية أخرى، أن الذي أربك هذه المفاهيم هو عدم استحضار الأبعاد التاريخانية للمفهوم، من حيث أن المفهوم باعتبار ما ليس بنية قارة. بل هو عارض تاريخاني. أي تعبير ماهوي عن حقيقة أو مرتبة وجودية. إنه بهذا المعنى حقيقة كما يؤكد هيدغر بالنسبة للغة عموما هو مأوى الوجود. بلحاظ صيرورة هذا الأخير. فالوجود في مختلف آناته يحيل إلى الوجود، إحالة تطورية من خلال لغة متطورة مواكبة ومستوعبة للتحولات، إن لم نقل معبرة عن درجة هذا الوجود وكثافته أو توتره. من هنا لا قدسية للفظ التواضعي، إلا بما هو تعبير عن حقيقة خاضعة لنوبات الحضور والغياب. إن حقيقة أي مفهوم، هي رهينة بكثافته التداولية. وهو إن شئت الاستعارة من ليفيناس Levinas، يأخذ معنى الأثر La trace . إنه مفهوم غير مكتمل المعنى أبدا. ثمة دائما معنى ناقص في انتظار الإنجاز المحتمل، لكنه الآن مستحيل. فمفهوم الحضارة إذن، مفهوم آني تداولي يعبر عن لحظة تداولية ما. ومن ثمة هو مفهوم مفتوح على التطورات والاحتمالات. لكن ما هو جوهري في معنى "حضارة"، هو كونها صناعة القوة وقوة الصناعة. أو لنقل بتعبير أوضح، إنها رسوخ في القوة ورسوخ في الصنائع. فأي كيان يعدم رسوخا في القوة ورسوخا في الصنائع، هو كيان مفلس حضاريا أيا كانت ثقافته. من هنا فإن الحوار أو الصراع حول هذه الحقيقة دونه خرط القتاد. فالصراع أو الحوار هو داخل الحضارة وليس ضدها أو معها. فالحضارات بما هي رسوخ قووي و صنعوي، ترسخ في الوجدان رسوخها في الميدان. والشوق إليها جبلّي. والنفور منها نشاز أو خور وضعف وعدم. فإذا لم يكن الحوار أو الصراع مع أو ضد الحضارة، فمع ماذا إذن هو يا ترى ؟
لعل هناك من يرى أننا نسلك مسلكا تأصيليا لمفهوم "الحضارة" سيسقطنا في ترف القول ولعبة الألفاظ. لكن رأيا كهذا ربما يغيب عنه الأثر الذي يمكن أن ينجم عن ذلك الالتباس الذي يحيط بالمفهوم في الصميم. فيتحول النزاع من المفهوم إلى الواقع. إنه أشبه ما يكون بوهم النزاع ووهم الصراع . فكل حكم ، ليس له واقع ، حينما يرتفع موضوعه !وها هنا نؤكد على أن موضوع الحوار أو الصراع ، هو موضوع تحيط به الأوهام. ومصدر هذا الوهم هو التسالم على مفهوم ملتبس للحضارة. إننا لا نسلك هنا مسلكا إيتيمولجيا (= اشتقاقيا) على النمط التقليدي لمزيد من الإطناب، بل نسلك مسلكا جينيالوجيا؛ لا بالمعنى التقليدي للتشجير النسبي الذي يهدف ربط السيرورة بالأصل المطلق، بل أقصد بها المعنى النقيض الذي تجثث فيه شجرة نسب المفاهيم، كما يصبح المعنى أكثر التصاقا بالخبرة التداولية منه بالأصل التواضعي. من هنا أقول بأن الخلط والالتباس الذين شهدهما لفظ الحضارة يظهر جليا حتى في اللغات اللاتينية، كالفرنسية والإنجليزية، حيث جرت العادة على اعتبار الحضارة هي مطلق الحضور للكيانات الثقافية. وإذا اقتصرنا على بحث هذا الالتباس في إطار التداول المفهومي العربي فسوف نجد أن الحضارة تحيل من الناحية الايتمولوجية إلى فعل الحضور. ما يمنحها دلالة تقابل معنى التنقل والترحال. فالحضارة هي إذن، مقابل البداوة والترحال. من هنا الحاضرة والبادية. وبما أن الحضارة القديمة التي نشأت قبل آلاف السنين كانت بالأساس، حضارات زراعية وهو ما يمثل حسب "توفلر" ، الموجة الأولى للحضارة الإنسانية فإن النشاط الزراعي يتطلب حضورا في المجال، طالما أن النشاط الزراعي يحتوي جميع الفصول الأربعة ويستلزم عناية بالأرض على مدار الحول. في حين، أن النشاط الرعوي الملازم لحياة البداوة والترحال يتطلب تنقلا عبر الفصول. فالزراعة تتطلب مكث الشتاء والصيف، وليس رحلة الشتاء والصيف. فالاعتماد إن على السقي أو على الأمطار يجعل من النشاط الزراعي نفسه صنعة تناقض الترحال. الأمر الذي انتهى إلى ذلك الربط التاريخي بين فعل الحضور وفعل الزراعة. وكما توحي العبارة باللغات اللاتينية نفسها Culture ، بمعنى ثقافة يعود إلى Agriculture بمعنى زراعة أو فلاحة الأرض. يقول ول ديورانت:" إن الثقافة لترتبط بالزراعة كما ترتبط المدنية بالمدينة"([2[).
إن ما يؤكد لدينا ضرورة الأخذ بالتطور التداولي للّفظ، هو أن كلاما مثل هذا يؤرخ إيتيمولجيا للحضارة باعتبار أن تمظهرها الأول تجلّى من خلال النشاط الزراعي. لكننا إذا رجعنا إلى ابن خلدون، فسوف نجد لديه معنى آخر، مناقضا لذلك تماما، فهو يتحدث عن النشاط الزراعي أو الفلاحي بوصفه نشاطا بدويا وليس حضريا. إذ خص الحضر بالنشاط الصناعي مما يدل على هذا التحول في دلالة اللفظ. لم تعد الزراعة نشاطا تقوم عليه الحضارات بل أصبح ذلك نشاطا بدويا محضا. فالجامع هنا بين الحضارة والبداوة، هو الحضور. ما يعني أن ثمة جديدا طرأ على مفهوم الحضارة. فالشكل الأول للحضارة (=أي الزراعية) غدا عند ابن خلدون وبناءا على نظريته في اتساع العمران مساوقا للبداوة. لذا نراه يقول :"ولهذا اختصت هذه الصناعة بالبدو إذ قدمنا أنه أقدم من الحضر ر وسابق عليه. فكانت هذه الصناعة لذلك بدوية لا يقوم عليها الحضر ولا يعرفونها لأن أحوالهم كلها ثانية على البداوة، فصنائعهم ثانية عن صنائعها ومتابعة لها.." ([3[).
نعود هنا إلى معنى الحضارة بما هي حضور معين في المجال. وهو حضور كما يؤكد الاجتماعيون منذ ابن خلدون؛ حضور جماعي تظهر عليه مظاهر العمران وبه تتسع الصنائع. ما يكسب الاجتماع تحضرا وتمدنا. فالحضارة عند ابن خلدون تأخذ معنى التمدن أيضا. ما يجعلها تأخذ عنده المعنى ذاته لCivilisation في اللغات اللاتينية أنماط وعوائد خاصة زائدة على الضرورة هذا المزج التاريخي بين الثقافة والحضارة وإن كان له ما يبرره في العصور القديمة، فإن استصحابه سيكون مضرا بالمفهوم وحاجب لجوهر النشاط الحضاري، ذلك لأن هذا الاستصحاب استمر حتى اليوم، ونجده متداولا في الكتابات الغربية. لأنه إذا كان النشاط الزراعي هو مظهرا للموجة الأولى للحضارة كما يؤكد "توفلر"، فإن الموجتين الأخيرتين ليستا زراعيتين. وقد كان ابن خلدون واعيا بهذا التحول لما حكى عن موجة جديدة في الحضارة تسمو على النشاط الزراعي. فهي تقوم على النشاط الصناعي. وبقدر ما يتميز هذا النشاط بتعقيدات الصنائع واتساع فاعليتها، فهو يتميز أيضا بما تتركه هذه الصنائع من ليونة في الطباع (= ما يفيد التمدن) ومهارة في الثقافة والمعرفة، وازدهارا في أنماط العمران. يقول :"فتعظم لذلك ثروتهم ويكثر غناهم وتزيد عوائد الترف ومذاهبه وتستحكم لديهم الصنائع في سائر فنونه وهذه هي الحضارة" ([4[).
إنها (= الحضارة) كما رأينا عند ابن خلدون، استحكام الصنائع وشموليتها. الحضارة هي استحكام التقنية وشمولها لكافة النشاطات والفنون. إذن، فالتحول الدلالي للحضارة، يتضح جليا من حيث أن الحضارة في الأصل هي زراعية. ثم سرعان ما أصبحت الزراعة صنعت بدوية مناقضة للتحضر. بل هي صنعة ثانوية بالمنظور الخلدوني. الأمر الذي يعزز وجهة نظرنا، إذ أن المعنى التداولي التعيني يمكن أن ينقلب على المفهوم التعييني الابتدائي انقلابا تناقضيا. فالثقافة أصبحت تحيل إلى المخزون الرمزي والموروث الروحي لجماعة ما أو أمة ما. من هنا أصبح للحضارة معنى خاصا جدا. في حين أصبح للثقافة معنى عاما. فلئن كانت الثقافة بهذا المعنى لا تقتصر على حياة الحضر أو الحضارة بالمعنى القديم المقابل للبداوة، إذ للحياة الرحلية مهما بلغ مبلغها في التوحش، رصيدها من هذا المخزون الرمزي. فللجماعة الرحلية خطابها وفعلها التواصلي وتعابيرها وأشعارها وأمثالها وفنونها وأنماطها وعوائدها... وهكذا باتت الحضارة التي كانت بالأمس تطلق فقط على نمط حياتي معين، أصبحت اليوم تطلق على كل الكيانات الثقافية المتطورة منها والوحشية سواء بسواء. مما أدخل المفهوم في عمومية مفرطة، حيث حلت إشكالية وحدة جنس الثقافة وماهيتها التاريخانية لفائدة المعنى النسبي. لكن وبالمقابل أدخلتنا في لبس جديد وعمائية فظيعة، من حيث أن المفهوم أصبح مشتركا، لا شي يميز بين هذا النمط أو ذاك هذا من جهة ومن جهة أخرى ، قطعت الطريق نهائيا أمام فعل المقابسة ، كما سقطت في تبرير العطالة الحضارية وتعزيز مبدأ القناعة والاكتفاء. لقد أكدنا مرارا على أن هذا المزج، هو تقليد أمريكي بامتياز. لعله راجع إلى الذهنية الأمريكية ذاتها ، حيث ظهرت بشكل واضح في مقالة هينتنغتون، حول صدام الحضارات. وهي الذهنية التي يصفها جون جراي John Gray :"والمعيار الذي يستخدمه هينتنغتون ضمنا في أغلب الأحوال إنما يعكس الفكرة الأمريكية المتسلطة بشأن تعدد الثقافات. فالثقافة أو الشعب يعد حضارة إذا كان له ما لأقلية أمريكية من فاعلية سياسية. وفي غير هذه الحالة فهو يتجاهلها ([5[)".
فظاعة هذا التساهل والمزج، يضفي صورة على الولايات المتحدة الأمريكية، ليس كجزء متقدم من الحضارة الغربية الحديثة، بل كمصرع لحضارات مختلفة.
وجدير بنا أن نضم إلى هذا المنحى موقف أحد رموز ورواد مدرسة الأنال، أعني فرنا ند بروديل Fernand Braudel وهو رأي وجيه إذا ما حصرناه في هذه النقطة. لأنه رأي مبني على رؤية شمولية، لم تغفل التفاصيل الميكروية للحياة الاجتماعية والحضارية. فمؤرخ الأشياء والتفاصيل اليومية للحضارات يذكرنا بهذه القاعدة الكبرى حينما يقول : "والقاعدة العامة، هي أن الحضارات تغلب وتكسب. إنها تكسب وتغلب (الثقافات)، وتغلب الشعوب البدائية" ([6[).
بل هي بالأحرى حضارات هشة أو حضارات غير مكتملة، لذا يقول فرنان بروديل: " فقد انهارت تلك الحضارات الهشة التي كانت في حقيقة أمرها مجرد ثقافات، أمام عدد قليل من الرجال فقط".
قال هذا الكلام طبعا في معرض حديثه عن اكتساح الأوروبيين للبيرو وأفريقيا السوداء. لم أكن قد اطلعت بعد على موقف مؤرخ الأنال، حينما تكون لدي مفهوم عن الثقافة باعتبارها حضارة بالقوة وليست حضارة بالفعل. بل هي "هيولي" الحضارة ومادتها. وذلك لأن الثقافة لا تستطيع أن تتحول إلى حاضرة إلا إذا استجابت لجملة من الشروط تخرج بموجبها من القوة إلى الفعل. فالثقافة هي حضارة بالقوة. إلا أنني لمست ذلك بوضوح لدى بروديل الذي عزز عندي هذا المعنى، بقوله :"والثقافة هي حضارة لم تبلغ بعد نضجها، لم تبلغ ذروتها، ولم تؤكد نموها" ([7]). ما يعني أنها لا تزال في سجنها القووي في انتظار شروط نضوجها وإنجازها. إذا كانت الحضارة هي "القوة" أو "قوة التقنية"، وهي من الناحية الفلسفية مرتبة الفعل والإيجاب من الثقافة، فإن الثقافة تأخذ معنى فكريا وسلوكيا، أي وظيفيا. أو لنقل كما يعبر حسين دكروب "تصبح (الثقافة)" حالة مزدوجة الإيقاع، إنها حالة داخلية بالدرجة الأولى، هي تعبير عن طريقة في التفكير والإحساس، وهي بالدرجة الثانية تعبر عن طريقة ما في التكيف التموضع مع المحيط" ([8[).
وما يعزز حقيقة التطور في محتوى ودلالة مفهوم الحضارة، أن ما يبدو مقابلة تقليدية بين الحضارة والبداوة التي تعني التوحش، كما رأينا ذلك عند بن خلدون
، فضلا عن أنها مقارنة تاريخية متجاوزة أنتربولوجيا، فإن الحضارة اليوم أصبحت تتجه في أنماطها إلى عوائد كنا حتى فترة ما ، نعتبرها أنماط بداوة وترحال. لنأخذ على سبيل المثال ظاهرة "الحرب". فقد كانت الحضارات في السابق عرضة لاجتياحات تقوم بها جحافل من الخيالة والغزاة من البدو الرحل. لقد كانت الغارات والحروب إذن خاصية بدوية ضد الحضارة. لم يكن في بال ابن خلدون وهو يصف اجتياح بني هلال وبني سليم للممالك البربرية، مرجعا ذلك إلى خشونة البدو وليونة الحضارة . غير أن التقنية كانت قد عوضت ذلك و أكسبت الحروب الحضارية قوة تدميرية تفوق خشونة البدو وقسوة طباعهم، وإذن، قبل أن يحسم البارود والمدفع في قلب هذه المعادلة حيث أصبحت البداوة عنوانا للسكون والخمول والسلم، في حين أصبحت الحضارات هي من يقوم بغزو العالم واستيطان الشعوب. وأمامنا طبعا الصورة الوحشية لما عرف ب"غزو الغرب" التي قادها الغازي الأوروبي ضد القبائل الهندية أي انقلاب مفهوم الغزو من كونه نشاطا بدويا على كونه نشاطا حضاريا، تحت مبرر نشر الثقافة وتبليغ التحضر فهو ضرب من الارتداد للنشاط الحضاري. ما يهمنا هنا، هو أن تلك الغزوات التي كان البدو الرحل يشنونها على المدنيات الآمنة، كانت تتسم بالسرعة والفورية على شكل غارات سريعة ومفاجئة، بينما أصبحت السرعة خاصية حضارية. سواء على مستوى تقنية الحرب أو على مستوى النشاط الاقتصادي (=التحويل والاتجار في العملات يعد عالميا بالدقائق والساعات في اليوم). إن الإقامة في المجال وهي الشرط الرئيس لنهوض الحضارات وتشكل المدنيات الكبرى، ظلت حاضرة بِأشكال مختلفة في الحضارة الحديثة. وقد لازمها مفهوم التمركز. كان ريكاردوا يرى ضرورة إقامة الرأسمال وحضوره في البلد وعدم انسياحه أو خروجه. لكن اتضح أن الرأسمالية في عز ذروتها مع النموذج الأنغلوساكسوني القاضي بتحرير كامل السوق، وفصل الاقتصاد عن السياسة الاجتماعية، أصبح يرى أن شرط الشروط لإنماء المال، هو توسيع مجال المبادلات وحركة الراسميل، ونهج سياسة الرأسمال المتنقل. إذ لم يعد الحضور محددا حقيقيا لنماء المال الممركز كما كانت عليه الحضارات السابقة. وهو الأمر نفسه وضحه المستشار الفرنسي السابق لميتران، جاك أتالي Jacques Attali، حينما رأى إلى الأنماط الحضارية للمستقبل باعتبارها تنحو منحى أنماط البداوة. فالإنسان الحديث هو إنسان بدوي منضبط ، "وسيصبح الإنسان الحديث شبيها ببدوي المهرجانات، يمكن أن يتلقى التعليم في أي مرحلة من مراحل عمره، عن طريق الشاشة الصغيرة التلفزيون والصور التي يعالجها بنفسه" ([9[).
إذا صار الترحال اليوم يشكل دينامية جديدة تسم التطور الأكبر للرأسمالية التي تعتبر الدينامية وربما الغاية الأهم للحضارة المعاصرة، فإن الحضارة لم تعد ترض لنفسها بتلك المقابلة التقليدية الخلدونية، بل إنها سوف تصبح "حضارة الترحال". ولما لا نقول، أنها صارت حالة تركيبية تناقضية أيضا؛ أي حضارة همجية أو حضارة بدوية أو متوحشة كما يصفها رواد مدرسة فرانكفورت.
ولكن أيا كان الأمر، فإن إنسان الحضارة المعاصرة، وتحديدا ابن المراكز الكبرى، سيكون شيئا هجينا. إنه بالأحرى تركيبة تناقضية تتقاطع عندها أكثر المفارقات القيمية. يقول جاك أتالي: "لقد تكلمت عن المناطق التي يعيش فيها البشر، وسأتحدث الآن عن الأشياء التي ستجعل الإنسان في هذه المناطق، بدويا رحالا. إن الإنسان الذي نعنيه بهذه السطور، هو المواطن المترف الذي يعيش داخل "المجالين المهيمنين" أي المناطق الأكثر ثروة من المناطق المجاورة لها. وأن الأشياء الجديدة ستقلب وتائر حياة هذا الإنسان رأسا على عقب وتغير علاقته الثقافية بالمعرفة، وبالأسرة وبالوطن وبالعامل بل وبنفسه على الحضور. إنها ستجعل منه إنسانا مختلفا، ليس كالإنسان البدائي العاري الذي عرفته المجتمعات الأولى في "النظام المقدس" عندما كان ينتقل بغير هدى [...] وليس بالبدوي الخطر المطرود من "نظام القوة"، ولكنه البدوي الرحال الغارق بالسلع والثروات والمتعطش دائما للمعرفة والأمن والرخاء [...] ! وإذا كنا سنعيش بعد الآن "كبدو رحل"، فإن الأشياء الجوهرية التي سنملكها سوف نفضل بأن تكون محمولة، سهلة الانتقال" ([10[).
إذن، ليست الحضارة اليوم مجرد حضور ثقافي لكيانات اجتماعية رخوة، ناعمة أو آمنة، ساكنة أو مترفة... بل هي كيانات قوية خشنة رحلية متقلبة الأحوال والفرص. كيانات عنيفة يتساكن فيها الترف مع الفقر وأقل منه إلى درجة المجاعة والقحط. إنها متاهة محاطة بموت الإنسان، متاهة برية محاطة بكل صنوف العدوان.
إن الالتباس الأول، أي كون الحضارة هي الثقافة، كإشكال أنتربولوجي أمريكي يوقعنا في العمومية. ويجعلنا نتنازع حول موضوع مرتفع رأسا.
أما الالتباس الثاني، كون الحضارة بمعنى الإقامة والحضور، إشكال يجعل معنى الحضارة مشتركا بين أنماطها النقيضة. الالتباس حول الحضارة، بكونها مقابل البداوة والترحال، يقوض البعد الدينامي للحضارة. باعتبارها كما قلنا، حالة مركبة وتناقضية فضلا عن أنها مقابلة وصفية تاريخية وليست مقابلة ماهوية حقيقية.
وإذن، السؤال المطروح، ما هي الحضارة ؟ ذلك في تقديري هو السؤال الشرطي للسؤال: أي حوار أو أي صراع بين الحضارات ؟
في كتابنا "المفارقة والمعانقة"، كنا قد نحتنا تصورا عاما عن الحضارة، أستطيع أن ألخصه في التعريف التالي : الحضارة هي نمط في العمران يقوم على مبدأ القوة. وأبرز سمات هذه القوة ومصادقها، قوة الصنائع. وهي قوة تستند إلى ديناميتها وتجددها وتعقدها. إن القوة هنا ليست بمعنى القوة العسكرية، بل القوة توجد في كل مظاهر الحياة الحضارية. طبعا لا يمكننا الحديث عن القوة كما لو أنها جوهر يمتلك.بل وكما يؤكد فوكو، هي فعالية وممارسة. إنها ديناميكية غير نافذة، أو بالأحرى هي علاقة تتمظهر من خلالها القوة، بتمظهرات ومصاديق مختلفة. وبهذا المعنى، نخرج بالمخطط التالي :
الحضارة بوصفها سيرورة قووية لا نهائية. وهي جملة دلالات محتملة تحددها فعالية الأنماط. إذ ليست الأنماط هي من يحدد الحضارة، بل الأنماط هي مظاهر لهذه السيرورة القووية. الأمر الذي يجعل للحضارة معنى نسبيا غامضا. إنها إن شئت قوة عمائية مفرطة في عمائيتها. لأن لا غاية لها سوى صنع القوة. ومن هنا، فإن التعريف الوصفي بالنمط هو تعريف قاصر ولحظي، لأن الأنماط هي مظاهر متقلبة ليست قارة. فإذا كان التوحش والقسوة والتدمير.. أنماطا بدوية؛ فإنها اليوم تشكل أنماطا حضارية.هذا في تصوري ليس تأملا يتيما لا يجد له سندا معرفيا يعززه. بل يمكننا الخروج بالنتائج نفسها من رؤيتين من التراث الإسلامي، غاية في الأهمية؛ كما سنوضح ذلك.
الحضارة من منظور الإسلام
لا ننكر كون العرب والمسلمين، اهتموا بالظاهرة الحضارية، لا سيما بعد مجيء الإسلام. لقد كف حينئذ العرب عن أن يكتفوا بحياة الترحال والانزواء، وعدم الدخول في تحدي مع الامبراطروريات المتمدنة التي استوطنت بعضا من ربوعهم في الجزيرة العربية. الأمر الذي جعل الحدث الإسلامي، حدثا حضاريا !لقد حصل شيء ما من الارتداد في هذا المنظور العربي والإسلامي للحضارة. فكان أن تناولها المؤرخون بشكل وصفي موغل في العمومية مما أخر تكون رؤية أو فلسفة إسلامية عن الحضارة، كتلك التي نقف عليها في عمق التصور القرآني للحضارات. لقد كان القصد بالنسبة للمؤرخين وهنا أستثني ابن خلدون أن يظهروا الحضارات كصيرورة لها نهايتها السيئة. إنها محاولات متكررة جاء الإسلام ليضع حدا لها، لأنها تمثل منتهى الشطط في ممارسة القوة. قد يكون المؤرخ الإسلامي معذورا في ذلك، لأنه كان يؤرخ داخل إمبراطورية ورثت كل مظاهر الحضارات الأخرى، وأصبحت الأمة الأعظم في العالم. ولكن مثل هذا الاستخفاف لم يعد يجدي نفعا، بعد أن تبين وكما أشار بن خلدون أن الحضارة أيا كان أمرها ولو في ديار العالم الإسلامي قد تشيخ وتموتن وأنه لا مانع من قيام الحضارة عند الأغيار. إذا كان التصور القرآني يتحدث عن اختلالات إنسانية قد لا تخفف عنها الحضارات، فإن حنقا ما أبداه المؤرخ العربي من الحضارات يتقصد عمرانها باستخفاف وتهوين، كما يزن مكتسباتها من الفنون وباقي الصناعات بميزان السخرية.
ولذا، فإن العالم العربي والإسلامي في تقديرنا لم يحصل إلا على رؤيتين فلسفيتين للحضارة.
وبطبيعة الحال، لم تكن الرؤية الثانية سوى نظرة تأملية في طول الرؤية الأولى، فالأولى تتصل بالنص القرآني، الذي وخلافا للكتب المقدسة السابقة لم يقف عند التفاصيل المملة للحضارات، إذ لم يكن يهدف إلى التأريخ ليومياتها، بل كان يقدم رؤية كلية وفلسفة عامة لفهم السيرورة الحضارية. أمام الرؤية الثانية، فيقدمها المؤرخ المغربي عبد الرحمان بن خلدون، الذي أساء فهمه إيف لاكوست في كثير من المواقف. والحال، أن ابن خلدون الاجتماعي كان قد قدم رؤية فلسفية عن نشوء الحضارات وسقوطها وطبيعتها، يمثل الشكل الأرقى لفلسفة الحضارة في عصره وبعده أيضا.
الحضارة من منظور قرآني تأويلي
نجد في النص القرآني مفهومنا عن "الحضارة" بالمعنى الذي نشتغل عليه الآن. فالمتأمل لمجمل النصوص القرآنية التي تناولت قصص الأقوام الغابرة التي كانت تمثل نسبة ما من التحضر ،سوف يجد القرآن يصفها بأوصاف عدة أهمها ال"قوة". فالحضارات هي صناعة القوة، والمتحضرون هم أمم قوية. فهي، أي الحضارة، كيان قوي ذو حضور راسخ في العمران وتمكن ضارب في الأرض. وما يلفت النظر ها هنا أن القرآن عادة ما يستعمل كلمة قرن وقرون أو قرية وقرى في حديثه عن هذه الكيانات الحاضرة التي أوتيت من كل أسبابا الرفه والتمكن والقوة. فهو يتحدث عن سمات القرون والقرى الحاضرة، بالأوصاف ذاتها كما يتحدث عن تمكنها أو هلاكها أو ظلمها سواء بسواء، وعلى نحو يوحي بالترادف. فالقرى تشير إلى المكان في حين القرون تشير إلى الزمان. وكأن الحضارة هي رسوخ في المكان ورسوخ في الزمان. والكيانات التي يتحدث عنها القرآن، هي تاريخيا كيانات حضارية ، مثل قوله تعالى :(وعاد وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا).(38 الفرقان).
لم يستخدم القرآن لفظ حضارة أو إحدى مشتقاتها إلا في مورد واحد ، واصفا القرية قائلا:
( واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر)(163 /الأعراف).
وغالبا ما يذكر البحر في القرآن مقرونا بالبر، كما في قوله تعالى :( ظهر الفساد في البر والبحر)(41/الروم).
-(أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر)(63/النمل)
-(ولقد كرمنا بني آدم وجلعناهم في البحر والبحر)(70/الاسراء)
-(ويعلم ما في البحر والبحر)(59/الأنعام)
-(قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر)(63/الأنعام)
الأمر الذي يسوغ قراءة الآية الأولى إكمالا على النحو التالي :( وأسأل عن القرية التي كانت حاضرة [البر "و"] البحر)([11[).
هذا الحضور سمته القوة والتمكن في الأرض، (ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض)(6/الأنعام).
وليس التمكين هنا إلا نتيجة للتمكن من السنن الكونية والارتقاء في الأسباب: (وإنا مكنا له في الأرض وأتيناه من كل شيء سببا) (الكهف).
هذه القوة تتشخص في الوفرة واتساع العمران والتكاثر: (كانوا أشد منكم قوة وأثاروا الأرض وعمروها..) (9/الروم).
-(وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا)(74/مريم).
-(أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشهد منه قوة وأكثر جمعا"(78/القصص).
-(وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها)(58/القصص)
إذا كان التمكن من السنن والارتقاء في الأسباب حاكيا عن رسوخ في التحضر، فإنه ليس ثمة أكثر ظهورا وأشد مناطا في الاجتماع الحضاري من التمكن الاقتصادي. فالتمكين في أظهر صوره هو اقتصادي. كما يظهر في قوله تعالى (وكذلك مكنا ليوسف في الأرض) (يوسف/الآية 26).
ولاشك أن تمكنه وتنفذه في سلطان العزيز بمصر موصول باستلامه السلطة المالية. بل ويتضح هذا المراد جليا قي قوله تعالى : (ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش)(الأعراف/الآية 10).
فكما أن لإنماء المال والثروة، الدور الأهم في هذا الرسوخ القووي في كل حضارة، فالقوة يلازمها فعل التجميع، كما في قوله : ( أشد منه قوة وأكثر جمعا)(78/القصص). وواحدة من أهم مصاديق الجمع، يعبر عنها القرآن : (الذي جمع مالا وعدده) (الهمزة/104).
لا غرو أن التمكن الاقتصادي واتساع رقعة المعاش يؤديان إلى الغنى. ومتى أصبحت الحضارة غنية، استغنت فطغت، (إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى). فكان من آثار هذا الطغيان فحشها وفسادها وخبثها وتحللها. وطبيعي أن للطغيان نهايته السيئة وشر مآب، (هذا وإن للطاغين شر مآب)(ص/آية 55).
إن علة سقوط الحضارات، هو ظلمها. ف(ما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها صالحون)(هود/آية 117).
بل يحدث ذلك بظلم القرى، (وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة) (الإنبياء/آية 11).
أو قوله تعالى : (فكأي من قرية أهلكناها وهي ظالمة)(الحاج /آية 48).
-وكذلك أخذ ربك إذ أخذ القرى وهي ظالمة)(هود/آية 102).
-(وتلك القرى أهلكانهم لما ظلموا) (الكهف/آية 59).
-(ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا)(يونس آية 13).
إذا حاولنا استبيان مصاديق هذا الظلم في أظهر مظاهر الحضارة، أي التمكن الاقتصادي، فسوف نلاحظ للظلم هنا فضلا عن كونه يتجلى بوضوح في سوء التوزيع أو سوء الاستغلال، فإنه يصرف في وجه آخر بمعنى "الكفر" ! وذلك لقوله تعالى : "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون". هذا مع قوله تعالى : "ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون". فالكفر هنا مساوق للظلم، بل وهو مصداقه الأعظم. الكفر كحجب وإخفاء. ولذا يأتي في القرآن في قبال الشكر، الذي هو بمعنى الإظهار : (ولئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد). فشكر النعم هو إظهارها. وكفرها هو إخفاؤها. فالحضارات الظالمة هي كافرة من حيث كفرها بالنعم وحجبها عن الطبقات السفلى من الناس، ممن قال عنهم علي بن أبي طالب: "الله الله في الطبقات السفلى من الناس". فهي من هذه الناحية كافرة بكفرها الطبقي، إذ الطبقات حاجبة لبعضها البعض، مغلقة على نفسها، وهي من ناحية أخرى كافرة، لكفرها بالنعم المسخرة وتوقفها عن الإنماء المستدام وسوء الاستثمار وسوء التوزيع.
إن التهميش كفر، من حيث هو إخفاء لطبقات اجتماعية مسحوقة، فهو حجب أوكفر طبقي. وبينما كان من المفترض أن تكون القرى والحضارات مباركة وعامرة ومكينة حينما تكون شاكرة للنعم شاكرة لها وظاهرة في شرائحها دونما كفر أو حجاب طبقيين، حيث ما كانت شاكرة : (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها)(القصص/59). أو تكون عامرة غنية؛ (وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا)(البقرة/58)؛ ترتد الحضارات، لتصبح بظلمها وكفرها أو حجبها الطبقي، (كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها)(البقرة/259).
لكن، ما هي أسبابا هذا الخواء وما هي سيماته و مصاديقه ؟
قلنا أن الظلم يصرف بمعنى الكفر لقوله تعالى :
-(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون)(45/المائدة).
-(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)(44/المائدة).
أو كما في وصية لقمان لابنه : (يا بني لا تشرك بالله، إن الشرك لظلم عظيم). (13/لقمان).
الأمر الذي يؤكد على أن فساد العمران وعلة فظاعته في استفحال معاشه وبطر معيشته. فتكون من سماته الأبرز ، قيام مجرميها ومترفيها وتمكنهم من مصير الحضارة : (وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها)(الأنعام)123.
وليس مجرموها إلا مترفوها الذين يمكرون لاحتكار فرص الإنتاج و المعاش العام وتكريس مظاهر الفساد: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها)(الإسراء/16). أي فكفروا فيها وحجبوا النعم على الخلائق بالاحتكار وعدم الاستثمار وظلموا فيها بسوء التوزيع. فإذا كانت كذلك، فهي إذن حضارة تعمل الخبائث: (ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث)(الأنبياء/74).
وحق على القرون، الخبيثة أن يكون مآلها مآل الشجرة الخبيثة؛ (جتث من فوق الأرض ما لها من قرار).
فما هو خبيث كالشجرة التي لم يعد لها قرار. وهو بخلاف الحضور والرسوخ والتمكين في الأرض. فتكف إذن عن الحضور، فلا تكون قرية حاضرة. فالحضارات لا تموت إلا بعد أن تصبح ظالمة وخاوية على عروشها: (كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها)(البقرة/259).
فالظلم يؤدي إلى الخواء والفراغ: (فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا) (النمل/529. والإنسان فيها فاقد لإنسانيته، والقوم قلوبهم هواء، فهم صرعى (كأنهم أعجاز نخل خاوية)(الحاقة/69). وهو خواء يعكس بؤس المحتوى الروحي والعقلي والمادي. ويتمظهر في الارتداد إلى واقع التخلف والتصارع، فإذا بالقرى تتحول من حضارات عامرة إلى قاع صفصف، عودة إلى الهشاشة، واجتثاث الجذور ونهاية التمكن من السنن الكونية والأسباب والتمكين في الأرض. وتلك هي النهاية السيئة للحضارات، وذلك هو شر مآب !
لكن القرآن لا يتحدث عن نهاية الحضارة مطلقا. بل نهاية حضارة قوم لصالح حضارات أخرى. الأمر الذي يؤكد على مبدأ التناوب على الحضارات :
(وأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين)(الأنعام/6).
(وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قرنا آخرين)(11/الأنبياء).
وعليه، ففي مسألة الحوار يتحدث القرآن عن تعارف بين الشعوب والقبائل وليس بين الحضارات. أي بين الكيانات البشرية المختلفة. ويتفرع استشكالنا على مسألة التعارف على سؤالين :
أولا : ما هو حد التعارف وما هي شروطه وسماته ؟
ثانيا : هل التعارف بين الشعوب والقبائل يجري على مفهوم الحضارات، فيقال مثلا تعارف حضارات ؟
لم يتحدث القرآن عن تعارف بين القرون أو القرى التي هي التعبير القرآني الأوضح عن الحضارات كما أسلفنا. وإنما تحدث عن تعارف شعوب وقبائل بما يوحي به نمط الاجتماع العربي عصرئذ. فإذن هو تعارف بين كيانات اجتماعية داخل حقل سوسيو ثقافي واحد. ذلك لن التعارف بمعنييه: المعرفة والمعروف، مقدمة لإزالة أسبابا التغالب والتصارع بين هذه الكيانات، كما تحيل عليه الآية : (ذلك أدنى أن يعرفن، فلا يؤذين)(59/الأحزاب).
فالمعروف والمعرفة تنزع أسبابا الأذى والعنف بين الكيانات. إلا أن الحديث الآن، هل ذلك ينطبق على الحضارات ؟ والحال، أن الحضارات ليست في حاجة لكي تتعارف. فبما أنها قوة الصناعة وصناعة القوة، فهي محل جذب طبيعي وإغواء للجميع. فالقوة ليس في حاجة لا للتعارف ولا هي بطبعها ميالة للمعروف. إنما يفترض في الآخر أن يعرف نفسه للحضارة باكتسابه قوة الحضور. فالحضارة بطبعها طاردة للضعفاء. والقرآن يتحدث عن القرى (=ودائما بمعنى الكيان الحضاري) التي "أخرجتك" كمستضعف أو ناشز عن قانونها وخطابها . لكن الصراع هو باكتساب الشوكة والعمل على إعداد القوة للدخول إلى القرية مجددا برسم الشراكة بعد تحصيل التمكن والقوة. فالحضارة بوصفها دورة ورسوخا في القوة والصنائع لا تحاور إلا من دخل دورتها وأجاد لغتها وملك تمكنها ورسوخها في الأرض.
فالقرى أو القرون الحاضرة لا تحاور إلا من له رسوخ في الأرض ورسوخ في الزمان. ولذا تحدث عن القرون والقرى بوصفها حضارات مكينة في الأرض، بمنطق الصراع والتنافس والإعداد والإهلاك ..وتحدث عن التعارف بين كيانات ثقافية واجتماعية ليس بالضرورة هي حضارية. فالحوار هو مقدمة لكل تعارف أو معروف. وهذا لا يتم بين الحضارات ومحيطها، بل هو تعارف بين الثقافات.
هذه الرؤية التأويلية للنص القرآني تضعنا بلا شك أمام تصور واقعي للحضارة كقوة وصيرورة ومناوبة. كما تضعنا أمام تصور واضح للنهايات وطبيعة الصدام الذي ينشأ من استفحال وضع الحضارة في الداخل، باتساع رقعة الظلم. فالنهايات السيئة للحضارة الإنسانية الظالمة حتمية لا تضع سقفا للحضارة، بل تفح أمامها أفقا آخر، وتسلك بها مسلك التناوب بين الحضارات المختلفة والقرون المتفاوتة وإعادة إنشائها على أسس جديدة، إنشاء، بكرا ؛ "إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا"(35/الواقعة) من أجل استئناف مسار الرسوخ في الأرض والتعمير. إنها الرؤية ذاتها التي نجدها تتكرر في المتن الخلدوني وتأمله للحضارة.
أنقر هنا لتتمة المقال http://www.hespress.com/?browser=view&EgyxpID=18579


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.