نظمت مؤسسة دار الحديث الحسنية يومي 26 و27 أكتوبر المنصرم ندوة دولية حول موضوع «مجالات تطبيق الشورى والاستشارة في التجربة المعاصرة» شارك فيها عدد من الباحثين المغاربة والعرب، وتطرقت إلى قضية العلاقة بين الشورى والديمقراطية، التي كانت لعقود موضوع جفاء وصراع داخل الفكر الإسلامي، ومسألة التطبيقات المعاصرة لمبدأ الشورى الإسلامي في عدد من المجالات. وقالت الورقة التقديمية للندوة إن سلطة تنظيم المجتمع وتداولها من المشكلات العويصة في العالم الإسلامي اليوم، بسبب الغموض الذي يكتنف الجهة أو الجهات ذات الصلاحية وإجراءات الممارسة ووسائلها. وأبرزت الورقة أن مبدأ الشورى لم يطبق بشكل كامل في التاريخ الإسلامي كما لم يتم وضع ضوابط ملزمة لعضوية هيئة الاستشارة أو الشورى ولاختصاصاتها، مضيفة أن طبيعة المجتمع السياسي قديما ساعدت السابقين «على مواصلة الحياة رغم عيوب التنظير لمبدأ الشورى وغياب التطبيق»، وهو ما لم يعد ممكنا في المجتمع السياسي المعاصر الذي يتميز بقيام الدولة على مؤسسات بدل الأشخاص، وبنظام دستوري يوزع اختصاصات التقرير والتسيير بين هذه المؤسسة بتوازن بين الاستقلال وتبادل الرقابة، مع الشفافية في الإنجاز، والتداول أو توقيت الممارسة، وتنظيم عمل هذه المؤسسات وسلوك الأفراد والحقوق والواجبات بنصوص تفصيلية مكتوبة ومعلنة، تتابع كل مؤسسة في حدود اختصاصها يوميا وإضافة أحكام ما يستجد من وقائع وعلاقات، وتعديل ما تتجاوزه الحياة في تطورها المستمر. الدكتور أحمد الخمليشي، مدير دار الحديث الحسنية، استهل الندوة بالتعليق على موقف مؤسسة الأزهر الأخير بشأن الشورى والديمقراطية ونبذ الاستبداد، في وثيقته الشهيرة، حيث تلا فقرات من هذه الوثيقة واعتبرها نقلة بعيدة في الموقف من هذه القضايا كما اعتبرها أيضا انعطافة نوعية في الدراسات الشرعية. وأكد الدكتور محمد فوزي المهاجر، أستاذ العقيدة والأديان المقارنة بجامعة الزيتونة في تونس، في مداخلته التي جاءت تحت عنوان «مجالات تطبيق مبدأ الشورى القرآني: الثابت والمتحول»، على صعوبة أو استحالة الربط بين الديمقراطية ونظام الشورى الإسلامي، متسائلا «كيف يمكن التوفيق بين الدساتير الوضعية التي تتنازع الأحزاب وتجتهد العقول من أجل وضعها وبين النص الإلهي الأزلي الذي يفترض أن يتحول قسم مهم من أحكامه إلى دستور أو قانون سياسي ينظم المجتمع؟»، وتساءل: «كيف يضع الله دستورا إسلاميا والناس مختلفون»، وهو ما عقب عليه الدكتور محمد الصغير، حيث صنف اجتهادات المهاجر في خانة الهموم العلمانية المحضة، واصفا إياها بالاستشهاد غير السليم. وأوضح الدكتور خالد بن عبد الله المزيني، عضو هيئة التدريس في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالمملكة العربية السعودية، أن الشورى ضمانة من أهم ضمانات الحكم الرشيد، وأنه إذا كانت الشريعة الإسلامية جاءت بالإطار العام للحكم، ولم تفصل في كيفية بناء مؤسسات الحكم «فإن واجب الوقت بالنسبة إلى فقهاء الشريعة والمؤمنين من علماء القانون والاجتماع الانشغال ببناء النموذج الإسلامي للحكم الرشيد، وتصميم الضمانات الكفيلة بإقامة العدل في الأرض»، وفسر مجالات عمل مؤسسة الشورى بأنها تقوم بصيغتها الحديثة بإبداء الرأي في السياسات العامة للدولة، ومناقشة الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وإبداء الرأي فيها، واقتراح مشاريع الأنظمة والقوانين واللوائح ومراجعتها، وكذا القرارات الكبرى في الدولة، ومشروع المعاهدات والاتفاقيات الدولية والامتيازات واقتراح ما يراه بشأنها، مشيرا إلى أن مجال عمل مؤسسة الشورى يشمل أيضا دراسة التقارير السنوية التي تقدمها الوزارات والأجهزة الحكومية الأخرى. وتحدث الدكتور عز الدين معميش، أستاذ بكلية العلوم الإسلامية في جامعة الجزائر، عن خصوصية المفاهيم الإسلامية في العصر الحديث، وأوضح أن العصر الحديث المحكوم بالرؤية الغربية، والتي تحولت إلى رؤية كونية في مسائل الديمقراطية وحرية إبداء الرأي والمعارضة، جعل الطروحات والمقاربات السابقة للكثير من المفاهيم والمصطلحات في المجال الإسلامي غير فعالة وغير واقعية، وأعرب عن أسفه لتغييب المنظومة الفكرية الإصلاحية في المواضيع السياسية الراهنة، كموضوع الحرية وحدودها، والشورى والاستشارة، والمشاركة السياسية، لأن العمق الفكري والقانوني فيها «كفيل بتدوين أرقى الدساتير الضامنة دوما للحرية في وطننا الإسلامي الكبير». أما الباحث المغربي الدكتور عبد السلام بلاجي فقد تحدث عن أهمية الشورى وضرورة تفعيلها، مؤكدا أن «تبنينا للمنحى العلمي لمفهوم الشورى الملزمة - على مستوى السلطة والمجتمع - يفضي إلى الحديث عن مدى تطبيقها في مجال الحياة الراهنة العامة للمسلمين، ويفضي بالضرورة إلى التساؤل حول مدى ملاءمة بعض المفاهيم الديمقراطية والآليات السياسية المعاصرة للشورى»، موضحا أنه ليس من الضروري أن تتوافق مفاهيم وممارسات الأمم لكي يحكم بعضهم على مفاهيم الآخر بالإيجابية، وأضاف أن التجربة الإنسانية أثبتت أن التنوع والتعدد في الأفكار والمسارات أجل وأنفع للإنسانية وأكثر إغناء وإثراء إذا رافقه التعاون والتسامح، وهي المبادئ الذي يرسخها الإسلام. وأرسل العلامة الدكتور عبد الله بن بية، نائب رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، مداخلة صوتية قال فيها إن أهمية مبدأ الشورى تكمن في البحث عن عيوب الديمقراطية لتداركها من خلال آلية الشورى، وقال إن ثمانية فلاسفة غربيين ممن كتبوا عن الديمقراطية أجمعوا كلهم على أنها «مجرد وضع الأوراق في صناديق الاقتراع»، كما أن المفكر جون لوك قال إن الديمقراطية لم تحقق الرضا للناس حيث وجد الناخب نفسه في هذا الإطار غير مخير وإنما هو مسير بنظام القاعدة، مختتما مداخلته بالدعوة إلى تحديث الديمقراطية من خلال تفعيل الشورى، ليحصل التكامل في جلب المصالح للمجتمعات ودفع المهالك عن الشعوب.