ورقة تقديمية من المشكلات العويصة التي تجابه العالم الإسلامي اليوم ممارسة سلطة تنظيم المجتمع وتداولها، حيث يكتنف الغموض والاضطراب الجهة أو الجهات ذات الصلاحية، وإجراءات الممارسة ووسائلها. كتب الكثير قديما وحديثا عن الشورى بمفهوم الاستشارة وإبداء الرأي. وتعرض الكثير ل "المستشير" في الشؤون العامة فحصروه أو كادوا في "ولي الأمر" و"القاضي" مكتفين في ذلك بأسلوب النصح والإرشاد والوعظ دون بيان مجال الاستشارة وتدقيقه، ومن غير تأسيس للإجراءات الملزمة بالتنفيذ. كما تعرضوا ل "المستشار" الذي حددوه أحيانا بأوصاف شخصية كالعدالة والنفوذ في العشيرة أو القبيلة... وأحيانا بالوصف الطائفي: كالعلماء، وأهل الرأي، وأهل الحل والعقد، وكبار التجار، ورؤساء العشائر... وهو تحديد غير قابل للتدقيق والتطبيق لأن الأوصاف غير منضبطة العناصر، ولا جهة تملك صلاحية الضبط والإلزام به. وإذا كان لا ينكر أحد حدوث حالات جرت فيها الاستشارة أو فصل فيها بالشورى، فإن ذلك تم في كل حالة بشكل مختلف عن الحالات الأخرى ولم يتحقق في يوم ما فيما نعلم وضع ضوابط ملزمة لعضوية هيئة الاستشارة أو الشورى ولاختصاصها، وتشكلت الهيئة تنفيذا لتلك الضوابط ومارست الاختصاص المسند إليها بانتظام. طبيعة المجتمع السياسي قديما ساعدت السابقين على مواصلة الحياة رغم عيوب التنظير لمبدأ الشورى وغياب التطبيق. وهو ما لم يعد ممكنا في المجتمع السياسي الذي نعيش فيه والمتميز ب: - قيام الدولة على مؤسسات بدل الأشخاص. - نظام دستوري يوزع اختصاصات التقرير والتسيير بين هذه المؤسسة بتوازن بين الاستقلال وتبادل الرقابة، مع الشفافية في الإنجاز، والتداول أو توقيت الممارسة. - تنظيم عمل هذه المؤسسات وسلوك الأفراد والحقوق والواجبات بنصوص تفصيلية مكتوبة ومعلنة، تتابع كل مؤسسة في حدود اختصاصها يوميا إضافة أحكام ما يستجد من وقائع وعلاقات، وتعديل ما تتجاوزه الحياة في تطورها المستمر. وضمن المؤسسات السالفة الذكر توجد في كل الدول الإسلامية تقريبا مؤسسة / مجلس الشورى أو مجلس المستشارين أغلبها لها صلاحية التقرير، وقليل منها يقتصر دوره على الاقتراح والرأي الاستشاري. ولكن هذه المجالس مقطوعة الصلة بمفهوم الشورى الذي أمر به القرآن، ولذلك يصنف كل ما تقرره من أحكام في خانة "القانون الوضعي" الأجنبي عن الشريعة أو المناقض لها. وغير خاف ما تعيشه المجتمعات الإسلامية نتيجة شعورها بالانفصام بين العقيدة والسلوك، وبين التنظير والممارسة. كل هذا يدعو إلى تناول موضوع الشورى بتحليل يتجاوز ما كتب فيه لعدة قرون ويجيب عن الأسئلة الأساسية التالية: السؤال الأول: هل الشورى هي الاستشارة وإبداء الرأي والنصيحة؟ إذا كانت كذلك فمن تكون بيده صلاحية التقرير ويلزم فقط بالاستشارة؟ ومن يُستشار؟ وكيف يتحدد؟ ما هي مَحالّ الاستشارة؟ وما هي وسائل التنظيم والتطبيق العملي لهذه الاستشارة في مختلف مجالات الحياة؟. وهل الاجتهاد طبقا لأصول الفقه يخضع لهذه الاستشارة أم لا؟ ولماذا؟ السؤال الثاني: هل الشورى هي تبادل الرأي والمشاركة في التقرير؟ الشورى بهذا المعنى قد تمارسه الأمة / المجتمع بكل أفراده كما في الاستفتاء على الدستور، لكن في مجالات القوانين العادية والنصوص التنظيمية، يتعذر جمع كل الأفراد لتبادل الرأي والتقرير، وقد اهتدت المجتمعات البشرية إلى نظام "المؤسسة" التي يعبر المجتمع على رأيه من خلالها. سماها الأقدمون بأهل الحل والعقد، ونجد اليوم في المجتمعات الإسلامية مؤسسات عديدة من بينها: مجلس الشورى، أو مجلس المستشارين. بصرف النظر عن الاسم حيث لا مشاحاة في الاصطلاح: ما هي عناصر المؤسسة أو المؤسسات التي تصلح لممارسة الشورى والتقرير الجماعي عن طريقها؟ هل يكفي إدخال إصلاحات موضوعية وشكلية على المؤسسات الموجودة اليوم في العالم الاسلامي؟ وما هي هذه الإصلاحات؟ أم هنالك تصور مغاير جوهرا وشكلا للمؤسسة أو المؤسسات المؤهلة لممارسة الشورى والتقرير؟ والشورى وردت عامة في شئون المسلمين "وأمرهم" فهل هي على عمومها؟ أم خاصة بمجالات محددة؟ وكيف يتم تعيين هذه المجالات؟ السؤال الثالث: كيف ينبغي تطبيق الشورى في التجربة المعاصرة؟ هذا الواقع الذي يتشكل من: - تراث فقهي ضخم في المعاملات تضفى عليه صفة الإلزام في التطبيق. - قواعد الاجتهاد في أصول الفقه التي تدرس في مئات المؤسسات التعليمية. - آلاف الفتاوى الفردية والجماعية التي تنشر بمختلف وسائل النشر المتاحة. - اتساع المرافق والمجالات المطلوب تنظيمها، وتعدد التخصصات المعرفية التي تتناولها. - وجود مؤسسات تتابع باستمرار مستجدات هذه المرافق والمجالات وتصدر ما تحتاج إليه من أحكام تنظيمية، تسهر الجهات المختصة على التنفيذ والتطبيق. المرغوب فيه تعويض هذا الوضع المتشرذم بوضع يتسم بالتوافق على مفهوم للشورى، وعلى إجراءات تطبيقه في تنظيم المجتمع وعلاقات أفراده. فكيف يمكن تحقيق ذلك؟ المصدر: موقع مؤسسة دار الحديث الحسنية http://www.edhh.net