يأتي هذا الكتاب كتكملة للسلسلة الشهيرة «وضع العالم»l'état du Monde، التي توفر قاعدة نادرة واستثنائية للمعلومات، هي حصيلة ثلاثين سنة من التوثيق تشمل 8000 مقال، و10000 رابط إلكتروني. كما أن بيرتراند باديي ودومينيك فيدال، المشرفين على هذه النسخة، يتميزان بمرجعية فكرية وجامعية لا غبار عليها. وبيرتراند باديي هو بروفسور جامعي بمعهد الدراسات السياسية لباريس، أصدر عدة أبحاث ودراسات في موضوع العلاقات الدولية، ويعمل مستشارا لهذه السلسلة منذ 20 عاما. أما دومينيك فيدال فهو صحافي ومؤرخ، معروف بتحقيقاته ومقالاته النيرة عن فلسطين في شهرية «لوموند ديبلوماتيك»، التي عمل رئيس تحرير لها. له عدة مؤلفات عن الشرق الأوسط، كما أنه خبير في القضايا الدولية. بعد عقدين من الهيمنة الأمريكية، حيث خرجت أقوى دولة في العالم منتصرة في الحرب الباردة على إثر اندحار المعسكر السوفياتي، تابع التاريخ مجراه. تضافرت الأزمة الاقتصادية مع انبثاق الدول الصاعدة وإخفاقات الولاياتالمتحدة في العراق وأفغانستان، لتغير من علاقات وموازين القوى في العالم. ضمن هذا المستجد يساهم فاعلون جدد –كما يبرهن على ذلك ربيع الثورات العربية- وعلى رأسهم الشباب، الذي خرج من رحم هذه المجتمعات ومجتمعات أخرى، لزحزحة النظام القائم. هل أفلت زمام الأمور من أيدي القوى العظمى؟ هل المبادرة اليوم بأيدي المنسيين، المستضعفين ومن كانوا منبوذين بالأمس؟ للوقوف على هذا التحول مع النظر في التوازنات الجديدة، يحلل هذا الكتاب، وبأقلام أحسن الخبراء، الثورات، الصراعات، المواجهات الاقتصادية ومحاولات إعادة بناء الهوية. كما يرصد التحولات الكبرى السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الدبلوماسية وأيضا التكنولوجية أو البيئية من خلال 30 دراسة تمكن القارئ من أخذ صورة مكتملة عن وضع يبدو ظاهريا مشتت الأطراف. لذا يعتبر هذا البحث الجماعي أداة بيداغوجية يمكن وضعها بين يدي أي قارئ، ويوفر في نفس الوقت مقاربة منهجية ونظرية للتحولات الكبرى التي ستحكم العام القادم. يبقى هذا المؤلف الجماعي»رواية حقيقية لأخبار العالم». أما الموقع الالكتروني المرافق والمكمل للكتاب فيلعب دور بنك حقيقيي يزخر بالمعلومات والمعطيات الإحصائية. مسلسل القطائع المحور الرئيسي إذن لنسخة 2012 هو تركيزها على انبثاق فاعلين جدد في المحفل الدولي، أدخلوا قطائع حقيقية داخل «العالم القديم» وأساليب توازناته التقليدية. انبثق هؤلاء الفاعلون الجدد مع «ثورات الربيع العربي»، في مجرى ظاهرة ال«ويكيليكس» وظاهرة الاستقلالية الدبلوماسية للدول الناهضة. أما المؤسسات الضامنة للوضع القائم، مثل صندوق النقد الدولي، البنك العالمي، أو الصناعة النووية، فهي تقاوم قدر المستطاع لإعادة تأكيد شرعية فقدت مصداقيتها. أما العدالة الدولية والمنظمات غير الحكومية فهي تسعى للحفاظ على هذه المصداقية في المحفل الدولي. ثمة دراسات أخرى تناولت بالتحليل التوترات الاستراتيجية والدبلوماسية لمنطقة الشرق الأوسط وللتسلل الثقافي التركي في منطقة القوقاز، فيما انصب اهتمام البعض الآخر على بؤر التوتر الدائم في «البحر الأصفر» أو في دويلات الاتجار بالمخدرات داخل المكسيك أو بجمهورية الكونغو الديمقراطية. يأتي هذا الكتاب كتكملة للسلسلة الشهيرة «وضع العالم»l'état du Monde، التي توفر قاعدة نادرة واستثنائية للمعلومات، هي حصيلة ثلاثين سنة من التوثيق تشمل 8000 مقال، و10000 رابط إلكتروني. كما أن بيرتراند باديي ودومينيك فيدال، المشرفين على هذه النسخة، يتميزان بمرجعية فكرية وجامعية لا غبار عليها. وبيرتراند باديي هو بروفسور جامعي بمعهد الدراسات السياسية لباريس، أصدر عدة أبحاث ودراسات في موضوع العلاقات الدولية، ويعمل مستشارا لهذه السلسلة منذ 20 عاما. أما دومينيك فيدال فهو صحافي ومؤرخ، معروف بتحقيقاته ومقالاته النيرة عن فلسطين في شهرية «لوموند ديبلوماتيك»، التي عمل رئيس تحرير لها. له عدة مؤلفات عن الشرق الأوسط، كما أنه خبير في القضايا الدولية. «ثورة ويكيليكس» وانبثاق الإسلام السياسي كمكون من مكونات الحقل السياسي من بين المحاور الكفيلة بدمغ العلاقات الدولية سنوات. يرى فرانك بوتيفيل، أستاذ العلوم السياسية بغرونوبل، بأن «ويكيليكس» أدخل «تشويشا» (بالمعنى الإيجابي)، من نوع جديد، في العلاقات والمعاملات الدبلوماسية الدولية. في نهاية 2010 اكتشف العالم عبر الصحافة العالمية محتوى ما يقرب من 250000 برقية دبلوماسية أمريكية. اكتشف فحوى المراسلات، التي تمت بين كتابة الدولة بواشنطن و274 سفارة، قنصلية وبعثة ديبلوماسية، في الفترة الواقعة بين 2004 ومارس 2010. أول سابقة وقعت من هذا القبيل تعود إلى عام 1971 لما نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» 7000 وثيقة صدرت عن البانتغون في موضوع حرب الفيتنام. لكن التسريب الذي قام به موقع «ويكيليكس» يبقى بمدى ومستوى آخر، فالتسريبات التي نسبت إلى برادلي مينينغ، وهو جندي أمريكي شاب عمل بوحدة للاستعلامات بالعراق، والذي أودع السجن بسببها، كانت تمرر عبر موقع «ويكيليكس». وفي خريف 2010، ناقش «ويكيليكس» في سرية تامة مع خمس جرائد عالمية (نيويورك تايمز، لوموند، غارديان، باييس، دير شبيغل) نقل هذه الوثائق. هكذا جندت هذه الصحف ما يقرب من 120 صحافيا عملوا لمدة عدة أسابيع بغاية تحليل وتفكيك هذه البرقيات لاستخلاص أهم الحقائق، مع الحرص على عدم ذكر الأشخاص الواردة أسماؤهم أو تقديم معطيات عنهم كي لا يكونوا عرضة للخطر. لما شاعت القضية عند نهاية 2010 كانت المرة الثانية التي تنفجر فيها فضيحة من هذا القبيل بعد تسريبات الوثائق عن فيتنام ونقل وتسريب وثائق للجيش الأمريكي تتعلق بحرب أفغانستان واحتلال العراق. لم يكتف الموقع باتهام أطراف أمريكية ضالعة في قضايا مشبوهة، بل فضح أيضا رؤساء دول إفريقية، رجالات أبناك سويسريين، رؤساء طوائف أمريكيين، موظفين صينيين، رجال أعمال من أمريكا اللاتينية أو مسيري مختبرات صيدلية أوروبية. ويركز الباحث هنا على فضائح 2010 المتعلقة بالدبلوماسية الأمريكية. فالدور الذي قام به موقع «ويكيليكس» برهان على تسارع شمولية العالم، بمعنى «انتشار العلاقات التي تتشكل في الفضاء العالمي مع تجاوزها الإطار الوطني وانفلاتها المؤقت من وساطة الدول» على حد عبارة بيرتراند باديي. موقع «ويكيليكس» يجسد أيضا نماء الأنشطة النضالية التضامنية من الصنف العالمي. كما يقدم جوليان أسانج ويكيليكس كمنظمة ذات أهداف غير مربحة، منظمة تعمل من أجل الشفافية وحقوق الإنسان في الدول التي تعتدي على الحريات وفي الحالات التي تسعى فيها الحكومات إلى الحفاظ على الأسرار لأسباب تتعلق بأمن الدولة. يترجم موقع «ويكيليكس» «تسلل» فاعلين جدد إلى حقل الديبلوماسية. هؤلاء الفاعلون هم مواطنون متجندون في منظمات غير حكومية وفي شبكات دولية من كل الأصناف. يمثل جوليان أسانج هذا النمط من الناشطين الذين أصبحوا يعرفون باسم Skillful individu . علاقة جديدة بين المواطن والديبلوماسية ويمثل «ويكيليكس» من دون شك «اضطرابا» في تاريخ الدبلوماسية، التي كانت دائما محكومة بجدلية الشفافية وحفظ الأسرار. كان من بين آثار التسريبات انكشاف الوجوه الحقيقية لبعض رؤساء الدول، فقد عززت بعض البرقيات الصور المكرسة والرائجة عن هذا الرئيس أو ذاك. الكل يعرف، على سبيل المثال، أمريكانية ساركوزي، وهو لا يزال وزيرا للداخلية. إذ لم تكن البرقية التي أرسلها السفير الأمريكي في باريس، والتي وصف فيها بأنه «الرئيس الفرنسي الأكثر تقربا من الأمريكان منذ الحرب الكونية الثانية» ذات إضافة. كما أن برقيات «ويكيليكس» ألقت المزيد من الضوء على السياسة الخارجية الموالية للأطروحات الأمريكية التي هندسها ساركوزي. وهو وزير للداخلية كان ساركوزي يقوم بزيارات منتظمة إلى السفارة الأمريكية في باريس، كما كان السفير الأمريكي أول من علم بطرح ساركوزي ترشيحه للانتخابات الرئاسية 16 شهرا قبل أن يخبر الفرنسيين بهذا القرار. كما أنه عارض السياسة الخارجية، التي اتبعها جاك شيراك ودومينيك دوفيلبان في حرب العراق. على أي، طرحت البرقيات التي سربها موقع «ويكيليكس» علاقة جديدة بين المواطن والدبلوماسية، الشيء الذي أدى إلى خلق أساليب جديدة للمراقبة مع ملاحظة أن هذه التسريبات لم تخلف خسارات جانبية في أوساط الأشخاص المورطين فيها. باستثناء استقالة كارلوس باسكوال، سفير الولاياتالمتحدةبالمكسيك، فإن هذه التسريبات لم تقلق راحة أحد. لكن في حالة اختفاء هذه الشبكة، فإن شبكات بديلة ستخلفها لا محالة. يمكننا الرهان على أن كونية أو شمولية العالم أثرت تأثيرا بالغا على جدلية الشفافية والسر في ممارسات الدبلوماسية الدولية. الرهانات المستقبلية للإسلام السياسي المحور الثاني الذي يستحق وقفة متأنية، نظرا لراهنيته في المشهد الدولي راهنا ومستقبلا، هو ما يعرف بالإسلام السياسي. فكل المعطيات والوقائع تؤكد أنه مرشح ليشغل الصدارة من جديد، بعد أن هيمن على حقبة الثمانينيات والتسعينيات، بعد الهجمات الانتحارية للحادي عشر من سبتمبر. وإلى غاية انتفاضات الربيع العربي، كان النقاش في الموضوع يكاد يكون شبه باهت، إلا على خلفية تصفية الشيخ بن لادن والعمليات التي تقوم بها منظمة القاعدة في بلاد المغرب العربي، التي تنعش حركية التناظر في الموضوع. اليوم، وعلى خلفية سن الشريعة كقانون وقاعدة للحكم في ليبيا وفوز حركة النهضة، تغيرت الموازين، ومن غير المستبعد أن يطفو الموضوع من جديد على بساط البحث. في مقال بعنوان تشريح الربيع العربي، خصص العالم السياسي، جان-ماري كليري، حيزا من بحثه لمناقشة موقع الإسلام السياسي ضمن المنظومة الانتخابية الجديدة. إذ يشير إلى أن المطرقة الإعلامية، التي مورست على التيارات الإسلامية أطالت عمر الأنظمة الاستبدادية، والتي قدمها الغرب كشر محتمل. ولمدة عدة عقود، لم يقف الغرب عند آثار الخسائر التي تسببت فيها الديكتاتوريات الاستبدادية. كما أن الحكومات العربية المستبدة «باعت» لمدة عقود للأنظمة الغربية الحركات الإسلامية على أنها طوفان جارف قد يعصف بمصالحها. وقد تبنت الدول الغربية هذا الطرح ورفعته بدورها كشعار لمقاومة «عدو خطير». الإسلاميون داخل الصورة مع الربيع العربي سارعت هذه الدول إلى التصغير من دور الحركات الإسلامية في ديناميات الثورة، بل ذهبت بعض الدول إلى حد الإعلان عن اندحار الإسلاميين واختفائهم من المشهد. لكن ابتداء من خريف 2011 عاينا حقيقة، بل حقائق أخرى. داخل الحركات الإسلامية، وخلافا للإخوان المسلمين، بقي السلفيون على هامش الانتفاضات. من مصر إلى تونس، كان الإسلاميون مرشحين ليلعبوا دور المكون الرئيسي داخل المشهد السياسي لهذه المنطقة. هذا لا يعني بالضرورة انكماش وتقلص الفضاء الديمقراطي. إذ في الدول التي اتجهت إلى الخروج من النزعات الاستبدادية، لم تعرف تبعات الربيع العربي. هذه الدول مثل لبنان، العراق، فلسطين وتركيا ليست ضمن الدول التي رجحت الخيار القمعي «ضد الأصوليين»، بل على العكس تم إدماج هذه الأحزاب والفصائل داخل آليات الحكم، فلا الرؤية الإعلامية ولا الإستراتيجية السياسية المهيمنة أخذت بعين الاعتبار هذا الواقع الرئيسي، لا قبل ولا بعد انتحار محمد البوعزيزي.
هل ثورات الربيع العربي نهاية للجهادية؟ ثمة أطروحة مفادها أن الربيع العربي صفى سياسيا الشيخ أسامة بن لادن قبل أن تصفيه جسديا وحدة كوماندو أمريكية في الثاني من ماي 2011. وبذلك تكون هذه الثورات قد كرست الفشل الاستراتيجي لمنظمة القاعدة. ليست هذه القراءة الوحيدة الممكنة. ذلك أنه لا مانع من اعتبار، وعلى العكس من ذلك، بأن الانفجار الشعبي ضد الديكتاتوريات العربية، التي كان أسامة بن لادن أول من ندد بها، يعطيه مصداقية في التحليل. كرست الثورات العربية الخيار السلمي، لكن في حالة بعض الأنظمة التي بقيت متشبثة بالحكم، مثل الديكتاتورية في اليمن وفي ليبيا، فإن خيار السلاح غدا هو الحل. لذا لم يفقد هذا الخيار كامل مصداقيته. يبقى مع ذلك أن انعكاسات الربيع العربي ستؤثر على القدرات التعبوية للحركات الجهادية، وذلك بدفع الشباب إلى الانخراط في المؤسسات التمثيلية على العمل السياسي القانوني. بالإضافة إلى اختفاء النهج القمعي لمواجهة السلوكات الراديكالية، فإن بعض القضايا التي كان يدافع عنها الشباب الجهادي يمكن أن تتحول إلى مطالب سياسية بمقدور الأنظمة الجديدة تلبيتها والجواب عنها. ولنا في التحاق عبود زمر خير عبرة. إذ شارك في اغتيال السادات، وما أن غادر السجن في فبراير الماضي حتى وافق على خوض غمار المعركة الانتخابية. لكن مقابل هذه الجهادية الصلبة التي قد تتحول إلى نضال لين، يطرح السؤال على نوعين آخرين من الجهادية، هما الجهادية الأمريكية والجهادية الإسرائيلية. هل ستبقى أمريكا وإسرائيل مكتوفتي الأيدي إزاء ذوبان وانصهار الجهاديين في الجسم المؤسساتي القانوني أم ستعملان على خلق واستنساخ جهاديين بدلاء حتى يمكن لهما أن تمسكا بعدو ما؟ مع العلم أنهما بحاجة إلى عدو ولو وهمي لتشغيل ماكينة الشيطنة والنبذ والمراقبة. يندرج هذا السلوك فيما يطلق عليه المحللون السياسيون مفهوم Hard power، أي السلطة الصلبة.