كتب الأمريكيون كثيرا ينتقدون الإدارة الأمريكية الحالية عندما بدأت حملتها العسكرية في أفغانستان وشرعت في حربها على العراق. ومن اشهر الكتب التي تندرج في هذا المجال كتاب غور فيدال Vidal Gore (الحرب الحالمة) War Dreaming وفيدال من المؤلفين المشاهير في الولاياتالمتحدة وله عشرات الكتب المنوعة من الروايات المطولة إلى المسرحيات إلى الكراسات والمقالات في الصحافة الأمريكية. ويؤكد في هذا الكتاب (الحرب الحالمة) الذي سوف نستعرضه بإذن الله أن (السياسة) في المجتمع الأمريكي والانتخابات والعمل السياسي كل ذلك معجون بعنصرين أو عاملين: العائلة والمصالح التجارية. عائلات أمريكية كبيرة كانت ولا تزال تسيطر على البيت الأبيض وتكرس من خلاله مصالحها التجارية ومصالح الحواشي الاجتماعية العالقة بها والحرب على العراق والحملة العسكرية على أفغانستان يقول غور تدخل في هذا الإطار . والاستهداف المصلحي للكادر العائلي لبوش وتشيني وغيرهما هو من الاستهدافات البارزة. يقول في هذا الكتاب في ص 5 إن السياسة الأمريكية في الأعم هي سياسة تروم تحقيق مصالح محددة للعائلة أو لتحالف العائلات التي تحكم في البيت الأبيض وتسخر (الدولة) لتحقيق مصالحها. فابحث عن مصالح هذه العائلات يقول غور لتعرف أسباب السياسات الأمريكية في الخارج والداخل. لماذا نحن في حالة حرب؟ كذلك من الكتب الجديرة بالقراءة والمتابعة كتاب نورمان ميلر (لماذا نحن في حالة حرب؟)، وهذا المؤلف لا يقل شهرة وصيتا عن غور فيدال وهو من المخضرمين الذين كتبوا عشرات الكتب منذ الأربعينات حتى الآن ونال جوائز أدبية عديدة في الولاياتالمتحدة وأوروبا. يربط ميلر الحملة العسكرية في الأفغان والحرب على العراق لما حدث في مانهاتن 11/9/2001 وشهية الانتقام التي تملكت الإدارة الأمريكية وأعمت بصيرتها. ويضيف ميلر أن شهية الانتقام هذه تحولت في نهاية المطاف إلى سعي متصل لتحصيل المصالح التجارية للفئة الحاكمة في واشنطن ابتداء من بوش إلى العاملين معه أو كما يصفهم ميلر، ليس هذا فحسب يثير ميلر نقطة قلما أثيرت في صحافتنا وهي الرؤية الأمريكية للثروة المائية في العراق (الفرات ودجلة) وتأمين حاجة إسرائيل المتصاعدة للمياه ومدّ خط أنابيب من الفرات الأوسط إلى الكيان الصهيوني لري مزارع الإسرائيليين ص .57 الحرب الحالمة الخزين الثوري في كتاب غور فيدال المشار إليه يدفع القارئ إلى الاعتقاد بان المؤلف في ريعان شبابه قد أخذه اندفاع وحماسة الشباب لكن الذي يتتبع فيدال في باقي أعماله العديدة ويدرك بأنه الآن (2003) قد بلغ من العمر عتيا (77 عاما) يزداد اقتناعا بأهمية هذا الكتاب الذي يعبر عن خبرة تاريخية في تشخيص (النظام السياسي) في الولاياتالمتحدة والذي يؤكد أكثر من مرة فيدال على أنه أي النظام يمثل مصالح 1% (واحد بالمائة) من إجمالي سكان الولاياتالمتحدة فقط ويسخر (الدولة الأمريكية) لتحقيق هذه المصالح العائدة لتحالف العائلات التي تحكم البيت الأبيض والحواشي الاجتماعية العالقة بها من عسكر ولوبي نفطي ومسيحيين صهاينة. يؤكد فيدال (ص 40) أن الحملة العسكرية على بلاد الأفغان كانت مقررة قبل 11 سبتمبر 2001 وأن الهدف من الحملة هو احتلال الأفغان لمد خط أنبوب نفطي من تركمانستان عبر الأراضي الأفغانية إلى كراتشي المطلة على المحيط الهندي وذلك لتصدير كميات النفط الهائلة المكتشفة في المنطقة تلك والتي تمنعت حركة طالبان من إعطاء شركة يونوكال النفطية الأمريكية حق هذا الامتياز بناء على نصيحة أسامة بن لادن، ويؤكد فيدال أن أركان الإدارة الأمريكية الحالية (بوش تشيني رايس رامسفيلد) لهم مصالح مباشرة في شركة يونوكال المذكورة. يتتبع فيدال علاقة الأمريكان بحركة طالبان وكيف أنها كانت علاقات حسنة للغاية وأن بوش نفسه دعاهم إلى مزرعته في تكساس وكان في طور التفاوض معهم حول خط الأنابيب النفطي المذكور ويشير فيدال إلى إطراء جريدة الوول ستريت على طالبان ومدحهم، وتأكيد أنهم الفئة الوحيدة القادرة على تهدئة الأفغان وفتح البلاد للاستثمارات الأمريكية النفطية، لكن ما لم تحسب الوول ستريت جورنال حسابه دخول أسامة بن لادن في خط التفاوض ونصحه لقيادات طالبان (وبالأخص الملا عمر) بعدم منح الشركة الأمريكية هذا الحق لأن في ذلك تمكينا للأمريكان في آسيا المركزية. وكان أن سمعت حركة طالبان نصيحة أسامة بن لادن وبدأت تتفاوض مع شركة برازيلية أرجنتينية حول الموضوع فجّن جنون الأمريكان. ومنذ ذلك التاريخ بدأت استعدادات الإدارة الأمريكية الحالية لغزو الأفغان حتى لو سلمت حركة طالبان أسامة بن لادن إلى السلطات الأمريكية. ويؤكد فيدال (ص 51) ارتباط كل أركان الإدارة الامريكية بشركات النفط الأمريكية: بوش الأب مرتبط بمجموعة كارلايل النفطية وبوش الابن (الرئيس الحالي) بشركة هاركن وتشيني بشركة هاليبرتون وكوندوليزا رايس بشركة شيفرون ورمسفيلد بشركة أوكسيدنتال وجيل نورتون بشركة بي بي اموكو. فالإدارة الأمريكية في معظمها حسب فيدال هم رجال نفط وليسوا رجال سياسة أو دولة أو حكم، ويؤكد فيدال استعداد تشيني وبوش على التدخل العسكري في أي مكان في العالم تحت شتى المبررات شريطة أن تكون المنطقة نفطية (الافغان العراق ايران). الحرب المستمرة لفيدال كتاب آخر بعنوان : (الحرب المستمرة) يسرد فيه الحروب التي شنتها الولاياتالمتحدة على العالم منذ الحرب العالمية الثانية. عشرون صفحة فيها جدول لأكثر من مائتي اعتداء عسكري على بلدان عديدة من العالم، ويقول فيدال في هذا الكتاب إن الإدارات الأمريكية المتعاقبة على البيت الأبيض (والتي تمثل برأي فيدال مصالح واحد بالمائة من سكان الولاياتالمتحدة) كانت حريصة عبر التاريخ المعاصر على صناعة العدو الخارجي وتجييش الإعلام الأمريكي للتهجم على هذا (العدو الخارجي) وتحويل الأنظار عن المشاكل الهيكلية داخل الولاياتالمتحدة والتي لو أثيرت في الإعلام الأمريكي كما ينبغي وبتركيز لأحدثت انقلابا اجتماعيا لا يخدم مصالح فئة (الواحد بالمائة التي يكرر فيدال الإشارة اليها. ويقول فيدال (ص:191) انه لكثرة الدندنة على (العدو الخارجي) لا بأس من تأسيس ناد في الولاياتالمتحدة نسميه، ويورد فيدال العبارات الساذجة الشائعة بين الأمريكان عن سبب هذا الكره العالمي للولايات المتحدة مثل القول إننا (نحن الأمريكان أغنياء واحرار وباقي العالم ليس كذلك) ص .16 دون أن يكلف الامريكان انفسهم التفكر بالاسباب التي تدفع جماهير العالم لكره سياسات الادارات الامريكية او كما يضعها فيدال نفسه. الأمن الداخلي والأمن العالمي يطرح غور فيدال في كتابة الثمين الذي نستعرضه الحرب الحالمة عدة محاور هيكلية حول النظام السياسي الأمريكي الذي ينتج بشكل متكرر أخطاءه ويظهر للعالم أجمع عجزه السياسي بالرغم من الإمكانيات العظيمة المتاحة لديه، ويرى فيدال أن عدوانية العسكر في الولاياتالمتحدة التاريخية تعود إلى أن الساسة الأمريكان ضاعوا بين قيم الجمهورية وطموح الإمبراطورية. ويقول فيدال إنه آن الأوان للولايات المتحدة أن تعود لقيم الجمهورية - وتتخلى عن طموحات الإمبراطورية المجنونة ص .195 ويؤكد بأن الديموقراطية في الولاياتالمتحدة تتمتع بها المؤسسات الاقتصادية العملاقة الممثلة بقوة في الكونغرس، غير أن المواطن العادي في الواقع ليس له أي تمثيل في المؤسسة التشريعية بالرغم من التضليل الإعلامي الذي يمارسه الإعلام هناك حول هذا الأمر، ويشير فيدال في ذلك إلى أمر في غاية الأهمية هو أنه ليس في الولاياتالمتحدة معارضة سياسية يحسب لها حسابها ولا مصداقية، وكيف تكون ديموقراطية بدون معارضة؟ والذي يساعد الإدارات الأمريكية على غيها هو غفلة المواطن الأمريكي العادي الذي لا يفكر بسياسات حكومته الخارجية أقل من عشر دقائق ربما في اليوم حسب فيدال ص .82 ولذلك يقول فيدال إن عموم الأمريكان ليس لديهم أي فكرة عن الضرر الكبير الذي تسببه حكومتهم للشعوب الأخرى (ص 185). ويسخر فيدال من مقولة الإدارة الأمريكية بأنها -عبر التدخل العسكري - فإنها تحافظ على الأمن العالمي قائلا إن الإدارة الأمريكية عاجزة عن الحفاظ على الأمن في الداخل الأمريكي في الولاياتالمتحدة اكثر من ستة ملايين سجين في السجون الأمريكية ص 174؛. فكيف نتوقع منها الحفاظ على الأمن العالمي وعموم الأمريكان - حسب فيدال لا يطمئنون لنزاهة البوليس الأمريكي (ص 195). ويوجه فيدال انتفاداته للإعلام الأمريكي المضلل والمضلل في آن واحد ويقول إنه لا يطمئن للإعلام الأمريكي لأن كل شيء فيه محرف ومشوه ( ص 193)، خاصة ما يتعلق بالشرق الأوسط، وإنه يتابع شؤون الشرق الأوسط، والعالم الإسلامي من خلال الصحافة البريطانية والفرنسية والإيطالية. ويركز فيدال هجومه وانتقاده لرئيس الولاياتالمتحدة جورج بوش في نقاط متعددة ففي ص 70 لا يتردد باتهام بوش بأنه كذاب ويخفي عن الشعب الأمريكي كثيرا من الحقائق إذ طلب من رئيس الأغلبية في الكونغرس توم داشل إلغاء التحقيق البرلماني في موضوع 11/9/2001 عملية مانهاتن والبرجين كما أن فيدال ينتقد المستوى الفكري المتواضع للرئيس بوش إلى درجة أنه أي الرئيس بوش عندما استعمل بعض التعبيرات عن (العراق ايران كوريا الشمالية) باعتبارها محور الشر. يقول فيدال إن طريقة بوش في الكلام بعيدا عن النص المكتوب له طريقة لا تليق برئيس أقوى دولة على ظهر الأرض. الدكتور عبد الله فهد النفيسي