يتابع الشارع الإيطالي باهتمام بالغ في هذه الأيام المفاوضات الجارية بين النقابات العمالية ومؤسسات مالية والحكومة الإيطالية، لإنقاذ مجموعة شركات «أليطاليا» من إفلاس محقق قد يعصف بها. ففي يوم الخميس الماضي كان الكل، رأيا عاما وأحزابا سياسية ونقابات عمالية وموظفي «أليطاليا»، على أعصابهم ويمنون النفس بإخراج هذه الشركة الإيطالية من مستنقع الأزمة ومن الإفلاس، لكن كل هذه الآمال تبددت بعد الفشل في إقناع بعض النقابات بالحلول الجديدة المقترحة لتدخل هذه الأزمة مرحلة الخط الأحمر المهددة بنهاية أحد الأسماء الكبيرة الأوربية في مجال النقل الجوي المدني. أزمة أليطاليا حسب المتتبعين للشؤون الاقتصادية الإيطالية، فإن مجموعة شركات أليطاليا المتخصصة في مجال النقل الجوي المدني تعيش حالة احتضار لم يسبق لشركة إيطالية أن تعرضت لها من قبل، مؤكدين أن السبب في ذلك لا ينحصر فقط في ظهور شركات «اللو كوست» ذات الأثمان المنخفضة بل كذلك في سوء التسيير والفساد الإداري والمالي الذي تعيش على وقعه بعض المؤسسات المالية الإيطالية. فأليطاليا التي تأسست في 1947 وحققت في التسعينات رقم 28 مليون مسافر في السنة عبر طائراتها ال181، أصبحت اليوم تعاني من عجز في الميزانية جعلها غير قادرة على مد طائراتها بالوقود وغير قادرة كذلك على دفع أجور موظفيها المهددة غالبيتهم بالتسريح وبالبطالة في حالة فشل المفاوضات مع مجموعة شركات «كاي» المختصة في النقل الجوي بإيطاليا وأروبا ليصل الجميع في آخر المطاف إلى الطريق المسدود المؤدي إلى إفلاس أليطاليا. في وسط التسعينيات كان الكل يراهن على أن أليطاليا، وبعد تحقيقها أرقاما كبيرة من حيث عدد المسافرين و الأرباح، ستصبح نموذجا يحتدى به في نجاح المقاولة العمومية الإيطالية، لكن تأثير النقابات العمالية المتناحرة فيما بينها على موظفي «كومبانيا دي باندييرا» (أليطاليا) للمطالبة بامتيازات أخرى وسوء التسيير أدخلاها في أزمة غير معلنة كان بالإمكان تفاديها لوقف نزيف استمر حتى سنة 2008. فمخططات الإصلاح للمسؤولين عن أليطاليا التي انطلقت منذ سنة 1996 بمشروع أحد المسيرين للشركة دومينكو كامبيلا لم تفلح في إخراجها من الأزمة، رغم التحالفات التي عقدتها مع شركات أوربية للنقل الجوي مثل الشركة الهولندية «KLM» و«Air France» التي انسحبت فيما بعد بسبب سوء تسيير الإيطاليين لمجموعة شركاتهم «أليطاليا» لتستمر الأزمة وتدخل «لاكومبانيا دي باندييرا» النفق المظلم ويسارع بالتالي المسؤولون المتوافدون على إدارتها في سنة 2005 إلى عرض بعض أسهمها للبيع، لأن الشركة استنفدت كل مدخراتها وميزانيتها لعدم قدرتها على منافسات أثمان واستراتيجية شركات «اللو كوست»، فكانت أول عملية للخروج من المستنقع هي محاولة بيع بعض أسهم «أليطاليا» إلى مجموعة شركات لوكوست إلإيطالية «Gruppo Volare» التي انضمت إليها قبل أن تنسحب بسرعة تاركة طائرات «كومبانيا دي بندييرا» في المستنقع. واستمر الوضع على ما هو عليه إلى أن وصل رومانو برودي وتحالفه اليساري إلى سدة الحكم وإلى بلاتسو كيدجي لتقرر حكومته عرض أكثر من 39 % من أسهم الشركة للبيع، لكن مخافة دخول عدد من الشركات الأوربية والأمريكية في مغامرة إيطالية لا تحمد عقباها فشل مشروع رومانو برودي في انتشال أليطاليا من الوحل، عن خصوصا بعد أن استعملت المعارضة الإيطالية التي كان يتزعمها آنذاك اليميني سيلفيو برلسكوني أليطاليا كورقة في الدعاية السياسية لحزبه ولتجمعه، ليطالب بأن تبقى أليطاليا ملكا للإيطاليين وأن بيعها للأجانب هو فشل لحكومة برودي. لكن موقف اليمين من أزمة أليطاليا لم يثن بادوا سيكوبا، وزير الاقتصاد في حكومة برودي السابقة على فتح مفاوضات جديدة مع شركة «Air France» لشراء جميع أسهم الشركة الإيطالية لتفادي إفلاسها، لكن تصلب المواقف من جهة واستغلال اليمين الإيطالي للأزمة للنيل من اليسار الإيطالي الحاكم من جهة أخرى جعل الفرنسيين ينسحبون دون رجعة ليعتبروا أن صفقة أليطاليا خاسرة منذ بدايتها. طائرات ومفاوضات بدون وقود بعد وصول رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني إلى بلاتسو كيدجي (مقر الحكومة الإيطالية) حاول جاهدا إيجاد أي حل لإنقاذ مجموعة شركات أليطاليا من الاندثار، ليس من أجل مصلحة 3200 موظف وطيارا يعملون فيها، بل حتى يظهر للإيطاليين الذين وضعوا ثقتهم فيه أنه وفى بوعده وأنقذ شركة وطنية تمثل أحد رموز إيطاليا في الخارج. لذلك كلف برلسكوني مستشاره وأمين سره في رئاسة الوزراء جاني ليتا لبحث كل السبل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، من أليطاليا، إضافة إلى عرض قضية أزمة «كومبانيا دي باندييرا» على الحكومة والبرلمان الإيطاليين قبل أن تدخل مجموعة شركات «CAI» الإيطالية بقيادة روبيرتو كولانينو في مفاوضات جادة مع المسؤول الأول عن أليطاليا فانتوتسي من أجل شرائها لتحريك عجلات طائراتها التي ستصبح بعد أقل من شهرين بدون وقود. الخبر في بادئ الأمر حمل رياح الأمل إلى موظفي وطياري أليطاليا الذين اعتقدوا أن الحل قريب وأن طائرات شركتهم ستقلع من جديد لتجوب أنحاء العالم وتهبط بأكبر وأصغر مطارات الكرة الأرضية، لكن شروط التروست الإيطالي «CAI» ومشروع «فينيقيا» للحكومة الإيطالية صدم الجميع قبل أن يخيب آمالهم، لترفض جمعية اتحاد طياري «أليطاليا» ومعها نقابتا العمال «سي جي إلي» و«أيس دي إل» وجمعيات «أفيا» و»أنباف» و«أنباك» التي ينخرط فيها عدد كبير من موظفي شركة أليطاليا، العرض الذي اعتبروه مهينا لموظفي وطياري الشركة. فالشروط التي جاء بها رئيس CAI روبيرتو كولانينيو كحل لأزمة أليطاليا تقضي بتخفيض أسطول الشركة من 181 طائرة إلى 138 وبتخفيض عدد العاملين فيها البالغ عددهم 3200( ما بين طيارين ومسيرين وموظفين ) ليسرح أكثر من 700 موظف ويتم التعاقد مع 2050 آخرين بالشركة بعقد خارجي يمكنها في أي لحظة من الاستغناء عنهم، هذا إضافة إلى تخفيض أجور جميع العاملين بنسبة تتراوح ما بين 25 و30 % ووضع عقد موحد يضع الطيارين في نفس خانة مساعديهم والعاملين التقنيين بالمطارات. أمام هذا الوضع سارعت الحكومة الإيطالية وعلى رأسها كل من برلسكوني ووزيره في العمل ماوريتسيو ساكوني إلى عقد اجتماع يوم الخميس الماضي بين CAI و النقابات الثلاث الأخرى «سيسل، أويل، وأوجيل» التي قبلت بالاقتراح لتوقيع العقد ووضع الرافضين أمام الأمر الواقع، لكن أمام مظاهرات طياري وموظفي الشركة وأمام احتكام النقابات الثلاث القابلة بالشروط على نسبة ضعيفة من منخرطي أليطاليا، قرر رئيس التروست الإيطالي كولانينو سحب عرضه ورفض شراء «كومبانيا دي باندييرا» (أليطاليا). الجدل السياسي وبعد فشل مفاوضات الخميس الأسود اتهم رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني نقابة «سي جي إلي» وزعيمها غولييلمو أبيفاني بعرقلة كل المساعي لإنقاذ أليطاليا من الغرق، مؤكدا أن كونه يساريا ومعاديا للحكومة اليمينية جعله يقحم أزمة الشركة في حساباته ومعاركه السياسية ضد أي مشروع صادر عن اليمين وعن حكومته. وقال إنه خلافا لليسار الإيطالي الذي عرض أسهم أليطاليا لبيعها لشركات أجنبية سيعمل كل ما في جهده لإنقاذها وتسليمها إلى أيادي إيطالية، مؤكدا أنها شركة وطنية ولا يجب أن يتحكم فيها الأجانب. رد زعيم «سي جي إلي» إبيفاني كان سريعا واعتبر أن تصريحات واتهامات برلسكوني الصادرة في حقه كلها مغالطات يحاول أن يضلل بها الرأي العام الإيطالي، ليغطي على حقيقة فشل حكومته في إيجاد حلول حقيقية لأزمة أليطاليا وللأزمات الاقتصادية التي تعيشها إيطاليا بصفة عامة. وقال إن تاريخ نقابته المشرف يحتم عليه أن يقف إلى جانب العمال والموظفين والبحث عن مصالحهم، مؤكدا أن الشروط التي جاءت بها «CAI» لا يمكن القبول بها لأنها ستحرم الكثيرين من حقوقهم وستجعل البعض بدون عمل. وأضاف: «بالنسبة لاتهامات برلسكوني فهدفها واضح وهو إلصاق فشل حكومته والمؤسسات المالية التي جلبها لإيجاد حلول لأليطاليا بنا، فكيف يعقل أن نثق فيه وفي حكومته بعد أن قال قبل أيام إن على CAI أن توقع العقد مع أليطاليا دون الاهتمام بمواقف نقابتنا وبالعدد الكبير من عاملي الشركة المنخرطين فيها، ليأتي اليوم وبعد فشله ويقول إن السبب في فشل المفاوضات وفي سحب «CAI» لعرضها هو نقابتنا ورفضها للتوقيع. نفس الموقف عبر عنه رئيس المعارضة اليسارية فالتر فلتروني الذي أكد أن تعالي الحكومة اليمينية ومعها «CAI» في تحاورهما مع النقابات العمالية ومع الاتحادات التي تمثل موظفي أليطاليا يبقى سببا مباشرا لفشل المفاوضات. أرقام تعتبر أليطاليا من بين الشركات الأوربية والعالمية التي تتمتع بتاريخ وسمعة كبيرين في عالم الملاحة الجوية ويظهر ذلك بشكل واضح من خلال الأرقام التالية: - مجموعة شركات أليطاليا: أليطاليا الرحلات الجوية – أليطاليا الخدمات – أليطاليا الشحن – أليطاليا الإرسال السريع. - في التسعينيات سافر عبر أليطاليا وبشكل سنوي أكثر من 28 مليون مسافر لينخفض العدد بعد الأزمة إلى 25 مليونا . - أسطول أليطاليا حتى 31 مارس من السنة الجارية يبلغ 181 طائرة غالبيتها لا تتعدى سن 12 سنة وتتضمن 10 طائرات من طراز Boeing777-200ER و13 من طراز Boeing767-300ER و5 من طائرات ماكدونيل دوغلاس MD11 التي تختص بالشحن ونقل البضائع، 23 من طائرات AIRBUS A321-100 و11 أخرى من نوع AIRBUS A320-200 و12 من AIRBUS A319-100 76 وحدة من طائرات ماكدونيل دوغلاسMD-82 إضافة إلى 4 و6 وعلى التوالي من نوع -200 (-212)