يبدو أن الأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم كان لها تأثير ووقع كبيران على الاقتصاد والمجتمع الإيطاليين مقارنة بالدول الأوربية الأخرى، فالفساد السياسي وغياب استراتيجيات اقتصادية واضحة كلها أسباب مباشرة فاقمت هذه الأزمة في هذا البلد الأوربي. لكن برلسكوني وتآلفه اليميني الحاكم عوض كشفهم عن حقائق وأرقام هذه الأزمة للرأي العام الإيطالي سارعا إلى التخفيف منها وتأكيد أن كل شيء على ما يرام وأن حكومته تأخذ بزمام الأمور. في هذه الرسالة ستنقل «المساء» بعض صور هذه الأزمة وتأثيراتها داخل المجتمع الإيطالي خصوصا في علاقتها بأبناء الجالية المغربية. كل المؤشرات والتقارير الرسمية وغير الرسمية تؤكد أن سحابة الأزمة الاقتصادية الداكنة تغطي سماء إيطاليا وتحجب أشعة الأمل والربح، ليس فقط على الشركات والمصانع والمواطن العادي بل حتى على المؤسسات المالية وأغنياء البلد. ففي تقرير جديد أعدته مؤسسة «CENISIS» (مركز دراسات الاستثمار الاجتماعي) الإيطالية، عن الأزمة الاقتصادية بإيطاليا، أكدت أن عدد الإيطاليين الذين طالتهم سحابة الأزمة في تصاعد مستمر ليقرر عدد منهم ترشيد نفقاتهم بالتقليل من الاستهلاك وتغيير أنماط حياتهم إلى حين مرور السحابة الداكنة. وحسب التقرير نفسه، فإن نسبة %8 من الإيطاليين غير قادرين على مسايرة ارتفاع الأسعار وغير قادرين، بالتالي، على التفاعل مع الأزمة لتؤكد نسبة %1,4 منهم أن الوضع إن استمر على هذا الشكل فإنه سيتم الالتجاء لا محالة إلى الاقتراض، أما نسبة %7,8 فقد قررت مواجهة الأزمة باستخراج الأموال التي تم توفيرها، في حين ترى نسبة %43,2 أن ترشيد النفقات يبقى الحل الأمثل، أما نسبة %22,2 فمواجهتها للأزمة تكمن في الاستغناء عن الكماليات مع الاعتماد على سياسية الاحتراز لتبقى نسبة %15,5 تؤكد أن الأزمة لن تغير من أنماط عيشها ولن تمارس تضييقا عليها في ما يخص الاستهلاك. هذه المعلومات تؤكدها أرقام أخرى كشفت عنها مجموعة من المؤسسات الاقتصادية والمالية الإيطالية، حيث أبرزت أن نسبة الناتج الإجمالي الخام الإيطالي نقصت بواحد في المائة مقارنة ب2007 لتصل النفقات العامة منه إلى %2,7. هذه الأرقام كان لها الأثر السلبي على عدد من الشركات والمصانع التي أغلق بعضها الأبواب، في حين قررت أخرى تسريح نسبة من عمالها وموظفيها. فقد كشفت أرقام نشرتها مؤسسة «إيستات» الإحصائية أن %0,7 هي نسبة العمال والموظفين المسرحين من العمل وأن %2,1 تمثل الموظفين والعمال الذين ستخفض ساعات عملهم من 40 ساعة أسبوعياً إلى 28.4 ساعة. إخفاء حقائق «الخوف لن يحل الأزمة».. «أزمة خانقة لكنها ليست مأساوية»... بهذه الجمل ومثلها حاول رئيس الوزراء الإيطالي سلفيو برلسكوني التخفيف من الأزمة الاقتصادية التي ضربت إيطاليا وإخفاء أرقامها المأساوية. فبرلسكوني في مؤتمره الصحفي المنعقد الأسبوع الماضي بمقر الحكومة «بلاتسو كديجي»، عوض منح الصحفيين والرأي العام الإيطاليين معلومات وتفاصيل عن الكيفية التي ستعمل بها حكومته على مواجهة الأزمة، سارع إلى مطالبة الإعلام الإيطالي بعدم المبالغة في عرض تفاصيل الأزمة على الرأي العام حتى لا يتم خلق أجواء من القلق والخوف داخل المجتمع الإيطالي. وقال: “الإعلام يبالغ كثيرا في تسليط الضوء على الأزمة الاقتصادية، وأنا أعتبر أن ذلك سيزيد من تفاقمها وانعكاسها على المجتمع الإيطالي، لهذا أطالب الإعلاميين بمساعدتنا على خلق أجواء إيجابية ومتفائلة داخل المجتمع». نفس الموقف عبر عنه وزير الاقتصاد الإيطالي جوليو ترامونتي حين اعتبر أن الأزمة التي تمر بها إيطاليا تبقى الأقل مقارنة بالدول الصناعية الأخرى، وقال: «لتخطي الأزمة يجب على الإيطاليين أن يحتفظوا بنفس وتيرة الاستهلاك وألا يغيروا أنماط حياتهم اليومية حتى تحدث حركية اقتصادية وتجارية داخل المجتمع، وأرجو أن يساعدنا الإعلام على ذلك». سلوكيات الأزمة. الأزمة الاقتصادية ضربت حتى سلوكيات الإيطاليين الذين أصبحت تصدر عن غالبيتهم تصرفات مثل: التقشف الزائد، الاقتراض من الأصدقاء والمعارف، رفض تسديد الديون، العنصرية ضد المهاجرين مع تغييب الأخلاق والوجه الحضاري في التعاملات التي يتشدق بها الإيطاليون أثناء وضعهم المقارنة بينهم وبين المهاجرين المقيمين بإيطاليا. أول سلوك يمكن رصده ويدل على أن الأزمة هي المتحكمة في زمام الأمور، هو انخفاض الاستهلاك الذي يظهر بشكل واضح في المحلات التجارية التي تجد فيها الإيطالي أو الإيطالية عوض ملئهما للسلة المتحركة بالمواد الاستهلاكية، يجرانها وهي شبه فارغة إلا من بعض المواد هنا وهناك ليغطيا الفراغ الحاصل فيها بابن صغير لهما يضعانه بداخلها. يمكن رصد الأزمة كذلك حتى أثناء اختيار الزبائن للمواد الغذائية، فقد أصبح أغلبهم لا يبحث عن الجودة كما في السابق، بل يكتفي بالمواد رخيصة الثمن وبالالتجاء إلى متاجر يقصدها المهاجرون علما بأنهم كانوا يرفضون حتى الاقتراب منها، مثل متاجر «بيني ماركيت» مثلا. نفس الصورة يمكن ملامستها حتى في المطاعم التي أصبحت غالبيتها شبه خالية اللهم الشعبية منها التي تقدم عادة أطباق بيدزا تكون في متناول محدودي الدخل، فقد أكدت الأرقام أن الإيطاليين الذين اعتادوا على تناول وجباتهم أكثر من ست مرات في الشهر أصبح غالبيتهم يتقشف ليقلصها إلى اثنين أو يستغني بشكل مؤقت عن هذه العادة. صورة أخرى عن السلوكيات الجديدة الناتجة عن الأزمة يمكن رصدها في ازدياد عدد الإيطاليين الذين يلتجئون إلى الاقتراض من الأصدقاء والأقارب عوض الالتجاء إلى المؤسسات المالية، التي قد ترفض التعامل مع غالبيتهم بسبب سوء سيرتهم في أداء أقساط القروض التي استلفوها من أبناك إيطالية أخرى. فقد حكى لي صديق إيطالي يمتلك متجراً أنه أقرض سيدة إيطالية يعرفها مبلغ 20 يورو على أن تعيده إليه مساء بعد تأكيدها له أنها نسيت حقيبتها الصغيرة في البيت، لكنها عوض جلب المبلغ أصبحت تغير طريقها في كل مرة تتجه فيها إلى عملها القريب من متجر الصديق بسبب 20 يوروها فقط. الأزمة لم تقف عند هذا الحد من السلوكيات بل تعدته لتلامس حتى نظرة الإيطاليين إلى الأجانب التي أصبحت أكثر عنصرية من ذي قبل مع اتهامهم بأنهم السبب في الأزمة الاقتصادية وأنهم لصوص سرقوا مناصب شغل الإيطاليين. يمكن كذلك ملاحظة الأزمة في الإهمال الذي أصبح يتميز به الإيطاليون وفي رميهم للنفايات وفي عدم مراقبتهم لكلابهم التي يتجولون ويتباهون بها مع عدم الاكتراث إلى فضلاتها المنتشرة في كل مكان بشوارع عدد من مدن الشمال الإيطالي. المغاربة في محنة رغم أن مغاربة إيطاليا ملقحون، في غالبيتهم، ضد الأزمات ويعرفون كيفية التأقلم معها، فإن هذا الأمر لا يمنع من القول إن قوة الأزمة جعلت بعضهم يعيش في محنة حقيقية. فالمحظوظون من أبناء الجالية هم العزاب الذين ما إن قررت الشركات التي يعملون فيها تسريحهم المؤقت مع دفعها لهم أجوراً ناقصة بنسبة %30 حتى سارعوا إلى مغادرة إيطاليا عائدين إلى الوطن «فالحل الأمثل للاختباء إلى أن تمر الأزمة ويعود العمل هو العودة إلى المغرب الذي سأصرف فيه أقل بكثير مما سأصرفه بإيطاليا، وبالتالي سأكون مع العائلة والأصدقاء في أجواء أجمل من الأجواء التي نعيشها في هذا البلد البائس»، يحكي المغربي كمال (30 سنة) الذي حل للتو بإيطاليا لقضاء بعض الأغراض الإدارية على أن يعود إلى المغرب في الأسبوع المقبل، وأضاف: «أصبحت أحصل على مبلغ ألف يورو الآن، يصرف منه مبلغ 700 يورو في سداد القسط الشهري من القرض الخاص بالمنزل الذي اقتنيته فماذا يبقى لي؟ لا شيء، لهذا قررت أن أجلب، للسكن به، ثلاثة أصدقاء ليساعدوني في تأدية هذا المبلغ، لأعود أنا إلى المغرب إلى حين عودة المياه إلى مجاريها». وضع كمال كان أرحم مقارنة بمواطنه إبراهيم (39 سنة) الذي فقد العمل إثر الأزمة ليصبح مضطرا إلى عمل أي شيء لإعالة زوجته وأبنائه الثلاثة، فبعد انتهاء مدة ستة أشهر التي كان يحصل فيها على مبلغ شهري من المؤسسات الاجتماعية الإيطالية بميلانو، وجد إبراهيم نفسه غير قادر على سداد القسط الشهري من القرض الخاص بالبيت الذي كان يستأجره ليتم إصدار قرار بالإفراغ، هكذا التجأ إلى المبلغ الذي كان يوفره بالمغرب حتى لا يجد نفسه في الشارع تحت رحمة برد شمال إيطاليا القارس وتحت رحمة أعين غير رحيمة. محنة مغاربة إيطاليا يمكن ملامستها حتى بالمساجد التي أصبحت ممتلئة يوم الجمعة بسبب تسريح الشركات الإيطالية لأعداد من أبناء الجالية المغربية والإسلامية، فقبل الأزمة كانت المساجد لا تمتلئ إلا في الأعياد الدينية وفي أيام العطل، أما اليوم فكل شيء يشهد على أن الأزمة قوية جدا بحيث جعلت حتى صناديق المراكز الإسلامية والمساجد شبه فارغة، ليضطر معها الأئمة والمسؤولون عنها إلى تكرار الدعوة إلى التبرع حتى بلغات أخرى غير العربية. الموضة تتفاعل احتفلت عاصمة الأزياء العالمية ميلانو بأسبوعها السنوي للموضة (من 25 فبراير إلى 4 من مارس)، بوجه مختلف عن السنوات الماضية، فقد ركزت غالبية دور الأزياء الإيطالية على الأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم من خلال الاعتماد على اللون الأسود وعلى أزياء تراعي، في أثمانها وأشكالها وتفاصيلها، جميع طبقات المجتمعات. مجموعة روبيرتو كافاللي اعتمدت في أزيائها على اللون الأسود كتعبير منها على الأزمة المالية التي ضربت جيوب غالبية سكان العالم، خصوصا الغربيين منهم، وركزت كذلك على أشكال اعتبرتها في متناول نسبة مهمة من المولعين بالموضة. “العالم يمر بظروف حرجة وأزمة اقتصادية خانقة، ويجب أن نتعامل مع هذه الأوضاع الجديدة والتأقلم معها لنمنح أزياء شبابية عملية توحي لمن يرتديها أو من يراها بضرورة مضاعفة مجهوداته للعمل الجاد من أجل الخروج من الأزمة، لكن هذه الأزياء رغم شكلها العملي تبقى جميلة المظهر»، يحكي مصمم الأزياء الإيطالي روبيرتو كافاللي. وبعيدا عن الأزمة الاقتصادية اعتمدت دور أزياء إيطالية أخرى مثل «برادا» و»دولتشي غابّانا» على الفن السريالي وعلى إبداعات وروائع الفنان الإسباني سالفادور دالي، حيث وجدت «دولتشي غابّانا» في بعض لوحات دالي وأشكالها الهندسية نموذجا لابتكار أزياء عصرية بحمولة تعكس إبداعات القرن الماضي، فتم عرض فساتين طويلة وقصيرة منتفخة الشكل وعليها صور لمارلين مونورو وبعض اللوحات الشهيرة لدالي المعروضة في متحف فيغيراس بإسبانيا، أما “برادا “ فقد تركت اللوحات السريالية لدالي جانبا لتعتمد في تصميم فساتينها وقمصانها الضيقة والقصيرة على الأشكال الهندسية لهذا الفنان السريالي، فتم عرض فساتين بأشكال تشبه البيضة وأقفاص العصافير والشمسيات. ملياران من البشر مهددون بالعطش أكدت دراسة صدرت عن مقر منظمة الفاو بروما، في الأسبوع الماضي، أن أكثر من ملياري نسمة من سكان العالم، معرضون في الأربعين سنة القادمة للعطش، موضحة أن السبب في ذلك يعود إلى تزايد الطلب على الماء وإلى سوء التصرف في احتياطاته. وقال الإيطالي باسكوالي ستيدوتو، وهو المسؤول بمنظمة التغذية «الفاو» المكلف بقطاع تسيير مصادر الماء، إن كارثة تنتظر العالم في حالة عدم وضع استراتيجية دولية موحدة لتسيير معقلن ومنظم لاحتياطات المياه، مطالبا جميع الدول بتوحيد كلمتها وجهودها لإبعاد شبح العطش الذي سيطال ثلثي سكان العالم. وأضاف أنه في سنة 2030 سيتزايد طلب سكان العالم على الماء، وستظهر بالتالي البوادر الأولى لهذه الأزمة التي وصفها بالخطيرة. ولم يغفل المسؤول بمنظمة الفاو أن يشير إلى حلول أخرى يمكن من خلالها مواجهة هذه الأزمة «مثل: ترشيد استهلاك الماء وعدم الإسراف في استعماله، وإنشاء بنيات تحتية لإعادة ترشيد الماء، إضافة إلى تحلية ماء البحر». دوربان 2 ومن الأزمة المائية والأزمات الاقتصادية إلى أزمة أخرى تعيشها إيطاليا بسبب مساندتها وانحيازها الواضح إلى إسرائيل، حيث أعلن وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني عن رفض حكومته المشاركة في المؤتمر الأممي «دوربان 2» بجنويف المناهض للعنصرية بسبب بيانات ستصدر عنه اعتبرها الوزير اليميني مناهضة للسامية ولإسرائيل. واشترط فرانكو فراتيني من أجل مشاركة إيطاليا في مؤتمر «دوربان الثاني» أن تسحب هذه البيانات والمواقف المناهضة للسامية التي اعتبرها مخجلة. وبرر موقف حكومته لاتخاذ هذا القرار بالتأكيد على أن الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا وبلجيكا والدانمارك وكندا ستتخذ هي الأخرى نفس الموقف الإيطالي بعدم المشاركة في المؤتمر الأممي المناهض للعنصرية. وطالب اليسار الإيطالي، في شخص أحد زعماء الحزب الديمقراطي بييرو فاسينو. وزير الخارجية الإيطالي بعرض موقف الحكومة الإيطالية الرافض للمشاركة في المؤتمر أمام أعضاء البرلمان لوضع تفسيرات واضحة ومقنعة له. وبشكل مفاجئ وغير متوقع أحرج حكومة برلسكوني، أكدت الفاتيكان، على لسان ممثلها بالأمم المتحدة مون سينيو تومازي مشاركتها في المؤتمر الأممي، مقللة من أهمية البيانات والقرارات التي ينوي المؤتمر إصداراها ضد إسرائيل وضد العنصرية والمجازر المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني.