تزامن انعقاد الجلسة الثانية من محاكمة الزميل رشيد نيني مع بداية مناقشة مشروع الإصلاح السياسي، الذي اقترحه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على الشعب الجزائري، وهو الإصلاح الذي همَّ- إلى جانب النقط المتعلقة بالممارسة السياسية- مستقبل الواقع الإعلامي الجزائري. وبصرف النظر عن جدية ونجاعة الخطوات الإصلاحية المقترَحة وإمكانية مساهمتها في تلميع صورة هذا النظام الذي يُتّهَم ب«الشمولية»، فإن رمزيتها في هذا التوقيت لها أهمية أساسية، كما أن ما حمله المشروع الإصلاحي من انفتاح على الفعل الإعلامي يطرح السؤال حول الأسباب الحقيقية لتراجع هامش تطور الإصلاح الإعلامي المغربي وتراجع هامش الحرية، الذي «تُوِّج» باعتقال الزميل رشيد نيني ومتابعته بالقانون الجنائي والحكم عليه بسنة سجنا نافذا. في مستهل النقاش، وجب التأكيد بأن المشروع الإصلاحي الجزائري على المستوى الإعلامي يتأسس على مرتكزين أساسين، يقوم أولهُما على منح تراخيص القطاع الخاص للاشتغال في المجال السمعي -البصري، ما يعني بشكل عملي إلغاء احتكار النظام الجزائري للقطاع، في حين يتأسس المرتكز الثاني على إطلاق قانون جديد يُلغي العقوبات السالبة للحرية، على اعتبار أن الحرية وسلبَها لا يتعايشان إذا كنا نتحدث عن تعددية وتشكيل رأي عامّ فعلي. وإذا حاولنا أن نُسقِط هذه الإصلاحات على الواقع الإعلامي المغربي، سنجد أنفسَنا أمام عوائق وانتكاسات أحيانا، أولها أنه في الوقت الذي عبّرت الحكومة الجزائرية عن تشجيع القطاع لولوج المجال، عمدت الحكومة المغربية، في العقود الأخيرة، إلى تأميم المنشآت السمعية -البصرية الخاصة، بدعوى حمايتها من الإفلاس، كما حدث مع «دوزيم» و«ميدي آن سات»، وضمها إلى القنوات والإذاعات العمومية، ما يفرز، في الأخير، خطابا أحاديا في قطب أحاديّ تتنافس مكوناته، كما أن عدم إنضاج الظروف السياسية -بشكل أدق- لإطلاق مشروع تلفزيوني خاص يجعل واقع ومستقبل الهيأة العليا للاتصال السمعي -البصري على المحكّ، لاسيما أنها تشكّلت قبل عدة سنوات، ومن شأن تشكيل هيأة جزائرية شبيهة أن ينافسها في الشبكات الإفريقية والعربية والفرنكفونية، وقد يصل الأمر إلى أن تتجاوز الهيأة الجزائرية نظيرتَها المغربية على مستوى الحصيلة، إذا استمر خطاب التردد مهيمنا في ما يتعلق بفتح المجال البصري أمام الخواص وتفعيل مبدأ إلغاء الاحتكار، ما يعني حدوث انتكاسة فعلية للإعلام المغربي. وثاني العوائق أنه في الوقت الذي أعلن النظام الجزائري طرحَه مشروع قانون جديد للصحافة ينتفي فيه أي وجود للعقوبات السالبة للحرية، على أساس أن التلويح بالتهديد بسجن صحافي تهديد لحريته وضرب لاستقلالية السلطة الإعلامية، عاش المغرب، من خلال «قضية» الزميل رشيد نيني، انتكاسة حقيقية، على اعتبار أنه لم يتمَّ اللجوء إلى قانون الصحافة ل«معاقبة» رشيد نيني و«الانتقام» منه فقط، وإنما بلغ «الاجتهاد» مداه بتجاوز القانون سالف وسيء الذكر (لتضمنه عقوبات سالبة للحريات) وتطبيق القانون الجنائي في قضية آراء صحافي مغربي نُشِرت في يومية مغربية، ما يعني متابعتَه كأي مجرم عادي في حالة اعتقال، دون أدنى اعتبار لِما يمثّلُه ذلك من تراجع في التعاطي مع السلطة الإعلامية المستقلة الموعودة... وتحصيل ما سبق أن إصلاح الواقع الإعلامي المغربي يمر عبر تفعيل ما نصّ عليه الدستور الجديد والانتصار لقيم الحرية (حرية الرأي والتعبير) وحرية المبادرة واستقلالية الإعلام والقضاء والقطع مع «تركة الماضي» وإطلاق سراح رشيد نيني، حتى لا يتواصل «مسلسل الانتكاسات» في قادم الأيام...