سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أتلاتي: مشروع الحكم الذاتي جرأة سياسية والخارجية المغربية لم تكن مبدعة رئيس المركز المغربي للدارسات الإستراتيجية للمساء حصيلة حكم محمد السادس إيجابية وما تحقق قفزة نوعية
في هذا الحوار، يستقرئ طارق أتلاتي، رئيس المركز المغربي للدراسات الإستراتجية وأستاذ العلوم السياسية، ملامح 12 سنة من حكم محمد السادس، معرجا على أهم الإنجازات التي تحققت، ومسلطا الضوء على بعض التعثرات التي تعيق مسلسل الإصلاح الديمقراطي في المغرب. كما يثمّن دور المؤسسة الملكية في بناء المغرب الحديث ويوجه انتقادا شديدا لأداء الأحزاب والدبلوماسية المغربية، التي وصفها بالانتهازية. ويضع 12 سنة من حكم محمد السادس بما لها وبما عليها، تحت المجهر. -ما هي العناوين الكبرى لمرحلة 12 سنة من حكم محمد السادس؟ أعتقد أن تلخيص فترة حكم الملك محمد السادس يمكن حصره في نقطتين بارزتين: ترتبط الأولى ببصمته في تغيير واقع المجتمع المغربي والثانية بدوره في تبنّي نمط جديد على مستوى السياسات العامة، ينبني، بالأساس، على الجرأة والمبادرة. -في رأيك، ما هي تجليات هذه النمط الجديد الذي قلت عنه إنه يرتكز على الجرأة والمبادرة؟ وأين يمكن أن نلمس ما أسميته «تغير المجتمع المغربي» طيلة عهد محمد السادس؟ سأجيب على هذا السؤال انطلاقا من النقطة الأولى، حتى نفهم بشكل جيد النقطة الثانية، ففي ما يتعلق بالجرأة والمبادرة، فإنه منذ اعتلاء محمد السادس العرش، وبكل موضوعية، قبِل النظام أن يعترف بأخطاء الماضي والدخول في «عهد جديد» يقطع مع كل الأساليب والأدوات التي كانت تعتبر مقومات للمرحلة السابقة. وبالتالي، كانت البداية بطي صفحة الماضي حول انتهاكات الحريات وحقوق الإنسان وما ترتّبَ عن ذلك من صدى إيجابي على المستوى الدولي. وقد أحرز المغرب من وراء ذلك نقطا إيجابية في علاقاته مع الدول الكبرى. ومن زاوية أخرى، تجلّت روح الجرأة والمبادرة في ما يتصل بالقضية الأولى للمغرب، وهي ملف النزاع حول الصحراء، وفي هذا الصدد، يمكن ذكر طرح الملك مشروعَ الحكم الذاتي فاجأ الرأي العامّ الوطني والدولي وخصوم الوحدة الترابية للمملكة. - لكنْ هناك العديد من الانتقادات التي وُجِّهت لهيئة الانصاف والمصالحة بخصوص معالجة الكثير من الملفات العالقة، خاصة في منطقتي الريف والصحراء؟ يجب التشديد في هذا السياق بالذات على أن المؤسسة الملكية كانت تطمح إلى تحقيق أعلى سقف بشأن طي صفحة الماضي، وكان من المفروض أن تتهيأ لها الأرضية والشروط المناسبة لتحقيق هذه المبتغى، وهذا ما أعطى الانطباع أن هناك نوعا من التماطل لدى مؤسسات الدولة من أجل الانخراط بسرعة في التحولات والتغيرات الهادفة إلى الاستجابة لانتظارت المجتمع. لكنْ على العموم، لا بد من الإشارة إلى أن المغرب يعتبر من الدول التي تعرف التغيير بالتدريج وليس عن طريق القطيعة، ومن ثم فإننا نعتبر ما تحقق في المجال الحقوقي على مدى 12 سنة من حكم محمد السادس قفزة نوعية سمحت للمغرب أن يتصالح مع ماضيه في وقت وجيز ويتقدم بسرعة، حيث إن 12 سنة ليست بالسنوات الطويلة التي تجعل النظام يناور أو يراوغ لعقود بل هي سنوات قليلة استطاعت فيها المؤسسة الملكية أن تضفي دينامية خاصة على المغرب. صحيح أن منظمات غير حكومية فاعلة وجهت انتقادات كثيرة لآلية هيأة الإنصاف والمصالحة، إلا أن التقييم النهائي للتجربة إيجابي، بدليل أن الدستور الجديد يحمل في ثناياه كل التوصيات التي شددت تلك المنظمات على ضرورة تنزيلها في دستور حتى تصير بمثابة قانون أسمى يحمي المجتمع مما يمكن أن نسميه «اللا عودة» إلى ممارسات الماضي. - هناك من يقولون إنه إذا كان الراحل الحسن الثاني قد قام بالمسيرة الخضراء، فإن الملك محمد السادس أبدع مشروع الحكم الذاتي، كيف تنظر إلى هذا الأمر؟ الأكيد أن طرح مبادرة الحكم الذاتي في أقاليمنا الجنوبية ينطوي على جرأة سياسية كبيرة على اعتبار أن حل النزاع كان يسير في اتجاه أخر وهو الاستفتاء وتقرير المصير والتي اعتبرت حلولا جامدة ليس بمقدورها أن تسوي هذا الملف. ولذلك، فإن مشروع الحكم الذاتي حرك المنتظم الأممي والفاعلين داخل الوطن بل وحتى الطرف الأخر تفاعل على نحو ما مع روح المبادرة حتى وإن ما يزال يتشبث بحل الاستفتاء، وهذا التفاعل يتمثل في الجلوس إلى المفاوضات على أساس هذا الطرح الجديد. وعلى ضوء كل ذلك، فإن المؤسسة الملكية طرحت هذا المشروع من دون أن تتوفر على الضمانات الكافية لتحظى بقبول من لدن المنتظم الدولي. وأرى كذلك أن طرح المبادرة للتشاور الوطني هو تحول جديد في ملف كان إلى عهد قريب تتحكم فيه جهة رسمية وهي وزارة الداخلية. بيد أنه تنبغي الإشارة إلى مسألة سلبية داخل هذه العملية الإيجابية وهي أن المغرب كان قريبا جدا من أن يحقق تلك اللمسة الأخيرة كتخريجة سياسية وسلمية للنزاع على عهد فان فالسوم غير أن هذه الجرأة الملكية لم تواكبها جرأة مماثلة على مستوى الجهاز التنفيذي وأقصد وزارة الخارجية لأنه تم تضييع فرصة حقيقية لربح المعركة في الأممالمتحدة، لاسيما وأن التقرير الأخير لفالسوم اعتبر أن مقترح الحكم الذاتي هو الحل الواقعي للملف، لكن أسلوب اشتغال وزارة الخارجية المغربية سمحت للدبلوماسية الجزائرية أن تلعب أوراقها وتُعجّل برحيل فان فالسوم تحت ضغطها. - لكن هناك من يقولون إن السلطة في المغرب لم تعالج بعض الملفات ربطريقة ناجعة مثل قضة مجموعة التامك. ما هو ردك؟ سنعود إلى الإشكال الحقيقي، فحين نحدد أي عمل إستراتيجي، نضع الفكرة الرئيسية، والتي تكون عبارة عن مدخل لمنظومة بشكل شمولي، فحين طرح مشروع الحكم الذاتي كفكرة اكتست قوة كبيرة، لكن إنجاح الفكرة على المستوى الإستراتيجي هي في حاجة إلى أدوات تنفيذية لتنزيلها على أرض الواقع. وهنا نعترف أن المغرب عانى على امتداد 12 سنة الأخيرة من اختلالات في الأدوات التدبيرية. وعليه لاحظنا كيف تم تدبير ملف أميناتو حيدر وجماعة التامك بطريقة سيئة. وفي تقديري، فإن إنجاح روح مبادرة الحكم الذاتي كان يستدعي من وزارة الداخلية تحصين الجبهة الداخلية ومن وزارة الخارجية تبني إستراتيجية هجومية، خصوصا أن الجزائر سخّرت كل آلياتها الدبلوماسية لإفشال جهود المغرب لإنهاء هذا النزاع. - هل يمكن أن نفهم من كلامك أن الدبلوماسية المغربية في فترة حكم الملك محمد السادس لم تكن في حجم التطلعات، أو بصيغة أخرى، لم تؤد بعض الأدوار التي كان من المفترض أن تقوم بها؟ لا يمكن الجزم بشكل قطعي أنها لم تقم بأدوارها، لأنها نجحت في بعض الملفات، لكن السقف الذي كان مطلوبا منها عند بداية مرحلة محمد السادس لم يتحقق بالشكل الذي كان يبتغيه المغرب، وأسوق في هذا الإطار مثالا لأدلل به على صحة هذا الكلام، فإذا كانت التمثيلية المغربية في الولاياتالمتحدةالأمريكية لا تفوق التمثيليتين فإن جبهة البوليساريو تستفيد من تمثيليات الجزائر البالغة 52 تمثيلية، والأدهى من كل ذلك هو تواجد الجبهة في الكونغرس الأمريكي، بينما لا يتوفر المغرب على مكتب دائم. وهذا الأمر في رأيي يرتبط بمدى اشتغال الدبلوماسية المغربية وقدرتها على فرض حضورها في كل بلدان العالم، خاصة أننا نعلم أنه ثمة دينامية لدى الطرف الآخر. وعلى كل حال، فقد أصيبت الدبلوماسية المغربية، طيلة 12 سنة الأخيرة، بما يمكن أن نطلق عليه الشرخ بين اتخاذ القرار وإبداع الأفكار، الشيء الذي يفرض على الدبلوماسية المغربية مواكبة دينامية المؤسسة الملكية التي عرفتها خلال العقد الأخير. -لنبق في دائرة ملف الصحراء، كيف تقيم العلاقات المغربية الجزائرية على ضوء هذا الصراع منذ اعتلاء محمد السادس العرش سنة 1999؟ لا مناص من التأكيد أن العلاقات المغربية الجزائرية ذات بعد عميق في التاريخ، ويحاول المغرب، في العقد الأخير، أن يحيي هذه العلاقات، التي أصيبت بالجمود بفعل نزاع الصحراء، من خلال دعواته الجزائر إلى فتح الحدود، لكنْ يجب تنبيه الخارجية المغربية إلى أن المطالبة بأكثر ما يلزم بفتحها يعتبر تنقيصا من الدبلوماسية الوطنية. من جانب آخر، حاول المغرب تطوير العلاقات الثنائية عبر مجالات الفلاحة والرياضة، لكن عمق المشكل الذي واجهتْه المؤسسة الملكية هو نمط تفكير العقلية الجزائرية في التعامل مع هذا الملف. ويجب أن نعلم كذلك أنه ليس مطروحا في أجندة حكام الجزائر، بتاتا، التخلي عن جبهة البوليساريو، ولو تطلب منهم الأمر تخصيص ميزانيات ضخمة للعمل على الإبقاء على النزاع. وقد أدرك الملك محمد السادس، طيلة فترة حكمه، أن الجزائر طرف أساسي في الصراع. - وما هو تقييمك لتدبير العلاقة مع إسبانيا، خاصة أن هذه العلاقة شهدت بعض التوترات مثل ما حدث في قضية جزيرة ليلى؟ لقد بدا على امتداد عقد من الزمن أن إسبانيا لم تكن تنظر بعين الرضا إلى الطفرة النوعية التي يعرفها المغرب على جميع المستويات. وقد بدا جليّا، كذلك، أن المغرب كان مطالبا أن يواجه تحالفا إستراتيجيا بين إسبانياوالجزائر، لاسيما أن الجزائر أعلنت خلال أزمة جزيرة ليلى عن دعهما الجارَ الشماليَّ ضد المغرب. وكل ذلك كان لغاية الحد من التوجه الذي جاء به الملك محمد السادس، والرامي إلى النهوض بوضعية المغرب في منطقة حوض الأبيض المتوسط. وليس من الغريب أن نرى أن الحزب الشعبي الإسباني، المعادي للمغرب، حاول التشويش، غير ما مرة، على مسيرة الإصلاحات في المغرب. أما الحزب الاشتراكي، الذي يترأس الحكومة الحالية، فهو يتعامل بنوع من الحذر مع المغرب. وما يحسب للمؤسسة الملكية في هذا المجال هو نجاحها في تقريب وجهات النظر الرسمية بين البلدين، حتى وإن كان الحزب الشعبي قد عبّر عن عدائه للمغرب من خلال دفع ملك إسبانيا إلى زيارة سبتة ومليلية ومساندة طرح البوليساريو في مخيم «أكديم إيزيك» وما استتبع ذلك من قرارات في البرلمان الأوربي، مسانِدة لأطروحة الجزائر. مع ذلك، ظلت العلاقات بين البلدين الجارين قوية على عهد محمد السادس، الأمر الذي عكسته تصريحات وزيرة الخارجية الإسبانية حول اعتبار الحكم الذاتي حلا واقعيا للنزاع، وهو ما اعتُبِر في حينه تغيرا جذريا في التعامل مع قضية الصحراء. - ننتقل إلى موضوع آخر طبع مرحلة حكم محمد السادس، والمرتبط بتبنّي مدونة الأسرة وما تلاه من سجال بين كل الأطياف السياسية والمدنية والصراع الذي دار حول الخطة الوطنية لإدماج المرأة، التي تطلبت تحكيما ملكيا، كيف تقرأ هذه الإصلاحات؟ هذا الملف بالذات هو الذي عكس مسألة مهمة في المجتمع المغربي، فحواها أن الدور القوي للمؤسسة الملكية يتجسد، بالأساس، في دورها التحكيمي على اعتبار أن الملك هو ملك الجميع وليس لمكون على حساب مكون آخر، وبناء على ذلك، فإن الشارع المغربي حين انقسم إلى مرجعيتين وتوجهين أساسيين، برزت المؤسسة الملكية بمظهر الضامن لاستمرارية المجتمع المغربي وفي تدبير هذا الاختلاف الداخلي وجسّدت، كذلك، رغبة في القفز على المحطات التي بإمكانها أن تُشكّل توعكا سياسيا أو اجتماعيا. ولا شك أن المغرب بتبنيه مدونة الأسرة أسّس لمرحلة جديدة لرد الاعتبار إلى المرأة المغربية وأفسح المجال أمام ترسيخ قيّم حقوق الإنسان. الأمر الذي منح صورة إيجابية للمؤسسة الملكية. - عودة إلى مسألة التحكيم الملكي، هل يمكن القول إن هذا الأمر قد أدى وظائف إيجابية طيلة 12 سنة واستطاع تجنيب المغرب ما أسميته «التوعكات الاجتماعية والسياسية» التي كان من الممكن أن تنجم عن بعض القضايا؟ ينبغي ألا أغفل شيئا أساسيا في هذا السياق الإقليمي، الموسوم باندلاع العديد من الثورات، أننا لسنا منعزلين عن واقع المنطقة، ولكنْ حين نقارن دور الملك في المغرب مع باقي قيادات المنطقة، فإن الحصيلة النهائية لحكم محمد السادس كانت إيجابية جدا. وليس من العبث، إذن، أن تصنف المنظمات الحقوقية العالمية المغرب رائداً في دول المنطقة. وفي قضية التحكيم، يمكننا القول إنه، إلى حد ما، استطاع الملك في عهده أن يُجنّب المجتمع كبوات من شأنها أن تكون ذات تأثير خطير وغير سليم على المجتمع برمته. وشمل التدخل الملكي، أيضا، الركن الأساسي في الحكامة هو ربط المسؤولية بالمحاسبة، وهو ما تجسّد في الخطاب الملكي الأخير، وأنا أعتبر ذلك نقطة تدخل أساسية للملك في الشق المرتبط بتحكيمه بين جهتين رئيستين، تطالب أولاهما بإسقاط الفساد وتستقوي الثانية بالمسؤوليات التي تنفرد بها في تسيير الشأن العام. -دعنا ننتقل إلى ملف آخر استأثر باهتمام المؤسسة الملكية خلال العقد الأخير، وهو الاهتمام أو الانفتاح على المناطق الشمالية للمملكة، خاصة منطقة الريف، هل يمكن اعتبار ذلك نوعا من المصالحة بينها وبين سكان هذه المنطقة؟ -لقد تبيَّن، بالملموس، أنه منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش يحمل هذا الهمّ، والذي أكد هذه المسألة هو خطاب أجدير سنة 2002 وحضوره القوي في الزلزال الذي ضرب إقليمالحسيمة سنة 2004. لقد تغيّى الملك من وراء ذلك، في اعتقادي، أن يبعث بإشارات قوية مفادها أن تلك الشكوك التي كانت بين ساكنة المنطقة وبين المؤسسة الملكية قد حان الوقت لتتبدد ولكي تدخل في علاقات واضحة وشفافة، وعلى هذا الأساس، استفاد سكان المنطقة من جو الانفتاح وتأسس بذلك نسيج جمعوي قوي يدافع عن المنطقة وعن تراثها وعن الضحايا المنتهكَة حقوقهم من طرف الاستعمار في البداية ومن السلطات في وقت لاحق. - هل تقصد أن المؤسسة الملكية عقدت المصالحة مع هذه المنطقة؟ صحيح، ما دامت أن الملكية قد بعثت برسالة قوية لسكان منطقة الشمال بشكل عام ولسكان منطقة الريف على نحو خاص، قوامها أن الملكية للجميع، واتضح، مؤخرا، أنه وقع ما يمكن أن نصطلح عليه «المصاهرة القوية» بين الملك وسكان الريف، الذين كانوا ينظرون، حتى وقتٍ قريب، بحذر إلى مؤسسات الدولة في علاقتها بالرواسب التاريخية القديمة. وهذه نقطة إيجابية تنضاف إلى المقاربات التي نهجتْها المؤسسة الملكية في معالجة ملف من الملفات غير العادية، بدليل أنه شكّل مصدر قلق للسياسات المغربية الداخلية. - يرى بعض المتتبعين أن ملف إصلاح القضاء ظل من الملفات التي أعاقت مسلسل الإصلاح في المغرب، وظهر أن الملك استشعر خطورته خلال فترة حكمه، حيث خصص أكثر من خطاب للحديث عن الموضوع، في نظرك ما هي المنجزات التي تحققت خلال 12 سنة في ما يخص هذا الورش؟ قبل الوصول إلى الإصلاح الدستوري، كانت هناك رغبة ملكية في إصلاح ملف القضاء، الأمر الذي يمكن تلمُّسه في إجراء ثلاثة تغييرات على رأس وزارة العدل، بغرض الدفع بإصلاح القضاء في الاتجاه الصحيح، وكانت هناك اتفاقية بين المغرب والولاياتالمتحدةالأمريكية من أجل تحقيق هذا المراد. وقد تبلورت نية الإصلاح لدى المؤسسة الملكية من خلال الارتقاء بالقضاء إلى مستوى سلطة مستقلة. لكنْ مع ذلك، ما تزال هناك العديد من «الكوابح» التي تعيق إصلاح القضاء، فقضية محاكمة الصحافي رشيد نيني، مدير جريدة «المساء» بالقانون الجنائي قبل التصويت على الدستور هو خرق سافر وضرب للتوجه الملكي والشعبي، السائر في طريق القطع مع هذه الممارسات - تقصد أن محاكمة الصحافي رشيد نيني بعثت إشارات سلبية حول نوايا الإصلاح؟ نعم، ففي الوقت الذي أُطلِق سراح بعض المعتقلين السياسيين كمؤشر جيّد على بداية الإصلاح الحقيقي، طفت قضية رشيد نيني على السطح لتمنح الانطباع أن الإصلاح قد عاد إلى نقطة الصفر، وبالتالي بات لزاما على المؤسسة الملكية أن تدفع في اتجاه إنهاء هذه التجاوزات وفق الاختصاصات التي يضمنها لها الدستور. ولا شك أن الملك أدرك، منذ اعتلائه العرش أهمية الإعلام ولذلك سارع إلى تأسيس الهيأة العليا للسمعي -البصري التي عُهِد لها تحرير المجال السمعي -البصري، وتعزز المشهد الصحافي المغربي بصحف مستقلة لم يكن يُسمَح بإنشائها من قبل. لكن هذه الرغبة اصطدمت ببعض المحاكمات المُبالَغ فيها للصحافيين وغير المقبولة على الإطلاق، لكن هذا لا يُثنينا عن الاعتراف بأنه حصل تحول جذري في مسألة حرية الإعلام في عهد الملك محمد السادس. وهنا أود أن أشير إلى أن تدخل الملك للعفو على بعض الصحافيين يجب أن يأخذ طابعا مؤسساتيا لترسيخ دولة الحق والقانون، مع العلم أن هناك شخصيات داخل الدولة لا تريد أن تتحسن علاقة الصحافة بالدولة، لأغراض جد ضيقة... - في محطة الإصلاح الدستوري، ثمة من يتحدثون عن كون هذه الخطوة جاءت كضغط من الشارع، والمقصود هنا حركة 20 فبراير، كيف تقرأ مضامين هذا الإصلاح؟ الدستور الجديد هو نتاج سياق إقليمي انعكس إيجابا على الساحة المغربية، وهو أمر صحي على اعتبار أن المغرب كان يشهد نوعاً من التراجع والمرض، وهذا الدستور هو بمثابة استفاقة جديدة للمغرب. وقد شكل هذا الحراك الشبابي، الذي تَجسَّد في حركة 20 فبراير، منعطفا تاريخيا حاسما جعل المسؤولين يدركون حقيقة الأوضاع، بعد أن أصيب الجهاز التنفيذي والأحزاب السياسية ب«الخرس» تجاه مطالب الشباب، باستثناء المؤسسة الملكية، التي تفاعلت مع انتظاراتهم في ظرف وجيز، إذا ما تمت مقارنته بالأوضاع الإقليمية. وقد كشف الحراك الشبابي اختلالاتٍ كبيرةَ في المؤسسات، عجزت الدولة نفسُها عن حلها.. أعتقد أن ربط المسؤولية بالمحاسبة الذي جاء في الدستور هو إيذان حقيقي للتأسيس لمرحلة جديدة في تاريخ المغرب، مرحلة ما بعد الإصلاح الدستوري.