إذا كانت التهمة وهمية، وهذا أمر خطير يمس المشروعية ومصداقية النيابة العامة، فإن الحكم القضائي المبني على جريمة وهمية هو أخطر على هيبة ومصداقية القضاة. وإذا لم يسبق لهيئة حكم أن أدانت مواطنا بسبب جريمة منعدمة الوجود حسا ومعنى، فإن غرفة محكمة الاستئناف بالرباط التي أيدت الحكم الابتدائي الصادر في حق السيد إبراهيم سبع الليل، عضو المكتب الوطني للمركز المغربي لحقوق الإنسان، قد سجلت سبقا في هذا الاتجاه، حيث أصدرت في فضيحة خطيرة قرارا بالإدانة عن جريمة لم يرتكبها قط. هناك ما يسمى بالأمية القانونية، والجهل بالقانون ليس سبة ولا نقصا، لكن لا تقبل الأمية القانونية من قبل الممارسين محامين أو قضاة، فإن حصلت، فتلك حجة على المستوى المنحط في الفهم والتحليل والتعليل والقناعات، وتلكم حجة على أن المحاكمة ظالمة، والظلم من قبل القضاة من الكبائر التي لا تغتفر. إن تهمة تبليغ السلطات عن وقوع جرائم لم تقع، وهو ما نسب إلى السيد إبراهيم سبع الليل، يفرض عدم مؤاخذة المتهم وتبرئة ساحته، ويفرض الاعتذار له، ويفرض محاسبة من اتهمه حتى لا يستعملوا سلطتهم في المتابعة في ظلم المواطنين والمس بحرياتهم، ويفرض تعويضه عن اعتقاله. ولكن لما أدى ذلك بالمحكمة الابتدائية، وبعدها محكمة الاستئناف، إلى إصدار حكم بالإدانة عن تهمة وهمية، ومن هنا أصبح الوهم والخيال سيد الساحة القضائية لأن التهمة الوهمية أدت إلى إدانة، فإن هذه الفضيحة تقتضي إحالة هذا الملف على أعضاء المجلس الأعلى من أجل فتح تحقيق، ودراسة كل عناصر الملف من قبل فقهاء القانون والمسطرة، وتفرض، إن ثبت تورط قضاة الحكم ابتدائيا واستئنافيا في حكم غير عادل، أن يحاسبوا عن جهلهم، ويجب أن تنزع عنهم بذلة القضاء، لأن منح شرف منصب القاضي لمن لا يعير اهتماما للمسطرة ولا للقانون هو تهديد لسلامة وحريات المواطنين واطمئنانهم. محاكمة السيد سبع الليل، أكدت أن الأمن القضائي غير مضمون في كل المحاكمات، وانعدام الأمن القضائي للمتقاضين هو أكبر تهديد للمغرب، إذ إن مصداقية المغرب ومؤسساته وسلطاته واقتصاده ومستقبله كلها وهم وخيال مادام الأمن القضائي وهما وخيالا. هكذا، فإن الحديث عن إصلاح القضاء لا يبتدئ بالمحكمة، خلافا لرأي السيد وزير العدل، بل إن الإصلاح الحقيقي يبتدئ بإصلاح شامل ومتكامل، ومنه إقرار فصل حقيقي للسلط، وإصلاح مؤسساتي وعلى رأسه مؤسسة المجلس الأعلى للقضاء، وإصلاح تشريعي وفي مقدمته إصلاح النظام القضائي، وإصلاح النظام الجنائي في اتجاه حماية الحرية وعدم التساهل في شروط الاعتقال وأسبابه، وكل ذلك موكول إلى مناظرة وطنية مشتركة بين كل الفاعلين بعيدا عن التكتلات أو الطوائف أو التستر. محاكمة السيد سبع الليل وإدانته، هي إدانة لنا كلنا إن لم نرفع صوت الاحتجاج والسخط على مهازل المحاكمات التي تنسف العدالة من جذورها لتصبح عورة عارية يفسد فيها من شاء باسم القانون وباسم الملك.