أصدر وزير العدل سنة 1958 منشورا ينص على ضرورة محاربة انتشار الخمور، فيما ينص القانون المغربي حاليا على أن شرب الخمر جريمة يعاقب عليها القانون مستثنيا من ذلك غير المسلمين، و الواقع أن الحكومة ما تزال تتعامل مع موضوع الخمر بمنطقين، منطق قضائي ينص على معاقبة كل شخص وجد في حالة سكر، ومنطق اقتصادي يرى في صناعة الخمور صناديق مالية . فقد اعتبر المرسوم الملكي بمثابة قانون المتعلق بالمعاقبة على السكر العلني في الفصل الأول منه، كل من وجد في حالة سكر بين في الأزقة أوالطرق أوالمقاهي أو الكبريهات أوفي أي مكان عمومي يغشاه العموم، ويمكن أن تضاعف هاتان العقوبتان إذا تسبب الشخص الموجود بحالة سكر في ضوضاء تقلق راحة العموم ، قد اقترف جريمة السكر العلني التي يعاقب عليها القانون بالحبس لمدة تتراوح بين شهر واحد و ستة أشهر و غرامة مالية بين 150 و 500 درهم. و بالإطلاع على باقي فصول المرسوم المذكور يتضح ما يوليه المشرع المغربي لهذه الجريمة من خطورة حتى أن من حكم لمرتين بهذه الجريمة يمكن أن يمنع من مزاولة بعض الحقوق المنصوص في الفصل 26 في القانون الجنائي المغربي. كما يعرف القضاء بعض الاجتهادات الصادرة عن محكمة الاستئناف و المجلس الأعلى في مجال الخمور، آثرنا أن نورد بعضا . إغلاق نهائي القاعدة أنه يجوز للقاضي في جريمة بيع الخمر للمغاربة المسلمين أن يضمن حكمه الأمر بإغلاق المتجر بصفة مؤقتة أو بصفة نهائية، ولا يكون إغلاقه وجوبيا إلا في حالة العود إلى الجريمة، بناء على قرار المجلس الأعلى عدد 22 المؤرخ في 6 شعبان 377 الموافق 25 فبراير 1958 /ملف جنائي عدد 94 الذي رفض طلب النقض المرفوع من طرف المسمى (إسحاق) ضد حكم المحكمة الإقليمية المراكشية الصادر بتاريخ 20 دجنبر سنة 1957 تحت عدد 72, التي قضت على المتهم بشهرين اثنين سجنا وكان في وسعها أن تقتصر على 15 يوما التي هي الحد الأدنى المقرر قانونا بناء على الفقرة الثالثة من الفصل 17 من القرار الوزيري المؤرخ في 5 ماي 1937 الذي ينتج منه أن جريمة بيع المشروبات الكحولية للمسلمين يعاقب عليها بالسجن لمدة تتراوح بين 15 يوما وستة أشهر، كما قضى المجلس الأعلى بأن إغلاق المتجر بصفة نهائية لا يكون وجوبيا إلا في حالة العود إلى الجريمة. وجاء في قرار رقم 13190 صادر في 16 نونبر 1994 ملف جنائي عدد 187121/92 صادر عن المجلس ذاته أنه لا يشترط في إثبات جنحة السكر العلني وجود محضر خاص ومستقل ومكتوب لمعاينة السكر العلني البين، بل يكفي أن يثبت ذلك في محضر الضابطة القضائية الموثوق به قانونا. فقد رفض المجلس الأعلى الطلب المقدم من (س.م) ضد القرار الصادر عن الغرفة الجنحية لمحكمة الاستئناف بسطات بتاريخ 1992 ، حيث عاب العارض في طلبه على عدم إشارة القرار إلى وجود معاينة السكر كتابة وإنما أشار إليها مقرر المحضر، ومادام لم يتبث منه أن السكر كان علنيا وفي مكان عمومي فإنه منعدم الأساس القانوني ومجرد من التعليل. ومن جهة أخرى فإن العارض توبع كذلك بجنحة العنف طبق الفصل 400 من القانون الجنائي ، ومقتضيات هذا الفصل توجب توضيح العنف وطبيعته وما هي الأفعال التي يتكون منها بالرجوع إلى القرار موضوع الطعن بالنقض يلاحظ أنه لم يبين نوعية العنف المذكور، وما إذا كان منحصرا في التشابك بالأيدي أو الركل بالأرجل أو غيرهما، ورقابة المجلس الأعلى لا تتأتى إلا إذا عرضت عليه الوقائع و الأفعال الجرمية. وطالما العنف المتابع به العارض لم تعرف طبيعته وماهيته فقد تحجج هذا الأخير أن القرار ناقص التعليل، إلا أن المجلس الأعلى يرى أن قضاة الموضوع أبرزوا بما فيه الكفاية عناصر الجريمة حيث جاء في القرار المطعون فيه حيث يستفاد من خلال وثائق الملف والأخص من الحكم المستأنف و من المحضر المنجز من طرف شرطة سطات أن الظنين ضبط...وهو في حالة سكر بالغة يتبادل العنف مع (ح.م/ح.ع). ضرورة إثبات حالة التلبس تقتضي جريمة بيع الخمر للمغاربة المسلمين وجود حالة معينة وقع البيع فيها لمسلم، أو أن يضبط شخص مسلم اشترى الخمر من الظنينة، وعدم الإشارة بمحضر المعاينة إلى أعراض السكر البين كحالة التمايل والترنح أو البذاءة في القول أو التلعثم فيه يجعل جريمة السكر العلني البين غير تابثة. فقد تمت تبرئة الظنينة (م.ر) المتهمة من طرف المدعو (ك.ج) الجزائري الجنسية بالزيادة في ثمن إقامته بالفندق و الواجبات الغذائية ابتدائيا، وعلى إثر ذلك أجر بحث في النازلة فتبين أن الظنينة كانت في حالة سكر طافح وتقوم ببيع الخمر للمغاربة المسلمين بدون رخصة، ولدى الاستماع لها أمام الضابطة القضائية أنكرت أن تكون في حالة سكر، وعن الاتجار في الخمر أكدت أنها فعلا تتاجر في الخمر ولكن برخصة منذ عشرين سنة..، إلا أن الدفاع أبرز أن المعاينة لم تكن عملية، كما أنه مرخص لها ببيع المشروبات الكحولية داخل المؤسسة التي تديرها، ومن جهة أخرى لم يسجل بمحضر المعاينة وقع البيع للمسلمين كما لم يضبط شخص مسلم اشترى الخمر منها، وما سجل بالمحضر هو وجود كمية من الخمر وقنينات خمر فارغة، كما لم يشر المحضر إلى حالة سكر طافحة كحالة التمايل ..، كما أيد قرار لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء المؤرخ في 20/9/1990 ملف جنحي، عدد: 8403/9207/90 نفس الحكم أي البراءة لأن التهم المنسوبة للظنينة غير ثابتة في حقها تبوثا كافيا . الدين الناجم عن الكحول..باطل القاعدة أن أداء دين عن بيع مشروبات كحولية هو التزام ناشئ عن معاملة باطلة تتنافى مع الأخلاق الحميدة ومع النظام العام المغربي، فقد أيدت محكمة الاستئناف بطنجة عدد 1474 الصادر بتاريخ 27/7/1988 في الملف 60,87/6 قرار المحكمة الابتدائية بطنجة الصادر بتاريخ 1986 في الملف رقم 770/85/13 حكم عدد 181/68 والذي تتمثل حيثياته في أن شركة دومين دوشو صولي تقدمت بتاريخ 24/5/1985 بدعوى أمام المحكمة الابتدائية بطنجة ضد المدعى عليها مؤسسة ادريس الخدايدي تعرض فيها هذه الأخيرة أنها مدينة لها بمبلغ 3500 درهم مقابل كميات من المشروبات الكحولية باعتها لها حسب كشف الحساب والفواتير التي بين يديها والحاملة لتوقيع وخاتم المؤسسة المذكورة، وأنها امتنعت عن أداء الدين رغم إنذارها بتاريخ 8/4/1985 ملتمسة الحكم عليها بأداء الدين، فأجابت المدعى عليها أن سبب الدين غير مشروع طبقا للفصل 62 من قانون الالتزامات و العقود المغربي، وأن ظهير 1967 يمنع بيع المشروبات الكحولية للمغاربة المسلمين، وحيث إن هذه المعاملة أساسها باطل لكونها تتنافى مع الأخلاق الحميدة وبالتالي مع النظام العام المغربي الذي لا يقر ما بني على فساد الأخلاق من معاملات أو التزامات فمحل الدعوى في النازلة غير مشروع لكونه ينصب عن نطاق دائرة التعامل بحكم القانون حسب ما جاء في قرار محكمة الاستئناف التي أيدت الحكم الابتدائي واعتبرت أنه صادف الصواب. المرجع: كتاب خمريات القانون المغربي للأستاذ المحامي يوسف وهابي