الصحافة هي ملحمة العالم الحر، فحيث توجد ديمقراطية عظيمة، توجد، بالضرورة، صحافة عظيمة، وحيث توجد صحافة عظيمة، توجد، أيضا، تقاليد راسخة في ثقافة القراءة، فالقراء الجيدون يصنعون الصحيفة الجيدة، كما تقول القاعدة الذهبية في مجال الصحافة... من هنا نفهم معنى أن تحتكر صحافة الدول الديمقراطية كل الأرقام القياسية، فنجد صحيفة مثل «نيويورك تايمز»، الأمريكية، عمرها قرن ونصف، و«ديلي ميرور»، البريطانية، توزع مليون نسخة في اليوم... فالعالم الحر سمح للصحافة ولوسائل الإعلام، عموما، بالانتقال من كونها إحدى وسائل إخبار الرأي العام إلى الوسيلة الرئيسية لصناعة الرأي العام، ليتم تتويجها «صاحبة للجلالة» على كل أنواع السلط أو «سلطة السلط»... أثارت قضية «نيوز أوف ذي وورلد» قلقا بشأن صفقة استحواذ شركة مردوخ «نيوز كورب» على بقية أسهم «بي سكاي بي»، التي لا تملكها وتصل إلى نحو 60 في المائة.وكان وزير الإعلام والثقافة البريطاني جيريمي هانت أعلن أن الصفقة يمكن أن تتم بشروط، منها تخلي «بي سكاي بي»، المملوكة كليا لمجموعة مردوخ بعد الاندماج عن قناة «سكاي نيوز» الإخبارية لضمان التعددية الإعلامية في البلاد.إلا أن الأزمة الأخيرة لإحدى صحف مردوخ ألقت ظلالا من الشك على الصفقة، رغم تأكيد رئيس الوزراء ديفيد كاميرون في وقت سابق أن قضية الصحيفة يجب ألا تؤثر على قرار إتمام الصفقة، وأطلق معارضون للصفقة حملة توقيعات على الإنترنت لمناشدة السلطات وقفها، وقد جمعت عشرات الآلاف من التوقيعات في الساعات الأولى من إطلاقها. وكشفت مصادر صحافية بريطانية أن كافة شركات الإعلان سحبت إعلاناتها من الصحيفة التي تصدر عادة كل أحد، في إطار حملة شاملة لمقاطعتها شارك فيها الآلاف من القراء على شبكات التواصل الاجتماعي. تصاعد الجدل حول ما يمكن وصفه ب»أكبر فضيحة إعلامية» تشهدها بريطانيا جعل روبرت مردوخ يخرج عن صمته بشأن فضيحة «التنصت»، ووصف قيام صحافيين ب«نيوز أوف ذي وورلد» بقرصنة البريد الصوتي للهواتف المحمولة بأنه تصرف «يبعث على الأسى وغير مقبول، فيما عقد البرلمان جلسة خاصة لمناقشة تداعياتها، ودعا رئيس الوزراء، ديفيد كاميرون، إلى إجراء تحقيق موسع في الوقائع التي تضمنتها فضيحة التنصت على الهواتف النقالة لعدد من ضحايا أعمال إجرامية، التي تورطت فيها الصحيفة البريطانية الشعبية الأسبوعية، التي تطبع حوالي 2.8 مليون نسخة. وهذه ليست المرة الأولى التي تشير فيها أصابع الاتهام إلى هذه المجلة الشعبية، ففي العام 2005 اتهمت «نيوز أوف ذي وورلد» بالتنصت على هواتف عدد من المشاهير ومن أفراد العائلة البريطانية المالكة. وأكثر من ذلك فالمجلة المذكورة، حسب «بي بي سي»، دفعت رشاوى لرجال من الشرطة للحصول على أخبار حصرية حول الجرائم وما شابه ذلك من قضايا بوليسية. وذكرت صحيفة ال«غارديان» بأن «نيوز أوف ذي وورلد» وظفت في العام 2002 عددا من المخبرين الخاصين – بينهم التحري الخاص غلين ميلكر - لجمع معلومات حول اختفاء ميلي دولر، وهي مراهقة في الثالثة عشر من العمر. وقد نجحت المجلة في الحصول على رقم هاتف الفتاة ورقم عائلتها، كما نجحت في الدخول إلى علبة رسائلها الصوتية والاستماع وتسجيل ما تركه لها أهلها ورفاقها من رسائل تعبر عن قلقهم وتدعو ميلي إلى الاتصال بهم لطمأنتهم. وتضيف ال«غارديان» أنه بعد أيام قليلة امتلأت العلبة ولم تعد تتسع لرسائل جديدة، فقامت «نيوز أوف ذي وورلد» بحذف الرسائل القديمة، مما أدى إلى التشويش على تحقيق رجال الشرطة وإتلاف أدلة في غاية الأهمية. كما أن قرصنة علبة رسائل ميلي دفع أهلها إلى الاعتقاد بأن ابنتهم ما زالت على قيد الحياة وكل هذا طمعا من «نيوز أوف ذي وورلد» بالحصول «على معلومات جديدة»، حسب ال«غارديان». وفي الخطاب الذي ألقاه رئيس تحرير الأسبوعية في حفل النهاية قال: «وعلى الطريق نحو الغفران قررنا أن توزع سائر العائدات المالية من مبيعات هذا العدد الأخير بالتساوي على ثلاث جمعيات خيرية. وفي غضون ذلك نحن نؤيد قرار رئيس الوزراء تشكيل لجنتي تحقيق مستقلتين لسبر أغوار ما حدث عندنا، والنظر في المعايير الصحافية الأخلاقية ككل، ولكن فوق كل شيء، في هذا اليوم الذي يشهد إسدال ستار الختام على هذه الصحيفة بعد صدور 8674 عددا منها، سنفتقدكم أنتم القراء.. 7.5 ملايين شخص منكم لأنكم صرتم حياتنا. لقد أضحكناكم، وعقدنا ألسنتكم بالدهشة، وأثرناكم، وأغضبناكم أيضا. لكنكم صرتم أهلنا كما صرنا أهلكم، فنتبادل الزيارات كل أسبوع. شكرا على دعمكم لنا، وسنفتقدكم فوق ما يمكن أن تعبّر عنه الكلمات.. وداعا».