الصحافة هي ملحمة العالم الحر، فحيث توجد ديمقراطية عظيمة، توجد، بالضرورة، صحافة عظيمة، وحيث توجد صحافة عظيمة، توجد، أيضا، تقاليد راسخة في ثقافة القراءة، فالقراء الجيدون يصنعون الصحيفة الجيدة، كما تقول القاعدة الذهبية في مجال الصحافة... من هنا نفهم معنى أن تحتكر صحافة الدول الديمقراطية كل الأرقام القياسية، فنجد صحيفة مثل «نيويورك تايمز»، الأمريكية، عمرها قرن ونصف، و«ديلي ميرور»، البريطانية، توزع مليون نسخة في اليوم... فالعالم الحر سمح للصحافة ولوسائل الإعلام، عموما، بالانتقال من كونها إحدى وسائل إخبار الرأي العام إلى الوسيلة الرئيسية لصناعة الرأي العام، ليتم تتويجها «صاحبة للجلالة» على كل أنواع السلط أو «سلطة السلط»... تحتل جريدة «واشنطن بوست» المرتبة الخامسة من حيث عدد النسخ الموزعة (توزع يوميا 708 آلاف نسخة) بعد الصحف التالية «نيويورك تايمز» (New York Times)، «لوس أنجلوس تايمز» (Los Angeles Times)، «وول ستريت جورنال» (Wall Street Journal) وأخيرا «يو إس توداي» (U.S. Today). ورغم أن توزيع صحيفة «واشنطن بوست» يقتصر على منطقة «كولومبيا دي سي»، فهي تقتحم بقية الأسواق الأخرى أكثر من أي جريدة يومية أخرى، نظرا إلى إقبال القراء الأمريكيين عليها. تعتبر فضيحة «ووتر غيت» (Water-gate) من أشهر «الخبطات» الإعلامية لهذه الجريدة، وترجع تفاصيل هذه الفضيحة إلى صباح يوم ال17 من يونيو عام 1972، عندما اكتشف البوليس الأمريكي وجود خمسة أشخاص غرباء في مقر اللجنة القومية للحزب الديمقراطي، واتضح أن سبب وجود هؤلاء «اللصوص» هو ضبط أجهزة التصنت التي زرعوها في شهر ماي أثناء العطلة الصيفية للحزب وكذلك لتصوير بعض مستندات الحزب الديمقراطي. وقد كان وراء كشف كل هذه المعلومات كل من بوب ودورد وكارل بيرنستين، وهما الثنائي الذي أزاح الستار عن شبكة من التجسس السياسي والفساد التي كانت تتوفر فيها كل عناصر تشويق أفلام «هوليوود»، السينمائية.. وفي النهاية، تم اتهام 40 مسؤولا حكوميا واستقالة الرئيس ريتشارد نيكسون وتغير تماما «ثالوث» العلاقة بين المسؤولين السياسيين والإعلام والجمهور. بعد صدور أحد أعداد جريدة «واشنطن بوست» عام 1981 (يحتوي على مقالة صحفية بعنوان عالم جيمي Jimmy's World) والتي كتبتها المراسلة الصحافية ل«واشنطن بوست»، جانيت كوك، التي بفضلها رشحها بوب وارد للحصول على جائزة «بولتزر»، حصلت المراسلة المذكورة، بالفعل، على الجائزة لكنْ، تم سحبها منها، بعد اكتشاف أن القصة المذكورة آنفا كانت «مفبركة»، فقام المسؤول بيل جرين بفحص الشكاوى وبإنجاز تحقيق واسع أشار فيه إلى عدة توصيات، منها أن تتحمل الجريدة مسؤولية إعلام القراء وليس الحصول على جوائز عن طريق نشر قصص مفبركة... وفي عام 1998، قامت صحيفة «واشنطن بوست» بنشر سلسلة من المقالات تُكذّب فيها تسريب معلومات بخصوص شهادة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون أمام المحكمة في قضية جونز كلينتون، والتي خالفت النظم المتبعة في المحاكم الأمريكية. وفي نفس العام، استنبط الدكتور داني إليوت، رئيس مركز الأخلاقيات العامة، أن الصحيفة كانت تعرف المصدر الذي سرّب هذه المعلومات ولكنها خدعت قراءها وادّعت أن المحكمة قد يكون لها دور في تسريب هذه المعلومات أو، ربما، يكون مصدرها المكتب الاستشاري المنافس. قبل أشهر قليلة، صدرت طبعة «ويك أند» (يوم الأحد) من صحيفة «واشنطن بوست» في ثوب جديد، وأشار مراقبون إعلاميون في واشنطن إلى أن ذلك يوضح أن الصحيفة تريد تحقيق هدفين: الأول: مجاراة أذواق الجيل الجديد من القراء، الذين يريدون صحفا أقل حجما وأبسط عرضا وأكثر تنظيما وأسهل اطلاعا. الثاني: الاستعداد لتطورات تكنولوجية مستقبلية، ربما تصل إلى احتمال أن تكون صحف الغد مختلفة جدا، بطريقة ما، عن صحف اليوم. تعليقا على ذلك، كتب موقع دورية «كولمبيا جورناليزم ريفيو»، التي يصدرها قسم الصحافة في جامعة كولومبيا: «ليس صدفة أن «واشنطن بوست» غيرت طبعة الأحد في نفس الأسبوع الذي صدرت فيه أول صحيفة رقمية أمريكية». هذه إشارة إلى صحيفة «دايلي» (اليومية) التي أصدرها تحالف بين شركتين عملاقتين في مجال الإعلام والتكنولوجيا: شركة «نيوز»، لمالكها روبرت ميردوخ، وشركة «آبل»، لمالكها ستيف جوبز. لكن، بسبب مرض الأخير، لم يظهر وقت إعلان صدور «دايلي» وظهر مكانه نائبه إيدي كيو. لكن، لا تقرأ «دايلي» إلا عن طريق «آي بود»، الجديد، باشتراك بدولار كل أسبوع. لهذا، عندما أعلنت «واشنطن بوست» صدور طبعة الأحد الجديدة، كتبت: «هذا جزء من جهود لمواكبة التطورات التكنولوجية في مجال الإعلام ولمواكبة رغبات القراء في عصر الأنترنت».