الصحافة هي ملحمة العالم الحر، فحيث توجد ديمقراطية عظيمة، توجد، بالضرورة، صحافة عظيمة، وحيث توجد صحافة عظيمة، توجد، أيضا، تقاليد راسخة في ثقافة القراءة، فالقراء الجيدون يصنعون الصحيفة الجيدة، كما تقول القاعدة الذهبية في مجال الصحافة... من هنا نفهم معنى أن تحتكر صحافة الدول الديمقراطية كل الأرقام القياسية، فنجد صحيفة مثل «نيويورك تايمز»، الأمريكية، عمرها قرن ونصف، و«ديلي ميرور»، البريطانية، توزع مليون نسخة في اليوم... فالعالم الحر سمح للصحافة ولوسائل الإعلام، عموما، بالانتقال من كونها إحدى وسائل إخبار الرأي العام إلى الوسيلة الرئيسية لصناعة الرأي العام، ليتم تتويجها «صاحبة للجلالة» على كل أنواع السلط أو «سلطة السلط»... أصبح ماكسويل رئيس شركة سندات إسرائيل في بريطانيا عام 1988، وقد كان من مؤيدي سياسات حكومة الليكود الإسرائيلية، وصرح قبل وفاته ببضعة أسابيع بأن آراءه تتطابق تماماً مع آراء رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق شامير. وأيَّد ماكسويل مبدأ إبعاد الفلسطينيين عن أرضهم وتوطينهم في البلدان العربية، كما كان يصرح دائماً بأن الأردن هي الدولة الفلسطينية (كما يفعل الإسرائيليون والصهاينة). وفي عام 1989، وبَّخ ماكسويل رئيس تحرير جريدة «معاريف» لنشره مقالاً عرض فيه تقرير الاستخبارات الإسرائيلية، ومؤداه أن ليس هناك بديل عن الحوار مع منظمة التحرير الفلسطينية. كما بيَّن ماكسويل أن الدافع وراء محاولته الفاشلة شراء صحيفة «جيروساليم بوست» في عام 1989 كان وقف الانتقاد الذي كانت توجهه الصحيفة إلى الحكومة الإسرائيلية. قدم ماكسويل خدمات كثيرة لإسرائيل، حيث قد نجح في استصدار 300 ألف تأشيرة خروج ليهود كانت إسرائيل تسعى جاهدة إلى إخراجهم من الاتحاد السوفيتي. تورط ماكسويل قبل وفاته بقليل في قضية تجسس وتجارة سلاح، حيث تَورَّط مع محرر الشؤون الخارجية لجريدته ال«ديلي ميرور» في تسهيل عقد صفقات سلاح سرية لإسرائيل، وفي تسهيل اختطاف موردخاي فانونو، وهو أحد العاملين في مفاعل ديمونة، الذي كشف عن وجود مائتي قنبلة نووية لدى إسرائيل. كما ادعى ضابط في المخابرات الإسرائيلية، وهو آرييه منَسَّى، أن ماكسويل كان متورطاً في مبيعات الأسلحة إلى إيران (أثناء حربها مع العراق)، وهي مبيعات تمت بموافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق شامير ونائب الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش. الخط التحريري الذي يعتمد الإثارة جعل صحيفة ال«دايلي ميرور» تتورط في فضائح كثيرة آخرها إبان زيارة الرئيس بوش الابن لبريطانيا، وهي الزيارة الرسمية الأولى لرئيس أمريكي للمملكة المتحدة منذ العام 1918 وسط حالة طوارئ أمنية غير مسبوقة.إذ كشفت صحيفة ال«ديلي ميرور» أن أحد صحافييها، وهو رايان باري، استطاع اختراق كل الترتيبات الأمنية المعدة منذ شهور في قصر باكنغهام الملكي البريطاني لاستقبال رئيس أكبر دولة في العالم في زيارته الرسمية. وقد استطاع الصحافي باري (26 عاما) من خلال أوراق ثبوتية مزورة الحصول على وظيفة خادم في القصر الملكي منذ غشت الماضي، ولم تستطع الجهات المعنية كشف هويته طوال فترة خدمته إلى أن كشفتها الصحيفة التي يعمل لصالحها اليوم، حيث فاجأت ال«ديلي ميرور» جمهور البريطانيين بالفضيحة الأمنية. وقد نشرت ال«ديلي ميرور» تقريرا شاملا في 15 صفحة عن مهمة المراسل الخفي، الذي نال وظيفة ذات طابع حساس في القصر الملكي. وفي التقرير الذي نشر بالصور يكتب الصحافي رايان باري أنه شاهد على الطبيعة استقبال الرئيس الأمريكي حين وصل على متن طائرة هيلوكبتر عسكرية أمريكية إلى ساحة في القصر الملكي، وأنه كان على بعد أمتار قليلة من استقباله في القصر حيث مقر إقامته الرسمي طوال أيام زيارته الرسمية الثلاث. ويضيف في التقرير المثير المدعوم وثائقيا بالصور أن واحدة من مهماته كخادم في القصر أن يقدم وجبة الإفطار لاثنين من أهم أركان الإدارة الأمريكية، هما وزير الخارجية كولن باول ومستشارة الأمن القومي كونداليسا رايس، لكنه ترك الوظيفة وعاد إلى صحيفته مع الفجر ليروي جميع التفاصيل. ويضيف الصحافي، الذي حقق أول سبق صحافي، فضلا عن تحقيقه أول اختراق أمني لا سابق له في بريطانيا أو في أي دولة أخرى، أنه استطاع التعرف على كل غرف قصر باكنغهام على مدى الشهور الثلاثة الماضية، أي منذ تعيينه بوظيفة الخادم هناك. ويشير إلى أن أحد العاملين في القصر بنى معه علاقة ثقة وأطلعه على كل التفاصيل الدقيقة في القصر الملكي، وأوضح أنه من خلال الوظيفة الجديدة تمكن من أن يكون موثوقا به، إذ أوليت إليه مسؤولية تقديم إفطار الملكة إليزابيث الثانية وزوجها دوق أدنبره في الصباح.