الصحافة هي ملحمة العالم الحر، فحيث توجد ديمقراطية عظيمة، توجد، بالضرورة، صحافة عظيمة، وحيث توجد صحافة عظيمة، توجد، أيضا، تقاليد راسخة في ثقافة القراءة، فالقراء الجيدون يصنعون الصحيفة الجيدة، كما تقول القاعدة الذهبية في مجال الصحافة... من هنا نفهم معنى أن تحتكر صحافة الدول الديمقراطية كل الأرقام القياسية، فنجد صحيفة مثل «نيويورك تايمز»، الأمريكية، عمرها قرن ونصف، و«ديلي ميرور»، البريطانية، توزع مليون نسخة في اليوم... فالعالم الحر سمح للصحافة ولوسائل الإعلام، عموما، بالانتقال من كونها إحدى وسائل إخبار الرأي العام إلى الوسيلة الرئيسية لصناعة الرأي العام، ليتم تتويجها «صاحبة للجلالة» على كل أنواع السلط أو «سلطة السلط»... تعتبر صحيفة ال«أوبزورفر» أقدم صحيفة أسبوعية صدرت في بريطانيا، وهي تصدر كل يوم أحد، وتميل إلى الخط الديمقراطي الليبرالي، ولها الاتجاهات السياسية نفسها التي لدى شقيقتها ال«غارديان»، وقد صدر العدد الأول منها في الرابع من دجنبر عام 1791. واشترت منظمة «سكوت تروست» صحيفة ال«أوبزورفر» عام 1993 لتنضم الى ال«غارديان» التي تمولها المنظمة الخيرية نفسها. وذكرت صحيفة ال«غارديان» في تقرير لها أن إدارة منظمة «سكوت تروست» ناقشت فكرة التوقف عن الإصدار الورقي منذ السابع من شهر يوليوز، واستبدالها بمجلة إخبارية تصدر كل يوم خميس. وبعد عدم توافق الآراء بين مجلس إدارة المنظمة تقرر أن يبقى موضوع النقاش مفتوحاً إلى أجل آخر. ويؤمل أن يصدر القرار النهائي في شهر سبتمبر.ورفضت رئيسة المنظمة الممولة للصحيفة ليز فورجان التعليق على خبر إغلاقها، فيما تتصاعد الإشاعات بين أروقة الصحيفة منذ أسابيع حول إغلاقها أو تحويلها إلى مجلة أسبوعية.ويضع إغلاق صحيفة ال«أوبزورفر» تاريخاً على رفوف الأرشيف بعد 218 عاما من الإصدار، وصلت فيها كميات التوزيع إلى 1.3 مليون نسخة في أوج تفوقها عام 1979، فيما توزع حاليا 400 ألف نسخة في الأسبوع. وبالرغم من أن منظمة «سكوت تروست» لا تنشر أرقام الخسائر التي تكبدتها الصحيفة، فإن المراقبين يتوقعون أنها خسرت ما بين 10 ملايين و20 مليون جنيه إسترليني في السنوات الأخيرة، وأنها لم تحقق أي أرباح منذ أن اشترتها صحيفة ال«غارديان» عام 1993. وكان بول وبستر، نائب رئيس تحرير ال«أوبزورفر» قد ذكر في حوار معه أن الصحف تواجه مستقبلا صعبا جدا، ومن الواضح أنها تعاني بسبب الركود، ولكن على المدى الأطول ستعاني كلما زاد عدد الناس الذين يحصلون على الأخبار من الإنترنت. وأضاف بول وبستر «يشتري الناس الصحف بأعداد أقل، ومن ثم فإن هناك أزمة صحف على المدى البعيد، ولن يشتري أصحاب الإعلانات مساحات داخل الصحف بمعدلات كبيرة إذا ما اختفى قراؤها».وأكد أن «الصحف الجيدة، مثل الصحف التي لديها استعداد كي تكيّف نفسها، ستكون قادرة على البقاء، فما زال الناس في حاجة إلى الصحف وما زال الناس يستمتعون بقراءتها، ولذا فإن الصحف التي تحصل على تمويل ودعم جيد سوف تبقى على المديين القصير والمتوسط». وأغلقت ستون صحيفة محلية في بريطانيا خلال الاثني عشر شهرا الماضية، حيث تواجه صناعة الإعلام في العالم تحديات التنافس مع النشر الإلكتروني وتوفير المادة الإعلامية على الإنترنت، الأمر الذي عزف فيه القراء على شراء الصحيفة الورقية، وضعفت مردودات الإعلان. وركزت الصحف على مواقعها الإلكترونية وطورتها بطريقة تجتذب إليها المستخدمين والمعلنين في آن واحد، وباتت المواقع الإلكترونية للصحف في تنافس على نشر التقارير والأخبار قبل نشرها في الطبعة الورقية في اليوم التالي.وقال كريس إليوت، مدير التحرير في صحيفة ال«غارديان» إن «نجاح الموقع الإلكتروني للصحيفة كان نتيجة قيام الفريق التحريري بكامله بالعمل لصالح الموقع، وحتى في الأخبار الخاصة فإن الموقع له الأولوية في النشر، وهذه مسألة لم تكن سهلة التقبل في البداية، ولكن التفاعل مع الجمهور من خلال الموقع شجع الكثيرين على الاهتمام بهذا الجانب». في البلدان السباقة لتوظيف الثورة الرقمية على مستوى العمل الصحفي لا تزال الصحافة الإلكترونية إلى اليوم تطرح مفارقة، فمن جهة تعتبر الصحافة هي المجال الأول الذي يستفيد من تطورات الثورة الرقمية، فما إن يتم اختراع وصناعة تكنولوجيا رقمية جديدة تجد الصحافة الإلكترونية هي الأسرع لتوظيفها، وهذه القابلية لتطوير خدماتها، كالسرعة والإرسال الحي المباشر والتوثيق بالصوت والصورة والتفاعل الحي بين القراء، بل بين القراء وصناع القرار، جعلها صحافة حرة بامتياز، والدليل على ذلك أن محاولات التحكم فيها على خلفية تسريبات ويكليكس أثبتت فشلها، لكون هذه الصحافة لا تعتمد على طاقم بشري وتقني ضخم قابل لأن يراقب ويعرف وتضبط خلفياته، إذ يمكن لشخص واحد باسم مجهول ومن مكان مجهول عبر حاسوب شخصي مزود بخدمة الإنترنت وبعض البرامج الافتراضية، أن ينشر الأخبار والمعلومات والتحليلات والوثائق والمستندات التي يريد دون رقيب...وهذه الأسبقية التي سجلتها الصحافة الإلكترونية دفعت جل عناوين الصحافة الورقية البريطانية إلى أن تنشئ لها نسخا إلكترونية موازية، ومنها من تفكر التخلي عن نسختها الورقية، مستفيدة من الفراغ التشريعي والضريبي الذي تتمتع به النسخ الإلكترونية، وما تعيشه صحيفة ال«أوبزورفور» هذه الأيام يعكس توتر العلاقة بين الورقي والالكتروني في الصحافة. وتواجه ال«أوبزورفر» أعرق الصحف الأسبوعية في بريطانيا معضلة التوقف عن النشر الورقي بعد 218 عاماً من الإصدار، إثر تصاعد الأزمة الاقتصادية والمنافسة الشديدة مع الإعلام الإلكتروني. وذكرت التقارير المقربة من منظمة «سكوت تروست»، التي تمول صحيفة ال«غارديان» وال«أوبزورفر»، أن النقاشات متواصلة حول توقف طبع ال«أوبزورفر» بعد الخسائر التي منيت بها خلال السنوات الماضية