الصحافة هي ملحمة العالم الحر، فحيث توجد ديمقراطية عظيمة، توجد، بالضرورة، صحافة عظيمة، وحيث توجد صحافة عظيمة، توجد، أيضا، تقاليد راسخة في ثقافة القراءة، فالقراء الجيدون يصنعون الصحيفة الجيدة، كما تقول القاعدة الذهبية في مجال الصحافة... من هنا نفهم معنى أن تحتكر صحافة الدول الديمقراطية كل الأرقام القياسية، فنجد صحيفة مثل «نيويورك تايمز»، الأمريكية، عمرها قرن ونصف، و«ديلي ميرور»، البريطانية، توزع مليون نسخة في اليوم... فالعالم الحر سمح للصحافة ولوسائل الإعلام، عموما، بالانتقال من كونها إحدى وسائل إخبار الرأي العام إلى الوسيلة الرئيسية لصناعة الرأي العام، ليتم تتويجها «صاحبة للجلالة» على كل أنواع السلط أو «سلطة السلط»... «وول ستريت جورنال» (The Wall Street Journal) جريدة دولية يومية باللغة الإنجليزية تنشرها شركة نشر الأمور الاقتصادية «داو جونز» في مدينة نيويورك مع طبعات آسيوية وأوربية. وابتداء من عام 2007، بلغت إيرادات تداول نسخ الجريدة في جميع أنحاء العالم ما يزيد على مليوني دولار، مع ما يقرب من 931000 مشترك في الأنترنت. وكانت أكبر الصحف تداولا في الولاياتالمتحدة حتى نونبر 2003، عندما تجاوزتها «يو إس إيه توداي» (USA Today)، ومنافستها الرئيسية هي «فاينانشال تايمز»، اللندنية، التي تنشر أيضا العديد من الطبعات الدولية. تغطي هذه الجريدة، في المقام الأول، الأعمال التجارية في الولاياتالمتحدة والعالم والأخبار والقضايا المالية، وبالتالي فهي تعكس في خطها التحريري روح الرأسمالية الأمريكية، وهي الجريدة التي تعتبر موادها بمثابة مؤشرات على توجهات الأسواق والبورصات والتجارة العالمية وتأثيرها بالتالي في السياسة الدولية كبير جدا. وقد اشتُق اسم الجريدة من «وول ستريت»، وهو شارع في مدينة نيويورك، يشكل قلب المنطقة المالي، ويوجد في منطقة منهاتن في مدينة نيويورك، ويضم بعض أهم معالم الرأسمالية الأمريكية، مثل بورصة نيويورك وبرجي التجارة العالميين، اللذين أسقطتهما هجمات 11 شتنبر 2001. وقد طبعت جريدة «وول ستريت» بشكل مستمر منذ تأسيسها في 8 يوليوز 1889، من قبل تشارلز داو وإدوارد جونز وتشارلز بيرغشترسر. فازت الصحيفة بجائزة «بوليتزر» 33 مرة، بما فيها جوائز 2007 لخيارات الأسهم بأثر رجعي والآثار السلبية لاقتصاد الصين المزدهر. تأسست شركة «داو جونز»، الناشرة لجريدة «وول ستريت»، عام 1882 من قبل الصحافيين تشارلز داو وإدوارد جونز وتشارلز بيرغشترسر. وقد حوّل جونز اسمها من «Customers Afternoon Letter» إلى جريدة «وول ستريت»، ونشرت لأول مرة في عام 1889، وبدأ توزيع «خدمة أخبار «داو جونز» (DowJones News Service) عبر التلغراف. وقد كانت الجريدة تعرض مؤشر جونز، وهو أول مؤشر من عدة مؤشرات لأسعار البورصة والسندات في بورصة نيويورك. استطاع الصحافي كلارينس بارون التحكم في الشركة بعد شرائها ب 130.000 دولار في عام 1902. وكان تداول الجريدة حينئذ حوالي 7000، لكنه ارتفع إلى 50.000 بحلول نهاية عشرينيات القرن الماضي، وكان لبارون وأسلافه الفضل في خلق مناخ من عدم الخوف وإعداد التقارير المالية المستقلة.. توفي بارون في عام 1928، أي قبل عام من «الثلاثاء الأسود»، وانهيار سوق الأوراق المالية، الذي أدى إلى الكساد الكبير في الولاياتالمتحدة. واصل أحفاد بارون، وهم من أسرة بانكروفت، السيطرة على الشركة حتى عام 2007. وفي وقت لاحق، قامت شركة «وودورثس» بنشر الجريدة. أخذت الجريدة شكلها الحديث في العقد الرابع من القرن العشرين، وهو الوقت الذي شهدت فيه الولاياتالمتحدة ومؤسساتها المالية في نيويورك توسعا صناعيا. عين برنار كيلغور مديرا للتحرير في الجريدة في عام 1941، ورئيسا تنفيذيا للشركة في عام 1945، وفي نهاية المطاف، بعد 25 عاما في الخبرة، عين رئيسا للجريدة. كان كيلغور مصمم ومبدع أيقونات في الصفحات الأولى، مع ملخص «ما هي الأخبار» وواضع إستراتيجيته للتوزيع. نقل تداول الجريدة من 33000 دولار في عام 1941 إلى 1.1 مليون دولار عند وفاته في عام 1967. وفي عهد كيلغور، أيضا، في عام 1947، فازت الجريدة بأول جائزة «بوليتزر»، لكتابة الافتتاحية. ورغم سمعتها كجريدة ذات أخبار تجارية موثوقة ومحايدة، فقد سقطت في الأوقات المضطربة في التسعينيات من القرن الماضي، حيث انخفضت أرباح الإعلانات وارتفعت تكاليف الطباعة، في ارتباط مع أول خسارة سنوية في مؤشر «داو جونز»، الصناعي. وفي سنة 1997، بدأت التكهنات بأن وقت التغيير الجذري في الجريدة قد حان وأنه حان وقت بيعها. وكانت «وول ستريت جورنال» سابقا في ملكية أسرة بانكروفت، قبل أن تقوم شركة «نيوز كورب»، الإعلامية الضخمة، التي يملكها الملياردير ذو الأصول اليهودية روبرت مردوخ، بشرائها، مؤخرا، مقابل 5 مليارات دولار سنة 2007، بعد الحصول على موافقة أهم أفراد أسرة بانكروفت. وفي سياق انتقال الصحيفة إلى ملكية مردوخ، أثيرت تساؤلات حول مدى استمرار الاستقلال في المواقف الذي طالما اعتبرته الصحيفة أحد ركائزها، خصوصا أنها تشكل منبرا مهما للاقتصاديين في أمريكا، وبشكل أساسي في القطاع المصرفي وشركات المضاربة. تحاول «وول ستريت جورنال» على المستوى الاقتصادي، رغم كونها توصف أثناء تصنيفها بأنها ليبرالية في الاقتصاد ومنادية بمبدأ حرية السوق، أن تكون صحيفة رجال الأعمال، على اختلاف توجهاتهم الاقتصادية، ويمكن القول، حسب بعض المحللين، إنها في الأخبار الاقتصادية ليس لديها توجه اقتصادي محدد، بل تحاول أن تكون صحيفة كل الاقتصاديين. «وول ستريت جورنال» ليست صحيفة اقتصادية فحسب، بل لها، أيضا، مواقف سياسية، فهي ذات توجه محافظ وشديدة التأييد لإسرائيل، كما يبدو ذلك في صفحة الرأي منها. وهي تؤيد الحزب الجمهوري ولها علاقة بالمحافظين الجدد وتدعم مواقف الإدارة الأمريكية بوضوح، حيث تعتبِر، على سبيل المثال، أن سجناء «غوانتانامو» يُعامَلون بطريقة عادلة، بالإضافة إلى أن هذا السجن، حسب قولها، من ضروريات الحرب العالمية على ما يسمى «الإرهاب». وقد وصلت مطبوعات الصحيفة سنة 2006 حوالي 2.062.312 نسخة يوميا، مما يجعلها في المقدمة، مع صحف أخرى من حيث حجم التوزيع، فبعد أن كانت، في بداياتها، تجربة صحافية محضة، أضحت اليوم مؤسسة رأسمالية كبرى، تخدم توجهات النظام الرأسمالي، خصوصا منذ أن أصبحت في ملك «إمبراطور الإعلام»، اليهودي، أسترالي الأصل، مردوخ، الذي لا تنحصر قوة نفوذه في الصحافة المكتوبة، بل في كل وسائل الإعلام، المكتوب والمرئي والمسموع.. ثم إن نفوذه يتعدى حدود الولاياتالمتحدةالأمريكية ليصل إلى أوربا والعالم العربي وآسيا، وهو يقوم بدور «المنقذ» لكل مؤسسة إعلامية تحتضر، وخصوصا في الدول التي تشهد نهضة اقتصادية أو طفرة مالية.. ومن هذا نفهم شراءه، مؤخرا، 10 في المائة من قنوات «روتانا» من الوليد بن طلال. ومردوخ من بين الشخصيات البارزة إعلامياً، فهو يملك، أيضا، أستوديو شركة «فوكس القرن العشرين»، وهي رائدة صناعة السينما، وشبكة «فوكس» و35 محطة، تصل خدمتها إلى أكثر من 40٪ من أمريكا... وهو صاحب قنوات «كابل»، التي تشمل «فوكس نيوز» و19 من القنوات الرياضية الإقليمية. وبعد أن أحكم سيطرته على السوق الإعلامية في أستراليا، قام بتوسيع نشاطه وتحول، عام 1969، إلى بريطانيا، حيث اشترى أولا صحيفة «News of the world»، الأسبوعية، التي كان حجم توزيعها يصل إلى 6.2 ملايين نسخة، ثم قام بتغيير سياستها التحريرية بالاعتماد على الموضوعات الجنسية وبالتركيز على العناوين ذات الحجم الكبير. بعد عدة أسابيع، اشترى صحيفة «The Sun» بنصف مليون جنيه إسترليني، بعد أن شارفت على الإفلاس، فخفض عدد العاملين فيها، ثم ما لبث أن قلب سياستها التحريرية رأسا على عقب، واستحدث في الصحيفة ركنا يوميا ثابتا لصورة فتاة عارية.. وركّز على أخبار الفضائح وعلى ما يحدث في المجتمع المخملي، فارتفعت مبيعات الصحيفتين في وقت قصير، ليحقق مردوخ أرباحا طائلة ويسيطر على سوق الإعلام البريطاني.