الصحافة هي ملحمة العالم الحر، فحيث توجد ديمقراطية عظيمة، توجد، بالضرورة، صحافة عظيمة، وحيث توجد صحافة عظيمة، توجد، أيضا، تقاليد راسخة في ثقافة القراءة، فالقراء الجيدون يصنعون الصحيفة الجيدة، كما تقول القاعدة الذهبية في مجال الصحافة... من هنا نفهم معنى أن تحتكر صحافة الدول الديمقراطية كل الأرقام القياسية، فنجد صحيفة مثل «نيويورك تايمز»، الأمريكية، عمرها قرن ونصف، و«ديلي ميرور»، البريطانية، توزع مليون نسخة في اليوم... فالعالم الحر سمح للصحافة ولوسائل الإعلام، عموما، بالانتقال من كونها إحدى وسائل إخبار الرأي العام إلى الوسيلة الرئيسية لصناعة الرأي العام، ليتم تتويجها «صاحبة للجلالة» على كل أنواع السلط أو «سلطة السلط»... في مارس 2003، أصدرت «الجزيرة» موقع ويب باللغة الإنجليزية، وفي 4 يوليوز 2005 أعلنت رسميًا عن خطط جديدة لإطلاق قناة فضائية باللغة الإنجليزية باسم «الجزيرة» الدولية. بدأت القناة الجديدة في الساعة الثانية عشرة بتوقيت غرينتش يوم 15 نوفمبر 2006 تحت اسم «الجزيرة» الإنجليزية ومراكز بثها في الدوحة (بجوار مقر «الجزيرة» الأصلي)، لندن، وكوالالمبور والعاصمة واشنطن. وتبث القناة لمدة 24 ساعة و طيلة 7 أيام في الأسبوع، مع 12 ساعة من البث من الدوحة، وأربع ساعات في كل من لندن وكوالالمبور وواشنطن. وابتداء من عام 2007، بدأت قناة «الجزيرة» بمنافسة ال»بي بي سي» من حيث عدد المشاهدين في جميع أنحاء العالم، وهو ما يقدر بنحو 40 إلى 50 مليون مشاهد. ويقدر أن قناة «الجزيرة» الإنجليزية تصل إلى ما نحو 100 مليون أسرة. وقناة «الجزيرة» الأصلية متاحة في جميع أنحاء العالم من خلال مختلف الأقمار الصناعية وشبكات الكابل، وفي الولاياتالمتحدة، من خلال الاشتراك في القنوات الفضائية وحرية الهواء DVB-S - على الأقمار الصناعية غالكسي 25 وغالكسي 23. ويمكن مشاهدة قناة «الجزيرة» مجانا مع مستقبل DVB-S في أوروبا، وشمال أفريقيا والشرق الأوسط لأنها تبث على أقمار عربسات وأسترا وهوت بيرد. ويحمل القمر الصناعي Optus C1 في أستراليا القناة مجانًا، في حين أنه متاح في المملكة المتحدة من خلال منصات Sky وFreesat. أداء قناة «الجزيرة» كان في بعض الأحيان يتعرض إلى الانتقادات وإلى اتخاذ إجراءات قاسية، فعلى سبيل المثال انتقدت «الجزيرة» في 27 يناير في 1999 في البرنامج المباشر «الاتجاه المعاكس»، الجزائر فقطعت الحكومة الجزائرية إمدادات الكهرباء عن أجزاء كبيرة على الأقل من العاصمة الجزائر (ويقال عن أجزاء كبيرة من البلد) لمنع مشاهدة البرنامج في ذلك الوقت. كما دمرت ضربة صاروخية أمريكية مكتب قناة «الجزيرة» في كابول. ولم تقع خسائر في الأرواح، وفي التحضير لغزو العراق عام 2003، استأجرت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) مجموعة ريندون لاستهداف وربما معاقبة صحفيي «الجزيرة»، الذين لم يبقوا على الرسالة، وعندما قامت «الجزيرة» بإعداد تقرير يتضمن لقطات بيانية من داخل العراق، شجب مسؤولون أمريكيون «الجزيرة» واعتبروها معادية للولايات المتحدة، وتحرض على العنف. وفي يوم الاثنين 24 مارس 2003، بعد وقت قصير من بدء الغزو، منعت بورصة نيويورك قناة «الجزيرة» (وكذلك العديد من الهيئات الإخبارية الأخرى لم يتم الكشف عن هوياتها) من تغطية أنشطتها إلى أجل غير مسمى. وقال المتحدث باسم بورصة نيويورك راي بيبيشيا إن هذا المنع له»أسباب أمنية». وقد قررت البورصة منح التعامل فقط مع الشبكات التي تركز «على التغطية التجارية المسؤولة». وسرعان ما انعكست هذه الخطوة على بورصة ناسداك. الانتقادات الموجهة إلى «الجزيرة» كانت تأتي أيضا من الداخل على شكل استقالات، حيث أعلن يسري فودة، منتج ومقدم برنامج «سري للغاية» استقالته من قناة «الجزيرة» في ماي 2009، وعقب الطريقة التي غطت بها «الجزيرة» الثورات العربية استقال مجموعة من مذيعي ومذيعات القناة احتجاجا على الانحياز الكبير الذي مارسته القناة، وكان أبرزهم غسان جدو. إذ بدل أن تكون مهنية كما تدعي لاحظنا كيف كانت محرضة وطرفا حقيقيا في معادلات الصراع بين الشعوب العربية وحكامها، وخاصة في تونس ومصر واليمن وسوريا وليبيا.