مغاربة يقضون ما بين 10 إلى 13 ساعة يوميا أمام شاشات الحواسيب. يدفعون مبالغ مالية من أجل المحادثة في غرف دردشة... يقطعون صلتهم مع واقعهم المعيش ويفضلون الغوص في عالم افتراضي يكون متنفسا لهم من مشاكل الحياة اليومية وتصبح لديهم حياة أخرى افتراضية بالموازاة مع حياتهم العادية. استيقظت «سليمة» من نومها في ذلك اليوم على الساعة الحادية عشرة صباحا، على غير عادتها. بمجرد ما غسلت وجهها قامت بتشغيل حاسوبها الشخصي على وجه السرعة، دون أن تتحدث مع أي فرد من أفراد أسرتها. سبب سرعتها هو تشغيل برنامج «البالوتك» من أجل التحدث مع أحد أصدقائها في أمر «مستعجل»... منذ 3 سنوات تقريبا، حولت «سليمة» حياتها وبرنامجها اليومي من العالم الواقعي إلى العالم الافتراضي، فتقضي ليالي بيضاء وهي تتحدث في غرف الدردشة: «لم نعد نشعر أن «سليمة» تعيش بيننا فعلا»، تقول شقيقتها بأسًى، قبل أن تردف: «أصبحت سليمة تنام بالنهار وتستيقظ بالليل». لكن «سليمة» لا تبالي بملاحظات أقاربها حول إدمانها على الدردشة في مواقع المحادثة عبر الأنترنت، خاصة برنامج «البالتوك»، الشهير، وتبدي تشبثها بهذا العالم الافتراضي الذي أصبحت لا تعرف نشاطا يمكن أن تقوم به غيره «لم تعد «سليمة» تعرف، فعلا، ما يقع من أحداث ووقائع في المغرب»، تضيف شقيقتها. مبالغ شهرية من أجل الدردشة لم يعد إدمان «سليمة» على المحادثات اليومية على الأنترنت محصورا على وقتها الذي تهدره في الجلوس أمام شاشة الحاسوب لساعات طوال لا تستغلها لغير الدردشة، وإنما أصبحت مستعدة لدفع مبالغ مالية شهرية من أجل التمتع بامتيازات محددة من خلال استخدامها برامج المحادثة: «أدفع مبلغ 2250 درهم شهريا من أجل الحصول على غرفة خاصة في الباتولك»، تقول «سليمة»، وهي تعد المبالغ التي يمكنها أن تدفعها مقابل الدردشة في غرف «البالتوك». لكن هذه السيدة لا تبدو منزعجة من دفعها مبالغ مالية كل شهر من أجل الحصول على بعض المميزات: «أمر طبيعي، هناك من يقوم بصبغ حرف واحد من اسمه بمبلغ 5000 درهم»، تقول «سليمة»، التي أدمنت «الأنترنت» منذ أن استقالت من عملها. رفقة مجموعة من أصدقائها يقومون بالتناوب على دفع مبلغ 2250 درهم اللازم من أجل صبغ غرفة الدردشة. لكنهم قرروا إغلاق هذه الغرفة خلال شهر رمضان، لأن مدة دخولهم إلى الغرف يتغير حسب الشهر الفضيل: «لم نتفق في البداية على قرار إغلاق الغرفة خلال شهر رمضان، خاصة مع تشبث أحد الأصدقاء بدفع المبلغ اللازم، لكن الجميع أصروا على إغلاق الصفحة»، تقول «سليمة»، التي تعتبر أن قرار الإغلاق ساهمت فيه أيضا وفاة أحد أصدقائهم أسبوعا فقط قبل رمضان. «يوجد وكيل وحيد ل«البالتوك» في المغرب، وبالظبط في مدينة مراكش، ويمكن للزبناء المغاربة الدفع عن طريق البطاقة البنكية وتحويل الأموال عبر الحساب البنكي أو حتى إرسال الأموال عبر «ويستر نيونين»، تضيف «سليمة»، وهي تشرح طريقة تحويل الأموال من أجل صباغة الغرف. صباغة «النيكات» للتباهي بين أعضاء الغرف يضطر أصحاب الغرف إلى دفع حوالي 2035 درهما شهريا من أجل صباغة الغرف بالأزرق. ويمكن ان تستقبل هذه الغرف 100 مستخدم في نفس الوقت، «لكن هذه الغرف المصبوغة بالأزرق لا تظهر سوى في القسم المغربي»، تقول «سليمة»، لكنها تُمكّن من وضع الإعلانات التجارية أو اي إعلانات أخرى مع توقيف دعايات البالتوك. أما صباغة الغرف باللون الأخضر فتمكن أصحابها من «الشات» في قسم الشرق الأوسط والمغرب حيث «توجد أكثر من 80 غرفة للمغاربة»، تقول سليمة، قبل أن تردف أن «مجموعة من المغربيات يخترن التوفر على غرف للدردشة حول الخليج». لكن الغرف المصبوغة باللون الأخضر، والتي تكلف أصحابها مبلغ 2250 درهما في الشهر، لا تمنحهم أكثر من 100 مستخدم في نفس الغرف. إضافة إلى مبلغ 2250 درهما، تضطر «سليمة» إلى صبغ اسمها المستعار حتى تتمكن من الاستفادة من مجموعة من الامتيازات، كإلغاء الإعلانات المزعجة: «عندما تقوم بصبغ «النيكنايم» فإنك تستطيع، على سبيل المثال، إضافة 1000 صديق إلى لائحة معارفك»، تقول «سليمة». وتختلف أثمان «النيكات» المصبوغة أو «الأسماء المستعارة»، المصبوغة، حسب اللون والمدة «تعتبر صباغة «النيكات» فرصة للتباهي بين أعضاء الغرف»، تقول سليمة، مفسرة. فصباغة الاسم المستعار خلال شهر باللون الأخضر يكلف صاحبه مبلغ 300 درهم شهريا بينما تكلف صباغته لمدة عام بنفس اللون 1500 درهم. أما اللون الأزرق فيكلف سنويا حوالي 900 درهم. أما الأرجواني فبيقى الأغلى ثمنا، حيث يكلف 900 درهم في الشهر. شجار وانتقام بسبب «البالتوك» لم يستهو عالم «البالوتك» فقط «سليمة»، التي اعتادت على دفع مبالغ مالية شهرية من أجل الحصول على أصدقاء افتراضيين، ف«ليلى»، هي الأخرى، وجدت نفسها تُبحِر في غرف «البالتوك» بمعدل 10 إلى 13 ساعة يوميا منذ حوالي سنة ونصف. لا تسطيع «ليلى» الافتراق عن حاسوبها ولو للحظة: «لقد علّقت ليلى جميع أنشطتها اليومية»، تقول إحدى صديقاتها. فهي لم تعد تجد مهتمة بالخروج من المنزل، سواء للتسوق أو لتجزية الوقت باحتساء كأس قهوى رفقة صديقاتها. فأصبحت حياة «ليلى» متمحورة حول البرنامج اليومي لأصدقائها في «البالتوك». فهذه سافرت إلى لندن وٍآخر قررت تأدية مناسك الحج، دون أن تعرف الأحداث اليومية التي تقع في المغرب.. «لم أعرف موعد الاستفتاء على الدستور، حتى سمعت شقيقتي تتحدث عن النتائج»، تقول ليلى. «في بعض الأحيان، يقوم أصدقائي بصباغة اسمي»، تقول ليلى وهي تتحدث عن نوعية العلاقة التي تربطها بأصدقاء «البالتوك». لكن المشاكل والشجارات التي تحدث في غرف «البالتوك» ستنتقل إلى الحياة اليومية ل«ليلى». «في البداية، قامت إحدى المغربيات بسرقة «نيكنايمي»، حتى تتمكن من معرفة أسراري»، تقول «ليلى». ولم تكتف بسرقة الاسم المستعار ل«ليلى»، بل قامت بسرقة رقم هاتفها الشخصي. «كانت حلفات فيّا حيتْ جريت عليها من الروم»، تقول «ليلى». لكن هذا المشكل ليس سوى جزء من الشجارات التي تسجلها غرف المحادثة في برنامج «البالتوك»: «هناك بعض الأشخاص معروفون بلسانهم السليط»، تضيف «ليلى»، مفسرة سبب الشجارات التي قد تحدث بين رواد «البالتوك». أثر الأنترنت على علاقتها بزوجها... اشتركت «سليمة»، العزباء و«ليلى»، المطلقة، في أنهما وجدتا في غرف الدردشة متنفسا لنسيان مشاكلهن على أرض الواقع، لكنهما ليستا الوحيدتين ممن اخترن قضاء أغلب أوقاتهن أمام شاشات الحواسيب وغرف الدردشة. «نسرين» سيدة متزوجة، ورغم ذلك، أخذت تبحر في عوالم غرف الدردشة منذ أجبرها زوجها على الاستقالة من عملها قبل الزواج بعدة أشهر. لكن هذه الزوجة، التي اختارت لنفسها شخصية وهيمة واسما مستعارا تختبئ خلفه، بدأت تدخل في حوارات جريئة مع كل من يحاول التقرب منها والإعراب لها عن إعجابه بها: «بدأت أشعر أن الأنترنت قد يساهم في تدمير حياتي الزوجية»، تقول «نسرين»، التي أصبحت دائمة المقارنة بين زوجها وبين الأشخاص الذين تعرفهم في غرف الدردشة. «أصبحت أدخل في نقاشات حادة مع زوجي وبشكل يومي تقريبا»، تضيف «نسرين»، متحدثة عن آثار الدردشة عبر الأنترنت على علاقتها بزوجها، الوسيم. لكن وسامة زوج «نسرين» لم تحْمِه من استحواذ رجال آخرين على إعجاب زوجته. فأحد الأشخاص الذين «تعرفهم» منذ مدة طلب منها الزواج بعد حصولها على الطلاق وقال لها إنه مستعد لأن يقدم كل ثروته من أجل الزواج بها. لكن هذه السيدة المتزوجة منذ سنة أصبحت في حيرة من أمرها بين زوجها وبين شخص لم تلقت به ولو مرة واحدة، لكنه مستعد للزواج منها: «لم أعد أشعر أنني مرتاحة مع زوجي، لكن في نفس الوقت لا أريد أن أؤذيه»، تقول «نسرين». «الحياة الثانية» لمواجهة السمنة من «البالتوك» إلى «الحياة الثانية» (second life) ينتقل المغاربة بين عوالم افتراضية مختلفة، فالحياة الثانية يمكن اعتبارها حياة أخرى لكنها افتراضية، يستطيع المتصفح من خلالها التوفر على الحياة التي يطمح إليها. يكفيه بالتسجيل في خدمتها بعد اختيار الشخصية التي يريد. «إيمان» موظفة تروي قصتها مع «الحياة الثانية» بقولها إن علاقتها بالعالم الافتراضي بدأت منذ أكثر من ثلاثة أعوام. بسبب مشكل السمنة، فرت «إيمان» إلى عالم «الحياة الثانية» لترسم لنفسها الشخصية التي طالما أرادتها، بقوام ممشوق: «أنا أعاني من السمنة المفرطة، وهذا ما يشكل إحراجاً لي أمام بقية زملائي»، تقول «إيمان» وملامح الخزن ترتسم على وجهها. «عندما دخلت إلى العالم الافتراضي، وجدت شارعاً طويلاً فيه الكثير من الناس، منهم من يقود سيارة ومنهم من يمشي على قدميه. دخلت باسمي الحقيقي وانتسبت إلى أحد معاهد الباليه واخترت الشكل الذي كنت أحلم به.. ورغم أنني لست من هواة الباليه فإنني كنت أريد أن أرى نفسي رشيقة ومرغوبا فيها، وهذا ما حصل في «second life»، حيث كنت أتلقى كمية من الإطراء لطالما حلمت به». لكنْ، شيئاً فشيئاً بدأت هذه الشابة تشعر أن هذا العالم بدأ يمثل الأولية بالنسبة إليها: «أصبح الأنترنت يسيطر علي إلى درجة أنني ما إن أدخل إلى منزلي حتى أسارع إلى دخول عالمي الافتراضي»... تحول إلى رجل أعمال في «الحياة الثانية» كما استطاعت «إيمان» أن تشعر أنها شابة رشيقة ممشوقة القوام من خلال موقع «الحياة الثانية»، فإن «يونس»، الذي اكتشف هذا الموقع عن طريق أحد أصدقائه، تحول إلى رجل أعمال ناجح ولو في عالم افتراضي: «لقد تمكّنتُ من تحقيق أمنتي ورغبتي في أن أصبح رجل أعمال عن طريق الحياة الثانية»، يقول «يونس». في البداية، كانت هذه الحياة تمثل نوعاً من التسلية لهذا الشاب، فقد اختار شخصية رجال أعمال، فأخذ يبيع ويشتري ويكسب الكثير من الأموال في هذا العالم ويتفوق على زملائه ومنافسيه في العديد من الصفقات، لكن «رجل الأعمال»، الناجح في العالم الافتراضي، سيتحول إلى موظف فاشل، لأنه أصبح مرتبطا بهذا العالم الافتراضي أكثر من اللازم، فأينما حل وارتحل فهو متواجد على الموقع «لا أنام سوى أربع ساعات في اليوم منذ سنة»، يقول «يونس»، الذي بدأت الهالات السوداء تظهر على وجهه بسبب النقص الحاد في ساعات النوم وكذا بسبب تعب الجلوس لساعات طوال أمام شاشة الحاسوب. كما أنه لم يعد يستطيع العيش في العالم الواقعي وأصبح يفضل عليه العالم الافتراضي.