هل يجب الدفاع عن المواطنين ضد التقنيات التي تهدّد حياتهم الخاصة، أم حماية الأنظمة المعلوماتية لحساب العسكريين؟ ففي عالمٍ تتطور فيه التقانات يوماً بعد يوم، لا يتم توظيف قدرات الهاكرز إلاّ نادراً اكتشف عالمان في الإلكترونيات، بدهشة، في العام 2005، أنّ المعطيات السرّية الموجودة في «بطاقة الحياة» الذكيّة (1) لم تكن محميّة: إذ كان من الممكن قراءتها، وحتى تعديلها. فلأسبابٍ غامضة، لم يتمّ تشغيل آليّة الحماية الإلكترونيّة للمعلومات فيها. وكان يمكن لهذه القضية إثارة فضيحة؛ لكّنها لم تُثِر سوى بعض المقالات الصحافية، وسرعان ما دخلت طيّ النسيان بعد أن أعلن المسؤولون عن «بطاقة الحياة» الذكيّة، بعد أن اعترفوا بالمشكلة، أنّه سيتمّ تصحيح الأمر. بعد بضعة أشهر، أعاد أحد عالمَي الإلكترونيات طرح القضية عبر إشارته إلى أنّه لم يتمّ القيام بأيّ شيء. ولم يُثِر هذا الأمر قلق أيّ صحافي، ولا أيّة نقابة، أو أيّة جمعيّة تعنى بحقوق المرضى. ولم تقم لا اللجنة الوطنية للمعلوماتية والحرّيات CNIL، المفترض بها تأمين الحماية للحياة الخاصّة، ولا الإدارة المركزية لأمن الأنظمة المعلوماتية DCSII، وهي السلطة التنظيمية الوطنية المكلّفة بالأمن المعلوماتيّ، بالتحقيق في هذه المشكلة. هكذا تبدو الحساسية إزاء المسائل المتعلّقة بالحياة الخاصة، والمعلوماتية والحرّيات، أكثر قوّةً في دولٍ أخرى. ففي كانون الثاني/يناير الماضي، كشف باحثون أميركيون بالشراكة مع «هاكرز» ألمان، عن وجود ثغرة أمنية في إحدى أكثر بطاقات الدفع الذكيّة بلا لمس مبيعاً في العالم. ويُستخدَم نظام Mifare Classic، الذي تبيعه شركة NXP بأكثر من ملياري نموذج، في البطاقات الذكيّة للنقليّات العامة اللندنيّة، إنّما أيضاً كنظامٍ للدفع في هونغ كونغ وهولندا، أو كذلك لضمان أمن الدخول إلى بعض المباني الحكوميّة. وقد نشر بعض الجامعيين الهولنديين في خضم الحدث طريقة لاستنساخ هذا النوع من البطاقات. وحاولت شركة NXP منع نشر هذه الطريقة، لكنّ القضاء الهولندي حسم الموضوع: «إنّ الأضرار الكامنة التي قد تتعرّض إليها شركة NXP ليست نتيجة لنشر المقال، إنما هو ناجمٌ عن إنتاج وبيع رقائق إلكترونيّة فاسِدة». يشهد هذا القرار القضائيّ، كما التغطية الإعلامية الدولية لهذه القضية، بشكلٍ كاف، عن الوزن السياسي الذي اكتسبه «الهاكرز» في تلك الدول. وقد اكتسب تعبير «الهاكرز» احترامه في معهد Massachussets Institute of Technology (MIT) الشهير. إذ كان يُشار به أساساً إلى هؤلاء ال»متلاعبين» الذين كانوا يتوصّلون، بطريقةٍ لامعة، عبقريّة ونظيفة، إلى التأثير في محيطهم المهني، وإنجاز أمورٍ لم تكن، إمّا متوقَّعة، أو مسموحاً بها. ففي السبعينات، كانت المعلوماتيّة مركزيّة، واستخدامها مُقيّداً. فأولئك الذين كانوا يتوصّلون إلى تفكيك آليّات الحماية، لتصليح آلة الطباعة مثلاً، أو لتصحيح عطلٍ في برنامج أو حتى لتحسينه من خلال تزويده بوظائفٍ جديد، دون الاضطرار للّجوء إلى تقنيّين مؤهَّلين، كان يحقّّ لهم المطالبة بصفة «الهاكرز»، التي كانت تمنحهم نوعاً من الحظوة. وهم اليوم، من يتابعون ويصلحون ثغرات الأمن المعلوماتيّ، لكنّهم أيضاً هم الذين يحمون الأنظمة المعلوماتية من «القراصنة». فقد احترفوا المهنة وأسّسوا شركاتهم الخاصّة، مع المحافظة، بالنسبة للعديد منهم، على الروحيّة الهامشيّة والتحرّرية للثقافة المضادّة التي سادت في فترة السبعينات والتي انبثقوا عنها. فكفاءاتهم مطلوبةٌ جداً: إذ لا تتردّد أجهزة المخابرات الأميركية بالقدوم إلى الاجتماعات التي يعقدها الهاكرز، وهي عبارة عن لقاءات إحتفاليّة ومطلقة العنان نوعاً ما، سعياً بشكلٍ واضحٍ وعلنيّ لاستخدام البعض منهم؛ حتى أنّه تمّ الاستماع إلى بعضهم من قبل الكونغرس. ذلك أنّه في حين تحوّلت الأنترنت إلى صناعة حقيقية، فإنّ الأمن المعلوماتيّ يشكّل حجر الزاوية فيها. في ألمانيا، ثقافة الهاكرز مسيّسة أكثر، بفضل نادي Chaos Computer Club (CCC)، الذي تأسّس في الثمانينات، والذي يدّعي احتوائه على أكثر من أربعة آلاف منتسبٍ. وهم يتدخّلون باستمرار في السجال العام لإدانة التعدّيات على الحياة الخاصة، أو المشاكل المطروحة من قبل بعض الأنظمة المعلوماتية، كما فعلوا هذا الصيف بالنسبة للمشروع الجديد لبطاقة الضمان الاجتماعي الذكيّة، التي لم تكون أمينة بشكلٍ كاف. وللإشارة إلى أهمّيتهم في الجغرافيا السياسيّة، فحين طلبت الهيئة الدولية لتنظيم الأنترنت أن ينتخب مستخدمو الانترنت ممثّلاً لهم، نجح مرشّح نادي CCC، آندي مولر-ماغون، البالغ من العمر 28 عاماً أن يكون هو المنتدب من قبل الأوروبيين. وفي الولاياتالمتحدة، وألمانيا، والنمسا أو في هولندا، يعرف الناس كيف يميّزون بين الهاكرز، الذين يتلاعبون من أجل المتعة، أو لأنّهم يعتبرون البرمجة فنّاً، وبين «قراصنة المعلوماتيّة» الذين يستخدمون معلوماتهم للقيام بأعمالٍ جديرة بالعقاب. وفي الواقع، لقد كان الهاكرز أساساً لجزءٍ كبير من الاختراعات التي سمحت بتطوير المعلوماتيّة والأنترنت: فقد عُرِف السيدان ستيف فوزنياك وستيف جوبز بصفتهم كهاكرز قبل تأسيسهم لشركة Apple ؛ ويفسّر نجاح البرامج الحرّة التي تتزايد أهمّيةً، جزئيّاً بهذه الثقافة التي تَشهَد على سعي خبراء المعلوماتيّة إلى توسيع حدود مهنتهم باستمرار. إن كان جميع القراصنة من الهاكرز، فجميع الهاكرز ليسوا حُكماً قراصنة. مع العلم أنّ هذا اللّغط قد فرض نفسه منذ التسعينات في فرنسا، حيث لم يكن أيّ محترف في مجال المعلوماتية يجرؤ على الإقرار علناً بصفته كهاكر. وهنالك سببٌ لذلك: فقد تأسّس أوّل نادٍ للهاكرز الفرنسيّين، Chaos Computer Club de France (CCCF)، الذي عرف فترة عزٍّ إعلاميّة في بداية التسعينات، في الواقع خفيةً من قبل جهاز الاستخبارات المسمى «إدارة مراقبة الأراضي» (DST)، سعياً لتحديد هويّة الهاكرز الذين قد يلحقون ضرراً بالبلد، أو على العكس خدمته. ويُشتبه بأن جهاز مخابرات «إدارة مراقبة الأراضي» كان ُيُراقب، وحتّى يستخدم، العديد من المراهقين والشباب البالغين الذين كانت نشاطاتهم أحياناً على حدود الخروج على القوانين. وقد تجذّرت «الأجهزة» عميقاً في ثقافة الهاكرز الفرنسيّة، لدرجة أنّه تمّ تنظيم المؤتمر الوطني الأول المخصَّص للأمن المعلوماتي (الذي لا يقلّ أهميةً عن اجتماعات الهاكرز التي تُعقد في دولٍ أخرى، لجهة النوعيّة ونسبة الارتياد) بالتعاون مع الجيش. وقد تمّ انعقاده لمدّة طويلة داخل الثكنة العسكرية التابعة للمدرسة العليا ولتطبيقات الاتصالات، المكلَّفة بتدريب العسكريّين المتخصّصين في مجالات الاتصالات، والحرب الإلكترونية والمعلوماتية. يمكن أيضاً للتلاعب أن يولّد تجارةً حقيقية. فجهاز الTV-B-Gone، مثلاً، هو عبارة عن آلة تحكّمٍ عن بُعد شاملة، بحجم حاملة المفاتيح، ومزوَّدة بزرٍّ واحد: زرّ الإطفاء. وها هي تسمح إذاً لمالكها المحظوظ بإطفاء كافة أجهزة التلفزيون التي يمرّ بقربها، خلسةً. حيث قرّر مبتكرها، الذي صنع نموذجاً منها لتسلية أصحابه، تسويقها، وهي تُباع في كافة أنحاء العالم. نجِد أيضاً في مواقع البيع الصينية على الشبكة آلات تشويشٍ على الهواتف المحمولة بأقلّ من خمسين دولار، تشمل تكاليف النقل. من جهته يبيع اتّحاد Foebud الألماني للدفاع عن الحرّيات الرقميّة، شارات تُضاء على مقربة من رؤوس قارئة لرقائق RFID، كذلك محفظات للنقود تحمي البطاقات الذكيّة المبنيّة على رقائق ال RFIDمن أيّة قراءة غير مرغوبٍ بها. وسيجد الأكثر تدبّراً لأمورهم طرق استعمال كافّة تلك الابتكارات الصغيرة على مواقع الأنترنت، الأميركيّة بشكل عام، التي تروّج لهذا النوع من الاستخدام الخلاّق، أو المسلّي، للتقنيّات الجديدة. وأمام النجاح المتزايد لمجلاّت الأعمال التركيبية تلك، الجديدة من نوعها، نشهد أيضاً على ظهور نوادٍ تقترح على المنتسبين إليها الاستفادة من أدواتٍ وتقنيّات لن يتمكّنوا بالضرورة من الحصول عليها فرديّاً. هكذا تمّ تأسيس تسعة محّلات لبيع التقنيّات الحديثة (« TechShops ») في الولاياتالمتحدة، لوضع الآلات التي لا يمكن عادةً سوى للصناعيّين أو الباحثين الحصول عليها، في متناول الجميع. ويعمل آخرون على مشاريعٍ لابتكار آلة طباعة ثلاثيّة الأبعاد، ستسمح عند الانتهاء منها، وفي المنزل، بتصنيع أغراضٍ لا توجد حالياً سوى في الأسواق. وسيكون أيضاً تأثيرها الاقتصادي والسياسي رهناً بمقدرة المستخدمين على تملّكها وتعلّم كيفيّة التحكّم بجميع تلك التقنيّات، بدل الاكتفاء بشرائها - والاستسلام لها.