- هل تتوفر قوانين وتشريعات في المغرب حول جرائم الأنترنت؟ < تقدر بعض الإحصاءات عدد مستخدمي الأنترنت في المغرب بأكثر من 3 ملايين مستخدم، بينما بلغت عدد المواقع المغربية المسجلة على الشبكة أكثر من 20 ألف موقع. وبغض الطرف عما إذا كان من غير الممكن التحكم في مآلاتها أو آثارها المستقبلية، فإنها على الأقل قد أثرت في مختلف مناحي النشاط الإنساني بالإيجابي أحيانا وبالسلبي أحيانا أخرى. ولعل من بينها جرائم الأنترنت، وهي أي نشاط غير مشروع ناشئ في مُكوّن أو أكثر من مكونات الأنترنت، مثل مواقع الأنترنت، وغرف المحادثة، أو البريد الإلكتروني. ويمكن أن تشمل جرائم الأنترنت أيضاً أي أمر غير مشروع، بدءاً من عدم تسليم البضائع أو الخدمات، مروراً باقتحام الكمبيوتر (التسلل إلى ملفات الكمبيوتر)، وصولاً إلى انتهاك حقوق الملكية الفكرية، والتجسس الاقتصادي (سرقة الأسرار التجارية)، والابتزاز على الأنترنت، وتبييض الأموال الدولية، وسرقة الهوية، وقائمة متنامية من الجرائم الأخرى التي يسهلها الأنترنت. المشكلة ليست في إيجاد القوانين الخاصة بكل مجال، خصوصا إذا انتبهنا إلى حقيقتين واقعيتين. أولاهما أن الأنترنت ليس لها هيئة دولية تسيِّرها بالمعنى المتعارف عليه. ثانيهما أن الأنترنت هو عالم افتراضي مماثل ومتوازي مع العالم الواقعي. وإذا أردنا أن نضع له قوانين خاصة ونبحث لسنوات طوال يكفي رياضياتيا أن (ننسخ) القوانين الواقعية و(نلصقها) في الواقع الافتراضي. إن المسألة أعقد من معادلة: مجال جديد يساوي قانونا جديدا. المسألة ليست بهذه البساطة. الأمور تتطور بوتيرة لا يمكن مسايرتها فبالأحرى حصرها، وبالتالي فمن الأجدر تغيير المقاربة خصوصا مع تشعب المستجدات. فهي لا تسير لا بالسياق ولا بالنسق التقليدي. فلنعتمد على القوانين الحالية مع تقويتها بالنسق المألوف وبالمنهج المفتوح. ولننه الجواب بسؤال: في ظل العولمة وطبيعة الأنترنت من وماذا نحمي بقوانين الأنترنت؟ - ما هي أشكال الجرائم الرقمية الموجودة بالمغرب؟ < إن جرائم الأنترنت متشابهة في جميع بقاع العالم، وأكثر من ذلك فهي، في ظل المناخ الدولي، ذات بُعد عالمي. ولنتذكر جريمة تشارك فيها مواطنون من دول متعددة دون أن يكون بينهم تواصل «تقليدي»، فقد اعتقلت السلطات المغربية بالتعاون مع مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي يوم الخميس 25 غشت المنصرم شابا مغربيا في الرباط يشتبه في ضلوعه في تصميم وتوزيع فيروس زوتوب الذي هاجم العديد من أنظمة مايكروسوفت ويندوز 2000. فقد احتجزت السلطات المغربية المدعو ف.ص د، 18 عاما، فيما أوقفت السلطات التركية المدعو إتيلا إيكيتشي، 21 عاما في اليوم نفسه. وقد أشادت شركة مايكروسوفت يومها، ممثلة في شخص نائب الرئيس الأول والمستشار العام بالشركة، براد سميث، بجهود السلطات المغربية والتركية ومكتب التحقيقات الفدرالي التي أسفرت عن اعتقال المشتبهين بسرعة. وإجمالا، فأشكال الجرائم يتم «تعلُّمها» من «الرواد» الدوليين: من استعمال قرص مدمج أو جهاز ذي حمولة عالية لتحميل مواد أو معطيات (موسيقى، رواية، برنامج معلوماتي يتضمن ألعابا للأطفال أو طريقة مبتكرة للتسيير أو الإنتاج أو إدارة معلومات...)، بطريقة مخالفة للقوانين والأنظمة المعمول بها، إلى مهاجمة أنظمة معلوماتية عسكرية أو أمنية حساسة، مرورا بمختلف الأصناف الأخرى التي تستعمل فيها المعلوميات أو الأنظمة الشبكية كدعامة لارتكاب أنشطة إجرامية (استعمال صور أطفال في إنتاج وترويج مواد إباحية، انتحال الصفات والمهن والألقاب والهوايات بغرض التغرير بآخرين وجعلهم يتصرفون إضرارا بمصالحهم المالية أو حقوقهم الشخصية، ولوج واختراق الأنظمة المعلوماتية المحمية وتغيير بياناتها أو أنظمة سيرها أو إتلافها، جرائم تزوير وتزييف العملة أو الوثائق الإدارية أو غيرها من المستندات، مثل البطائق البنكية باستعمال الحاسوب، وممارسة أنشطة التقليد إضرارا بحقوق المؤلفين أو ترويج مواد إباحية أو صور خليعة أو معلومات أو خطب للتحريض على ارتكاب أعمال إجرامية أو الإشادة بها... وباختصار، يمكن القول إن مجمل الأنشطة غير المشروعة التي ترتكب في المجال المادي، يمكن أن نصادف نظيرا لها في المجال الافتراضي. - كيف يتم التعرف على أصحاب النوايا الإجرامية على شبكة الأنترنت؟ < لقد رافق الثورة الصناعية منذ منتصف القرن الماضي تقدم وتطورات بسائر جوانب الحياة في المجتمع، وظهر على حيز الحياة اليومية الحاسوب الذي لا غنى عنه لدى أجهزة الدولة والأشخاص الاعتباريين والطبيعيين، مما جعله يفرض نفسه في جميع مجالات الحياة، حيث إن منظومته اكتملت بظهور شبكة المعلومات الدولية «أنترنت» التي جعلت العالم قرية صغيرة من حيث الأحداث والواقع، وهذا أدى إلى ظهور علاقات قانونية جديدة لم تكن معروفة من ذي قبل، وظهور جرائم خاصة، وبروز الجريمة المعلوماتية إلى حيز الوجود، فهذا النمط من الجريمة لم تتضمنه أغلب التشريعات العقابية العربية والأوروبية، حيث تبدو النصوص الجزائية قاصرة عن ملاحقتها، وذلك لأن التشريعات وليدة الحاجة، ولهذا لم تتطرق أغلب التشريعات العربية إلى جرائم الحاسوب إلا في ما ندر. يجب أن نعترف بأنه لا يمكن لي لا أنا ولا أنت أو أي مستعمل عادي تحديد النوايا الإجرامية على الأنترنت، لارتباطه منطقيا بالنوايا وعمليا بالاختصاص، لأن هناك أجهزة للرصد، مثل مصلحة مكافحة الجريمة السيبيرانية وباقي الدوائر الأمنية المختصة بالتسلسل الأفقي أو العمودي. أما من حيث التطبيق، فهناك أولا قاعدة ذهبية لمستخدم الأنترنت، وهي الحرص على تجنب إعطاء البيانات الحساسة مثل أرقام بطائق الائتمان البنكي أو حتى رقم بطاقة التعريف لأي كان خصوصا، في مواقع الدردشة، إلا إذا كان ذلك في شبكات مأمونة. - صناعة الإباحية من أشهر الصناعات الحالية وأكثرها رواجًا خاصة في الدول الغربية والأسيوية. ما السر وراء انتشار المواقع الإباحية؟ < طبيعي أنه، وفي ظل غياب الإطار الخلقي عامة للاستثمار والبحث عن الربح، سريعا كان أو بطيئا، ومحاولة التجارة في كل شيء وأي شيء يصبح الأمر فوضويا. إن غياب منظومة للقيم عند بعض الشعوب وفي بعض القطاعات يخلق مشكلة، وإني أركز على التربية أولا والتربية أخيرا وأشير إلى أن الإباحية لا ترتبط بالجرائم المستحدثة فقط بل هي نتيجة اعوجاج فكري أزلي لا يبدأ بالتكنولوجيات الحديثة. ولعل المؤرخين والفلاسفة أيضا سيحدثوننا عن ذلك. إنها مرتبطة بالوجود الإنساني، فله علاقة بالسفر، ولنتذكر عندما ظهر الفيديو، بل والكتاب أيضا وماذا عن ظهور فن التصوير والنحت والقصة... لنخلص إلى أنه موجود في عقل البشر والتوازن الهرموني لديه. فالقضية عضوية وفكرية قبل أن تكون تكنولوجية، إلا أن ارتباط الموضوع بالتكنولوجيا ناتج عن الانتشار والخطورة على البنيات التربوية والأسرية، وهذا صحيح. ولعل هذا هو سر السؤال وسر الجواب. إذا قوَّمنا أبناءنا وأحطناهم بمنظومة متوازنة من القيم، فلا شك أن التنشئة سيكون لها دور في الوقاية الذاتية وصرف الاهتمام إلى ما هو أهم. ثم إنك تقولين إن الأمر صناعة وبالتالي يخضع لقانون العرض والطلب، وما لا يُعرض لا يباع وما لا يُشترى فهو تجارة تبور. هذا مع الإشارة إلى أن المبررات الاقتصادية ومسألة الفقر ما هي إلى أعذار واهية. فالتربية تُبيِّن الأهم من المهم ومن الأبخس. - القاصرون هم الفئة التي تستعمل الأنترنت بشكل كبير، ما مدى قدرتهم على حماية أنفسهم من مجرمي النت؟ < صورة فوتوغرافية لحالة معينة في زمن معين. الأنترنت مجال مستحدث، وبالتالي فمن طبيعة المستحدثات أن يُقبِل عليها متعلمو زمانها وهم الفئة الموجودة في إطار التكوين آنذاك. واعتبارا لهرمية أسلاك التعليم ومؤسسات التكوين، فإن القاعدة أعرض وبالتالي فهي فئة التلاميذ. وهذا ما يُبرز من الناحية الإحصائية خاصية القاصرين. وبمنطق عكسي فهذه الفئة هي التي ستشكِّل فئة البالغين بعد حين، ألا يقولون إنهم رجال الغد؟ إنها قضية استمرارية. استمرارية في الأجيال واستمرارية في الموروث واستمرارية في نوع التربية التي يُنشئ بها المجتمع ناشئته. فلنسائل أنفسنا ولنسائل تربيتنا فهناك مكمن الحماية ولاشك أنها تجيبنا بالإيجاب إذا كانت المسألة مسألة قدرة. ومرة أخرى، وكما تحدثنا عن الجانب الاقتصادي في السؤال السابق نُنزِل جانب المنع والجدران النارية والتحصينات الدفاعية. لا خيار، التربية هي الوسيلة الأقل تكلفة والأنجع فعالية للوقاية من جرائم الأنترنت وسلبياته عموما. - في نظرك، ما هو الدور الذي من الممكن أن يقوم به المجتمع المدني لمكافحة جرائم الأنترنت؟ < قال «كولن روز» خبير في إحدى الشركات الاسكتلندية في معرض حديثه عن الإرهاب عبر شبكة الأنترنت: «إنه الخطر الذي يمثل المرتبة الثالثة بعد الأسلحة الكيميائية والنووية». المجتمع المدني في الدول المتقدمة مستويات تبدأ بالفرد والأسرة، واتجاهات تنطلق من الجانب الاقتصادي: هناك جمعيات حماية المستهلكين، وهناك جمعيات لمهنيي قطاعات الأنترنت، وهناك جمعية نشطة لمستعملي الأنترنت. لكن أؤكد على مسألة التنسيق على المستوى المحلي والمركزي. ففي أمريكا مثلا، وبالضبط بولاية وست فرجينيا، يعمل مركز بفرمونت بستة موظفين فدراليين وحوالي أربعين محللاً من القطاع الأكاديمي وقطاع صناعة الكمبيوتر وخدمات الأنترنت يتلقون الشكاوى المتعلقة بجرائم الأنترنت من الجمهور، ثم يقومون بالبحث في الشكاوى وتوضيب ملفها وإحالتها إلى وكالات تطبيق القانون الفدرالية والمحلية والتابعة للولايات وإلى أجهزة تطبيق القانون الدولية أو الوكالات التنظيمية وفرق العمل التي تشارك فيها عدة وكالات، للقيام بالتحقيق فيها. ويمكن للمجتمع المدني العمل على نشر الوعي بجرائم الأنترنت عن طريق التثقيف الاجتماعي والقانوني والاقتصادي، وإعداد الدراسات والبحوث عن العلاقة الرقمية بالقاعدة الموضوعية والإجرائية، وإعداد قاعدة إحصائية للجرائم ومتابعة التجمعات العلمية والأكاديمية وحضور الندوات والمؤتمرات، وتقديم الدعم والعون العلمي للمؤسسات والأفراد، من حيث تكوين العاملين في مقاهي الأنترنت على الوقاية ومكافحة جرائم الأنترنت، والعمل على تشجيع البحث العلمي في هذه الجرائم على المستوى الجامعي مثلا، وإدراج الأنترنت في مناهج التربية على المواطنة على مستوى التعليم الابتدائي، على أن يتم إدراج الأبعاد القانونية والأخلاقية على مستوى الإعدادي والثانوي بالمواد المناسبة إما ضمنيا أو بشكل محدد، علما بأن جرائم الأنترنت ما هي إلا جزء مما يصطلح عليه بالجرائم الذكية التي هي عبارة عن انعكاسات لتطور الفكر البشري، وتطوُّر الأساليب التي يستعملها الإنسان عموما لإعادة إنتاج ممارسات أزلية بعدما كانت بطرق تقليدية تعتمد على القوة والملموس، أضحت تستند إلى الذكاء والمحسوس.