بعد سبع سنوات على هجمات 11 من شتنبر 2001، مازالت الولاياتالمتحدةالأمريكية تحاول قدر الإمكان سد ثغراتها الأمنية التي يمكن من خلالها توجيه أي هجوم آخر لها. وتعتبر شبكة الأنترنت أحد أكبر المجالات الحيوية التي يحاول تنظيم القاعدة السيطرة عليها والتحكم فيها، سواء لشن هجمات على أنظمة الحاسوب في الدول الأوربية الأخرى أو إنشاء جدار رد معاكس. ويقول خبراء في مصالح مكافحة الإرهاب إن الهجمات الإسلامية المتطرفة لم تعد قاصرة على المجال العسكري فقط، ولكنها تحولت إلى شكل آخر يتمثل في «الحرب الإلكترونية» عبر استخدام شبكة الأنترنت. ويتوقع خبراء في مجال الأنترنت والإعلاميات أن أي اعتداء عسكري أو هجوم إرهابي مستقبلي سوف لن ستخدم فيه الطائرات أو المتفجرات كما حدث في 11 شتنبر 2001 أو حتى عبر انتهاك الحدود الأمريكية أو الأوربية، بل سيكون هجوما فظيعا لقراصنة الكمبيوتر على الفضاء الإلكتروني، حيث سيكونون قادرين على تدمير الاقتصاد والبنية التحتية الأمريكية بنفس القوة التي سيخلفها أي تفجير مدمر آخر. واعتمدت الولاياتالمتحدةالأمريكية وعدد من الدول الأوربية على هذه الاحتمالات الواردة وانطلقت في استخدام هذا السلاح لحماية أنظمتها والهجوم في نفس الوقت، حيث يعكف حاليا الخبراء في وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» على تطوير قدرات الشبكة العنكبوتية لصد أي هجوم على أنظمة الحاسوب التابعة له أو لدول أوربية أخرى. وأشارت اليومية الأمريكية «لوس أنجلس تايمز» إلى أن بعض المسؤولين العسكريين الكبار «يدفعون البنتاغون إلى العمل ضد أي هجوم إلكتروني عبر تطوير قدرات الأنترنت ولشن الهجوم كذلك على أنظمة إلكترونية لدول أخرى بدلا من التركيز على الدفاع عن الأمن الإلكتروني الأمريكي فقط». وتكشف بعض اقتراحات المسؤولين العسكريين عن إمكانية معرفة طريقة الاستيلاء على طائرات العدو من دون طيار وشل قدرة طائرات العدو الحربية أثناء القتال وقطع الكهرباء في وقت محدد عن بعض المواقع الاستراتيجية. وأشارت اليومية الأمريكية إلى «أن توسيع نطاق ومجال القدرات الهجومية عبر الأنترنت سيمثل تغيرا هاما للجيش، خصوصا وأن المسؤولين الأمريكيين ترددوا لسنوات طويلة في عسكرة ما يعتبر على نطاق دولي أنه وسيلة للتجارة والاتصالات فقط»، ولكن الاستراتيجية العسكرية الأمريكية ل«العمليات الخاصة للأنترنت» التي رفع عنها طابع السرية هذا العام، أثارت النقاش في البنتاغون ومنحت للجيش الضوء الأخضر للدفع نحو توسيع القدرات الإلكترونية الدفاعية والهجومية. ونقلت «لوس أنجلس تايمز» عن مايكل وين، وزير القوات الجوية السابق، قوله إنه «مع مرور الوقت سيكون عالم الأنترنت جزءا هاما من تكتيكات الحروب». وحاولت الولاياتالمتحدة تجنب الوقوع في أخطائها التي سبقت أحداث 11 شتنبر، وأطلقت موقعا إلكترونيا جديدا خاصا «بعالم العمليات السرية والتجسس»، وهو عبارة عن شبكة اجتماعية للمحللين العاملين في 16 هيئة استخباراتية أمريكية. ويطلق على الموقع الجديد اسم «إي سبيس» (A-Space)، وهو موقع مماثل للشبكات الاجتماعية الأخرى مثل «الفيس بوك» و«ماي سبيس»، إلا أنه يختلف عنهما لكون مشتركيه من طينة خاصة ونوع مختلف. ويهدف هذا الموقع الاجتماعي لعالم الجاسوسية إلى حماية أمن الولاياتالمتحدةالأمريكية وكذا بعض الدول الأوربية، من بينها إسبانيا، من خلال تقييم المعطيات الخاصة المتوصل إليها والمعلومات المتاحة لوكالات التجسس الوطنية ككل، لأنه، حسب اليومية فإن «عدم توافر المعلومات والبيانات المهمة قد يؤدي إلى انعكاسات مدمرة»، مثلما حدث من إهمال لإحدى المعلومات المهمة، حيث قام أحد عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي «FBI» بإرسال بريد إلكتروني قبيل هجمات 11 شتنبر 2001، يحذر فيه من «وجود أشخاص يتدربون على الطيران، ولكنهم لا يتعلمون الهبوط بها»، إلا أن الرسالة الإلكترونية لم تؤخذ جديا بعين الاعتبار والاهتمام الكافي لعدم وجود تنسيق بين وكالات الاستخبارات المتعددة وهو ما سيتيحه الموقع الإلكتروني الجديد. وكغطاء على حقيقته فإن الموقع يتيح تشكيل وربط صداقات كمواقع الشات والدردشة المعروفة، كما هو الحال في المواقع الاجتماعية الأخرى مثل «فيس بوك» وغيره، ولكن لا يمكن لأي شخص خارج دوائر الاستخبارات أن يصبح عضوا فيه ومعرفة ما يدور داخله، لأنه عالم سري خاص بالعملاء والجواسيس. شبكة الأنترنت ضحية جديدة للإرهاب ويمكن لمحللي وكالة الاستخبارات الأمريكية «CIA» استخدام موقع «إيه سبيس»، الذي سيطلق للخدمة الفعلية رسميا في الثاني والعشرين من شهر شتنبر الجاري، لمشاركة وربط المعلومات والآراء حول تحركات تنظيم القاعدة في شمال المغرب ومنظماته المتفرعة عنه في الشرق الأوسط كذلك، أو تحركات القطع البحرية الروسية ومناوراتها في البحر الأسود. ويقول مايكل ويرتايمر، المندوب المساعد لمدير قسم التحليل في وكالة الأمن القومي، «إنه موقع للالتقاء والتعارف ليس للجواسيس فقط، وإنما لتبادل المعلومات التي لم يكن بإمكانهم أن يتشاركوا بها من قبل، حيث سيتيح لهم الموقع ولأول مرة فرصة التفكير بصوت عال وبشكل علني ولكن بين نظرائهم الجواسيس الآخرين، في ظل موقع إلكتروني اسمه «إيه سبيس». وأشار ويرتايمر إلى أنه على سبيل المثال في حالة إذا ما أصدر زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، شريط فيديو جديدا، وكيفية الحصول على ذلك الشريط، ومصادر الحصول على المعلومات السرية والحساسة المطلوبة لوضع كل ذلك في سياقه المحدد وضبط مساره وتحديد وجهته. وردا على كيفية تنظيم هذه العملية، أوضح ويرتايمر قائلا: «نحن نقوم بتطوير آلية للتحذير من مثل ذلك السلوك، ونطلق عليه إلى حدود الآن اسما مشفرا وهو «ماستركارد»، وذلك لعدم وجود وصف بديل، حيث يمكن لشخص ما أن يستخدم بطاقة الائتمان بطريقة لم يستخدمها من قبل على سبيل المثال، وبالتالي فهي تحذر من أن تلك البطاقة قد تعرضت للسرقة، وبالتالي فإننا سنقوم بتطوير نمط سلوكي خاص بأعضاء موقع «إيه سبيس». صراع إلكتروني عسكري تطورت الهجمات الإلكترونية التي كان يقوم بها قراصنة الأنترنت من مجرد عمليات بحث بدافع الفضول والاستكشاف إلى عمليات حقيقية جيدة التمويل والتنظيم من مصالح التجسس السياسي والعسكري والتقني والاقتصادي. وإلى حدود الآن، ووفق الحلف الأطلسي، فإنه مازالت دول عديدة غير مستعدة للحرب الإلكترونية، وهي بذلك تعتبر عرضة لهجمات قراصنة الكمبيوتر والجريمة الدولية المنظمة. وارتفعت في الآونة الأخيرة عمليات القرصنة والهجوم على أجهزة الحاسوب الآلي، بل وصلت العمليات إلى الأجهزة ذات الطابع السري مثل تلك الموجودة في المجال العسكري، ابتداء من مجال البورصة والبنوك، انتهاء بالتعرف على حسابات العملاء بل واختراقها في بعض الأحيان، مما ينذر باندلاع حرب قد نطلق عليها مجازا اسم «الحرب الإلكترونية الباردة». وكشف تقرير سنوي لشركة «ماكافي» الرائدة في مجال الحماية الرقمية والمعلوماتية أن «الحرب الإلكترونية الباردة» التي تشن على أجهزة الكمبيوتر في العالم تنذر بتحولها إلى أحد أكبر التهديدات الأمنية خلال العقد المقبل. ونوه التقرير ذاته بأن «حوالي 120 دولة تقوم بتطوير طرق لاستخدام شبكة الأنترنت كسلاح لاستهداف أسواق المال ونظم الكمبيوتر والخدمات التابعة للحكومات»، مضيفا أن أجهزة المخابرات الدولية تقوم بالفعل باختبار شبكات الدول الأخرى بصورة روتينية بحثا عن ثغرات، وأن أساليبها وطرق عملها تزداد تطورا سنة بعد أخرى. الحرب القادمة.. إلكترونية مدمرة وحذر التقرير كذلك من أن الهجمات واختراق مواقع إلكترونية خاصة وحكومية في استونيا خلال شهري أبريل وماي من هذه السنة، لم تكن سوى «قمة جبل الجليد»، حيث قالت استونيا إن آلاف المواقع تأثرت بالهجمات التي أدت إلى شل البنية التحتية في بلد يعتمد بشدة على شبكة الأنترنت. وذكر التقرير أن «الصين تعتبر في صدارة الحرب الإلكترونية»، حيث اتهمت بضلوعها في هجمات إلكترونية على الولاياتالمتحدة والهند وألمانيا، بينما تنفي الصين هذه المزاعم بصورة متكررة. ولم تنس الولاياتالمتحدةالأمريكية ما حدث لها على يد «المارد الصيني» في بداية هذه السنة، حينما تعرضت مكاتب وزارة الدفاع «البنتاغون» لهجوم كاسح ل«الهاكرز»، بعد أن قام قراصنة بشن هجوم على ثلاثة عشر جهازا مركزيا يتحكم في تدفق المعلومات السرية على شبكة الأنترنت على مستوى العالم، وتمكنوا حينها من تعطيل ثلاثة أجهزة والسيطرة عليها بشكل كامل طوال اثنتي عشرة ساعة، في أكبر عملية تشهدها الشبكة منذ سنة 2002. وتركز الهجوم، الذي تمكن الخبراء من إصلاحه بشكل عاجل دون أن يشعر معظم مستخدمي الأنترنت بذلك، على أجهزة شركة «Ultra DNS»، وهي الشركة التي تشرف وتنظم جميع خطوط الشبكة التي تنتهي بالرمز «org». كما نجح القراصنة في اختراق نظام البريد الإلكتروني غير السري ل«البنتاغون»، مما أدى إلى تعطيل الخدمة لنصف الطاقم الخاص بوزير الدفاع روبرت غيتس. وذكرت مصادر البنتاغون أن ما يقرب من 1500 مستخدم من مجموع 3000 موظف الذين يعملون مباشرة مع مكتب وزير الدفاع، لم يتمكنوا من الدخول إلى بريدهم الإلكتروني بعد اختراق جهاز الكمبيوتر الرئيسي المزود بخدمة الرابط «السيرفر».