الأمن يضع حداً لعصابة السرقة بالعنف في الدار البيضاء    حديقة المغرب الملكية في اليابان: رمز للثقافة والروابط العميقة بين البلدين    ألمانيا.. فوز المحافظين بالانتخابات التشريعية واليمين المتطرف يحقق اختراقا "تاريخيا"    البطولة: "ريمونتادا" اتحاد تواركة أمام حسنية أكادير تقوده لتحقيق انتصاره السادس هذا الموسم    الملك محمد السادس يهنئ سلطان بروناي دار السلام بمناسبة العيد الوطني لبلاده    تجار سوق بني مكادة يحتجون بعد حصر خسائرهم إثر الحريق الذي أتى على عشرات المحلات    وزيرة الفلاحة الفرنسية: اختيار المغرب ضيف شرف المعرض الدولي للفلاحة بباريس يعكس جودة التعاون الثنائي    نجوم الفن والإعلام يحتفون بالفيلم المغربي 'البطل' في دبي    المغربي أحمد زينون.. "صانع الأمل العربي" في نسختها الخامسة بفضل رسالته الإنسانية المُلهمة    الإمارات تكرم العمل الجمعوي بالمغرب .. وحاكم دبي يشجع "صناعة الأمل"    مصرع فتاتين وإصابة آخرين أحدهما من الحسيمة في حادثة سير بطنجة    الكاتب بوعلام صنصال يبدأ إضرابًا مفتوحا عن الطعام احتجاجًا على سجنه في الجزائر.. ودعوات للإفراج الفوري عنه    انتخاب خالد الأجباري ضمن المكتب الوطني لنقابة الاتحاد المغربي للشغل    إسرائيل تنشر فيديو اغتيال نصر الله    لقاء تواصلي بمدينة تاونات يناقش إكراهات قانون المالية 2025    مودريتش وفينيسيوس يقودان ريال مدريد لإسقاط جيرونا    هذه هي تشكيلة الجيش الملكي لمواجهة الرجاء في "الكلاسيكو"    عامل إقليم الدريوش ينزل للعالم القروي ويعطي انطلاقة مشاريع تنموية ورياضية ببودينار وأولاد امغار وبني مرغنين    أمن تمارة يوقف 3 أشخاص متورطين في نشر محتويات عنيفة على الإنترنت    تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس : الجمعية المغربية للصحافة الرياضية تنظم المؤتمر 87 للإتحاد الدولي للصحافة الرياضية    الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي يُهدد القدرات المعرفية للمستخدمين    بوتين يستخدم الدين لتبرير الحرب في أوكرانيا: مهمتنا الدفاع عن روسيا بأمر من الله    رسالة مفتوحة إلى عبد السلام أحيزون    المغرب في الصدارة مغاربيا و ضمن 50 دولة الأكثر تأثيرا في العالم    طنجة تتصدر مقاييس التساقطات المطرية المسلجة خلال يوم واحد.. وهذه توقعات الإثنين    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال 24 ساعة الماضية    المغرب ضمن الدول الأكثر تصديرا إلى أوكرانيا عبر "جمارك أوديسا"    نقابة تدعو للتحقيق في اختلالات معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة    إسبانيا.. تفكيك شبكة متخصصة في الاتجار بالبشر استغلت أزيد من ألف امرأة    تقرير.. أزيد من ثلث المغاربة لايستطيعون تناول السمك بشكل يومي    جمال بنصديق يحرز لقب "غلوري 98"    حماس تتهم إسرائيل بالتذرع بمراسم تسليم الأسرى "المهينة" لتعطيل الاتفاق    عودة السمك المغربي تُنهي أزمة سبتة وتُنعش الأسواق    هل الحداثة ملك لأحد؟    رونالدو: تشرفت بلقاء محمد بن سلمان    مسؤول أمني بلجيكي: المغرب طور خبرة فريدة ومتميزة في مكافحة الإرهاب    "غضب" نقابي بسبب "انفراد" رئيس جماعة الفقيه بن صالح بإجراء تنقيلات واسعة في صفوف الموظفين    لقاء تواصلي بين النقابة الوطنية للصحافة المغربية ووفد صحفي مصري    نجاح كبير لمهرجان ألوان الشرق في نسخته الاولى بتاوريرت    سامية ورضان: حيث يلتقي الجمال بالفكر في عالم الألوان    نزار يعود بأغنية حب جديدة: «نتيا»    متهم بالتهريب وغسيل الأموال.. توقيف فرنسي من أصول جزائرية بالدار البيضاء    فقدان الشهية.. اضطراب خطير وتأثيره على الإدراك العاطفي    الصين تطلق قمرا صناعيا جديدا    رضا بلحيان يظهر لأول مرة مع لاتسيو في الدوري الإيطالي    القوات المسلحة الملكية تساهم في تقييم قدرات الدفاع والأمن بجمهورية إفريقيا الوسطى    القصة الكاملة لخيانة كيليان مبابي لإبراهيم دياز … !    الشاذر سعد سرحان يكتب "دفتر الأسماء" لمشاهير الشعراء بمداد الإباء    المغرب يعود إلى الساعة القانونية    فيروس غامض شبيه ب"كورونا" ينتشر في المغرب ويثير مخاوف المواطنين    في أول ظهور لها بعد سنة من الغياب.. دنيا بطمة تعانق نجلتيها    التخلص من الذباب بالكافيين يجذب اهتمام باحثين يابانيين    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذه الحرب ضد الإرهاب زائفة
نشر في التجديد يوم 06 - 10 - 2003

أعطت هجمات 11 شتنبر للولايات المتحدة الذريعة المثلى لاستخدام القوة على أوسع نطاق لضمان هيمنتها على العالم
بدأ الاهتمام ينصب مؤخرا – وله ما يبرره – على الأسباب الحقيقية لانضمام بريطانيا إلى الحرب على العراق، مبعدا الضوء عن الدوافع الكامنة وراء جري الولايات المتحدة خلف هذه الحرب، وبالتالي جرها لبريطانيا خلفها. يتمثل التفسير التقليدي في كون الانتقام للهجوم الذي تعرض لهما برجا مركز التجارة العالمية بنيويورك، وذلك من خلال الهجوم على معاقل حركة القاعدة بأفغانستان، كان خطوة طبيعية أولية في إطار حرب شاملة على الإرهاب. بعدها، استطاعت الحكومتان الأمريكية والبريطانية توسيع نطاق الحرب إلى العراق بعد أن اتهمتا صدام حسين بامتلاك أسلحة الدمار الشامل. غير أن هذه النظرية لا تستطيع أن تبرر وتغطي جميع الحقائق والوقائع؛ فالحقيقة أعمق بكثير وأكثر "تعفنا".
نعرف الآن بأن خطةً ل"سلام أمريكي" عالمي قد تمت صياغتها بالفعل من قبل ديك تشيني (حاليا نائب الرئيس الأمريكي)، و دونالد رامسفيلد (وزير الدفاع)، و بول ولفوويتز (نائب رامسفيلد)، و جِب بوش (الأخ الأصغر لجورج بوش)، ولويس ليبي (المساعد الأول لديك تشيني). كُتبت الوثيقة، التي سميت "إعادة بناء دفاعات أمريكا" في شتنبر 2000، من قبل العقول المفكرة للمحافظين الجدد، وتعرف ب"مشروع القرن الأمريكي الحديث".
يوضح المشروع نية إدارة بوش في التحكم عسكريا بمنطقة الخليج، سواء بقي صدام حسين في الحكم أم لم يبق، ويقول بالحرف: "رغم أن النزاع المنعدم الحل مع العراق يوفر المبرر السريع والمباشر [للحرب]، فإن الحاجة لتواجد قوة أمريكية ضخمة في الخليج تبقى هدفا أسمى وأعلى من بقاء نظام صدام حسين في الحكم".
تضَمن "مشروع القرن الأمريكي الحديث" وثيقة سابقة عزيت إلى ولفووتز و ليبي تقول بأن الولايات المتحدة يجب "أن تعيق محاولة الدول الصناعية المتطورة تحديها في الزعامة أو حتى أن تطمح إلى دور جهوي أو عالمي أكبر". كان هذا التلميح موجها إلى دول حليفة رئيسة مثل المملكة المتحدة وصفها التقرير بأنها "الوسيلة الفعالة والأنجع لممارسة هيمنة أمريكا على العالم". كما وصف عمليات حفظ السلام بكونها "تحتاج إلى زعامة أمريكا السياسية أكثر من زعامة الأمم المتحدة". ثم تضمن بصريح العبارة ما مضمونه: "حتى لو أُطيح بصدام حسين"... فإن قواعد الولايات المتحدة في العربية السعودية والكويت سوف تبقى بصورة دائمة... "مادامت إيران تشكل خطرا يتهدد مصالح الولايات المتحدة كما هي الحال بالنسبة للعراق". كما سلط التقرير الضوء على الصين بكونها "تحتاج إلى تغيير في النظام"، مؤكدا على أنه "قد الآن الأوان لتعزيز التواجد الأمريكي بمنطقة جنوب شرق آسيا".
كما دعا التقرير أيضا إلى وجوب إنشاء "قوات فضائية أمريكية" للهيمنة على الفضاء، وكذا التحكم بشكل مطلق على الإنترنت لسد الطريق أمام "الأعداء" الذين يستخدمونها ضد مصالح الولايات المتحدة. كما لمح إلى أن الولايات المتحدة قد تدرس إمكانية تطوير أسلحة بيولوجية "قادرة على استهداف سلالات عرقية معينة [و] تحويل الحرب البيولوجية من صيغتها الإرهابية إلى وسيلة [ضغط] سياسية فعالة".
وأخيرا، أشار التقرير – وقد كُتب سنة واحدة قبل أحداث 11 شتنبر – إلى كوريا الشمالية وسوريا وإيران واصفا إياها بالأنظمة الخطيرة، واعتبر أن تواجد مثل هذه الدول يبرر إنشاء "نظام سيطرة وتحكم عالمي". إن الأمر يتعلق هنا بخطة [مدروسة] لهيمنة الولايات المتحدة على العالم. ولكن قبل دحض الخطة على أنها مجرد مطية لبعض المهرطقين من الجناح اليميني، يبدو واضحا أنها [على الأقل] تعطي تفسيرا [واقعيا] لما حصل قبل وخلال وبعد أحداث 11 شتنبر أفضل بكثير من أطروحة الحرب العالمية ضد الإرهاب. ويمكن تبني هذا الاتجاه من عدة منطلقات.
بداية، من الواضح تماما أن السلطات الأمريكية لم تحرك ساكنا تقريبا أو حتى تماما للتصدي لأحداث 11 شتنبر. فمن المعروف أن 11 بلدا على الأقل كانوا قد قدموا تحذيرات مبكرة إلى الولايات المتحدة في شأن تلك الهجومات. فقد تم إرسال خبيرين رفيعي المستوى من جهاز الموساد [الاستخبارات الصهيونية] إلى واشنطن في شهر غشت 2001 لتحذير وكالة الاستخبارات المركزية CIA ومكتب التحقيقات الفيدرالي FBI من وجود خلية تتكون من 200 إرهابي يعتقد أنهم كانوا يستعدون لعملية ضخمة (صحيفة الديلي تلغراف، 16 شتنبر 2001). وكانت اللائحة التي قدمها الخبيران تتمضن أسماء أربعة من قراصنة 11 شتنبر؛ لا أحد منهم تم اعتقاله.
كان أمرا مسلما به أنه، ومنذ سنة 1996، كانت هناك خطط لضرب أهداف في مدينة واشنطن بواسطة الطائرات [المدنية]. وفي سنة 1999، أشار تقرير لمجلس الاستخبارات القومية الأمريكية إلى أن "انتحاريين من القاعدة قد يفجرون طائرة محملة بشحنات شديدة التفجير فوق البنتاغون أو مقر الاستخبارات المركزية أو البيت الأبيض".
حصل 15 شخصا من قراصنة 11 شتنبر على تأشيراتهم في المملكة العربية السعودية. ولقد صرح مايكل سبرينغمان، الرئيس السابق لمكتب منح التأشيرات الأمريكية بجدة، بأنه منذ سنة 1987 شرعت الاستخبارات الأمريكية عن قصد في منح تأشيرات إلى مرشحين غير أكفاء [لولوج التراب الأمريكي] من الشرق الأوسط بهدف إرسالهم إلى الولايات المتحدة من أجل التدريب على الإرهاب في إطار حرب أفغانستان، وذلك بتعاون من بن لادن (إذاعة البي.بي.سي، 6 نونبر 2001). ويبدو أن هذه العملية بقيت مستمرة حتى بعد انتهاء حرب أفغانستان لأغراض أخرى. ومن المعروف أيضا أن خمسة من القراصنة كانوا قد تلقوا تدريبات في قواعد أمريكية سرية خلال التسعينات (أسبوعية نيوزويك، 15 شتنبر 2001).
لم تُعَر التوجيهات التي سبقت أحداث 11 شتنبر أي اهتمام. فلقد تم القبض على طالب الطيران الفرنسي المغربي الأصل زكرياء الموساوي (الذي عُرف فيما بعد أنه القرصان العشرون) في شهر غشت 2001 إثر قيام أحد معلمي الطيران بالتبليغ عنه بعد أن لاحظ اهتمام زكرياء بتعلم قيادة طائرات النقل الكبيرة. وحين أخبرت الاستخبارات الفرنسية العملاء الأمريكيين أن للموساوي علاقات بالحركات المتطرفة، قاموا باستخراج ترخيص لتفتيش حاسوبه الشخصي الذي اتضح أنه كان يحتوي على أدلة لعملية 11 شتنبر (صحيفة التايمز، 3 نونبر 2001). غير أن هذه الأدلة تم دحضها من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي، رغم أن أحد العملاء كان قد كتب بالحرف، وشهرا واحدا قبل أحداث 11 شتنبر، بأن الموساوي ربما كان يخطط للارتطام ببرجي مركز التجارة العالمي (أسبوعية نيوزويك، 20 ماي 2002).
كل هذه المعطيات تدعو إلى الاستغراب حقا – من منظور حرب [شاملة] على الإرهاب – من البطء في التعامل مع أحداث 11 شتنبر ذاتها. فعملية اختطاف الطائرة الأولى يعتقد أنها بدأت على أبعد تقدير في الساعة 8 و20 دقيقة، في حين أن آخر الطائرات المختطفة تحطمت في ولاية بنسيلفانيا في الساعة 10 و6 دقائق. ومع ذلك، لم تبرح طائرة حربية واحدة الجوية مكانها قصد الاستطلاع من قاعدة أندروز، التي تبعد بالكاد بعشرة أميال عن العاصمة واشنطن، وذلك إلى أن تحطمت الطائرة الثالثة على البنتاغون في الساعة 9 و38 دقيقة. لماذا؟ من المعروف أن هناك إجراءات وقائية اعتيادية لإدارة الطياران الفيدرالية تتمثل في اعتراض الطائرات المختطفة بواسطة الطائرات الحربية حتى قبل أحداث 11 شتنبر. فخلال الفترة ما بين شتنبر 2000 ويونيو 2001 أرسلت القوات الجوية الأمريكية طائراتها الحربية في 67 مناسبة لمطاردة طائرات مشبوهة (وكالة أسوشيايتد بريس، 13 غشت 2002). فمن الجاري به العمل قانونيا في الولايات المتحدة إرسال طائرات حربية للاستطلاع بمجرد أن تحيد طائرة مشبوهة بشكل ملفت عن مسارها العادي.
فهل كان هذا التقصير راجعا ببساطة إلى عدم اكتراث متخذي القرار أو تجاهلهم لدليل واضح؟ أم هل من المعقول أن تكون عمليات الأمن الجوي الأمريكية قد عُطِّلت عن عمد يوم 11 شتنبر؟ وإن كان الأمر كذلك، فما الهدف من وراء ذلك، ومن أصدر تلك التعليمات؟ كان جون لوفتس، المدعي العام للجنايات الفيدرالية السابق، قد قال: "إن المعلومات التي زودتنا بها مصالح الاستخبارات الأوربية قبيل أحداث 11 شتنبر كانت من الغزارة والشمولية بحيث أنه أصبح من الصعب على كل من الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي ادعاء عدم توفر ما يكفي من الأدلة".
وحتى ردة الولايات المتحدة بعد أحداث 11 شتنبر لم تكن ترقى إلى المستوى. فلم تكن هناك محاولات جادة للقبض على أسامة بن لادن. فمع نهاية شهر شتنبر وبدايات شهر أكتوبر 2001، حاول زعماء [أكبر] حزبين إسلاميين في باكستان التفاوض بشأن ترحيل بن لادن إلى باكستان قصد محاكمته على أحداث 11 شتنبر. غير أن مسؤولا أمريكيا قال، وبمغزى لا يخفى على أحد، بأن "حصر أهدافنا على هذا النحو" من شأنه أن يؤدي إلى "اندحار مبكر للجهود الدولية [لمحاربة الإرهاب] إذا ما أسعف الحظ في إلقاء القبض بسرعة إلى بن لادن". بل نجد أن رئيس هيئة أركان الحرب المشتركة الأمريكية، الجنرال مايرز، ذهب إلى أبعد من ذلك حين قال بأن "الهدف لم يكن أبدا الإيقاع ببن لادن" (أسوشيايتد بريس، 5 أبريل 2002). ثم زادت الصورة في الاتضاح أكثر حين تحدث رجل مكتب التحقيقات الفيدرالي الجريء روبرت رايت أمام قناة الأخبار الأمريكية إي.بي.سي (19 دجنبر 2002) ليعترف أمام الملأ بأن إدارته لا ترغب في أية اعتقالات. وفي نونبر 2001، أعلنت القوات الجوية الأمريكية على أنها حددت مواقع زعماء القاعدة وطالبان عشر مرات على الأقل خلال الستة أسابيع الماضية، غير أنها لم تكن قادرة
على مهاجمتهم لأنها لم تتلق الضوء الأخضر في الوقت المناسب وبسرعة (مجلة تايم، 13 ماي 2002). كل هذه الأدلة التي جاءتنا من مصادر معروفة عند الرأي العام لا تتماشى إطلاقا مع فكرة حرب حقيقية وصارمة لمكافحة الإرهاب.
غير أن هذه القائمة من الأدلة والبراهين تقع في محلها الطبيعي حين نقارنها بخطة "مشروع القرن الأمريكي الحديث". ومن هنا يمكننا أن نستشف أن ما يطلق عليه ب"الحرب ضد الإرهاب" ما هو إلا ستارة زائفة استخدمت على نطاق واسع لتحقيق الأهداف الاستراتيجية والجيوسياسية الكبرى للولايات المتحدة. وبالفعل، قام توني بلير بنفسه بالتلميح إلى هذا التوجه حين قال للجنة الاتصال لمجلس العموم البريطاني: "حتى أكون صادقا، لم تكن هناك طريقة لحشد التأييد الشعبي لحملة مفاجئة على أفغانستان أفضل مما وقع في 11 شتنبر" (صحيفة التايمز، 17 يوليو 2002). وعلى نحو مشابه، كان دونالد رامسفيلد مصرا على الحصول على "عرض منطقي ومقنع" لشن حرب على العراق لدرجة أنه طالب وكالة الاستخبارات المركزية، وفي عشر مناسبات مختلفة، بأن تجد له أدلة تربط العراق بأحداث 11 شتنبر؛ وفي كل مرة كانت الوكالة تعود إليه خالية الوفاض (مجلة تايم، 13 ماي 2002).
في الواقع، وفرت أحداث 11 شتنبر ذريعة مُثلى لتنفيذ خطة مشروع القرن الأمريكي الحديث. والأدلة مرة أخرى واضحة على أن خطط التدخل العسكري في أفغانستان والعراق كانت موجودة قبل أحداث 11 شتنبر بكثير. فحسب تقرير أُعِد للحكومة الأمريكية من قِبل معهد بيكر للسياسة المدنية في شهر أبريل 2001، فإن "الولايات المتحدة تبقى رهينة لمعضلة [مصادر] الطاقة. ويبقى العراق عامل تأثير وعدم استقرار... لتدفق نفط الشرق الأوسط إلى الأسواق العالمية". قُدم هذا التقرير أمام أعين مجموعة عمل الطاقة التي يترأسها نائب الرئيس ديك تشيني، وكان يقترح أن مثل هذه الوضعية كانت خطرا غير مقبول يواجه الولايات المتحدة، وبإن "التدخل العسكري" كان ضروريا (صحيفة صانداي هيرالد، 6 أكتوبر 2002).
وهناك أدلة مشابهة فيما يخص قضية أفغانستان. فقد ذكرت إذاعة البي.بي.سي (18 شتنبر 2001) أن نياز نياك، وهو وزير خارجية باكستاني سابق، تم إخباره خلال لقاء مع مسؤول أمريكي رفيع المستوى في برلين خلال منتصف يوليو 2001 بأن "تحركا عسكريا ضد أفغانستان سوف ينفذ خلال منتصف شهر أكتوبر". وحتى شهر يوليو 2001، كانت الحكومة الأمريكية لا تزال ترى في نظام حركة طالبان مصدر استقرار في منطقة آسيا الوسطى من شأنه أن يساعد على بناء قنوات نقل النفط والغاز من حقول تركمنستان وأوزبكستان وكازخستان عبر أفغانستان وباكستان إلى المحيط الهندي. ولكن، مع رفض حركة طالبان للشروط التي أملتها الولايات المتحدة، كان رد ممثلي الولايات المتحدة صارما: "إما أن تقبلوا عرضنا المتمثل في بساط من ذهب، أم ندفنكم تحت بساط من القنابل" (وكالة أنتربريس سيرفيس، 15 نونبر 2001).
انطلاقا من هذه المرجعية، ليس من المستغرب أن يستشف البعض فشل الولايات المتحدة في إخفاء مطامعها الحقيقية حين حاولت امتطاء أحداث 11 شتنبر كذريعة لمهاجمة أفغانستان في حرب تم الإعداد لها مسبقا. بل هناك أيضا سابقة من هذا النوع. فالمحفوظات الوطنية للولايات المتحدة تكشف لنا أن الرئيس السابق روزفلت كان قد استخدم بالضبط نفس المقاربة فيما يتعلق بهجوم بيرل هاربور في 7 دجنبر 1941. فالتحذير المبكر عن هذا الهجوم كان قد حصل بالفعل، ولكنه لم يصل أبدا إلى الأسطول الأمريكي. وطبعا ساهم الغضب الشعبي آنذاك في إقناع رأي عام متردد في المشاركة في الحرب العالمية الثانية. وعلى نحو مماثل، تؤكد خطة "مشروع القرن الأمريكي الحديث" لشهر 2000 أن عملية تحويل الولايات المتحدة إلى "قوة الغد المهيمنة" من المحتمل أن تأخذ وقتا طويلا جدا في غياب "حدث كارثي ومحفز، على شاكلة بيرل هاربور". فأحداث 11 شتنبر، إذن، سمحت للولايات المتحدة أن تضغط على زر "الانطلاق" لاستراتيجية تتماشى مع أجندة "مشروع القرن الأمريكي الحديث" الذي كان من شبه المستحيل تنفيذه من الناحية السياسية.
يبقى الدافع الحقيقي من وراء هذه المناورة السياسية أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بدأتا تشعران باضمحلال موارد الطاقة الهيدروكربونية المضمونة. فبحلول سنة 2010 سيكون العالم الإسلامي يتحكم [إن شئتم!] في ما يصل إلى 60% من إنتاج النفط العالمي، والأعظم من ذلك 95% من الطاقة التصديرية العالمية. ومع تزايد الطلب، وبطريقة مطردة منذ الستينات من القرن الماضي، نجد العرض ما فتئ يتضاءل.
ومن شأن هذه الوضعية أن تزيد من الاعتماد على واردات النفط الخارجي بالنسبة لأمريكا وبريطانيا. فالولايات المتحدة، مثلا، كانت قد أنتجت 57% من احتياجاتها من النفط محليا سنة 1990، ولكنها من المتوقع أن لا تنتج سوى 39% منه بحلول سنة 2010. أما بالنسبة لبريطانيا، فقد صرح وزير للتجارة والصناعة بأن بلاده من المحتمل أن تواجه نقصا "حادا" في موارد الغاز بحلول سنة 2005. ولقد أكدت الحكومة البريطانية أن 70% من إنتاج الكهرباء لديها بحلول سنة 2020 سوف يكون مصدره الغاز، وأن 90% من هذه النسبة سوف تكون قادمة من الخارج. وفي هذه السياق، لا يخفى على أحد أن العراق يحتفظ في جوف أرضه بما يقرب من 110 تريليون قدم مكعبة من احتياطي الغاز، بالإضافة طبعا إلى مصادر النفط.
كان تقرير للجنة المكلفة بدراسة المصالح القومية الأمريكية نُشر في يوليو 2000 قد ذكر أن منطقة بحر قزوين قد صارت المصدر الطاقي الأول عالميا من حيث الوعود المستقبلية، وهو ما من شأنه أن يحد من اعتماد الولايات المتحدة على المملكة العربية السعودية. ولتنويع شبكات التزويد من بحر قزوين، سوف يتم تمرير قناة واحدة غربا عبر أذربدجان وجورجيا لتصل إلى مرفأ شيهان التركي. كما ستمرر قناة أخرى باتجاه الشرق عبر أفغانستان وباكستان لتنتهي قرب الحدود الهندية. وسوف يكون من شأن هذا المشروع الضخم أن ينقذ مصير شركة النفط الأمريكية العملاقة إنرون التي بددت ثلاثة ملايير دولار استثمرتها في محطة الطاقة التي أنشأتها بمدينة دابول في الساحل الغربي للهند، أملا في الوصول إلى مصادر رخيصة للغاز.
لم تكن المملكة المتحدة في معزل من السباق على ما تبقى من موارد العالم الطاقية، وهو ما يفسر جزئيا مشاركتها في العمليات العسكرية الأمريكية. فلقد حذر اللورد براون، المدير التنفيذي لشركة بريتيش بتروليوم العملاقة (BP) ، واشنطن من أن تُقَطِّع "كعكة" العراق على شركات النفط الأمريكية وحدها بعد انتهاء الحرب (صحيفة الغاردين، 30 أكتوبر 2002). وبُعيد مقابلة وزير بريطاني للخارجية القذافي في خيمته الصحراوية في غشت 2002، ذُكر أن "بريطانيا ليست مستعدة لأن تخسر [حصتها] أمام دول أوربية أخرى قد بدأت بالفعل في التهافت على الامتيازات التي توفرها فرص إبرام عقود نفط مربحة" مع ليبيا (موقع البي.بي.سي، 10 غشت 2002).
يمكن اختصار الخاتمة لهذا التحليل بدون شك في التالي: إن "الحرب الدولية على الإرهاب" تكتسي الصبغة الرسمية لأسطورة سياسية انتشرت على نطاق واسع لتمهيد الطريق لبرنامج مغاير تماما – هدف الولايات المتحدة الأسمى الرامي إلى السيطرة على العالم، والذي يتلخص في التأمين القسري لعملية التحكم في موارد النفط الضرورية لتحريك عجلة المشروع برمته. فهل يعتبر التواطؤ في هذه الأسطورة والمشاركة الثانوية [لبريطانيا] في هذا المشروع حقا من مطامح السياسة الخارجية البريطانية؟ إذا ما كانت هناك حاجة أكيدة لتبرير موقف موضوعي لبريطانيا، تمليه علينا أهدافنا [نحن البريطانيون] المستقلة الخاصة بنا، فإن من شأن هذه الملحمة المبتذلة أن تعطينا كل الدلائل التي نحتاجها لنقوم بتغيير جذري لتوجهاتنا.
الكاتب: مايكل ميتشر، عضو البرلمان البريطاني، كان وزيرا للبيئة منذ ماي 1997 إلى يونيو 2003.
المصدر: السبت، 6 شتنبر‏‏ 2003‏، صحيفة الغاردين البريطانية.
ترجمة: منير البغدادي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.