من المؤكد أن المواطن المغربي يتساءل، بعد التصويت الإيجابي على الدستور الجديد، عما يمكن أن يتغير في حياته وفي محيطه، لأن الأمل في التغيير كان ومازال كبيرا، خاصة وأن الثورات العربية متواصلة وستؤدي حتما إلى تغييرات جوهرية في الأنظمة السياسية وفي سير المؤسسات الكبرى للدولة، مما يتيح للمغاربة إمكانية المقارنة بين ما حصل عندنا وما يحصل لدى الآخرين. وإذا كان إعمال الدستور الجديد يتطلب العديد من القوانين التنظيمية والمجالس وغيرها من الإجراءات، فإن الشروع في تنفيذ بعض مبادئه لا يستدعي انتظار تنظيم انتخابات وتشكيل حكومة جديدة، وخاصة ما يتعلق بتسيير مؤسسات الدولة التي من الضروري أن تحصل فيها تغييرات جذرية. إن روح الإصلاح ينبغي أن تنعكس منذ اللحظة التي صادق فيها الشعب المغربي على قانون أساسي جديد للدولة، يمثل تعاقدا بين السلطة والمجتمع، ويتطلب إرادة سياسية صادقة، وإلا فإن العملية ستنهار من أساسها، وسيجد المغرب نفسه متخلفا عن البلدان العربية التي تشهد ثورات وتغييرات عميقة. ويمكن القول إن المواقف التي عبرت عنها كل قوى الشعب المغربي، بكل أطيافها، الجذرية والمعتدلة، أجمعت على فشل وسائل الإعلام السمعية البصرية العمومية في تقديم إنتاج لائق، يستحق تلك المئات من ملايير الدرهم التي تصرفها عليها. والأمر لا يتعلق فقط بغياب إرادة الانفتاح الديمقراطي، بل إن المصيبة الكبرى تتمثل خاصة في الضعف الواضح الذي ميز إدارة ما يسمى بالقطب العمومي، والذي تجسد في الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة. لقد تم تهميش الطاقات، من أقسام الإنتاج إلى الأخبار، وأهملت الإذاعة الوطنية، وانتهت سياسة عشوائية في التوظيف، وخلقت قنوات بدون استراتيجية واضحة، واقتنيت تكنولوجيات بدون جدوى، وتناسلت المديريات، بعضها خرج إلى الوجود بشكل مفتعل، وسادت الزبونية وانعدام الشفافية والتنافسية في العلاقات مع شركات الإنتاج، ونفس الشيء يمكن أن يقال بخصوص طريقة تسيير كل المجالات التقنية وكذا أسلوب تعيين المسؤولين... لقد تعود هؤلاء المسؤولون على تدبير هذه المؤسسات، كما لو أنهم يتصرفون في إقطاعياتهم، بدون حسيب أو رقيب، واعتبروا أن قربهم من مراكز القرار يشفع لهم في مثل هذا التصرف، الأمر الذي رفضه الشعب المغربي عندما ساهم منذ البداية في المظاهرات التي دعت إليها حركة 20 فبراير، وما زكاه عندما صوت لصالح الدستور الجديد الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة وينص، في العديد من فقراته، على الحكامة الجيدة ويعترف بالحق في الولوج إلى المعلومات... وغيرها من مبادئ الشفافية وحسن التدبير. لذلك، فإن وقت المحاسبة قد حان، ليس فقط لأن الفشل يفرض ذلك، بل لأن إعمال مبادئ الدستور الجديد يقتضي هذا أيضا، إذ لا يمكن تصور أي إصلاح بدون إخضاع مؤسسات الإعلام العمومي للافتحاص والمراجعة على مختلف المستويات، من أجل إعطائها انطلاقة قوية لتحقيق الإصلاحات التي ينتظرها الشعب المغربي. فهل يمكن تصور هذا الإصلاح بنفس رموز الوضع الحالي؟ من الحتمي هنا أن يتم التعامل بكل موضوعية مع المسؤولين الذين تحملوا ما وصلت إليه هذه المؤسسات الفاشلة، للتمييز بين ما قاموا به من مبادرات وإجراءات، دون أن يمليها عليهم أحد، وتلك التي صدرت بتعليمات فوقية. وانطلاقا من متابعة دقيقة لهذا القطاع، طيلة العشر سنوات الأخيرة، يمكن الجزم بأن الجزء الكبير من الفشل لم يكن سوى نتيجة سياسة ارتجالية من طرف المسؤولين عنه، وانفراد بالقرار، وغرور في قدراتهم الذاتية، وانغلاق على المحيط السياسي والثقافي والفني، وارتباط بمصالح ولوبيات، وعجز عن التسيير الكفء والحكامة الجيدة. ولن تنفع أولئك الذين يتحملون مسؤولية الفشل أي إجراءات ترقيعية من قبيل التعيينات المرافقة بالبهرجة، ولا اللقاءات النقابية المفتعلة والفارغة، أو شراء بعض الصحافيين في جرائد للقيام بحملات لتلميع الصورة، كل هذا لن يجدي، لأن الشعب يريد التغيير الحقيقي.