سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
في ندوة مكتب الرباط للاتحاد الاشتراكي حول التغييرات الحقوقية في سياق الإصلاحات الدستورية التأكيد على دسترة توصيات الانصاف والمصالحة، وسمو المواثيق الدولية في القانون الوطني
استضاف مكتب الجريدة بالرباط كل من محمد الصبار, الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومصطفى المانوزي رئيس المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، ومحمد بنعبد السلام عن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وذ. بودريس عن المنظمة المغربية لحقوق الإنسان. وذلك لمناقشة موضوع التغييرات التي ينبغي أن يعرفها المشهد الحقوقي ببلادنا في سياق النقاش الدائر حول الدستور المرتقب. وقد طرحنا في البداية سؤالا عريضا وهو »ما الذي ينبغي تغييره في المجال الحقوقي اليوم«؟ وفصل المشاركون في هذا المحور كل من زاوية نظره: محمد الصبار: في تقديري قطع المغرب أشواطا من أجل تحسين المشهد الحقوقي وتحسين أداء الدولة المغربية, وذلك منذ بداية التسعينيات، و قد تم اتخاذ عدة إجراءات، منها ما تعلق بتصفية الجو السياسي، ومنها ما اهتم بمعالجة الانتهاكات الجسيمة لماضي حقوق الإنسان. كما بادر المغرب للمصادقة على عدد من الاتفاقيات الدولية والإعلان عن رفع بعض التحفظات, ومراجعة بعض التشريعات ذات الصلة بحقوق الإنسان، والحريات العامة، وحقوق الفئات الهشة كحقوق المرأة وغير ذلك. وعرفت هذه الفترة أيضا فعلا وازنا للحركة الحقوقية المغربية وهيئات المجتمع المدني، أفضى إلى المكتسبات المحققة الآن، وهي مكتسبات يمكن القول إنها جزئية أحيانا أو محددة في أحيان أخرى، ويعني ذلك أن البلد ينتظر أوراشا كبرى في هذا المجال, بغية الارتقاء بأوضاع حقوق الإنسان ببلادنا، وإعمال هذه الحقوق بمفهومها الشامل والكوني. هناك طبعا عدد من القضايا العالقة، وهناك صعوبات وإكراهات. لكن لابد للمغرب أن ينخرط سريعا في استكمال المنظومة القانونية، حى تكون ملائمة للمواثيق الدولية في مجال حقوق الإنسان، ثم المصادقة على ما تبقى من الاتفاقيات التي لم يصادق المغرب بعد عليها، وفي مقدمتها اتفاقيات حماية الأشخاص من الاختفاء القسري، والبرتوكول الاختياري الثاني، ولابد أيضا من تكييف بعض النصوص ذات الصلة بحقوق الإنسان، والتي يبدو أنها تتنافى ومفهوم الشرعية الدولية لحقوق الإنسان. وطبعا نحن في محطة يتحدث فيها الجميع عن الإصلاح الدستوري، وموضوع دسترة توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وهو ما أشار إليه الخطاب الملكي ليوم تاسع مارس المنصرم. وهي توصيات لقيت إجماعا من طرف الحركة الحقوقية، والفاعلين السياسيين والمدنيين. وقد تشكل هذه التوصيات إحدى المسارات الحقيقية لتنتقل الى ديمقراطية حقة، تمكن الجميع من لعب أدواره بكل حرية وبدون مضايقة أو تعسف أو اضطهاد. وحسب علمي, فإن بعض مذكرات الأحزاب السياسية التي رفعت الى اللجنة الاستشارية المكلفة بإعداد الدستور الجديد، تضمنت هذا الشق المتعلق بدسترة توصيات هيئة الإنصاف المصالحة، علما أن بعض التوصيات لا تحتاج إلى الدسترة، بل تحتاج فقط للتنصيص عليها في قوانين أخرى، وبناء على هذا يمكننا القول أن المرحلة القادمة تتطلب من كل الفاعلين الحقوقيين والمدنيين القيام بكل الأدوار، بدءا من التحسيس والتعبئة إلى الاقتراح. وهذا أمر كما يعلم الجميع - له أشكال متعددة في التصريف من الناحية الإجرائية، وفي هذا النطاق سيقدم المجلس الوطني لحقوق الإنسان على مبادرة تنظيم مناظرة كبرى حول الإصلاحات الدستورية, وذلك نهاية الشهر الحالي أو بداية الشهر المقبل. وستتضمن هذه المناظرة شقا يتعلق بمعايير الوثيقة الدستورية الديمقراطية. ويهم الشق الثاني مجال اشتغال المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وخاصة في موضوع دسترة ا لتوصيات. وستكون هذه المناظرة فرصة للاستماع الى تجارب إٍقليمية أخرى، قد تفيد في انتاج مقترحات مدققة، سنعمل على مد اللجنة الاستشارية بها. محمد بنعبد السلام: في الواقع أشاطر الأستاذ الصبار جزءا كبيرا مما تفضل به في مداخلته، خاصة عندما تحدث عن الجهود التي قام بها المغرب بداية التسعينات, وما صاحب تلك الفترة من الإفراج على عدد كبير من المعتقلين السياسيين، مع الكشف على مصير مختطفي »تازمامارت« والمختطفين الصحراويين بالاضافة إلى إنشاء مؤسسات حقوقية، وتعديلات طالت مدونة الأسرة وغيرها. وشكل هذا تقدما جزئيا لما عرفته البلاد، ويمكننا القول إنه بداية انتقال من مرحلة الى مرحلة أخرى. غير أن هذه المكتسبات الجزئية ظلت هشة لأنه لم يتم تأصيلها على مستوى الدستور، أو على مستوى باقي القوانين في البلاد، وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا التقدم الذي عرفته أوضاع حقوق الإنسان في تلك الفترة، دعمه مجيء حكومة التناوب بقيادة الاستاذ عبد الرحمن اليوسفي، وذلك من خلال اتخاذ العديد من الإجراءات، منها تسوية أوضاع العديد من الفئات منهم ضحايا الاختطاف والاعتقال التعسفي، وضحايا التعذيب... وكانت هذه مقدمات، ومع تولي محمد السادس الحكم انطلقت وعود جديدة، من بين مؤشراتها هيئة التحكيم لتعويض ضحايا الاختطاف القسري والاعتقال التعسفي، إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة, غير أن هذه الإجراءات والمقاربات عرفت دائما إيقاع مد وجزر. ولم تكن الأمور تعرف استقرارا, لأنه وكما قلت في البداية لم يتم تأصيل ذلك على مستوى الدستور، كما استمر العمل بالعديد من القوانين التي تخلو من الضمانات المتعلقة بالعديد من الحقوق. لكن يجب أن نلحظ أيضا أن المجتمع المدني واكب بشكل قوي هذه المتغيرات، ولكل المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في نونبر 2001، من أبرز تمظهرات هذه المواكبة. هذه المناظرة التي عرفت مشاركة واسعة للهيئات المدنية والسياسية والثقافية, وكانت لخلاصاتها دور كبير دفع بالدولة لإنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة. ولكن للأسف تزامن انطلاق مسلسل الإنصاف والمصالحة نهاية سنة 2003 وبداية سنة 2004، ن مع تجدد الانتهاكات بجسامة ووتيرة مرتفعة ومنهجية. وحدث هذا بموازاة مع الأحداث الإرهابية التي وقعت في مدينة الدارالبيضاء في 16 ماي 2003 وهنا عاد مجددا استعمال مركز تمارة السري، وإيقاع التعذيب والاختطافات والمحاكمات وهذا مازل مستمرا لحد الآن، وأظن اليوم أن ما يطرح هذا النقاش بزخم، هو ما تعرفه الساحة العربية، والساحة المغاربية من حراك. وهو حراك يطرح شعارا أساسيا، هو «»التغيير«« لم تعد شعوب المنطقة قادرة على الاستمرار بالشكل الحالي, ونحن بدورنا في المغرب نحتاج الى التغيير, وأنا لا أقبل بنظرية الاستثناء وأرى أن البلاد تتطلب التغيير، لماذا؟ لأننا مازلنا نعيش مجتمع الرعايا ، وليس مجتمع المواطنة والموسسات. يعني إننا نعيش دولة »المخزن« وليست دولة المؤسسات. واليوم نحيا مرحلة دقيقة ويجب أن نعي ونستحضر أهيمتها. وعلى الدولة أن تستجيب لمطالب وتطلعات عموم الشعب المغربي. وأعتقد أن شباب 20 فبراير أعطى لهذه التطلعات دفعة عبر شعارات الكرامة الحرية، العدالة الاجتماعية وإقرار دستور جديد ديمقراطي. وإذا تساءلنا، إلى أي حد استجاب الخطاب الملكي الأخير لهذه المطالب؟ فإنني أعتقد أن الخطاب لم يستجب لجميع المطالب. مصطفى المانوزي: أعتقد أن المحور السؤال يتقاطع عنده بشكل مكثف، البعدان السياسي والحقوقي. وأنا هنا أمثل المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف وهي منظمة يتقاطع فيها أيضا هذين البعدين، ولكن في حلة نقابية. وكما تعلمون ما يحدث اليوم فيه استجابة ضمنية، تندرج في سياق اللاتوقع، لأن زمن التنبؤات انتهى. وتجدر الإشارة إلى أنه قبل دينامية حركة 20 فبراير، وقبل الثورات التي وقعت في تونس ومصر وأقطار عربية أخرى، كنا قد توجنا نضالاتنا بمسيرة وطنية يوم 31 أكتوبر أي غداة تخليد ذكرى الشهيد المهدي بنبركة، وعبرنا خلال هذه المسيرة عن قناعتنا، بأنه دون تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، لكن تكون هناك مؤشرات ثقة والثقة هي أساس مدخل لكل تعاقد كان ضمنيا أو مكتوبا أو شعريا. وفي هذا السياق يجب أن نقول لا يعقل إجهاض التناوب، الذي أعطى نوعا من الدينامية داخل جزء من اليسار، الذي شعر في تلك المرحلة أن هناك نوعا من الانفتاح. هذا من جهة، من جهة أخرى هناك ما جرى في 2003، حيث تم رد الاعتبار لظهير ما من شأنه في حلة جديدة، عبر قانون الإرهاب، وللأسف استجاب اخواننا في القوى الديمقراطية، ومرروا بسرعة هذا القانون تحت رهبة وفزاعة الإرهاب. وأنا أنسجم مع سؤالكم, لأني أعتبره سؤالا وجوديا لأن الإجابة عنه ترتبط ببنية الدولة. ما الذي يجب أن يتغير؟ أعتقد أن الذي يجب أن يتغير هو بنية الدولة. وعندما نقول بنية الدولة نعني أيضا بنية الأحزاب والمجتمع، لكن السؤال مطروح بالدرجة الأولى على الدولة. لأن هي التي عليها أن تتغير من داخلها ومن خارجها عبرنا نحن, وأرى أن هذا السؤال المحور يجب أن يتفرع, فهناك إجراءات تمهيدية تؤشر للثقة لابد أن أذكر بها , ومعنا الآن المجلس الوطني لحقوق الإنسان في شخص أمينه العام محمد الصبار. أولا هناك ملفات عالقة ينبغي أن يكون عليها جواب ومن شأن هذا الجواب أن يساعد الدولة في تطهير محيطها, لأن الحقيقة تطرح مبدءا تم تأجيله وتأجيله، ألا وهو مبدأ المساءلة وعدم الإفلات عن العقاب، وارتباط ذلك بتدابير تحول دون تكرار ما حصل. وهذا يجعل الدولة تقطع مع مرحلة كأشخاص وكأفكار وتمثلات. ويتطلب الأمر على المدى القصير تصفية الأجواء و لحد الساعة - و كما رأينا - نادى الخطاب الملكي بدسترة توصيات الإنصاف والمصالحة، ونعتها بالوجيهة. وتبدأ هذه المسألة بالمصادقة على المواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان. وذلك لأن سمو هذه القوانين الدولية على القوانين الداخلية، هي أول ما تنادي به توصيات الإنصاف والمصالحة. وبالتالي علينا أن نبدأ بالمصادقة وخاصة على الاتفاقية الدولية المتعلقة بالاختفاء القسري، والبرتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب والبرتوكول الاختياري الثاني الخاص بالعهد الدول للحقوق المدنية والسياسية، المتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام، والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والمصداقة على هذه الاتفاقيات لا تكلف الدولة. وهذا المبدأ لا يجعلنا نفكر دائما في الملاءمة, بل يجعلنا نحتكم الى المعايير الدولية، بالاضافة الى القضاء الوطني، إذا عملنا ليس فقط على استقلاله, بل على نزاهته وتطهيره. ذلك أن الاحتكام الى المعايير الدولية على مستوى الرقابة والتقارير وغيرها تقرر بعض الضمانات التي تسمح بتصريف هذا المبدأ. على ضرورة اتخاذ الإجرآءات للاستعجالية كتصفية الأجواء السياسية بإطلاق سراح كافة المعتقلين لأسباب سياسية أو نتيجة التعبير عن أرائهم، عبر التظاهر وغيره. على الأخذ بعين الاعتبار أن الذين مروا بمحاكمة عادلة، فنحن نحترم القانون. بودريس: في الواقع الذي يجب أن يتغير هو بضعة مفاهيم، لكن يفتح تغيير هذه المفاهيم المجال لتغيير ممارسات وقوانين وعقليات، وأول ما يجب تغييره هو مفهوم الدولة. والدولة لحد الآن وكأنها عبارة عن جهاز يسير المجتمع وبشكل أقل يمثل المجتمع. وما ينبغي اليوم هوأن تتحول الدولة الى ممثل لطموحات ومكونات الشعب بشكل عام. وما يجب أن يتغير أيضا هو مفهوم المغربي، بحيث ينبغي أن يطعم بمفهوم المواطنة والمقصود بالمواطنة هنا هو أن ينظر المغربي الى مختلف أجهزة الدولة باعتبارها موجودة في خدمته, بدل أن تكون في التمثلات وكأنها - أي الدولة - مسلطة عليه, إذن من خلال الجدلية القائمة بين هذين المفهومين نرى آفاقا مختلفة. ولابد من الإشارة الى أن الأفق الأول هو أفق فكري سياسي صريح حر، ويجب أن نعترف لشباب المغرب أنهم فتحوا هذا الأفق، أفق المناقشة وتمحيص المفاهيم، وعدم التسرع في اتخاذ القرارات، عندما نقول الديمقراطية نمارس الديكتاتورية ونلبسها لبوسات ديمقراطية. عندما نتحدث عن الديمقراطية ينبغي أن نمارسها، كما نجدها بمفهومها الكوني. و شباب 20 فبراير فتح هذا النقاش, إذا لم ننتبه الى هذا الأمر، سنفوت فرصة تاريخية، وهي فرصة تعديل الدستور، لماذا فرصة تاريخية لأنه عبر تاريخ المغرب، الحديث لأول مرة هناك فرصة لكي يشارك جميع المغاربة سوآء كانوا الهيئات سياسية أو منظمات نقابية أو مدنية أو غيرها .والأهم هو أن هناك مسطرة رسمية لهذه المشاركة وهناك قنوات غير رسمية أيضا. وهذا النقاش كفيل وحده بأن ينقل المغاربة من مستوى التلقي السياسي الى مستوى الفعل في المجال السياسي. والديمقراطية هي مجموع آراء الناس، وبشكل عام عايشنا إضافة نعت جديد للسلطة لتصبح »المفهوم الجديد للسلطة,« والمهم ليس إضافة نعت بل أن تتحول ممارسة السلطة الى ممارسة جديدة. ونفس الشيء مع مفهوم الدولة، وهناك فرق بين الدولة الحديثة والمخزن. بالنسبة للمخزن هناك تطور لهذا المفهوم والتطور ليس بمعنى الارتقاء من الأسوأ الى الأفضل، بل تطور على صعيد التنوع في مجال الممارسة المخزنية, هناك من الممارسات ما كان يشبه النظام الكونفدرالي، ويمكن أن نقيسه بما كان يحدث في سويسرا, بمعنى أن هناك العديد من القبائل تدبر شأنها الداخلي بشكل مستقل، دون تدخل المركز وعلاقتها بالمركز تنحصر في الجيش والضرآئب. وهذا شكل من أشكال التجلي المخزني, لكن هناك شكل آخر من التجلي وهو تجلي قمعي, نحن لآ نريد أن ننتقل الآن من هذه الفيدرالية والديمقراطية العفوية، الى ديمقراطية نفكر فيها. وهذا يقتضي الاعتقاد بأن لكل فرد رأي، وأنه يمكن أن يكون لهذا الرأي مخالف, و قبول هذا الاختلاف هو الشرط الأساسي للديمقراطية. ننتظر اليوم أن يتم التمييز بشكل قانوني ودستوري، بين تدبير الشأن العام وتدبير الشأن الخاص، ولايمكن أن نؤسس دولة ديمقراطية ونحن نعتقد أن المناصب هي مناصب للأشخاص, ولذلك يمكننا أن نشغلها بالأهل والأصدقاء والخلان والزبناء الحزبيين. وهذا أساسي، لأن الأمر يتطلب من الشخصية العامة أن تكون مسؤولة، لكن الأهم من ذلك هو أن تكون هناك آلية للمحاسبة. الاتحاد الاشتراكي: مسألة دسترة توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة وسمو المواثيق الدولية على القانون الوطني، وما تطرحه مسألة الحكامة الأمنية، ألا يصطدم كل هذا بالفصل 19. وبعبارة أخرى هل الفصل 19 إذا ما تم الإبقاء عليه حسب الوثيقة الدستورية القديمة من شأنه أن يقيل تفعيل التوصيات وإن تمت دسترتها. ملاحظة أخرى هل التنصيص على التوصيات في الدستور هي السققف الذي لا محيد عنه بالنسبة لكم كحقوقيين..؟ مصطفى المانوزي: باختصار شديد سبق لي أن قلت, ينبغي تغيير بنية الدولة من الداخل ومن الخارج، طبعا كل واحد ينظر الى الأمر من الزاوية أو الموقع الذي يشتغل فيه. وبالتالي سيتم تغيير المنظومة الدستورية, إما من الداخل أو من الخارج. وبالنسبة لنا كحقوقيين ففي الوقت الذي نقول بدسترة التوصيات، فإننا نعني أساسا سمو المواثيق الدولية على القوانين الوطنية. وهذا يستلزم بالإضافة الى التأصيل الدستوري، الحماية والتحضير، وتجريم الانتهاكات. وعندما نتحدث عن التجريم، فإننا ننتقل الى جانب أشرتم إليه، وهو الحكامة الأمنية وهذا أمر ينسحب حتي على القضاء، أي عندما نستنفد إمكانية القضاء الوطني، يمكن اللجوء الى القضاء الدولي، ونربط أيضا المسؤولية بالمحاسبة، كما أشار الاستاذ بودريس وهذا يعني أن هناك أجوبة يمكنها أن تبلور علاقتنا بالفصل (19). والفصل (19) من الدستور فصل يؤول. أي نحن الذين نضفي عليه الحمولة التي نريدها. هناك مجتهدون آخرون يتركونه مترعا للتأويلات. وبالنسبة لنا عندما نقول ان الذي يمارس المسؤولية يجب أن يحاسب. فنحن نتحدث عن المحاسبة عن طريق الانتخابات (أي المعاقبة عن طريق صناديق الاقتراع). وعندما نتحدث أيضا عن توسيع صلاحيات الوزير الاول وتعزيزها. بتحويله من وزير يترأس الحكومة الى رئيس الحكومة. وعندما نقول توسيع المجال التشريعي, فإننا في الواقع نروم أن نأخذ من الفصل 19 صلاحية التشريع ونفصله عن القضاء وعن السلطة التنفيذية. إذن هذا فصل يتم «تمويته» ننزع الصلاحيات ونمنحها للسلطة التي تستحقها وهنا نفرغه من محتواه. كحقوقيين يصعب علينا القبول به في الوقت الذي يمس بالحق في المعتقد. فعندما نقول «أمير المؤمنين»، يجب أن تكون آليات في الفصول وهنا يصعب الإصلاح من داخل النسق. وما يقلقني كحقوقي ليس الفصل (19) بل ما يقلقني هي تلك الصلاحيات المتعلقة بحل البرلمان والصلاحيات التي تمس بالبنيات والمأسسة، وهذه المأسسة يجب حمايتها. والدولة تعتبر هذا الفصل دستورا داخل الدستور أو فصلا فوق الدستور، في حين هو جزء من بنية الدستور, لذلك ما ينبغي أن ندافع عنه هو سمو الدستور. محمد بنعبد السلام: بالنسبة لي ينبغي أن نطرح سؤالا هل نحن بصدد وضع دستور جديد أم تعديل الدستور؟ في تقديري الأمر يتعلق بتعديل الدستور القديم بمواصفاته المعروفة. وإذا أردنا دستورا جديدا ديمقراطيا، فإن الأمر يحتاج الى مقومات, سواء على مستوى الشكل أو على صعيد المضمون, وحقوقيا ينبغي أن يكون هذا الدستور ملائما للمواثيق الكونية، ذات الصلة بحقوق الإنسان. الدستور الذي يجري عليه الاشتغال حاليا، هو كالدساتير السابقة. وكملاحظة فإن اللجنة الاستشارية معينة من طرف الملك، أي ليست منتخبة وهناك ملاحظات القانونين الذين اعتبروا أن اللجنة لن تفرز دستورا جديدا، لأن دستورا للشعب يجب أن يفرز أناسا يأتون من الشعب، والملك رسم الخطوط والثوابت العامة لهذا الدستور المرتقب والذي لا يمكن معها الاجتهاد. محمد الصبار: أنا أريد أن أعود الى موضوع الاستثناء في المنطقة. مبدئيا يجب الاتفاق أنه ليس هناك تماثل على المستوى الاقليمي, لا يمكن أن نشبه الحالة المغربية على ليبيا، التي يحظر فيها النظام العمل السياسي ويجرمه، ويتضمن قانونها الجنائي عقوبة الإعدام في قضايا بسيطة جدا، لا يمكن أيضا أن نقارن المغرب بتونس ومصر التي استطاع النظام فيها (قبل الثورة) قطع الأوصال مع القوى الحية، ولا يمكن أن نقارن المغرب مع اليمن وسوريا ولا مع البحرين. المسألة الثانية: التعبيرات في الشارع المغربي لم تصل الى حد التعبيرات التي رفعت في اليمن ومصر وتونس. والشعارات التي رفعت سواء في 20 فبراير و20 مارس سقفها كان واضحا جدا. وهذا ما يشكل الاستثناء المغربي في العالم العربي. وما يقع في مناطق أخرى اعتبره رافعة سياسية وداعمة لإجراء إصلاحات في المغرب وعلى الوجه السريع. لقد حققنا السبق في الماضي. لم تعالج أي دولة في المنطقة العربية موضوع الانتهاكات الجسيمة، لحقوق الإنسان، كما أننا نعيش في المغرب هوامش لا يتمتع بها أشقاؤنا في العالم العربي. كما لاحظنا أنه لم يحصل تعاطي أمني فج مع التظاهرات في المغرب، كما حدث في أقطار أخرى. وبالنسبة لي فإن ما يقع في المنطقة العربية يعزز الحركة الحقوقية وكل الديمقراطيين في هذا البلد لتقديم مقترحات من أجل تغيير بنية الدولة لتصبح دولة لها وظائف وأدوار الدولة الديمقراطية. ولكن ماهي وظائف وأدوار هذه الدولة الديمقراطية؟ إنها وظائف تقتضي وجود مؤسسات ديمقراطية من حيث التأسيس والولادة، وديمقراطية من حيث العمق. بضوابط وقواعد واضحة من الناحية الدستورية والتنظيمية. المواثيق الدولية لم يضعها المشرع للجمهوريات فقط، بل وضعها للجمهوريات والملكيات, والأنظمة العسكرية والديكتاتوريات، بمعنى لم تحسم هذه المواثيق في شكل الأنظمة. ولنستحضر العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. من موقعي لا يمكنني إلا أن أتحدث من سقف واضح وهو توصيات الإنصاف والمصالحة، لأنني أنا ملزم كأمين عام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بالعمل وأجرأة ومتابعة تنفيذ هذه التوصيات. الخطاب الملكي ليس بدستور, الخطاب الملكي تضمن معايير أو خارطة طريق أهمها توسيع صلاحيات الوزير الأول ليصبح مسؤولا أمام الحكومة والبرلمان ولن يعد مسؤولا أمام الملك. ومن بين توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة توسيع صلاحيات الوزير الأول وتوسيع صلاحيات البرلمان في مجال التشريع، من بين الثوابت التي أضيفت الخيار الديمقراطي. مصطفى المانوزي: في الحركة الحقوقية يجب أن نحسم في مسألة. فهناك، من يعتبر الخطاب دستورا وهذا ليس صحيحا، فالخطاب خطاب في جوهره. نعتبر الخطاب استجابة للحراك. وهذا تثمين لما يجري في الساحة. محمد الصبار: في مسألة سمو القوانين الدولية نجد صعوبات, هناك أصوات معارضة. وهو ما يتطلب فتح تناظر عمومي للتدليل على أن هذه المسألة لا تتعارض مع الدين الاسلامي ولدينا قضايا أخرى مثل المحكمة الجنائية الدولية، والمغرب اختار الانخراط في العولمة الاقتصادية, ولابد له أن ينخرط في عولمة العدالة وهناك أيضا مسألة أخرى تتعلق بتجريم الاختفاء القسري. فعلى الرغم من أن الدستور ينص على أن الشخص لا يمكن أن يعتقل إلا في الأحوال المقررة قانونا. لكن هذا خطاب موجه للمؤسسات المعروفة. ومن جهة أخرى، هناك أعمال تدخل في إطار الاختفاء القسري. إذن لابد من التنصيص على تجريم هذا الأمر. ثم هناك مسألة الحكامة الأمنية. وأشير في هذا المقام الى أن المجلس الحكومي صادق على الخطة الوطنية للنهوض بحقوق الإنسان.وهذا أمر مهم وطبعا هناك استقلال القضاء ونزاهته. بودريس: بالنسبة لي التساؤل عن الدستور المرتقب, هل هو دستور جديد أم هو مجرد تعديلات على النص القديم, أمر ثانوي، لأن المهم هو المسار الذي يسمح بالمشاركة، وهذا عنصر هام من الناحية الكيفية. أما من جهة ما هو متعارف عليه من الناحية التقنية كالمجلس التأسيسي, فهذه صيغة لا تؤدي دائما الى نتائج إيجابية، وخاصة مع نسب الأمية، ومع عدم تغلغل منظمات سياسية متنورة في العمق الجماهيري. وفي هذه الحالات يمكن أن نناقش بدائل أخرى. هذا مدخل لمقاربة المسألة، أما على مستوى المخرج، يمكن أن نتساءل هل سيحمي هذا الدستور كرامة المواطن هل فيه آليات تمكن من حماية الحقوق. هل هناك مسطرة بسيطة تسمح برفع أي خرق. وتبعا لها تتم محاسبة المسؤول عن هذا الخرق. ولذلك قلت إن المشاركة في هذا النقاش الدائر هام، لأنه حتى في حالة المجالس التأسيسية، لا تكون مصاحبة بالضرورة لهذا النقاش الجماهيري. محمد بنعبد السلام: لدي إضافة بسيطة أردت من خلالها التذكير بمطالب حركة 20 فبراير وهي مطالب تنادي أولا بإقرار دستور ديمقراطي، وحل الحكومة والبرلمان وتشكيل حكومة انتقالية مؤقتة تخضع لإرادة الشعب. إقرار قضاء مستقل، محاربة الفساد والمفسدين، والاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة رسمية الى جانب اللغة العربية، الاهتمام بقضايا الهوية الوطنية، إطلاق كافة المعتقلين السياسيين، توفير العيش الكريم وخاصة إدماج المعطلين. وأريد أن أؤكد في هذا السياق إننا نعيش في لحظة دقيقة في تاريخنا، هل يستقيم في هذه المرحلة أن نعالج رهانات المرحلة بما هو كائن ونفوت علينا هذه الفرصة، كما فوتنا فرصا أخرى في محطات عديدة. محمد الصبار: أعتبر كل المطالب هي مشروعة، وإذا أردنا أن نتحدث عن سقف. ولا نجد في سقف المطالب المطروحة كلمة «إرحل» وفي مطالب الشباب نجد الدعوة الى القيادات السياسية والنقابية والحقوقية الهرمة لكي تذهب الى حال سبيلها وتترك مكانها للأجيال الشابةالجديدة. وتجدر الاشارة هنا إلى أن حتى الأحزاب والنقابات فيها الفصل (19). فكيف يمكننا اليوم أن نتصور أن هناك قيادات وصلت الى مرحلة متقدمة من العمر، ومازالت تتشبث بالزعامة. وأنا أستغرب كيف يدعي أحد أنه من الشباب والشباب يطالبونه بالذهاب. وإلا كيف نفسر تشبث المرحوم المحجوب بن الصديق بالقيادة. أليس ذلك نوع من الفصل (19) في النقابات. محمد بن عبد السلام: إن تداول النخب الآن هو هدف الشباب المنخرط في الجمعيات ويغذي الحراك القائم. محمد الصبار: أنا لم أتحدث عن الجمعية, أنا اشرت الى الأحزاب والنقابات. والفرص التاريخية نحن الذين نضيعها، بسبب جهلنا لأهدافنا القابلة للتحقق. والجمعية التأسيسية وغيرها صيغ، لكن الصيغة الأمثل هي أن تكون لجنة منتخبة بشكل ديمقراطي. ولكن لدينا الفرصة للتدارك هو أن نتمكن من إجراء استفتاء نزيه حر ، شفاف ديمقراطي. وإذا ما كان الاستفتاء حول الدستور بهذا الشكل، فسوف يجب ما قبله. ويطرح هذا مسألة التعبئة من أجل المشاركة.