المحكمة تقرر تأخير محاكمة حامي الدين في قضية آيت الجيد وتأمر باستدعاء الشاهد خمار الحديوي (صور)    أونسا يوضح إجراءات استيراد الأبقار والأغنام            استيراد الأبقار والأغنام في المغرب يتجاوز 1.5 مليون رأس خلال عامين        تقرير : على دول إفريقيا أن تعزز أمنها السيبراني لصد التحكم الخارجي    6 قتلى في هجوم مسلح على حانة في المكسيك    الكاف يُعاقب مولودية الجزائر بحرمانه من جماهيره وغرامة مالية ثقيلة    مدرب مانشيستر يونايتد يشيد بأداء نصير مزراوي بعد التعادل أمام إيبسويتش تاون    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    كيوسك الإثنين | الخارجية تكشف عن الإجراءات المتخذة لمكافحة "سماسرة" الفيزا    جمعية تنتقد استمرار هدر الزمن التشريعي والسياسي اتجاه مختلف قضايا المرأة بالمغرب    سلا.. توقيف شخصين بينهما سيدة بحوزتهما 3196 قرص من "الريفوتريل" و"الإكستازي"    مهرجان الزربية الواوزكيتية يختتم دورته السابعة بتوافد قياسي بلغ 60 ألف زائر    من جديد يعود الكعبي ليسجل اول هاتريك في الدوري اليوناني …    تصريحات حول حكيم زياش تضع محللة هولندية في مرمى الانتقادات والتهديدات    رياض مزور يترأس المجلس الإقليمي لحزب الاستقلال بالعرائش    الاشتراكي الموحد يرحب بقرار اعتقال نتنياهو ويصفه ب"المنصف لدماء الشهداء"    تحالف دول الساحل يقرر توحيد جواز السفر والهوية..    "الكونفدرالية" تتهم الحكومة ب"التملص" من التزاماتها بعد تأخر جولة شتنبر للحوار الاجتماعي    شمس الحقيقة ستسطع مهما طال ليل التعتيم        اطلاق الحملة الوطنية التحسيسية لوقف العنف ضد النساء والفتيات    الإمارات تلقي القبض على 3 مشتبه بهم في مقتل "حاخام" إسرائيلي    انطلاق حظر في المالديف يمنع دخول السجائر الإلكترونية مع السياح    بسبب ضوضاء الأطفال .. مسنة بيضاء تقتل جارتها السوداء في فلوريدا    محام صنصال: الجزائر تنتهك الحريات    جدعون ليفي: نتنياهو وغالانت يمثلان أمام محاكمة الشعوب لأن العالم رأى مافعلوه في غزة ولم يكن بإمكانه الصمت    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز بوينغ 787-9 دريملاينر    الاعلام الإيطالي يواكب بقوة قرار بنما تعليق علاقاتها مع البوليساريو: انتصار للدبلوماسية المغربية    استقرار الدرهم أمام الأورو وتراجعه أمام الدولار مع تعزيز الاحتياطيات وضخ السيولة    الدفاع الحسني يهزم المحمدية برباعية    أزمة ثقة أم قرار متسرع؟.. جدل حول تغيير حارس اتحاد طنجة ريان أزواغ    موتمر كوب29… المغرب يبصم على مشاركة متميزة    جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد بوبكري في لقاء جماهيري بالجديدة: السلطة تهيمن على الأحزاب والاقتصاد والمال والإعلام...وللخروج من هذه الوضعية، فإنه لا مناص لبلادنا من الشروع في الانخراط في بناء ملكية برلمانية

في إطار أنشطته الإشعاعية، نظم مكتب فرع الاتحاد الاشتراكي بالجديدة لقاء جماهيريا مع محمد بوبكري عضو المكتب السياسي حول موضوع «الإصلاحات الدستورية والسياسية» التي يتم التحضير لها . اللقاء الذي عرف نقاشا حادا مع العديد من الشباب والحضور، تميز بكلمة بوشعيب بلمقدم كاتب الفرع الذي اعتبر هذا النشاط محاولة من مكتب الفرع الذي تم تجديده مؤخرا لإشراك الجماهير في النقاش السياسي المفتوح من أجل التوافق حول دستور جديد يخدم المصلحة العليا للوطن.
بعد ذلك تناول محمد بوبكري بالدرس والتحليل ما عرفته الساحة السياسية المغربية في السنوات الأخيرة من تطورات سارت في مجملها في الاتجاه السلبي، خاصة بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة وما رافق تشكيل الحكومة الحالية من تراجعات في تفعيل الآليات الدستورية، ومن محاولات بعض الأطراف النافذة في السلطة تعطيل فاعلية بعض المؤسسات الدستورية لفائدة مؤسسات أخرى...، الأمر الذي يدفع إلى الاقتناع بأن الحاكمين يمثلون سلطة أعلى من الدستور.
وانطلاقا من هذه الوضعية، يؤكد متتبعو الشأن السياسي اليوم ما تعانيه علاقات مختلف السلط الدستورية في بلادنا من تداخل وعدم توازن وطغيان بعضها على بعض، إذ أن بلادنا لا تزال تعاني من غياب مأسسة حقيقية، حيث توجد مؤسسات دستورية في شبه عطالة لكونها منقوصة الصلاحيات، الأمر الذي جعل التقرير في القضايا المصيرية يتم خارجها، مما أدخل البلاد في مأزق قد يعود بنا، بشكل أو بآخر، إلى نظام سلطوي، مضيفا أن الدستور الحالي يمنح للوزير الأول صلاحية اقتراح الوزراء الذين يعينهم الملك، لكن الحضور الكثيف لوزراء «مستقلين»... في هذه الحكومة يؤكد أن الوزير الأول لم يقم بأي شيء من ذلك.
إجمالا، يضيف بوبكري أن بلادنا لا تتوفر لا على حكومة ولا على برلمان حقيقيين، كما أنه ليس هناك فصل للسلط، بل إن السلطة تبسط سيطرتها عليها. كما تهيمن على الأحزاب والاقتصاد والمال والإعلام...وللخروج من هذه الوضعية، فإنه لا مناص لبلادنا من الشروع في الانخراط في بناء ملكية برلمانية. وينسحب مفهوم «الملكية البرلمانية» على النظام السياسي الذي تكون فيه الحكومة مسؤولة أمام البرلمان وأمام الملك، وذلك كما هو الشأن بالنسبة لكافة الأنظمة الملكية البرلمانية في العالم. والملكية البرلمانية هي النظام الذي يسمح بتوفير الشروط الدستورية لقيام حكومة أغلبية منسجمة تعمل على تنفيذ برنامجها في إطار من التكامل والتضامن بين أعضائها، وتحت مسؤولية ومراقبة الجهاز التشريعي الذي يمتلك حق التشريع والمراقبة وإقالة الحكومة... وفضلا عن ذلك، فإن هذا النظام قد أثبت جدارته في ضمان استقلال القضاء عن جميع السلط وجعله مؤسسة قادرة على حماية الحقوق والحريات...لكن يجب التمييز بين نظام الحكم الذي يعني طبيعة وأسلوب تنظيم المؤسسات داخل دولة ما، مما يسمح بوصف نظام الحكم بكونه جمهوريا أو ملكيا ديمقراطيا أو دكتاتوريا، وبين النظام السياسي الذي يعني كيفية اشتغال المؤسسات وكيفية تدبير العلاقات بينها في فترة زمنية محددة، مما يسمح بوصف النظام السياسي بكونه نظاما برلمانيا أو رئاسيا أو مختلطا، كما هو الشأن بالنسبة للنظام الفرنسي
كما أن مطلب الملكية البرلمانية، يقول، ينطبق على النظام السياسي بتحول الملكية من تنفيذية إلى ملكية برلمانية تكون الحكومة مسؤولة سياسيا، بشكل كامل، أمام البرلمان عن تدبير الشأن العام، وما يترتب عن ذلك من إمكانية إقالتها الجماعية في حالة رفض برنامجها... وتبعا لذلك، فإن وصف النظام بالبرلماني ينسحب على النظام السياسي، أي على كيفية فصل السلط الدستورية وتنظيم العلاقات بينها... لذا فعندما نطالب ب «الملكية البرلمانية»، فإننا نقصد هذا المعنى ذاته، أي المطالبة بإصلاحات دستورية تُقََعِّدُ لفصل جديد للسلط بالشكل الذي يضمن توازنها وتعاونها، ويحد من هيمنة بعضها على بعض، ويضمن ممارسة كل منها لاختصاصاته كاملة، وخصوصا الاستقلال التام للسلطة القضائية. يقول البعض إنه لا يمكن إقامة ملكية برلمانية في المغرب لأنها «تقتضي توفر طبقة سياسية مُتطلِّبة، وذات مصداقية، تتحلى بالنضج وتشعر المواطنين بالثقة، وهي أمور مفتقدة في الوقت الراهن». لكن، هل يمكن الجزم بعدم وجود الكثير من السياسيين والمثقفين الوطنيين النزهاء والأكفاء المتطلبين الذين تحاربهم السلطة عبر تدخلها في الحقل السياسي، والذين يشكلون طبقة سياسية فعلية؟ وكيف يمكن إنكار نضال الشعب المغربي من أجل الديمقراطية الحافل بالتضحيات؟
.. ويرى بوبكري أنَّ فكرة هؤلاء لا تأخذ بعين الاعتبار أن الحرية هي «ماهية الروح»، وليست مما يُمنح للإنسان أو يُمنع عنه حسب ظروفه وأحواله. يرى هيجل أن ماهية الروح هي الحرية مثلما ماهية المادة هي الكتلة. والناس جميعا يسلمون بأن الحرية خاصية من خصائص الروح، كما تعلمنا الفلسفة أن كل صفات الروح لا توجد إلا بواسطة الحرية (العقل في التاريخ).
إن الديمقراطية، التي هي التطبيق العملي للحرية، هي ممارسة بالدرجة الأولى. وحين تأمل أرسطو في تعلُّم الفضيلة تبين له أنَّ الأمر يشبه تعلم العزف على القيثارة. وبما أنه لا يمكن العزف على هذه الآلة بدون ممارسة فإنه لا يمكن تعلم الديمقراطية بدون ممارستها. وقد علق Jank vitch على هذه الفكرة قائلا: «إننا نصير عازفين بممارسة العزف، كما أننا نتعلم السباحة عندما نرتمي في الماء». وهذا ما ينطبق على ممارسة الفعل الديمقراطي.إذ أنه لا يمكن تكوين الإنسان وبناء الديمقراطية... بدون حرية.
فيما يرى بعض الناس أن تطبيق الديمقراطية في مجتمع أمي يكاد يكون مستحيلا. وعند سماع هذا الكلام، لا يمكن للمرء، للوهلة الأولى، إلا أن يسلم به. لكن ما العمل في هذه الحالة؟ هل يجب انتظار انتشار التعليم في كل أرجاء البلاد؟ وإلى ذلك الوقت، ما هو نظام الحكم الذي سيسود؟ أليس أي نظام غير النظام الديمقراطي نوعا من أنواع الاستبداد؟ ألا يقضي الحكم الاستبدادي في النهاية على الإنسان ويدمره؟. ... وبدون الشعور بالمساواة المادية والمعنوية، وبدون الحرية والمشاركة في أنشطة المجتمع، يصعب تفجير طاقات المواطن التي يقضي عليها الكبت والحرمان والخوف والتردد والشعور بالتهميش والإقصاء... وبدون التقاليد الديمقراطية، لا يمارس «الرأي العام» تأثيره الضروري في فرض احترام حقوق الإنسان وتوفير أسباب تقدمه...وبدون الشرعية الشعبية، لن يتحقق السلام الاجتماعي ولن يكون هناك استقرار سياسي...يؤكد عضو المكتب السياسي
وانتقل بوبكري الى الحديث عن الحداثة التي تعني في وجهها السياسي إصلاح الحقل السياسي عبر عقلنته، ودمقرطة مؤسسات الحكم، وما يستتبع ذلك من بروز مفاهيم جديدة منها سيادة القانون، ودولة المؤسسات، وفصل السلطات والتداول السلمي للسلطة، وضمان حقوق الإنسان وحرياته في العمل والتنقل والمعتقد والرأي والتعبير والوجدان... لكن هؤلاء يغضون الطرف عن أن السلطة عندنا تلجم أي مسعى نحو التحديث الحقيقي الذي يهدد امتيازات ومصالح فئة الحاكمين المستحوذين على مفاصل السلطة، ومراكز النفوذ، وقنوات الثروة العامة والإعلام.. ما يجعل خطابهم لا يساهم في ترسيخ بناء دولة حديثة، بل يعيد إنتاج مفاهيم ما قبل الدولة، وما قبل الحداثة بصورة مقنّعة ومموهة.
بعد ذلك ركز على تصريح الأستاذ الطوزي حول مهمة اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور التي أكد أنها ليست «تقنية بحتة»، وأنَّ «كفاءات وانتماءات اعضائها (متخصصون في القانون الدستوري، وفي العلوم السياسية، وممثلون للمجتمع المدني) تبرز أنه تم الأخذ بعين الاعتبار حضور كافة مشارب الحقل الاجتماعي والسياسي، ولنا أن نتصور أنها ستكون مدعوة لتأطير النقاش بالبلاد». ويرى بوبكري أن هذه اللجنة ليست متوازنة ولا تحظى بتمثيلية الشعب المغربي. وإذا كان الطوزي يرى أن الطبقة السياسية لا تمثل الشعب، فهل عضويته في اللجنة قائمة على اختيار شعبي؟ أليس هو نفسه مقربا من السلطة؟ وهل نَالَ عضويته في اللجنة لكفاءته أم لارتباطاته؟ وإذا كان يعتبر هذه اللجنة ممثلة للشعب، فإن ذلك يكشف عن رغبته في السطو على كينونة الشعب المغربي. وتكمن خطورة كلام هذا الرجل في أنه يريد التقرير في كل شيء نيابة عن الشعب المغربي وبدون تفويض منه، الأمر الذي ينم عن رفضه لدمقرطة المشاركة في إعداد مشروع الدستور قبل عرضه للتصويت، وعن عدم اعترافه بأهلية الأحزاب السياسية وتنظيمات المجتمع المدني التي يريد لها أن تترك ل «اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور» مهمة تأطير النقاش بالبلاد نيابة عنها... ألا يريد الطوزي للشعب المغربي، بمثقفيه وأطره وتنظيمالته، أن يتتلمذ على يده؟...
وخلص الى أن خطاب الطوزي لا يحل أية مشكلة، بل إنه يزيد الطين بلة لأنه يعمق الهوة بين المواطنين والسلطة، ولا يشجع على المشاركة في الاستفتاء، بل يدفع إلى الشك في العملية برمتها...إذا صح كلام الطوزي يشير بوبكري، فينبغي أن نستنتج منه أنه يجب أن يقتصر التفكير في المجتمع والسياسة وممارستها... على اللجنة الاستشارية وحدها. وهذا ما يتعارض جذريا مع طبيعة الأشياء في البلدان الديمقراطية. فالدستور ليس مجرد وثيقة تنصُّ على نظام الحكم والعلاقة بين مختلف السلط، وإنما هو أيضا وثيقة سياسية واجتماعية وثقافية تعكس حالة المجتمع وتوجهاته واختياراته وقيمه في مرحلة تاريخية معينة، إذ أنه ليس نصا جامدا بل هو نص يجب أن يتغير باستمرار حسب تغير الظروف والأحوال وموازين القوى في مرحلة معينة.
وانتقل الى الحديث عن بيان «المجلس العلمي الأعلى» الذي اعتبره بيانا يرمي من ورائه إلى إيقاف دينامية الإصلاح، حيث نصب نفسه جهازا للرقابة وأعرب عن مناهضته للدولة المدنية. وإذا كان هذا المجلس يدعي التأثير في المجتمع، فإنني لا أعرف له اجتهادات عميقة، ولا دراسات في القانون العام... كما أنه لم يسبق له أن ارتبط فعلا بقضايا المجتمع والوطن، ولا أن واجه فساد المؤسسات أو الأشخاص. أضف إلى ذلك أنه لم يتبن قط قضايا إنسانية أو حقوقية، أو اعترض على ما تقوله السلطة أو تفعله. إنه مجرد مجموعة من الموظفين لا يفعلون إلا ما يؤمرون به. وهكذا، فإن بيان هذا المجلس يمس بصدقية عملية الإصلاح...
وخلص بوبكري الى كون هذه التصريحات السالفة الذكر تثير التشكك في نفس كل من الرأي العام الداخلي والخارجي، فقد تمنى أن يتم رفع اللبس الذي زرعه خطاب الطوزي حول طبيعة مهمة «اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور». كما تمنى أن يقال لنا أن ما قاله وزير الخارجية وما تضمنه البيان العام ل «المجلس العلمي الأعلى» لا يلزمان إلا أصحابهما وحدهما. وفضلا عن ذلك، ينبغي أن تتخذ الإجراءات الكفيلة بوضع حد لمثل هذه التصريحات التي تصدر عن جهات رسمية..
بعد ذلك تناول بالدرس والتحليل مقتضيات الإصلاحات الدستورية في المغرب التي تتطلب تدقيق الهوية المغربية وتجديدها وتوفير الشروط السياسية والآليات الدستورية لقيام حكومة سياسية منسجمة، تتمتع بصلاحيات واسعة، وتعمل على تنفيذ برامجها في إطار من التكامل والمسؤولية الجماعية والتضامن. وهذا ما يسمح موضوعيا بالحكم على حصيلة عملها ومحاسبتها عن أي إخلال بالتزاماتها. كما تستلزم هذه الإصلاحات توفير الشروط الدستورية لتقوية دور البرلمان في ميدان التشريع والمراقبة وتمكينه بناء مصداقيته وتوازنه المفقودين تجاه باقي السلطات. وإضافة إلى ذلك، يتطلب حقل القضاء إصلاحات عميقة يجب أن تمس مختلف جوانبه ومعادلاته. ولإنجاز ذلك، يجب التدقيق أولا في الهوية الوطنية
كما أن الدستور المغربي مليء بالمواد المتناقضة التي يتحكم في صياغتها إرضاء أطراف متعددة. وهذا ما يشل فاعليته، إذ ليست الحدود واضحة بين اختصاصات الحاكمين وحريات الفرد التي لا يجوز المساس بها، وبين حرية الاعتقاد وحماية الأديان، وبين الرجل والمرأة... فدستورنا ينص في تصديره على أن المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة، كما أنه ينص في فصله السادس على أن الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية. لكن هذه المقتضيات غير كافية لضمان حرية الاعتقاد التي لا تعني الدعوة إلى ترك الإسلام، كما أنها غير مكتملة لمنع بعض الممارسات الناجمة عن النزعات الطائفية التي تمس المسلمين وغير المسلمين في معتقداتهم، حيث يتم تكفيرهم، وتعريض حياتهم وممتلكاتهم للخطر... وهذا ما يقتضي التنصيص في الوثيقة الدستورية على أن لكل فرد الحق في حرية الفكر والضمير والوجدان والاعتقاد، يؤكد بوبكري واحتراما لمبدأ التعددية الثقافية واللغوية، يجب أن ينص الدستور على أن اللغة الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية. كما يجب التدقيق ثانيا في صلاحيات الوزير الأول، فلا يخفى على المتتبعين للشأن العام أن هناك جهات نافذة تتدخل في الصلاحيات الدستورية لمؤسسة الوزير الاول في اختيار الوزراء واقتراحهم...، الأمر الذي يفرغ هذه المؤسسة من أي دور... ويقتضي ذلك القيام بإصلاحات دستورية تنهض على اختيار الوزير الأول من الحزب الذي حصل على أعلى عدد من المقاعد في البرلمان. وهذا ما يحول دون التراجع عما سمي ب «المنهجية الديمقراطية»، ويساهم في عقلنة الحقل الحزبي، وتحفيز الأحزاب السياسية على المنافسة في احتلال المراتب. كما أنه يدفعها إلى التحالف قبل إجراء الانتخابات التشريعية بهدف الفوز بمنصب الوزير الأول. وهذا ما يساعد أيضا على تفعيل عملية الاستقطاب أو التقاطب بين الأحزاب المتقاربة من حيث استراتيجيتها وبرامجها السياسية. كما أنه سيضع حدا لتعيين ما يسمى بالوزراء «المستقلين» أو «وزراء السيادة» يضيف عضو المكتب السياسي.
وفي سياق تعزيز دور الحكومة وتمكينها من التدبير الكامل لكافة القطاعات الوزارية التي تشرف عليها وممارسة السلطة الفعلية على المؤسسات العمومية، فإنه من الضروري الاقتصار على مجلس الحكومة واعتباره الإطار الوحيد للتداول في تدبير الشأن العام والتقرير في ذلك ، وهذا ما يشكل جوهر الملكية البرلمانية .
ولإضفاء مزيد من المشروعية والمصداقية على مؤسسة الوزير الأول وتمكينه من ممارسة سلطة فعلية على مختلف دواليب الدولة، يجب أن تتضمن التعديلات الدستورية مقتضيات تسمح له بإقالة الوزراء وكذا قبول استقالتهم إذا استقالوا. كما يجب تمكينه من صلاحيات التعيين في المناصب السامية للوظيفة العمومية، بما في ذلك المؤسسات العمومية، التي يجب أن يكون مسؤولوها تحت سلطة القطاع الحكومي الوصي، وبالتالي تحت سلطة الوزير الأول. وفي إطار تنسيق العمل الحكومي وتوحيد السياسة الحكومية وضمان فعاليتها ومراقبة الوزير الأول لكافة أوجه صرف المال العمومي، فإنه يجب إخضاع جميع المجالس العليا واللجان الاستشارية للسلطة الفعلية للوزير الأول. كما يتطلب الأمر تقليص عددها، لأنه لا يمكن تبرير وجود بعضها ولا نفقاته..
أما التدقيق الثالث فيرمي الى تعزيز دور البرلمان في التشريع والمراقبة والاستعجال بمراجعة اختصاصات الغرفة الثانية من حيث دورها التشريعي والرقابي بما يضمن تكاملها مع الغرفة الأولى، لا المنافسة بينهما. ويجب أن تتجه التعديلات الدستورية في اتجاه تعزيز الصلاحيات المخولة لمجلس النواب في ميدان إصدار القوانين، وذلك بتوسيع مجال التشريع. كما يلزم أن تنصب التعديلات على مجال الرقابة على أعمال الحكومة. وفي هذا الإطار، يتحتم وضع مقتضيات دستورية صريحة تجعل البرلمان هو صاحب القول الفصل في مجالي التشريع والمراقبة.
إضافة إلى ذلك، يقتضي تعزيز الدور الرقابي للبرلمان تخفيف شروط إحداث لجن تقصي الحقائق، وتغيير الآليات الحالية لمساءلة الحكومة وكافة المؤسسات والمرافق العمومية. كما يتطلب الامر تخفيف شروط وضع ملتمس الرقابة. ولمنح المصداقية للمؤسسة التشريعية، هناك ضرورة ملحة لتغيير قوانينها التنظيمية والداخلية لإضفاء مزيد من الفعالية على نشاطها ووضع حد لكل مظاهر الخلل التي تعاني منها (ظاهرة النوم خلال الجلسات، ظاهرة الغياب، ظاهرة اللجوء إلى أساليب العنف بين الفرق النيابية...)
أما التدقيق الرابع فينص على إصلاح القضاء، فالفصل 82 من الدستور يؤكد على أن القضاء مستقل عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية. لكن الوثيقة الدستورية لا تتضمن ما يفيد أن القضاء سلطة قائمة الذات، الأمر الذي أثر ولا يزال يؤثر على استقلالية هذا الجهاز عن مختلف السلط الأخرى. وعليه، فإن أغلب الدارسين يرون أن القضاء عندنا يستند إلى نظرية تقليدية، وأن جميع المشاكل التي يعاني منها قطاع العدل ناجمة عن عدم استقلالية القضاء عن باقي السلط الأخرى التي تسمح لنفسها بالتدخل في عمله دون الخوف من أي عقاب.
وهكذا، أصبح من الضروري اليوم يؤكد محمد بوبكري أن تنص الوثيقة الدستورية على أن القضاء سلطة مستقلة قائمة الذات. وعليه، فإن تعديل الدستور يجب أن يتم في اتجاه التنصيص ضمن وثيقته على أن القضاء سلطة مستقلة عن كل السلط لا تستمد سلطتها سوى من القوانين ومن ضمير القضاء، وذلك حتى يتمكن من أداء وظيفته بكل الاستقلالية والنزاهة المطلوبين. كما يلزم التنصيص صراحة على تجريم أي تدخل كان، ومن أي جهة كانت، في عمل القضاء. ويتطلب ضمان استقلال المجلس الأعلى للقضاء عن كل السلط إعادة النظر في هيكلته واختصاصاته بما يضمن ممارسة الهيئة القضائية المنتخبة لسلطتها الكاملة ، لينتقل بعد ذلك الى الحديث عن الإصلاحات السياسية التي تستوجب بداية إصلاح الحقل الحزبي، إذ يتطلب توفير الشروط للممارسة السياسية ،الحيلولة دون استعمال كل ما من شأنه الإساءة إلى الأحزاب السياسية والعمل الحزبي، وتوقيف كل دعاية مغرضة ضد الأحزاب الديمقراطية بهدف النيل منها وتجريدها من أدوارها الحقيقية. ولا يعني احترام التعددية الحزبية، المنصوص عليها في الدستور، السكوت عن بلقنة الحقل السياسي وتفريخ المزيد من الأحزاب والكيانات الهجينة... بل إنه يتعارض تماما مع المحاولات المتكررة لتأسيس حزب أو أحزاب تأتمر بأوامر السلطة وتستغل وسائلها لتحقيق أغراضها السياسية.
وأكد بوبكري بأن إضعاف الأحزاب الديمقراطية خصوصا، سواء عن طريق بلقنة الحقل السياسي، أو عن طريق خلق كيانات وهمية، أو محاولة خلق بدائل لهذه الأحزاب عن طريق ما يسمى بجمعيات المجتمع المدني...، يخلق حتما هوة بين السلطة والمجتمع، الأمر الذي يزداد معه رفض هذا الأخير لكل اختياراتها وقراراتها...وإن ما تعرفه الساحة الحزبية اليوم من انتكاسة سياسية مست جميع مكوناتها، خاصة بعد شتنبر 2007، يفرض ضرورة إعادة النظر بصفة جذرية في المنظومة القانونية التي تؤطر عمل الأحزاب السياسية، والتي أدت إلى خلق شروط التحكم في الخريطة السياسية وصنع الأغلبيات المرغوب فيها. وهكذا، يجب أن يساهم التشريع الجديد للأحزاب السياسية في توسيع الهامش الديمقراطي، ويعمل على عقلنه الساحة السياسية بالحد من تضخم عدد الأحزاب وضمان استقلالها. كما يلزم توفير كل الضمانات القانونية لتمكينها من ممارسة مهامها في التأطير والتمثيل والمشاركة السياسية والتفاعل مع المجتمع، وصولا إلى المشاركة في صنع القرار السياسي والتداول السلمي على السلطة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.