أصبحت المافيا الروسية تضاهي نظيرتها الإيطالية منذ سقوط الاتحاد السوفياتي في بداية التسعينيات، حيث نقلت المافيا الروسية نشاطاتها إلى أوربا، وتحديدا إلى إسبانيا ومنها إلى المغرب، حيث بدأت تزرع شبكة عملائها وأنشطتها في عدد من المدن المغربية مختبئة خلف مشاريع استثمارية عديدة. هذا، وكشفت مصادر مطلعة ل«المساء» عن انضمام عدد من تجار المخدرات وبعض المنعشين العقارين ورجال الأعمال المختصين في تبييض أموال تجارة الحشيش بشمال المغرب، إلى المافيا الروسية المتمركزة بإسبانيا. وأفادت نفس المصادر بأن «علاقة تجار ومبيضي الأموال بشبكات المافيا الدولية ليست وليدة اليوم، بل تعود إلى سنوات خلت، كما هو الشأن بالنسبة إلى بارون المخدرات الفار من سجن القنيطرة «إلنيني»، حيث كشفت التحقيقات عن علاقته بالمافيا الإيطالية. وتقول مصادرنا الخاصة إن «عددا من تجار المخدرات ورجال الأعمال في مدينة تطوان وطنجة والدار البيضاء ومراكش والناظور، توجهوا إلى ربط علاقات مع المافيا الروسية نظرا «لنجاح هذه الأخيرة في تخطيطها المحكم والمتشعب لعمليات تبييض الأموال»، عن طريق تكوين مجموعات رأسمالية وشركات ومؤسسات تجارية، بالإضافة إلى بناء مركبات سياحية ضخمة، «تباع ل«مستثمرين» أجانب فور الانتهاء من بنائها»، حيث تتقاضى في إسبانيا ودول أوربية أخرى مبالغ مالية إضافية ضخمة عكس المصرح بها داخل المغرب أثناء عملية البيع. لجوء تجار المخدرات ومبيضي الأموال وبعض رجال الأعمال، من الذين وصفهم مصدرنا ب«البورجوازية الجديدة»، إلى الاحتماء بشبكة المافيا الروسية، يعود إلى تخوفهم وعدم ثقتهم في العمل بمفردهم في سوق المخدرات الدولية وتبييض الأموال، فاللجوء إلى المافيا الروسية يشكل مصدر حماية لهم، وضمانة لمواردهم المالية خوفا من اختراقها وكشفها، كما أن توفر هذه المافيا على خبراء اقتصاديين مختصين في تقنيات وآليات تبييض الأموال جعل بعض تجار المخدرات «يتوددون» للتنسيق معها و«مبايعتها» بسبب تجربتها الناجحة في تبييض عائدات تجارة المخدرات بإسبانياوالإمارات العربية المتحدة وبعض الدول الخليجية الأخرى. ووفق مصادر إسبانية، فإن اقتصاد المافيا الروسية يعتمد على العمليات التي يقوم بها أكثر من 300 ألف عضو موزعين عبر مختلف أرجاء العالم، حيث يتفرقون على 450 مجموعة. وأوضح المصدر ذاته أن المافيا الروسية لم تكن تتوفر في بدايتها سوى على 12 مجموعة، من بينها جماعة «دولغروبروانداسكايا» و«سولنتسيفسكايا». حيث كانت حينها تقوم بعملياتها في موسكو وسان بيتيرسبورغ، قبل أن تتفرق على العديد من الدول الأوربية والخليجية ومن شمال إفريقيا، مركزة أنشطتها على الجريمة المنظمة، كتبييض الأموال، والمخدرات وشبكات الدعارة، والمواد الإلكترونية وبسط نفوذها على الشركات العاملة في عدد من الموانئ البحرية. وأشار محدثنا إلى تمكن الأجهزة الأمنية الإسبانية يوم 16 يوليوز من السنة الماضية، تحت إشراف المحكمة الوطنية الإسبانية، من تفكيك بعض خيوط المافيا الروسية المتمركزة في منطقة كاتالونيا، حيث اعتقلت نائب مندوب حكومة برشلونة إدوارد بلانيلس، وأربعة من شركائه، من بينهم متصرف إداري مغربي كان يشتغل في مندوبية حكومة كاتالونيا، وذلك بتهمة تزوير الوثائق لصالح المافيا الروسية وتزويدها ببطائق الإقامة، بغرض تسهيل الوجود القانوني لأعضائها داخل التراب الإسباني. امتداد المافيا الروسية لم يقتصر على أوربا فقط، بل حتى الدول الخليجية، والتي تعتبر الإمارات العربية المتحدة من أبرزها، وبعض الدول الأسيوية ككوريا وهونغ كونغ. ففي سنة 2006، تمكن أمن الإمارات العربية المتحدة من اعتقال أحد قادة المافيا الروسية، المسمى زاخار كنايازيفيتش كالاشوف، بعد تمكنه من الفرار من أيدي الأمن الإسباني. وكان زاخار أحد أهم قادة المافيا الروسية داخل التنظيم الإجرامي الروسي ومن كبار المسؤولين الذين كانت تحوم حولهم شبهات الأمن الإسباني أثناء عمليتي «أفيسبا» و«بارثينو» الأمنيتين الإسبانيتين، وفق بلاغ الإدارة العامة للأمن الوطني الإسباني. وحسب مصادر إسبانية مطلعة، فإن المافيا الروسية تعتمد في إسبانيا والمغرب بشكل كبير على أعضائها المغاربة المتمركزين في منطقة كوستا ديل سول»، حيث يتكلف المغاربة، بالتنسيق مع بارونات المخدرات، بتأسيس شركات «غطاء» وعقارات داخل المغرب وخارجه من أجل تبييض أموال عائدات الحشيش. وحسبه، فإن مدن ماربيا والهوارين دي لا طوري، وفوينخيرولا وسبتة، تعتبر من أبرز المناطق التي تنشط فيها العمليات التنسيقية للمغاربة المنتمين إلى المافيا الروسية بإسبانيا. وتبعا لمصلحة مكافحة الفساد الإسبانية، فإن النيابة العامة الإسبانية تمكنت في شهر يونيو الماضي من تفكيك أحد فروع المافيا الروسية، حيث تمكنت بعد التحقيقات الأمنية من التوصل إلى حجم الوعاء العقاري لهذا الفرع والذي فاق 15 مليون أورو، على شكل عقارات وبنايات تهدف إلى تبييض الأموال، فيما بلغت ثروته المالية المودعة في الأبناك الإسبانية 15 مليون أورو. كما تعود آخر عملية للأمن الإسباني ضد بعض مجموعات المافيا الروسية إلى 13 يونيو الماضي، حيث اعتقلت في العملية الأمنية التي أطلق عليها اسم «الترويكا» زعيمها بجزر البليار و20 شخصا آخرين كانوا مختصين في تهريب أموال عائدات تجارة المخدرات وتهريب أموال أخرى إلى أبناك سويسرا وباناما. واعتبرت عملية «الترويكا» ضربة أمنية تم توجيهها إلى المافيا الروسية بعد تنسيق أمني مكثف بين الأمن الفيدرالي الأمريكي «الإف بي آي» والأمن السويسري والروسي والألماني. وبعد توصل المصالح الأمنية والاستخباراتية الأوربية بالعلاقة التي بدأت تجمع بارونات المخدرات في الشمال وبعض رجال الأعمال «الذين يعملون على تبييض عائدات تجارتهم»، بدأت تطرح تساؤلات عديدة حول هوية هذه الشركات «الغطائية»، وحول مصادر ومنابع ثروة أصحابها، الذين لم يكونوا إلى وقت قريب سوى أجراء وتجار عاديين، «ليصبحوا في ظرف سنوات من أكبر رجال الأعمال في الشمال بفضل ارتباطاتهم بشبكات مافيوزية خطيرة، أصبح أعضاؤها يتوافدون مؤخرا على مدن بالشمال مهددين أمن ومصالح الدولة المغربية»، على حد قول المصدر.