لم تكن هذه المجموعة تقوم فقط بتبييض الأموال والتلاعب بالضرائب، وإنما أيضا بأعمال أخرى، مثل الاغتيالات والاتجار في السلاح والكوكايين والنصب والأعمال الممنوعة قانونيا، واستلام أموال مقابل تهديد بعض الأشخاص لصالح جهات معينة. وكانت هذه الأنشطة تمتد إلى عوالم السياسة والاقتصاد والمال والقضاء بهدف تضخيم ثروة المجموعة ومحو أي أثر لماضيها القضائي بعد صمت وشهور من الاختفاء عن الساحة الإعلامية، يعود القاضي الإسباني الشهير بالتسار غارثون بضربة قضائية قوية، بعد ملاحقته خلال هذا الأسبوع للمافيا الروسية في إسبانيا، وتفكيك شبكاتها تحت اسم عملية «ترويكا» التي اعتقل فيها أزيد من 20 شخصا تم إيداع 13 منهم السجن بدون غرامة، فيما حكم غارثون على ستة آخرين بالسجن الاحتياطي وأداء غرامة تتراوح ما بين 6 آلاف و100 ألف أورو. ويعتقد أن غارثون استطاع هذه المرة الإطاحة برؤوس كبرى للمافيا الروسية ليس فقط في إسبانيا وإنما في العالم، والتي كانت تختفي تحت قناع مقاولات «بيتروف» التي تصل قيمة تركتها المالية إلى30 مليون أورو. ووجهت إلى المعتقلين تهم متعلقة بالانتماء إلى تنظيم للمافيا وتزوير الوثائق وتبييض الأموال والتلاعب بالضرائب، وكشفت التحقيقات، التي باشرها القاضي غارثون، أن جميع المعتقلين كانوا يعملون تحت مظلة الزعيم المفترض «بيتروف» الذي كان مشهورا باسم «البوس» أو الزعيم، وكون المعتقلون ما يعرف داخل المافيا الروسية بالعصابة الإجرامية، التي تتكون من مجموعة من الفرق والأقسام التي تؤدي كل واحدة منها دورا معينا يتم التنسيق فيما بينها من أجل أداء الأعمال المنوطة بها، مع احتفاظ كل واحدة منها باستقلالها الذاتي عن الأخرى. وحسب المعطيات التي توصل إليها غارثون، فقد قررت الشبكة التي تم تفكيكها، نقل نشاطها إلى إسبانيا منذ عام 1996، مستفيدة من كون نشاطها في تلك الفترة لم يكن معروفا تماما للأجهزة الاستخباراتية الإسبانية، وبدأت في مزاولة نشاطاتها في عدة قطاعات، ويتم تصريف الربح الذي تحصل عليه هذه المافيا عبر مستشارين قانونيين وماليين الذين يشتغلون فقط من أجل هذه الشبكة، وانتهوا في الأخير إلى الاندماج فيها بشكل نهائي. وينتمي غالبية هؤلاء المعتقلين الروس إلى مدينتي سان بيترسبورغ وموسكو، ويجر عدد منهم خلفه عدة سوابق عدلية، مثلما تلاحقهم مذكرات بحث من طرف الشرطة، سواء في روسيا أو في بلدان أخرى للاتحاد الأوروبي وسويسرا والولايات المتحدة. ومنذ مجيء هذه المجموعة إلى إسبانيا، قامت بالاستقرار في منطقة كوستا ديل صول قرب مدينة مالقا الإسبانية وولاية فلنسية وجزر البليار. وكانت هذه المجموعة، حسب تحقيقات غارثون، تسافر إلى بلدها بين الفينة والأخرى من أجل الاطلاع على سير العمل داخل شبكاتها الإجرامية. وتوصل غارثون إلى أن المسؤولين عن المجموعات داخل الشبكة تربطهم علاقات ببعضهم تمتد إلى سنوات الشباب الأولى. ولم تكن هذه المجموعة تقوم فقط بتبييض الأموال والتلاعب بالضرائب، وإنما أيضا بأعمال أخرى، مثل الاغتيالات والاتجار في السلاح والكوكايين والنصب والأعمال الممنوعة قانونيا، واستلام أموال مقابل تهديد بعض الأشخاص لصالح جهات معينة. وكانت هذه الأنشطة تمتد إلى عوالم السياسة والاقتصاد والمال والقضاء بهدف تضخيم ثروة المجموعة ومحو أي أثر لماضيها القضائي، حتى تتمكن من العيش بسلام في إسبانيا، مما يمكنها دائما من تقدم أي دعم لأعضاء المافيا الروسية الذين يأتون إلى إسبانيا سواء للعيش أو للاختباء لبعض الوقت. ضد الإرهاب. بدأت بعض خيوط الاعتقالات التي باشرتها السلطات الإسبانية في صفوف بعض المهاجرين الجزائريين بتهمة تقديم الدعم اللوجستي لما يعرف بتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي بعد شهور من التنصت على أفراد المجموعة الثمانية، وحامت شكوك بعيد الاعتقالات بوجود تنسيق بين المخابرات الإسبانية ونظيرتها الجزائرية من أجل تفكيك هذه الخلية، وهو ما سيتأكد أياما قلية بعد ذلك عندما تم توقيع اتفاقية بين وزير الداخلية الإسباني ألفريدو بيريث روبالكابا ونظيره الجزائري نور الدين يزيد زرهوني، تشمل التعاون الأمني بين البلدين لمكافحة الهجرة السرية والإرهاب والجريمة المنظمة، وبذلك تكون الجزائر قد قوت علاقاتها مع الجارة الشمالية للمغرب في هذا الإطار، بعدما كان التعاون الأمني يرتكز أساسا في هذا الموضوع على محور الرباط-مدريد. وعبر روبالكابا عن كون الاتفاقية التي وقعها مع السلطات الجزائرية تعد خطوة بالغة الأهمية في التعاون بين البلدين، بحكم أنها تعد وضعا للنقاط على الحروف بين البلدين في مجال التعاون الأمني. وأوضح روبالكابا أنه تحدث مع نظيره الجزائري في عدة ملفات انطلاقا من الملف الاقتصادي إلى الملف الأمني، وهي الاتفاقية التي سمح مجلس الوزراء الإسباني المنعقد بقصر المونكلوا يوم الجمعة الماضية بتوقيعها، بعدما ظل التعاون بين البلدين قائما منذ عدة سنوات في هذا المجال دون وجود اتفاقية بينهما تحدد شروط وتفاصيل التعاون بينهما. ويحيل نص الاتفاقية خصوصا على موضوع الإرهاب باعتباره شكلا من أشكال الجريمة والتعاون في مجالات أنشطة التتبع والتقصي بخصوص هذه الظاهرة، وحسب وزارة الداخلية الإسبانية، فإن هذا التعاون الأمني والاستخباراتي سيعمل دائما على حماية الحياة الشخصية للأفراد واحترام القوانين الجاري بها العمل. ويأتي هذا الاهتمام الإسباني بتكثيف التعاون مع السلطات الجزائرية بسبب تمركز قيادة تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي في الجزائر، بعد توحد الفصائل السلفية الجهادية قبل أزيد من سنة، والتي تحاول الاستفادة من عامل القرب الجغرافي لإسبانيا من المنطقة المغاربية وكذلك وجود جالية مغاربية مهمة بها، ومنهم الآلاف من الجزائريين، من أجل تمويل التنظيم وتحويل إسبانيا إلى قاعدة لتحركاتهم، واستقطاب نشطاء جدد من بين صفوف المهاجرين الذين يكون تكوينهم ضعيفا في غالبية الأحيان، ويغلب عليهم التكوين الديني التقليدي الذي تلقوه في أوساط عائلاتهم قبل خوضهم مغامرة الهجرة، وهو ما يشكل أرضية جيدة لإقناعهم بالانضمام إلى التنظيمات التي تدور في فلك القاعدة. وباتت السلطات الإسبانية تخضع الجالية المغاربية لمراقبة صارمة منذ هجمات 11 مارس 2004، واكتشافها مدى خطورة الظاهرة الجهادية في إسبانيا بعدما كانت جهودها مركزة أساسا على محاربة تنظيم إيتا الباسكي. سائقو الشاحنات ضد ثباتيرو يبدو أن الأزمة الاقتصادية العالمية ستجعل ولاية المحامي الشاب خوسي لويس رودريغيث ثباتيرو صعبة بدرجة أكبر من الولاية السابقة، بل إنه سيجد نفسه يواجه الإعصار إن لم يكن بصدد مواجهته فعلا في الوقت الحالي، فسائقو الشاحنات شلوا حركة الاقتصاد في البلاد منذ إعلان ثلاث نقابات الإضراب قبل أسبوع، وهو ما رافقته أحداث شغب أسفرت عن اعتقالات في صفوف العشرات من السائقين، وتزامن كل هذا مع نشوب حريق في شركة للنقل أدى إلى إحراق عشرات الشاحنات، ناهيك عن أحداث عنف متفرقة في مختلف مناطق البلاد، وكان لهذه الإضرابات تأثير مباشر على الحياة اليومية للإسبان، الذين لمسوا خلال الأيام الأخيرة أن بلادهم تحولت إلى شبه ثور مقطوع الأرجل، بل ومهدد بالجوع إذا ما استمر السائقون متمترسين في معسكر الغضب. «ستنتهي الأزمة عندما يرحل ثباتيرو»، يقول شاب إسباني يعمل في مركز للتسوق ل«المساء»، وهو يقف بجانب رفوف الأسواق التجارية الفارغة، مضيفا بلغة تغرف من معين التهكم: «ربما تنتهي الأزمة غدا، أو لا تنتهي، كل شيء نسبي، مثلما ترى المركز التجاري بات فارغا»، ثم أضاف للمرة الثانية بصوت أراده أن يكون مسموعا: «ستنتهي الأزمة عندما يرحل ثباتيرو». ويشتكي سائقو الشاحنات من ارتفاع أثمنة البنزين وجميع اللوازم التي يحتاجونها في عملهم، مما جعل مداخيلهم تقل أمام ارتفاع أثمان كل شيء في إسبانيا بسبب الأزمة الاقتصادية، ابتداء من الحليب والخبز والعقار، وانتهاء بإطارات العجلات والبنزين وزيت المحرك والماء. وأبدى ثباتيرو عدم تسامحه مع أحداث الشغب التي حاول بعض السائقين القيام بها في مناطق متفرقة من البلاد، مثلما عبرت نائبته الأولى ماريا تيريزا دي لافيغا ووزيره في الداخلية روبالكبا عن الصرامة نفسها التي حولتها الأجهزة الأمنية الإسبانية إلى غرامات في حق السائقين الذين يخالفون القانون. ولم يتوقف التلفزيون الإسباني بمختلف قنواته عن بث ريبورتاجات متنوعة لاحتجاجات السائقين، وما يرافقها من أحداث شغب ونقل صور حية لبعض سائقي الشاحنات وهم يطالبون ثباتيرو بالرحيل أو يعبرون عن حقهم في خوض الإضراب حتى النهاية، حتى لو أصيب الاقتصاد الإسباني بالشلل. وقررت نقابة لسائقي الشاحنات تنظيم مسيرة إلى مدريد لتبليغ شكواها إلى الحكومة المركزية، مما تسبب في ازدحام كبير في حركة السير في الطرق المؤدية إلى العاصمة الإسبانية، حيث حاولت السلطات بكل الوسائل منع المحتجين من تنفيذ ما يدور في رؤوسهم. وبعد مشاورات عسيرة قررت نقابتان من النقابات الثلاث المؤطرة لسائقي الشاحنات في البلاد رفع الإضراب مؤقتا، حتى لا تصيب الاقتصاد الوطني الإسباني بأضرار أكبر من تلك التي لحقته، بيد أن حرب سائقي الشاحنات مازالت تعد بالجديد كل يوم.