بحث بوشعيب عن سكين واتجه نحو المرأة الملقاة على بطنها، والتي كان يرى أنها طعنته في شرفه وتسببت في تعاسته، ووجه إليها طعنات قوية إلى الظهر اخترقت جسدها وأحالتها جثة هامدة. كل سكان الحي يعرفون بوشعيب المستخدم بإحدى المقاطعات التابعة لوزارة الداخلية في وجدة. كان الرجل هادئ الطباع، مسالما، قليل الكلام يلقي التحية إلى كل من يصادفه في الطريق أو بالحي أو بفضاء المقاطعة. كان له بيت وزوجة وبنت ذات أربع سنوات ووالدة مسنة. لم يكن يحس بالسعادة الزوجية ولا بالسعادة الأسرية ولم يكن يرى في حياته شيئا يعيش من أجله. كان يتحرك بداخله شعور مقلق ويستفزه ولم يكن يعلم في البداية سببه اللهم بذرة الحقد التي تولدت لديه وأصبحت تكبر كلما نظر إلى زوجته أم طفلته»لا...لا يمكن أن يقع ذلك... لا يمكن أن تفعلها...». كانت الفكرة تشغل باله وأصبح دائم التفكير بل مدمنا على «التخمام» والتيه. أصبحت حالته تثير تساؤلات أصدقائه، خصوصا وأنه بدأ ينعزل عن الناس ويتجنب الحديث إليهم... كان حديثه مع المقربين إليه يدور حول الزوجات والخيانة الزوجية والشرف والعار واستحالة عشرته مع زوجته. لم يكن ليستطيع اتخاذ قرار «أبغض الحلال عند الله» عاملا بنصيحة البعض منهم لصعوبته ومتطلباته وعدم قدرته على الاستجابة للإكراهات المادية بحكم أجره المتواضع جدا... خلافات وصراعات وجحيم لم تكن الزوجة تستسيغ عتاب زوجها بوشعيب ولا ملاحظاته التي تجاوزت حدودها. كانت المرأة في الخامسة والأربعين من عمرها، لكنها كانت في أوج صحتها وما تزال تحتفظ برشاقتها. كانت دائمة الاهتمام بطفلتها وببيت زوجها ،الذي تحول إلى جحيم بسبب المناوشات الدائمة والصراعات العنيفة والخصومات غير المفهومة وغير المبررة والاستفسارات المجانية والأسئلة المتكررة، «فين كُنتِ؟ علاش خْرجتِ؟ ماتمشيش.. ما تخرجيش.. علاش أو فين». تطورت الملاسانات إلى مناوشات، ثم وصلت إلى اشتباكات، أدت إلى لجوء الزوجة إلى بيت أهلها «غاضبة» وهاربة وأدى انسحابها إلى إذكاء شكوك ووساوس الزوج، وبدأت تتحول شيئا فشيئا إلى إحساس بالكره أنشأ بذرة حقد ولدت نبتة الانتقام دفاعا عن الشرف والكرامة... كل هذا كان يدمي قلب العجوز والدة الزوج وجدة الطفلة. لم يكن بوسعها التدخل إلا للصلح وإطفاء نار الحرب المندلعة بين جبهتين مشتعلتين لم تكن تدري أيهما ستلتهم الأخرى. آخر رجعة إلى بيت الزوجية كان قلب الأم العجوز يعتصر وهي تنظر إلى ولدها القادم من الحمام ذلك المساء بعد أن على كنبة في ركن من أركان الغرفة المتواضعة بمدينة وجدة. رفض أن يأخذ عشاءه بل حتى كأس شاي هيأته العجوز له. كانت فكرة محو العار تسبد به، كانت الوالدة تعاني لمعاناة ولدها وتكتوي بنيران أحاسيسه وهجران زوجته له وغياب طفلته عنه، ورأت أنه من واجبها جمع الشمل ورأب صدع بيت الزوجية الذي انهار، وقررت التوجه إلى منزل أسرة زوجة ولدها صباح اليوم الموالي. وبالفعل نجحت الجدة مساء يوم الجريمة في إقناع الزوجة بالعودة إلى زوجها. جريمة تطفئ الحقد الذي ولده الشك والوسواس عاد بوشعيب مساء يوم الاثنين 3 أبريل فوجد زوجته بالبيت مع والدته وطفلته فكانت مفاجأته كبيرة وصدمته قوية. وبمجرد رؤيتها، تحركت بدواخله شكوك وأحقاد وأرجع شريط الحياة مع زوجته. كان الشريط يضم مشاهد من نسج خياله، أبطالها رجال ونساء عديدون في جلسات مختلفة. كان صخب الليلة يتعالى ويزحف إلى أن وصل إلى أذنيه واخترق سمعه. كان يبحث عن زوجته في الجمع المختلط ولم يجدها... كانت دقات قلبه تتسارع بسرعة ارتفاع حرارة دماء عروقه... كان يطل برأسه بحثا عن زوج من رجل وامرأة مختليين عن باقي الجمع... كان متأكدا من تواجدها بغرفة ما مع شخص ما ولكن أين؟ كانت تتراءى له مشاهد لا يريد أن يراها فكان يحاول أن يزيحها بيده من أمام عينيه. «فين راها؟»،»فين راها؟»...نطقت الزوجة ونادت على طفلتها..»آه..هاهي.. فين كنتِ؟ مع من كنتِ؟ شكون هذاك؟». وفي لحظة دخل الزوجان في تشابك وتلاسن وتراشق بالأواني وكل ما كان يوجد تحت الأيدي، ولا أحد منهما كان يبالي بصراخ الطفلة ولا بصيحات العجوز... تمكن الرجل من إسقاط الزوجة وربط يديها بإحكام قبل أن تصل إلى أذنيه صيحات الشاهدتين وتتدخلا لفك الاشتباك. فما كان منه إلا أن أخرجهما من البيت وأقفل الباب بإحكام وسط بكاء الطفلة وصيحات العجوز وعويل الزوجة... بحث بوشعيب عن سكين واتجه نحو المرأة الملقاة على بطنها والتي كان يرى فيها تعاسته ووجه إليها طعنات قوية إلى الظهر اخترقت جسدها وأحالتها جثة هامدة... ألقى الزوج بالسكين وفتح الباب واتجه مهرولا نحو سطح المنزل دون أن يرى الجموع من الجيران التي تجمهرت أمام البيت وحاولت اقتحامه. لم يستطع بوشعيب إلقاء جسده من أعلى المنزل في محاولة لوضع حد لحياته «الروح عزيزة عند الله» ودلف إلى الطابق السفلي حيث كان في انتظاره رجال الشرطة القضائية الذين سلم نفسه إليهم بعد أن خارت قواه. كان ينظر إلى سيارة الإسعاف تنقل جثة زوجته إلى مستودع الأموات في الوقت الذي كانت سيارة الشرطة تنقله إلى مستودع مظلم بارد لا يقل وحشة عن وحشة القبر ولا عن «عذابه»... جريمة ومحاولة انتحار واستسلام في حدود الساعة السابعة من نفس اليوم، بعد توصلها بالخبر، انتقلت عناصر المصلحة الولائية للشرطة القضائية إلى عين المكان لمعاينة الجثة والتحقيق في ملابسات الجريمة. وبالفعل، تمكنت العناصر ذاتها من اعتقال الزوج القاتل الذي كان ينتظر قدومهم ببيته وسلم نفسه دون مقاومة. وبعد فتح التحقيق، تبين أن الجاني كان على خلاف حاد مع الضحية زوجته التي كانت في بيت والديها لمدة بعد نشوب خلاف كان سببه شكوك وهمية للزوج في علاقة غير شرعية دون أن يتمكن من الوقوف على صدق وساوسه... وتم حجز المدية أداة الجريمة بالإضافة إلى قنينة مسيلة للدموع وإحالة الجاني على العدالة بتهمة القتل العمد.