كان له بيت وزوجة وبنت ذات أربع سنوات ووالدة مسنة. لم يكن يحس بالسعادة الزوجية ولم يكن يرى في حياته شيئا يعيش من أجله. كان شعورا مقلقا يتحرك بداخله ويستفزه، ولم يكن يعلم في البداية سببه اللهم بذرة الحقد التي تولدت لديه وأصبحت تكبر كلما نظر إلى زوجته أم طفلته...كانت الفكرة تشغل باله وأصبح دائم التفكير، بل مدمنا على «التخمام» وكان حديثه مع المقربين إليه يدور حول الزوجات والخيانة الزوجية والشرف والعار واستحالة عشرته مع زوجته. لم تكن الزوجة تستسيغ عتاب زوجها ولا ملاحظاته التي صارت تتجاوزت حدها. كانت المرأة في الخامسة والأربعين من عمرها، شابة في أوج صحتها وتحتفظ برشاقتها. كانت دائمة الاهتمام بطفلتها وببيت زوجها الذي تحول إلى جحيم بسبب المناوشات الدائمة والصراعات العنيفة والخصومات غير المفهومة وغير المبررة والاستفسارات المجانية والأسئلة المتكررة، فتطورت الملاسنات إلى مناوشات، ثم وصلت إلى الاشتباكات، أدت إلى التجاء الزوجة إلى بيت أهلها «غاضبة» وهاربة. وقد أدى انسحابها إلى إذكاء شكوك ووساوس الزوج، التي بدأت تتحول شيئا فشيئا إلى إحساس بالكره أنشأ بذرة حقد ولدت نبتة الانتقام دفاعا عن الشرف والكرامة... عاد الزوج مساء ذات يوم، فوجد زوجته بالبيت مع والدته وطفلته فكانت مفاجأته كبيرة وصدمته قوية. وبمجرد رؤيتها، تحركت بدواخله شكوك وأحقاد وأرجع شريط الحياة مع زوجته. وفي لحظة دخل الزوجان العدوان في تشابك وتلاسن وتراشق بالأواني وكل ما كان يوجد تحت الأيدي ولا أحد منهما كان يبالي بصراخ الطفلة ولا صيحات العجوز...تمكن الرجل من إسقاط المرأة وربط يديها بإحكام قبل أن تصل إلى أذنيه صيحات الشاهدتين، اللتين تدخلتا لفك الاشتباك. فما كان منه إلا أن أخرجهما من البيت وأقفل الباب بإحكام وسط بكاء الطفلة وصيحات العجوز وعويل الزوجة. بحث الزوج عن سكين واتجه نحو المرأة الملقاة على بطنها، والتي كان يرى فيها تعاسته وشرفه الملطخ بعار الخديعة والخيانة، ووجه لها طعنات قوية إلى الظهر اخترقت جسدها ومزقت عروقها وأخمدت صراخها وأسكنت حركاتها...ألقى الزوج بالسكين وفتح الباب واتجه مهرولا نحو سطح المنزل دون أن يرى الجموع من الجيران التي تجمهرت أمام البيت وحاولت اقتحامه. لم يستطع الجاني إلقاء نفسه من أعلى المنزل في محاولة لوضع حد لحياته، وعوض ذلك نزل إلى الطابق السفلي حيث كان في انتظاره رجال الشرطة القضائية، الذين سلم نفسه إليهم بعد أن خارت قواه وشلت حركاته. وبعد فتح التحقيق، تبين أن الجاني كان على خلاف حاد مع الضحية زوجته، التي كانت ببيت والديها مدة بعد نشوب خلاف كان سببه شك الزوج في علاقة غير شرعية دون أن يتمكن من الوقوف على صدق وساوسه. حجزت المدية أداة الجريمة، بالإضافة إلى قنينة مسيلة للدموع وتمت إحالة الجاني على العدالة بتهمة القتل العمد.