«حمدا لله على كل حال، وعسى أن يغفر لكلتينا ما اقترفناه من آثام في حقه عز وجل أولا، وثانيا في حق أنفسنا، فله يرجع الفضل الكبير في عودة حبل المودة بيننا، رغم أن العداوة والكره والبغض ظلت قائمة بيننا لأزيد من ست سنوات»، بهذه العبارة، فتحت السيدة مليكة قلبها ل«المساء»، وهي تروي حكاية انتهت فصولها بطريقة درامية لم تكن تتوقع حصولها. بداية القصة، كما جاء على لسان مليكة، انطلقت حينما تزوجت هذه الأخيرة من ابن الدوار سعيد، الذي يشتغل لحاما بإحدى الجماعات القروية المجاورة، ورغم أنها تكبره بسنتين ونصف، فإن الحب الذي جمعهما، قرب المسافات بينهما أكثر، وأذاب فارق العمر، وجعلهما يعيشان تحت سقف واحد دون تلك المشاكل التي يمكن أن تعكر جو حياتهما الحميمي. رزق الزوجان بمولود ذكر، اتخذ له الأب اسم والده، فباركته الزوجة بصدر رحب، وهو ما زاد في توطد العلاقات بينهما، لا سيما أن مليكة، المتزوجة الوحيدة من بين أخواتها السبع، كانت حريصة أشد الحرص على الالتزام بأوامر زوجها، مطيعة له، دائمة السعي إلى إسعاده، فكسبت بذلك احترام سعيد لها، ولاقت منه نفس المعاملة. مضت السنون، تسترسل مليكة، وقلب هذه الأسرة الصغيرة ما زال مفعما بالحب والحنان، إلى الحد الذي أثار حسد بعض الجارات، اللواتي لم يتوانين في نشر الشائعات حول الزوجين، بغية التفريق بينهما، دافعهن في ذلك الحقد والبغض، إلا أن كل ذلك لم ينل من عزيمتهما، التي بدت كجلمود صخر تنكسر عليه كل مكائد الحساد، إلى أن حصل ما لم يكن على البال. بداية التحول فبنبرة حزينة، أجبرتها على ذرف دموع الحسرة من عينيها، تحدثت زوجة سعيد عن سر انقلاب حياتها الزوجية إلى جحيم لا يطاق، بعدما طفت إلى السطح خلافات حادة أضحت معها فكرة الطلاق تراودها في كل وقت وحين، وهي التي كانت تصرح للجميع بأن الموت هو المفرق الوحيد بينها وبين زوجها. «باتت المسافة بيننا تكبر، وتزداد هوة الخلاف اتساعا» تكشف مليكة، بعدما علمت بخيانة زوجها مع إحدى فتيات المدينة، وانجرافه وراء إغراءاتها، حيث بدأ معها بالمكالمات الهاتفية، التي استرقت السمع إلى بعض من مضامينها في مناسبات عديدة، لتتطور العلاقة بينهما إلى أبعد من ذلك، فتولدت لدى مليكة رغبة جامحة في الانتقام منهما، وإيذائهما، بسبب ما وصلت إليه من حالة الجنون والاكتئاب الشديد، ولا سيما أنهما قررا الزواج، وهو ما وقفت المتحدثة ضد تنفيذه بكل الوسائل، بما فيها التهديد بالانتحار، مما دفع الزوج إلى التظاهر بتأخير مشروعه الجديد إلى أجل غير مسمى، فقط لامتصاص غضب رفيقة دربه لحظتها، لأنه في واقع الحال، تشير القائلة، ببعض من الغيض والقلق، قد بادر إلى تنفيذ مخططه في الخفاء، وتزوج الفتاة سرا، قبل أن يعترف بذلك جهرا، لفرض الأمر الواقع، لتتأجج العلاقات المتوترة بينهما أكثر، حينما أقدم على جلب الزوجة الثانية إلى بيتها. «إن كيدهن لعظيم»، تقول الزوجة، في إشارة إلى ما اقترفته الفتاة المذكورة في حقها، وفي حق أسرتها، مضيفة «أنا المسؤولة عما حدث، فقد وثقت كثيرا ب«خطافة الرجال»، حتى إنني استضفتها ببيتي، عندما تعرفت عليها أثناء زيارتها لعمتها القاطنة بجواري، وصارت تبيت عندي دون أن أعلم أنها كانت تخطط لهدم بيت عش الزوجية الذي احتضنها، حيث أوقعتني المبالغة في إبداء حسن النية في ما كنت أخشاه طوال السنين». اللجوء إلى «الفقيه» لجأت مليكة إلى أمها ذات يوم، وحكت لها بالتفصيل الممل المشكل القائم بينها وبين زوجها، ورغبة هذا الأخير في الزواج من أخرى، فما كان من الأم إلا أن اقترحت عليها، للخروج من دوامة هذه الأزمة، الذهاب إلى فقيه «بركتو كتهرس الجبل». ترددت الزوجة لحظة قبل أن ترضخ للعرض، فضربا موعدا في اليوم الموالي لزيارة المخلص المنشود، سرعان ما أضحت هذه الزيارة تتكرر أكثر من مرة خلال الأسبوع الواحد، كان خلالها الفقيه الساحر يوهمها بقدرته على ترويض قوى الطبيعة والأرواح، ويتباهى بقوته في شفاء أخطر الأمراض، وهزم أشد وأشرس الأعداء، سبيله في ذلك التمائم والأحجبة، وقراءة بعض التعاويذ عليها، بعدما طمأنها بأن قوته السحرية قادرة على إرجاع الزوج لها، وإبعاد الزوجة العشيقة عنه إلى الأبد، إن هي أحسنت طريقة استعمالها وفق ما لقنه إياها. أكدت زوجة سعيد، أن جميع ما كان يطلبه الساحر منها تنفذه على الوجه الأصح، وكانت حريصة على حضور الطقوس والشعائر الغامضة التي كان يحييها«الشواف»، مرة في الشهر، بضيعة توجد في ملكية صديقه، وتحضرها كل زبوناته من النساء اللواتي يرغبن في الحمل مجددا بعد أن فاتهم الأوان، أو رغبة في فرض الطاعة العمياء على أزواجهن، أو إلحاق الأذى بمن تزاحمهن في شريك حياتهن، وإنزال العقم بهن. وذات مرة، وبينما كانت مليكة تتهيأ لحضور الطقس الختامي المهيب، حيث أخفت في كيس صغير شيئا من أظافر وشعر غريمتها، وكذا قطعة من رداء تلبسه، وكلها أمل في أن يتحقق المراد، استقلت سيارة أجرة كبيرة، وبعد ساعة ونصف من الطريق، وصلت إلى مكان إقامة الطقس، لتجد في استقبالها كالعادة إحدى مساعدات الفقيه الساحر، التي أدخلتها فورا إلى قاعة الانتظار إلى حين اكتمال النصاب، لتكتشف المفاجأة الكبرى، التي ستقلب الأمور كلها رأسا على عقب. توضح زوجة سعيد، وابتسامة صغيرة علت شفتيها «أتدرون ما حصل، لقد كانت من بين الحاضرات اللواتي سيشاركن في هذا الطقس، الزوجة الثانية، التي سخرت كل مالي وجهدي ووقتي للانتقام منها، فإذا بها هي أيضا تفعل الشيء نفسه معي، وبالوسائل ذاتها، وبتوجيه من الفقيه الساحر عينه»، نشب شجار طفيف بين الزوجتين المغبونتين، ولولا تدخل «فاعلات الخير»، لتحول الخلاف إلى تشابك بالأيدي، فهدأت النفوس، وخمدت فورة الغضب للحظات، قبل أن تلتهب من جديد، بعد ظهور الفقيه بعين المكان، حيث صبت الزوجتان غضبهما عليه، وحملتاه مسؤولية ما أصبحت تعاني منه كل واحدة منهما، وكالتا له من السباب والشتائم، تعتقد المتحدثة، أنه لم يسمع له نظيرا طيلة حياته. فكان هذا الحادث، تضيف مليكة، السبب في تبديد كل الخلافات القائمة بينها وبين ضرتها، والاتفاق على الدخول في هدنة غير محدودة، تواعدا خلالها على العيش تحت سقف واحد في طمأنينة وسلام، بعيدا عن كل كره أوبغضاء أو ضغينة، والكف عن ممارسة أساليب الشرك التي كادت تعصف بحياتهما.