يكاد لا يمر يوم دون أن نرى صورته أو نسمع اسمه أو اسم التنظيم المنسوب إليه، «القاعدة». قليل الظهور، كثير الحضور، يهدد ويتوعد، يفجر ثم يختفي. من هو هذا الرجل الأسطوري؟ من أين أتى؟ أين نشأ وعلى من تتلمذ؟ لماذا تحالف مع الشر وعاد ليحاربه؟ ما هي تفاصيل حياته السابقة لاحتراف «الجهاد»؟ من هو أسامة الإنسان؟ كثيرا ما نجد أنفسنا وقد جعلنا من عملية ارتطام طائرتين ببرجي مركز التجارة العالمي عنوانا يقينيا لأحداث الحادي عشر من شتنبر، بغض النظر عن هول الحادث وحصيلته المأساوية وإخراجه الإعلامي الذي «كُتب» له. فإنه لن يكفي مهما نُفخ فيه التغطية والتعتيم على جزء آخر من تلك الأحداث، وهو الهجوم الذي استهدف مبنى وزارة الدفاع الأمريكية، البنتاغون. فنحن نتحدث عن الولاياتالمتحدةالأمريكية وليس أفغانستان أو الصومال، حيث يمكن للجيوش الأجنبية أن تصول وتجول في الأجواء والمياه الإقليمية ثم توجيه صواريخها «الذكية» إلى أهدافها المحددة بواسطة الأقمار الاصطناعية، دون أن تنتبه تلك الأهداف إلى ما يجري حولها. ثم إن الأمر لا يتعلق بفندق سياحي في إحدى الولاياتالغربية للقارة الأمريكية الشمالية، تكتفي السلطات الفيدرالية بحمايته وفق القواعد الأمنية العامة؛ بل إنه المبنى المركزي لوزارة الدفاع، أكبر معمار إداري في العالم، وحيث يعكف أزيد من عشرين ألف موظف مدني وعسكري يوميا على بلورة السياسة الحربية والدفاعية لأقوى إمبراطورية عرفها التاريخ. وأسامة بن لادن الذي نُسب إليه الحادث رفقة بضعة من رجاله القادمين من جزيرة العرب، لا يمتلك تكنولوجيا الاتحاد السوفياتي البائد، ولا خبرة طويلة في تطوير حرب النجوم واختراق الدفاعات الجوية والأرضية... ورغم كل ذلك تصر الرواية الرسمية الأمريكية على تعليق صورته في خلفية الأحداث الأسطورية، ثم سرعان ما تلفها في ثوب سميك من الغموض والضبابية. أسامة بن لادن، القابع في أكواخ أفغانستان وكهوفها، قام برأي الأمريكيين باختطاف طائرة إضافية، و»وفقا للإجراءات المرعية، أبلغ المراقبون الجويون المحليون قيادة الFAA (الإدارة الفدرالية للطيران) باختطاف الطائرة. كان معظم المسؤولين الجويين على الصعيد الوطني متغيبين، فقد ذهبوا إلى كندا لحضور مؤتمر مهني. وفي خضمّ الذعر الذي ساد ذلك اليوم، اعتقد مسؤولو الحالات الصعبة في الFAA أنهم تلقوا للمرة الألف إشعارا يتعلق بالطائرة الثانية التي اختطفت فوق نيويورك، ولم يدركوا إلا بعد نصف ساعة أن الأمر يتعلق باختطاف طائرة ثالثة وأبلغوا السلطات العسكرية. وقد أدى هذا الخطأ إلى ضياع تسع وعشرين دقيقة ثمينة» يقول تييري ميسان في سرد للرواية الرسمية لما جرى. قيادة الدفاع الجوي في الشمال سوف تصدر أوامر فورية لطائرتين حربيتين من طراز الإف 16 بالانطلاق لاعتراض طائرة البوينغ المختطفة. وبما أن سلاح الجو الأمريكي كان يجهل مكانها، فإنه اعتقد أنها سوف تقوم باعتداء آخر على نيويورك، وأرسل المقاتلات إلى الشمال. فواصلت الطائرة مسارها بكل ثقة نحو مبنى البنتاغون، هذا المكان من سطح الكرة الأرضية الأكثر حماية وتحصينا، والذي يدخل نظام حمايته ضمن أخطر الأسرار العسكرية في العالم. «لم ندرك أن تلك الطائرة تتوجه نحونا، وأشك في أن أحدا كان يتوقع شيئا كهذا قبل يوم الثلاثاء (الحادي عشر من شتنبر)» يقول الناطق باسم البنتاغون في تصريح لصحيفة «نيوزدي». بعد ذلك، ولمعرفة الباقي، علينا أن نتعقب الشيطان بما أنه يسكن في التفاصيل. فيكشف لنا عن أن الطائرة صدمت وبكل دقة إحدى واجهات البنتاغون، والتي لا يتجاوز ارتفاعها أربعة وعشرين مترا. أي أن الطائرة حامت حول المكان بكل طمأنينة، وانخفضت إلى أقل من أربعة وعشرين مترا، لتصدم جزءا من البنتاغون يخضع للترميم، وعلما أن ارتفاع الطائرة وهي تسير فوق الأرض يصل إلى ثلاثة عشر مترا، أي ما يعادل ارتفاع ثلاثة طوابق، فإنها اخترقت الطابقين الأول والأرضي. ثم توقفت الطائرة فجأة مكتفية باختراق المبنى برأسها فقط، موقعة مائة وخمسين قتيلا داخل البناية، معظمهم مدنيون، ولتنهار الطوابق العليا بعد نصف ساعة، ويختفي الجناحان وجسم الطائرة تماما، بفعل احتراق مخزون الوقود حسب الرواية الرسمية المشوّقة. «في ما يتعلق بالطائرة، هناك بعض أجزاء الطائرة التي كان تمكن رؤيتها من الداخل أثناء كفاحنا ضد الحريق الذي ذكرته. لكنها لم تكن أجزاء كبيرة الحجم. بعبارة أخرى، لم تكن هناك أجزاء من جسم الطائرة أو أي شيء من هذا القبيل» يقول قائد رجال المطافئ في أرلنغتون. «مثل هذه الأعمال المرتكبة في الولاياتالمتحدة ليست سهلة على طيارين تدربوا في فلوريدا. العديد من الناس يتدربون للحصول على رخصة طيران، لكن هذا لا يعني أنهم قادرون على ارتكاب مثل هذه الأفعال الإرهابية. أتحدث إليكم بصفتي طيارا سابقا، وأنا أعرف هذه الأمور جيدا. فقد قدت طائرات بالغة الضخامة، وقدت طائرات مقاتلة، أعرف هذه الأمور جيدا، هي ليست سهلة، ولذلك فإنني أعتقد أنه ينبغي ألا نتسرع في الاستنتاج» يقول الرئيس المصري حسني مبارك في حوار مع قناة CNN الأمريكية. لكن الإدارة الأمريكية لم تكن لتصغي إلى نصائح مماثلة بعدم التسرع، وأعلنتها حربا مفتوحة لأن المهاجمين برأيها لم يقوموا بأعمال إرهابية فقط، بل بأعمال حربية. وبما أن الهدف الأول كان هو عزل أفغانستان من أجل الانقضاض عليها، كان من اللازم استدعاء السفيرة الباكستانية في واشنطن، وإسماعها إنذارا واضحا، مفاده أن وقت الفرجة قد انتهى، وأن من يرفض أن يكون معنا سوف نعتبره ضدنا. «حربنا على الإرهاب تبدأ بالقاعدة لكنها لا تنتهي هناك» يقول جورج بوش الذي اعتبر أن تلك الحرب لن تعرف النهاية قبل العثور على كل مجموعة «إرهابية» ذات قدرات عالمية وهزيمتها. بغض النظر عن حقيقة ما حدث، وتفاصيل ما جرى في البيت الأبيض من هجوم غامض، وفي البنتاغون من اعتداء أسطوري. «الرواية الرسمية ليست سوى دعاية. يبقى أن مائة وخمسة وعشرين شخصا لقوا حتفهم في البنتاغون، وأن طائرة تقل أربعة وستين راكبا قد اختفت. ما هو سبب الانفجار الذي أصاب البنتاغون؟ ماذا حلّ بالرحلة رقم 77 لشركة أمريكان إيرلاينز؟ هل مات ركابها؟ وإن كانوا قد ماتوا، فمن قتلهم ولماذا؟ وإلا فأين هم؟ كلّها أسئلة ينبغي على الإدارة الأمريكية أن تجيب عنها» يقول تيير ميسان في كتابه. *عبارة مقتبسة من عنوان كتاب ل«تييري ميسان»