يكاد لا يمر يوم دون أن نرى صورته أو نسمع اسمه أو اسم التنظيم المنسوب إليه تحت اسم «القاعدة». قليل الظهور كثير الحضور، يهدد ويتوعد يفجر ثم يختفي. من هو هذا الرجل الأسطوري؟ من أين أتى؟ أين نشأ وعلى من تتلمذ؟ لماذا تحالف مع الشر وعاد ليحاربه؟ ما هي تفاصيل حياته السابقة لاحتراف «الجهاد»؟ من هو أسامة الإنسان؟. طائرة أولى تتقدم في كل هدوء وثقة، يقابلها أحد برجي مركز التجارة العالمي، تقترب الطائرة بكل دقة وحسن توجيه، ترتطم بالبرج الشاهق لتخترقه من الجانب الآخر كتلة من اللهب، ثم طائرة ثانية تكرر المشهد، لتسري حرارة جهنمية في أعمدة البرجين وأساسيهما، وحرارة أكبر في شرايين دولة مراهقة بالكاد أكملت قرنها الخامس. نيويورك هي قلب الولاياتالمتحدة، والتجارة العالمية هواؤها وغذاؤها وإكسير حياتها. القلب يتفطّر لما ألم به من مصاب كان الجميع يعتقد أنه لا يحدث سوى في استوديوهات مدينة أخرى اسمها هوليود. نجلس في قاعة سينمائية مظلمة، نمد بعضنا بحبات الذرة المشوية وجرعات العصير المعلب، ونتفرج على عروضها التي تبهرنا بقوة الأمريكي القادر على إنقاذ آخر طفل من تحت أنقاض بناية يفجرها الأشرار. المخرج المعلَن هذه المرة فضل أن يكون واقعيا، أكثر واقعية من اللازم، حمل عدته إلى قلب المدينة التي لا تعرف غير الاحتفال بالحياة ومراقصة الملايين من العملة الخضراء. وكان على الأمريكيين أن يقتسموا الأدوار في ما بينهم، حتى الكومبارس الثلاثة آلاف الذين احترقوا في مبنى التجارة العالمية لم يكونوا من أبناء ورزازات ولا مكسيكو، بل كانوا أيضا أمريكيين. والعالم يجلس كطفل ساذج يتفرج على المشهد دون حاجة لخدمات قراصنة الصين ودرب غلف. المشهد يتكرر في قنوات العالم، قلب أمريكا يتفطّر... قال الكثيرون إن فؤاد مراهقة بهذا الدلال والغنج لن يتحرك دون وجود رجل. رجل قد تكون أحبته أو استسلمت لإغرائه، أو جربت معه لعبة الدلال فانتهت جاثمة على ركبتيها ترجو منه التفاتة ونظرة تروي شبقها. فكانت قبلته بهذا اللهيب الحارق. قلبوا بسرعة سجل مغامراتها ونبشوا في ماضيها القريب والبعيد، فتوقفوا عند عنوان واحد، قالوا إنه لرجل عربي مسلم، يحسن العشق كما يحسن العقاب، كما يقول المثل الفرنسي. تعرفت الولاياتالمتحدةالأمريكية على هذا الرجل في رحلتها المبكرة إلى جزيرة العرب، هناك اكتشفت فحولته القتالية وثراء أسرته وبذخ بني عمومته. رمته بسهام إغوائها وحطت رحالها وسط بني عشيرته وقالت هيت لك. فتفرج العالم حينها على قصة حب مستحيل، جمع بين سيدة الدلال والإغواء وسليل شيوخ العروبة والإسلام. يقول المتلصصون إن الولاياتالمتحدة كانت غاضبة من رجل شديد القسوة معها، غليظ لا يرق قلبه ولا يلين اسمه الاتحاد السوفياتي. جربت معه حيل المكر ووصفات عجوز اسمها ال»سي آي إي»، فلم تجد نفعا. غرزت أظافرها الطويلة في أنحاء جسمه فلم تنل منه سوى بعض الخدوش. ليواصل زحفه على مزرعة اسمها أفغانستان، لم تكن حينها مستصلحة للزراعة الليبرالية فسعى ذلك الشرير السوفياتي إلى استباق ذلك وتحويلها إلى حديقة اشتراكية لا تحب الولاياتالمتحدة تذوق ثمارها. هنا يقول الفضوليون إن الحب تحول إلى زواج مصلحة، الاتحاد السوفياتي الشرير آخذ في الاستهتار بمشاعر الولاياتالمتحدة، ودموعها التي ذرفتها على سقوط أفغانستان في أحضانه لم تقنعه بالعدول عن فعلته. لكنها أقنعت شيوخ جزيرة العرب بضرورة نصرة إخوتهم المسلمين الذين تدكهم الدبابات السوفياتية. حملت الولاياتالمتحدةالأمريكية عدتها العسكرية وتقنياتها الحربية والتجسسية، وحمل العرب عدتهم البشرية والمالية والفكرية، والتقى الجميع في محاربة السوفيات «الكفار الشيوعيين». فازداد إعجاب الولاياتالمتحدة ببطولات «المجاهدين»، كان نجم هؤلاء شاب طويل القامة، نحيف الجسم، قليل الكلام كثير العمل، يدعى أسامة وينحدر من عائلة بن لادن. فتأكدت واشنطن من حسن اختيارها وصدق تنبؤها، فلم يخب أملها في رؤية الشرير السوفياتي يندحر أمام إتقان أسامة وإخوته تصويب الأسلحة الأمريكية. خرج السوفياتيون من أفغانستان يجرون أذيال الهزيمة، وعاد الأفغان من ملاجئهم، ولم يعد أمام الولاياتالمتحدة سوى حسن تدبير لعبة الصراع بين قادة الحرب المحليين وحفظ التوازن بين القبائل والأعراق «المتعايشة» في حرب «أخوية». لكن هذا البلد الآسيوي الذي تفصله عن جزيرة العرب بلاد فارس بكاملها بات له عربه، ولهؤلاء العرب إسلامهم وسلاحهم و... أسامتهم. شهر العسل سرعان ما انقضى بين المراهقة الكبيرة وشيخ العرب الذين «حرروا» أفغانستان، وبدأت سنوات لوعة الفراق. الولاياتالمتحدة تريد البقاء في جزيرة العرب والنفط، جاثمة على آبارهم وقلوبهم، وأسامة بن لادن يريد احتراف قتال «الكفار» وإخراجهم من أرضه الطاهرة، فلم يكن ذلك سوى بداية لفصل جديد من تاريخ الكوكب الأرضي. أسامة بن لادن اليوم هو العدو الأول للدولة الأولى. طيفه سرعان ما مر خلف مشهد برجي التجارة العالمية المنهارين، لتخرج الولاياتالمتحدةالأمريكية في أولى حروبها المباشرة منذ الحرب العالمية الثانية، دكت أفغانستان بعدما «حررتها» من السوفيات، واحتلت العراق لتغوص في أوحاله. يكاد لا يمر يوم دون أن نرى صورته أو نسمع اسمه أو اسم التنظيم المنسوب إليه تحت اسم «القاعدة». قليل الظهور كثير الحضور، يهدد ويتوعد فينفذ ثم يختفي. من هو هذا الرجل الأسطوري؟ من أين أتى؟ لماذا أتى؟ أين نشأ وعلى من تتلمذ؟ لماذا تحالف مع الشر وعاد ليحاربه؟ ما هي تفاصيل حياته السابقة لاحتراف «الجهاد»؟ من هو أسامة الإنسان؟ ماذا يعشق في الحياة بما أننا نعتقد معرفتنا بما يكره؟ أسئلة وأخرى تتناسل لتتناسل معها حلقات هذه السيرة الشخصية والذهنية، لرجل استثنائي.