«يجب أن تتخلص السينما والتلفزيون من دعم الدولة، حتى لا يبقى الاتهام الذي يقول إن عين ويد الدولة على هاذين القطاعين.» إنه رأي محمد بنعيسى، أمين عام منتدى أصيلة الثقافي، الذي عبر عنه في جلسة اختتام ندوة «السينما والتلفزيون السياسي في الوطن العربي» يوم السبت الماضي، بحضور عدد من الشخصيات الوازنة وعلى رأسها الشيخ عبد الله بن زايد وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة. وواصل بنعيسى في السياق نفسه موضحا أثناء الورقة التي شارك بها في الندوة «إن للدولة أساليب أخرى للتواصل مع مختلف قطاعات الإعلام، كما يحدث الآن في الدول المتقدمة . وطبعاً، فإن لكل بلد خطوطه الحمراء، أمنية وغيرها، يحترمها الجميع». ودعا بن عيسى إلى التعاون، في مجالات التكوين والتعليم، بين الدول العربية مضيفا «نحن لا نعرف بعضنا البعض، في العالم العربي، ليس على مستوى الشعوب، فقط، بل حتى على مستوى النخب. لنقل إن هناك معرفة منحصرة بين مؤتمرين تراهم في كل ملتقى تقريباً، مع تجديد نادر. إن من شأن التكوين أن يخلق علاقات تساهم وتساعد في إقامة جسور للتعاون وفي الإنتاج المشترك، سواء كانت في التلفزيون أو في قطاع السينما». وختم بن عيسى كلمته بالقول إن «هناك صناديق، الآن، في العالم العربي، تعنى بالاستثمار ومساعدة الدول في بناء الجسور وتعبيد الطرق وبناء المساكن والتعليم، فلماذا لا تستثمر في السينما؟». وقد أبقى النقاش الذي عرفته جلسات ندوة «السينما والتلفزيون السياسي في الوطن العربي» والتي استمرت على امتداد الأيام الثلاثة الأخيرة من منتدى أصيلة الدولي، مساحة الأسئلة مفتوحة على المستقبل، كما أظهر أن بعض الأسئلة، التي كان ينتظر أن تستحضرها محاور الندوة، بقيت من دون إجابات، أو لم تطرح، أو لم يتم الانتباه إليها بالشكل الكافي. ويمكن القول إن التعقيبات ووجهات النظر التي تم الإدلاء بها في الجلسة الثالثة، على الخصوص، كانت ضرورية حتى يقتنع الحضور والمشاركون بأن موضوع الندوة أكبر وأعقد من أن ينتهي إلى إجابات قطعية خلال ندوة بعينها. وكانت أرضية النقاش الخاصة بالندوة المنظمة، بشراكة بين منتدى أصيلة وقناة «العربية»، قد شددت على أن الفضاء الإعلامي السمعي البصري العربي شهد في السنوات الأخيرة تجاذبات متوالية بين السلطات الحكومية والقنوات الفضائية، بما يشكل خلطاً كبيراً بين حرية التعبير ومصداقية الخبر، وعلى أن التوظيف السياسي في السينما والتلفزيون أصبح من القضايا التي تشغل الباحثين والمتتبعين لقطاع الاتصال السمعي البصري العربي، خاصة، وتقلق التنظيمات السياسية والنقابية، وتخذل، في كثير من الأحيان، الرأي العام العربي في خياراته ومواقفه وثوابته. ومن أجل ذلك تم توزيع الندوة على محاور تتناول «رؤية عن واقع السينما العربية في بعدها السياسي»، و»الاستخدام السياسي، الإيديولوجي والعقائدي للتلفزيون»، و«السينما والتلفزيون العربي بين ترشيد الدولة ومتطلبات المجتمع المدني». ولخص ناصر الصرامي، مدير الإعلام في قناة «العربية»، مجمل النقاش الذي طبع جلسة اليوم الأخير، في «إبعاد الإعلام عن حضن الحكومات واستقلال الإعلام ليتحول إلى مؤسسات خاصة»، قبل أن يضيف قائلا: «لحسن الحظ، معنا، اليوم، الشيخ عبد الله بن زايد (وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة)، الذي هو من أول وزراء الإعلام في العالم العربي، الذي قرر يوما ما أن يلغي وزارة الإعلام، وفعلا ألغاها، وأعتقد أن دولا أخرى، أيضاً، لحقت بنفس الخطوة، (ثم مخاطباً الوزير الإماراتي) ونأمل أن تنتقل هذه العدوى من الشيخ عبد الله إلى زملائك السابقين». وركز محمد الورواري، الإعلامي بقناة «العربية»، كلمته على القنوات الناطقة بالعربية، والتي أطلقتها أخيراً بعض الدول الغربية، حيث قال: «صرنا نواجه سيلا من القنوات الناطقة بلغتنا العربية، والآتية من الخارج، مثل قناة «الحرة» وغيرها. إن هناك مبدأ، نتفق عليه جميعا، يتلخص في أنه «لا يوجد شيء بالمجان». فلا يعقل أن تنفق دولة أموالا كثيرة على قناة ناطقة باللغة العربية موجهة إلى العالم العربي، دون أن تكون هناك رسالة أو مصلحة خاصة». وانتهى الورواري إلى توجيه سيل من الأسئلة إلى المشاركين، من قبيل: «كيف يمكن أن نساعدكم، أنتم المهتمون بالجانب الإعلامي، في فهم الشفرات التي تأتينا من الخارج ؟»، و»كيف يمكن أن تساعدونا لكي نكون في صف المشاهد ؟». وإذا كانت جلسة افتتاح الندوة قد تميزت، على الخصوص، بمضمون كلمات كل من الممثل المصري عزت العلايلي والمخرج الجزائري محمد لخضر حامينا والناقد السوري قصي صالح الدرويش، بصدد «الفيلم السياسي» وأشكال «الرقابة» على الأفلام في العالم العربي و»الحريك» الإعلامي، فإن مداخلات الجلستين التاليتين أعادت، في معظمها، نقاشاً متواصلاً، يرتبط بواقع التلفزيون والسينما في العالم العربي، في علاقة بالاستخدام السياسي، الشيء دفع بعض المشاركين إلى إعادة طرح أسئلة بصدد محاور الندوة ذاتها، من جهة طابعها «التعميمي»، والذي تتوزعه عناوين، بدت للبعض «فضفاضة». ولاحظ الناقد السينمائي السوري حكم البابا، في مداخلته التي حملت عنوان المحور الثاني من الندوة مع إضافة عنوان فرعي: «رؤية متطرفة»، أن الاستخدام السياسي العقائدي للتلفزيون مازال «يأتي في قائمة أهداف إنشاء أية محطة تلفزيونية عربية، رسمية أو شبه رسمية، وحتى قبل التفكير في جدواها الاقتصادي أو ربحيتها»، قبل أن يشدد على أن «الإعلام التلفزيوني العربي هو مرآة لمجتمع متخلف تحكمه منظومة استبداد يتفق كله على تأليه الزعيم وشيطنة أعدائه، ولا يعترف برأي آخر خارج السجن أو القبر، ولا يستخدم الاستوديو التلفزيوني كمنبر للرأي المخالف، إلا في إطار تصفية الحسابات السياسية بين الدويلات العربية المتصارعة»، ملاحظاً أن «الاستخدام السياسي التلفزيوني هو أكثر سمة تميز القنوات العربية، ليس في برامج الرأي، فقط، بل، وفي نشرات الأخبار والتغطيات المباشرة، وحتى في اختيار أسماء نوعية الضيوف، الذين يظهرون على الشاشات». وأعطى الناقد المغربي محمد باكريم مداخلته عنوان «السينما والتلفزيون بالمغرب، دينامية انفتاح معقلن/متمكن»، حيث قال إن «السينما والتلفزيون بالمغرب يقدمان لنا خطاطة جديدة ومبتكرة، يمكننا أن نلخصها كما يلي: لقد ولدت السينما على هامش الدولة، في الوقت الذي ولد فيه التلفزيون في حضنها، ويسعى بالمقابل إلى أن يتطور ضدها أو، على الأقل، أن يتحرر منها»، مشيراً إلى أن «هم» السياسة العمومية، في مجال تداول الصور، ظل يتمثل في «التحكم المطلق في التلفزيون باعتباره امتداداً للأدوات الحكومية لتدبير العلاقة بالمجتمع. ففي الوقت الذي تم فيه إهمال السينما وتركها لحالها، ظل التلفزيون، عبر نشرة الأخبار، يعبر عن تلك النظرة الأحادية للتواصل، وظل المجتمع يحس بنفسه مُقصى من هذه العملية». وتحدث باكريم عن حدثين أساسيين سوف يخلخلان هذه الخطاطة: إصدار مرسوم تحرير قطاع السمعي البصري، وصدور الظهير الذي أقر إنشاء الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري. وعلى صعيد السينما، رأى باكريم أن «المحاولات الوحيدة التي قامت بها الدولة في هذا المضمار في نهاية الستينيات لم تسفر عن أية نتيجة تذكر. إنها مأساة السينما المغربية في مجال الإنتاج والوسائل، غير أنها، أيضا، وبشكل ما، حظها السعيد، باعتبار أننا بالمغرب لم نعرف أبدا سينما رسمية، أي سينما «القطاع العام»، كما هو الحال في العديد من الدول العربية الأخرى». وشدد باكريم على أن «المغرب يقدم، اليوم، عن نفسه صورة بلد تتطور فيه السينما باطراد وتعيش فيه وضعية جديدة في مجال الإنتاج، كما في مجال التجدد والاستمرارية، وذلك بدخول الأجيال الجديدة مضمار الإبداع السينمائي، وذلك بالضبط ما نسميه دينامية السينما المغربية». ورأى باكريم أن هذه الدينامية تتجلى في ثلاثة مظاهر، على الأقل، هي الانتظامية والعيانية والتنوع. فبصدد الانتظام، قال إن «السينما المغربية تعرف منذ عدة سنوات إيقاعا منتظما ومطردا في النمو». وبصدد العيانية، قال «إن الفيلم المغربي بات يشاهد، أولا وقبل كل شيء، في عقر داره. وهي سينما تحظى بالمشاهدة في الخارج وخاصة في المهرجانات الدولية». أما المظهر الثالث فيختص ب»التنوع الكبير في المواضيع والمقاربات الجمالية». وأرجع باكريم تفسير هذه الدينامية إلى «وجود تقاليد عشق للسينما يجعل منها ممارسة ثقافية نابعة من المجتمع المدني»، و»وجود جيل من السينمائيين الرواد قاوموا السنوات العجاف ومكنوا السينما من أن تظل أفقا احترافيا ممكنا»، و»توفر إرادة حقيقية، اليوم، للنهوض بالسينما.. وهذه الإرادة يعبر عنها صندوق الدعم السينمائي». وختم باكريم مداخلته بالقول إن «السينما المغربية لم تعد مفهوما ولم تبق مجرد تجريد، إنها أصبحت حاملا تعبيريا له تصوراته للمجتمع المغربي المصحوبة باكتشاف متعة الحكاية. فعلى غرار السينمات العتيدة، تقيم السينما المغربية نجاحها على أساس بعض القوالب الجاهزة التي تضمن للجمهور عناصر استدلالية وتمكنه من «اللقاء» بصورته حول مواضيع وأمكنة معينة أو فقط حول صور استدلالية محسوسة». وخفف حبيب غلوم، المخرج ومدير المركز الثقافي (أبو ظبي)، من جرعة «التفاؤل»، في كلمة باكريم، حين ضمّن تعقيبه سؤالاً كبيراً، بقوله: «لماذا لا تصلنا أعمالكم؟ وصلنا المكسيكي والأرجنتيني والتركي، وننتظر الإيراني، ولم يصلنا المغربي، بعد. إنكم تتوجهون نحو الغرب، وهذا شيء نعرفه، لكن، أين نحن من كل هذا؟».