ألغت غرفة المشورة بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، الخميس المنصرم، قرار قاضي التحقيق نور الدين داحين، رئيس الغرفة الثالثة بالمحكمة ذاتها، الذي قضى بمتابعة مخزني (عنصر من القوات المساعدة) ترافع عنه صهر داحين في القضية المعروفة إعلاميا بشبكة بارون المخدرات «نجيب ازعيمي»، في حالة سراح. وذكر مصدر مطلع أن غرفة المشورة ألغت قرار داحين وقررت متابعة المخزني المذكور في حالة اعتقال. إذ أشار مصدر مطلع إلى أن عناصر من الفرقة الوطنية للشرطة القضائية اعتقلت، الجمعة المنصرم، المخزني المذكور (رضوان.إ) وأعادته إلى السجن. كما أن المخزني الثاني، الذي أطلق سراحة داحين في شبكة ازعيمي، تم استدعاؤه من طرف الإدارة العامة للمفتشية العامة للقوات المساعدة. وذكر مصدرنا أن هذا الخطأ القضائي ليس هو الخطأ الوحيد في سجل القاضي داحين، بل إن المعني بالأمر يجر خلفه العديد من الأخطاء، ضمنها إطلاق سراح جزائري متورط في شبكة لتجارة المخدرات، قبل أن تعمل غرفة المشورة على إبطال هذا القرار مرة أخرى. من جهة أخرى، توصلت «المساء» بمعطيات أخرى ترتبط ب«الترتيبات الأمنية»، التي قادت إلى تفكيك شبكة ازعيمي في ماي المنصرم من طرف العميد محمد جلماد، الرئيس السابق للمنطقة الأمنية بالناظور، قبل أن يجد جلماد نفسه معتقلا ضمن عناصر هذه الشبكة بتهمة محاولة الارتشاء في ظروف وصفها مصدر مقرب منه ب«الغامضة». وبدأت هذه الترتيبات في فاتح ماي من السنة المنصرمة عندما جاء العميد يوسف غريب رفقة أفراد من الأمن العمومي إلى مكتب جلماد ليخبروه في حدود الساعة السابعة مساء أن «وسيطا» كشف لهم عن معلومة في غاية الأهمية: «هناك أكثر من 7 أطنان من المخدرات مخبأة في مستودع بحي عاريض بالناظور». وكان أول شيء فعله العميد جلماد حين توصل بهذه المعلومة هو أنه طلب من العميد يوسف غريب أن يلتقي بالوسيط المذكور قصد الاستماع إلى إفادته بخصوص هذه القضية بهدف التأكد من صحة روايته. وفعلا، تم إحضار «الوسيط» في حدود الساعة العاشرة ليلا من اليوم نفسه، حيث استجوبه العميد جلماد في مكتبه في جلسة قاربت الساعتين. وكشف الوسيط في هذه الجلسة مع جلماد أن كمية المخدرات المخبأة في المستودع ملفوفة بعناية وجاهزة للتصدير إلى الخارج. وأبلغ الوسيط المذكور رجال الأمن عن أصحاب هذه الكمية، لأن واحدا من المهربين سبق أن وعده بتهجيره سرا إلى دولة أوربية في إحدى عمليات تهريب المخدرات، غير أنه لم يلتزم بوعده، حينها قرر «الوسيط» أن ينتقم منه. وعندما تأكد العميد جلماد أن ما يحكيه «الوسيط» المذكور حول هذه القضية في منتهى الدقة، حرص على أن يظل هذا الأمر في منتهى السرية دون أن يعلم به أي أحد سوى العميد يوسف غريب، رئيس فرقة التدخل التابعة للأمن العمومي بالناظور، حيث انتقلا معا رفقة الوسيط المذكور في حدود منتصف الليل على متن سيارة مموهة بهدف معرفة المكان الذي خبئت فيه كمية المخدرات. وفي اليوم الموالي، اتصل جلماد بمصلحة خاصة قصد الاستعانة بكلاب بوليسية في هذه العملية. وفعلا، انتقل أحد المروضين رفقة كلب بوليسي إلى حي عاريض بالمدينة، وكانت المفاجأة عندما تشمم الكلب رائحة المخدرات المنبعثة من زوايا المستودع. ومباشرة بعد العثور على هذه الكمية من المخدرات أخبر العميد جلماد الوكيل العام للناظور بالنبأ، فأذن له فورا بإجراء تفتيش، وقد استدعى العميد جلماد حينها حوالي 30 فردا من الشرطة القضائية وجردهم من هواتفهم المحمولة لتفادي تسريب المعلومة، كما وضع رهن إشارتهم ثلاث سيارات مدنية قبل أن يتوجه بهم إلى المكان الذي توجد به كمية المخدرات دون أن يخبرهم بعنوان وجهتم. وكانت الخطوة الموالية هي أن العميد جلماد ربط الاتصال بالمدير العام للمديرية العامة للأمن الوطني, الشرقي اضريس, ليخبره بنبأ اكتشاف كمية من المخدرات في حدود الساعة التاسعة ليلا من اليوم نفسه، وقد هنأه اضريس على هذا الإنجاز، قبل أن يشجعه على مواصلة البحث من أجل إيقاف صاحب هذه الكمية من المخدرات. وفي سياق الترتيبات الأمنية التي أجريت لإيقاف صاحب المخدرات، توصل العميد جلماد بمكالمة هاتفية ساد الاعتقاد معها أن صاحبها هو نجل زعيم صاحب كمية المخدرات التي تم ضبطها في حي عاريض. ورغبة منه في الإيقاع بصاحب هذه المكالمة الافتراضية، لم يمانع جلماد في تزويده برقم هاتفي كان يستعمله في التواصل مع «مخبريه». ولم يحتفظ جلماد بهذه التحركات الأمنية للإيقاع بازعيمي طي الكتمان، بل سارع إلى إخبار والي أمن وجدة بالأمر، خاصة أن الوالي المذكور هو صديق إدريس حنيفة، الذي طلب من جلماد أن يلتقي الشخص المبحوث عنه في مكتبه. والي وجدة وبعد ما أحاطه جلماد بآخر تطورات هذه القضية، طلب منه أن يعد تقريرا ليرسله إلى المديرية العامة للأمن الوطني، وهو الأمر الذي قام به جلماد دون تردد. ولأن جلماد كان يريد الإيقاع بازعيمي، فقد رفض اقتراح إدريس حنيفة بأن يكون اللقاء في مكتب جلماد، واقترح أن يكون اللقاء بمقهى «فانكوفير». ولهذا الغرض استعان العميد جلماد بفرقتين أمنيتين، إحداهما تتكون من عنصرين من الاستعلامات العامة، كانا يجلسان في المقهى المذكور غير بعيد عن طاولة جلماد بهدف واحد, هو إخبار عناصر الفرقة الثانية، التي يوجد على رأسها يوسف غريب، بوصول المبحوث عنه إلى المقهى. وفعلا بدأت حالة الترقب ابتداء من الساعة الحادية عشرة صباحا من 6 ماي، غير أن الشخص المبحوث عنه، أي الزعيم المفترض لشبكة المخدرات، لم يأت إلى الموعد المحدد، فرفع العميد جلماد التعزيزات الأمنية، التي ضربت حول المقهى، لكن ساعة بعد ذلك سيتوصل جلماد بمكالمة هاتفية من مصدر مجهول يخبره فيها بأنه مكلف من طرف إدريس حنيفة بالاتصال به. لكن جلماد، ولربح ثقته، أخبره بأنه انتظره في المقهى دون طائل، قبل أن يخبره من جديد بأنه سينتظره مرة أخرى في حدود الساعة الثانية زوالا بعد أن طمأنه أنه لن يتعرض إلى أي سوء. وسارع جلماد مرة أخرى إلى تجنيد الفرقتين الأمنيتين المذكورتين، غير أن المعني بالأمر سيخلف وعده مرة أخرى. وفي حدود الساعة الخامسة من اليوم نفسه، سيتوصل جلماد بمكالمة هاتفية من مخدع هاتفي بمليلية، غير أن المتصل لم يكشف عن اسمه ، واعتذر لجلماد عن عدم قدومه إلى الموعد المحدد، مضيفا أن السبب هو أنه تخوف ولم يشعر بالثقة. إلى ذلك، أشارت بعض المصادر إلى فرضية «تورط» أسماء نافذة في اعتقال العميد جلماد، خاصة أن تهمة محاولة الرشوة التي يتابع بها لم تستند إلى وقائع دقيقة. وأضافت هذه المصادر أن الأسماء النافذة تتكون من شخصيات في أجهزة الأمن وسياسيين مرتبطين بحزب سياسي له نفوذ في دواليب الدولة.