توصلت «المساء» بمعلومات موثوقة تشير إلى توجه شركات التبغ في المغرب إلى إغراق السوق الداخلية بعلب سجائر صغيرة رخيصة الثمن من خلال التركيز على الزيادة في إنتاجها محلياً أو استيرادها، مستفيدة من تحرير السوق بشكل كامل مع بداية سنة 2011، وعدم تصديق المغرب على اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ رغم توقيعه عليها، وهي الاتفاقية التي تحظر على شركات التبغ إنتاج علب صغيرة، بالنظر إلى أن الشريحة المستهدفة بهذه العلب هي فئة القاصرين وعموم الشباب. وتشير المعطيات، التي تتوفر عليها الجريدة، إلى أن شركة «ألطاديس» وكذا كبريات الشركات العالمية التي دخلت السوق المغربي، مثل «دجبان توباغو إنترناشيونال» اليابانية و«فيليب موريس» الأمريكية، أو تلك التي تدرس إمكانية ولوج السوق كشركة «بريتيش أمريكان توباكور» البريطانية، دخلت في سباق محموم فيما بينها لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الزبناء من القاصرين وذوي الدخل المحدود من خلال تسويق علب منخفضة الثمن، حيث يتراوح سعر هذه العلب بين 10 دراهم و12 درهما. وتحتوي العلب الواحدة على 10 سجائر، في حين أن العلب الأكثر انتشارا تحتوي على 20 سيجارة وتباع في المغرب بثمن يتراوح بين 22 درهما و32 درهما حسب الماركات. وقد قامت «ألطاديس» بجلب آليات جديدة خاصة بإنتاج العلب الصغيرة، إلى جانب آليات تتوفر عليها من قبل، لزيادة طاقتها الإنتاجية. وستحاول هذه الشركات اغتنام تحرير إنتاج وتوزيع التبغ في المغرب بشكل كامل بعدما كانت شركة «ألطاديس» تحتكر السوق خلال السنوات الماضية بعد خوصصة إدارة التبغ. وتبحث هذه الشركات، سواء التي تنتج داخل المغرب أو التي تستورد ماركاتها من الخارج، توسيع الطلب الداخلي على السجائر، خصوصا أن الهرم السكاني للمغرب تغلب عليه فئة الشباب والقاصرين وذوي الدخل المحدود، وهي فئة يجتذبها السعر المنخفض. ولم تكن هذه الشركات لتقدم على هذه الخطوة التجارية الاستراتيجية دون التأكد من خلو التشريعات الوطنية من التشديد على منع تصنيع العلب الصغيرة، بخلاف المنع الذي تطبقه دول الاتحاد الأوربي ودول العالم على إنتاج العلب الصغيرة للتقليل من استهلاك التبغ المضر بالصحة، سيما في صفوف الشباب والقاصرين. ولهذا أخذ مستوى استهلاك التبغ في الدول الغربية في التناقص في السنوات الأخيرة بفعل تشديد التشريعات التي تحد من انتشار الظاهرة، في حين يتزايد الاستهلاك في الدول النامية والمتخلفة بصفة عامة. وتنص المادة 16 من الاتفاقية الإطار الخاصة بمكافحة التبغ أن على كل دولة طرف في الاتفاقية أن تعتمد وتنفذ تدابير تشريعية أو تنفيذية أو إدارية أو غيرها من التدابير الفعالة على المستوى الحكومي المناسب لحظر مبيعات منتجات التبغ للذين تقل أعمارهم عن السن المنصوص عليها في القوانين المحلية أو الوطنية أو تقل عن 18 سنة. ويمكن أن تشمل هذه التدابير عدة جوانب، من بينها حظر بيع السجائر المفردة أو في علب صغيرة، مما يوسع من نطاق توافر هذه المنتجات للقاصرين. ورغم أن المغرب وقع على الاتفاقية الإطار في 16 أبريل 2004 فإنه لم يصادق عليها لحد الساعة، مما يترك الباب مشرّعا أمام شركات التبغ لاستغلال هذا الفراغ القانوني وعدم تشديد وزارة الصحة وباقي المصالح المعنية مراقبتها على هذا القطاع للحد من غلوائه التجاري الذي لا يقيم اعتبارا لصحة المغاربة. ويستغرب مصدر مطلع على هذا الملف كيف أن وزارة الصحة لا تكلف نفسها عناء مراقبة هذا القطاع في الجانب المتعلق بصحة المغاربة، وهو القطاع الذي يدر على ميزانية الدولة سنويا مليارات الدراهم عن طريق الضريبة الداخلية على الاستهلاك والضريبة على القيمة المضافة. والملاحظ أن العديد من الوزارات تتدخل في قطاع التبغ فيما يتصل بالتشريع والإنتاج والتصنيع والتوزيع كالفلاحة والمالية والصناعة دون أن تكون لأي جهة منها مراقبة صارمة لهذا القطاع للحرص على التقيد بالضوابط فيما يخص صحة المواطنين. وحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية، فإن معدل استهلاك التبغ في المغرب يصل إلى 430 سيجارة في العام لكل مغربي بالغ. وتقول المنظمة الدولية إن تعاطي التبغ يؤدي بحياة أكثر من خمسة ملايين نسمة كل عام في العالم، وهو يقف وراء عُشر وفيات البالغين، كما أنه يعد من أهم الأسباب الخمسة المؤدية إلى الوفاة، ويمثل11بالمائة من الوفيات الناجمة عن مرض القلب الإقفاري، الذي يأتي في مقدمة الأمراض الفتاكة. كما أن الظاهرة تسببت في أكثر من 70 بالمائة من الوفيات الناجمة عن سرطانات الرئة والرغامى والقصبات.