سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
إدريس بنعلي: إذا تمكن المغرب من إقامة مشروع لمشتقات الفوسفاط في الصين سيساهم ذلك في حماية سوقه الاقتصادي المغربي قال للمساء إن الصين تعمل على التحكم في أسواق البلدان السائرة في طريق النمو
في السنة الفارطة أصبحت الصين ثالث شريك تجاري للمغرب في العالم، غير أنه يبدو أن ذلك البلد الآسيوي هو المستفيد الأكبر من هذا التطور في العلاقات بين البلدين. وفي هذا الحوار مع الاقتصادي المغربي، إدريس بنعلي، نحاول أن نتعرف على العناصر التي تصنع قوة الصين الاقتصادية وسياستها في ولوج الأسواق الخارجية وإمكانيات تنمية العلاقات الاقتصادية بين المغرب والصين في المستقبل. أصبحت الصين ثاني شريك اقتصادي للمغرب في السنة الفارطة.. لكن قبل الخوض فيما يجب أن تكون عليه العلاقات الاقتصادية المغربية الصينية، نود أن تطلعنا على وزن ذلك البلد الآسيوي في الاقتصاد العالمي. لأول مرة تجاوزت الصين اليابان من حيث الناتج الداخلي الخام. هذا يعطي لتلك الدولة الآسيوية وزنا كبيرا، فهي اليوم ثاني قوة اقتصادية، وهي من أوائل المصدرين في العالم. ومعدل النمو في الصين يصل على الأقل إلى 8 في المائة، وهو من أعلى المستويات في العالم منذ سنوات. هذه المعطيات بوأتها مكانة تخول لها أن تضطلع بدور مركزي في الاقتصاد العالمي. وأوربا تتخوف من هذا الوزن الاقتصادي، خاصة أن الجميع يدرك أن مصير العالم من الناحية الاقتصادية سوف تقرره الولاياتالمتحدة والصين. وما يمكن أن نقول هو أن الصين تتطور بسرعة مذهلة.
- ما هي العناصر التي تجعل الصين قوة عالمية؟ هل الرؤية التي بلورها قادتها أم مؤهلاتها الاقتصادية؟ يجب أن نشير إلى أن الفضل في تحول الصين إلى القوة الاقتصادية التي نعرفها اليوم يعود إلى الإصلاحات التي أطلقها الزعيم دينغ زياو بينغ، فقد أدخل إصلاحات تقوم على تحرير المجال الاقتصادي، حيث جاءت في الوقت المناسب وبطريقة منظمة ومخططة، وهذا ما أتاح للصين أن تحقق معدلات نمو جد مرتفعة خلال عقدين من الزمن، مما يعني أن الإصلاحات كانت ذات جودة عالية مع نهج نوع من التدرج في تطبيقها، مما أشر على انفتاح على الاقتصاد العالمي، وهو الذي توج بالانضمام إلى منظمة التجارة العالمية. - لكن يبدو أن الصين مع انخراطها في نوع من الليبرالية الاقتصادية، لم تعمد إلى فتح المجال السياسي على اعتبار أن الحزب الشيوعي مازال يراقب كلية ذلك المجال.. لا بد أن ننتبه إلى أن الصينيين تفادوا خطأين أساسيين وقع فيهما السوفيات، فقد سلك ذلك البلد الآسيوي سبيل الاقتصاد الحر، دون أن ينخرط في نوع من الليبرالية السياسية، مادام الحزب الوحيد يسود دائما، في الوقت الذي انخرط الروس منذ البداية وبشكل سريع في الليبرالية السياسية، مما أدى إلى كارثة اقتصادية، على اعتبار أن المافيا التي أتت من ال«كي جي بي» تمكنت من أن تضع يدها على الاقتصاد. إذن الصينيون اختاروا سبيل الإصلاح الاقتصادي قبل السياسي. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، وخلافا للاتحاد السوفياتي السابق، لم ينخرط الصينيون في سباق التسلح مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، هم يضطلعون بدور سياسي داخل مجلس الأمن، لكنهم لا يتدخلون عسكريا في بعض أنحاء العالم. ويجب أن نشير إلى أن توسعهم يتم عبر التجارة والاستثمار، وهم يعمدون الآن إلى شراء الأراضي، خاصة في إفريقيا من أجل خدمة أمنهم الغذائي، وربما مزاحمة الشركات متعددة الجنسيات الأمريكية العاملة في الصناعات الغذائية، فقد اقتنت الصين أراضي في بلدان مثل إثيوبيا و السودان. وهم يظهرون وجها غير معهود في القارة السوداء، ففي المناطق الإفريقية التي استثمروا فيها في الفلاحة تراجعت أسعار بعض المنتوجات بشكل ملحوظ. - يتجلى أن الصينيين في انفتاحهم الاقتصادي في السنوات الأخيرة لم يذعنوا لتوصيات المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي و البنك العالمي. هل يمكن أن نقول إنهم بذلك تحكموا في مسار تحرير الاقتصاد، حسب أجندة خاصة بهم؟ صحيح. وعموما يتميز الآسيويون بكونهم لا يأبهون بالمؤسسات المالية الدولية، فهم لا يتقيدون بما توصي به تلك المؤسسات. و معروف أن الصين لا تسمح للمؤسسات بالتدخل في شؤونها، كما فعلت روسيا التي طبقت المبادئ الليبرالية بحذافيرها في المجال الاقتصادي. فالإصلاحات الاقتصادية التي انخرطت فيها الصين، كانت بمبادرة من ديانع زياو بينغ. فهذا الزعيم كان شيخا يبلغ من العمر خمسة و سبعين سنة، لكنه حافظ على روح الشباب. - هل العامل الثقافي له دور في المرور السلس إلى اقتصاد السوق، الذي لم ينل من هيمنة الحزب الوحيد على المجال السياسي؟ يجب أن نعلم أننا بإزاء حضارة عظيمة، فيمكن أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر أن الصينيين هم الذين اختاروا الرصاص، وهم بناة السور العظيم. هذا البلد عرف حركة وطنية كبيرة، قبل أن يتزعم ماو تسي تونغ الحزب الشيوعي، لتشرع بعد ذلك الصين في الإصلاحات الاقتصادية، التي تحدثت عنها مع الزعيم ديا زياو بينغ. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يجدر بنا أن نشير إلى أن الصينيين يستثمرون كثيرا في العمل وهم ميالون للتقشف. إنهم يكتفون بالقليل و يعملون كثيرا. - ماهي مساهمة التعليم و التكوين فيما بلغه الصينيون من تطور اليوم؟ الصينيون بذلوا مجهودا كبيرا على مستوى التربية و التكوين، فهم يكوّنون حوالي خمسة ملايين مهندس في السنة، و يمكننا أن نقارن هذا الرقم بالعدد الذي يسعى المغرب إلى بلوغه، و الذي لا يتعدى العشرة آلاف مهندس. بطبيعة الحال يجب أن نستحضر هنا أن عدد الساكنة في الصين يصل إلى 1.3 مليار نسمة. زد على ذلك أن الصين تتوفر على إحدى أكبر الجاليات في العالم، و التي يعود العديد منها إلى بلدهم الأصلي مسلحين بالكثير من الخبرات التي اكتسبوها في الخارج، وهم يفيدون بها مجتمعهم. و يجب أن نشير إلى أن الجالية الصينية استطاع بعضها مراكمة ثروات مهمة في الخارج، وهي تأتي برساميل مهمة من أجل استثمارها في بلدها. - لكن ثمة من يركز أكثر على ضعف الأجور في الصين و انخفاض قيمة العملة في تفسير تنافسية الاقتصاد الصيني. هناك ثلاثة عناصر تساهم في تنافسية الاقتصاد الصيني، فهناك «اليوان» منخفض القيمة وضعف الأجور وارتفاع الإنتاجية. هاته العناصر تتيح للصين أن تكون أكثر تنافسية على الصعيد العالمي. و يجب أن نشير هنا إلى أنه بالنظر إلى عدد السكان في البلد، فإن ما يباع في السوق الداخلية يدر أرباحا مهمة، وعندما تصدر السلع إلى الخارج، لا يمكن لها سوى أن تزيد تلك الأرباح. - ما الذي يسهل على الصينيين الولوج إلى السوق الإفريقية؟ هناك عامل مهم متمثل في أنهم ليس لديهم ماض استعماري في القارة السوداء، و هم يمارسون ما يمكن أن نسميه ب«الإمبرالية الناعمة»، ففي إفريقيا نجد بعض الخضر بأسعار بخسة بسبب الصينيين، لكن هذا لا يمكن أن يستمر على المدى الطويل، على اعتبار أن ذلك سيحول تلك المجتمعات إلى مجتمعات استهلاكية دون أن يبرر الإنتاج ذلك. وهذا خطير. - بالنظر إلى ما تقدم، كيف تنظر إلى العلاقات الاقتصادية بين المغرب و الصين؟ المغرب و الصين انضما إلى منظمة التجارة العالمية، غير أنه إذا كانت الصين شريكا، فهي في نفس الوقت منافس قوي للمغرب في العديد من المجالات، خاصة قطاع النسيج، لأن الصينيين يعتمدون أسعارا منخفضة، ويستعملون يدا عاملة رخيصة، بل يوظفون في بعض الأحيان السجناء في الإنتاج، الذين يعملون دون مقابل مالي.الصين جد منتقدة لأنها تمارس ما يعرف بالإغراق الاجتماعي، بمعنى أنها تشغل سجناء دون أجر إسوة ببلد مثل باكستان، التي توظف أطفالا دون أن يتلقوا أي أجر. وشائع لدى بعض الناس في بعض مناطق المغرب أن الصينيين يستعملون السجناء الصينيين في بعض الأوراش التي يتولون إنجازها.
- يبدو أن الصينيين حريصون كثيرا على الفوسفاط في المغرب. الصين مستورد كبير لمشتقات الفوسفاط، فهم يشترون الحامض الفوسفوري، لكنهم يقبلون أكثر على شراء الأسمدة. ومعروف أن المغرب في استراتيجيته الجديدة توجه نحو الدخول في شراكات مع بعض البلدان من أجل إنجاز مشاريع مشتركة في مجال مشتقات الفوسفاط، وهناك شراكة مهمة في هذا الباب مع الهند. والأكيد أنه إذا تمكن المغرب من إقامة مشروع للحامض الفوسفوري أو الأسمدة في الصين سيمكنه ذلك من حماية سوقه، خاصة أن المنافسة في القطاع الفوسفاط محتدمة، علما أن السعودية سوف تصبح فاعلا وازنا في القطاع. إذن تقوم استراتيجية المغرب على الانخراط في شراكات مع العديد من البلدان، من قبيل الصين، التي سوف ترتفع حاجياتها للغذاء في السنوات القادمة.
- الاستثمارات الصينية في المغرب جد ضعيفة، لكنهم يسعون إلى خلق منطقة صناعية خاصة بالصينيين فقط في المغرب. ما الذي يبرر مثل هذا التوجه في نظرك؟ الصينيون لهم أساليب عملهم، فهم يحرصون على أن يكون ثمة نوع من الاعتماد المتبادل بين جميع الصناعات التي يعرفون بهم. ربما يأتي هذا الحرص في أن تكون لهم منطقتهم الصناعية الخاصة من كونهم يسعون إلى حماية التكنولوجيا التي يستعملونها. هذه استراتيجية خاصة بالصينيين، فهم يستفيدون من المحيط، لكنهم متكتمون بخصوص المستجدات التي يوفرونها. ويجب أن نؤكد على أن الصين تسعى إلى أن تصبح أولى قوة صناعية في العالم، وهذا ما يدفعها إلى تعبئة كل الوسائل من أجل الاستفادة من التقدم التكنولوجي في الغرب، في الوقت ذاته تعمل على التحكم في أسواق البلدان السائرة في طريق النمو. وهذه استراتيجية متكاملة.