أكد الدكتور السرغيني فارسي خلال فعاليات المنتدى الدبلوماسي لجامعة سيدي محمد بن عبد الله على عمق الروابط بين المملكة المغربية والصين الشعبية، وهي روابط ضاربة في القدم من خلال الرحالة الذين وصلوا إلى هذه البلاد، والذين كان لهم الفضل في انتشار الإسلام بتلك الديار، وأشاد رئيس الجامعة بالدور الريادي الذي تضطلع به الصين الشعبية في الوقت الراهن باعتبارها قوة اقتصادية أصبحت تتنافس أكثر من أي وقت مضى على أن تكون الرائدة على المستوى الدولي. مشيرا الى أن هذا اليوم يدخل في إطار التعاون الثقافي والعلمي بين الجامعة وجمهورية الصين الشعبية من خلال الحضور المتميز للسيدة السفيرة. كما شارك في اللقاء وفد عن السفارة الصينية بالرباط بحضور السادة العمداء ورؤساء المؤسسات التابعة للجامعة ونواب الرئيس وعدد من الأساتذة ونخبة من المجتمع المدني والأطر والطلبة. سفيرة الصين الشعبية بالرباط أكدت بدورها على عمق الراوبط بين المملكة المغربية وبلادها ، معتبرة بأن فاس من أقدم مدن المملكة المغربية وهي العاصمة الروحية لها والتي تحتضن جامعة القرويين أقدم جامعة في العالم باعتبارها مركزا لتدريس العلوم الدينية والعلمية قائلة: «إنني جد فخورة بوجودي بهذه المدينة وهذه الجامعة الهامة والمتميزة لإلقاء هذه المحاضرة..». إن الصين الشعبية، تأسست في فاتح أكتوبر 1949، تقول السيدة السفيرة ومنذ تأسيس الصين الجديدة خرجت من النظام شبه الفيودالي وشبه الاستعماري وسنوات طويلة من الحروب حيث كان عدد السكان يصل إلى 500 مليون نسمة بدخل قومي لا يتعدى 27دولارا.وعلى مدى 61 سنة استطاعت أن تحقق نجاحات عظمى في التنمية السوسيو اقتصادية، خصوصا منذ 32 سنة خلت حيث تم اعتمادا إصلاحات كبرى للانفتاح، إذ استطاع الشعب الصيني اعتماد اشتراكية صينية أدت إلى تغييرات كبرى. إذ أصبحت الصين أول دولة على المستوى العالمي في مجال التصدير و الثانية من حيث الاستيراد وأول بلد في امتلاك العملة الصعبة كما أنها تحتل الصف الثاني كقوة اقتصادية عالمية، وحسب البنك الدولي فإن الاقتصاد الصيني سيساهم هذه السنة (2011) ب 30% في تنمية الاقتصاد العالمي. وخلال هذه السنوات أيضا تضاعف الدخل القومي بست مرات، وتم تقليص الفقر من 250 مليون نسمة إلى 14 مليون، كما أن نسبة التغطية الصحية الإجبارية للمواطنين تعدت 90 %، وانتقل المعدل العمري إلى 73 سنة. أما في مجال التعليم، فإن الحكومة استطاعت منذ 2002 تعميم التمدرس الإلزامي، كما أن نسبة الأمية لدى الشباب والكبار أصبحت دون 4% حيث يبلغ عدد مؤسسات التعليم العالي 4300 مؤسسة جامعية و 28 مليون طالب بمعدل تمدرس يصل إلى %24,2 .أما في مجال الديمقراطية فقط سجلت تقدما مهما من خلال الحرية التي يتمتع بها الصينيون في حاجاتهم اليومية، وأصبح المجتمع الصيني أكثر انفتاحا على الخارج من خلال العدد الكبير من مستعملي الأنترنيت والذي يصل إلى 420 مليون منخرط ، أي ما يقارب ساكنة الاتحاد الاروبي، %66 من هؤلاء يتدخلون ويعلقون بكل حرية على كل المواضيع التي تخص الحياة العامة، وأصبح الأنترنيت لدى الصينيين قناة جديدة لإبداء الرأي بكل حرية، وأصبح كذلك أساسا للحكومة لمعرفة ما يروج ويتداول من طرف الرأي العام. أما الصحافة، فهناك 2000 صحيفة وطنية 10.000 محلية بالصين الشعبية تواكب جميعها سياسة الحكومة في كل مجالاتها. وفي مجال القوانين تم تعديل 200 قانون من أصل 233 لكن، تضيف السفيرة، إذا كان التطور الذي عرفته الصين قد أبهر العالم، فكيف ينظر الصينيون إلى بلادهم؟ وتجيب بأن الصينيين يفتخرون بما وصلت إليه بلادهم من تقدم انعكس على حياتهم بشكل إيجابي جدا، وهم واعون بالمقابل بالتحديات التي تنتظر بلادهم ومن خلال استطلاع للرأي أجرته جريدة «Globa times» : الواسعة الانتشار في الصين، فإن 78% من الصينيين يعتقدون بأن الصين بلد في طريق التقدم. وأعطت السفيرة تبريرات ذلك من خلال أمثلة واضحة في هذا الباب لعل أهمها هو وجود 43 مليون صيني يعيشون تحت عتبة الفقر، وهذا العدد يفوق سكان المغرب، حسب المعايير التي تعتمدها الأممالمتحدة، فإن ساكنة الصين الفقيرة تصل إلى 150 مليون وهو ما يفوق العدد الإجمالي لساكنة فرنسا وألمانيا، بالإضافة إلى وجود 83 مليون معاق بالصين الشعبية. زيادة على عدم التوازن بين الجهات، وبين العالم الحضري والقروي بالإضافة إلى أن 60 إلى 70% من المواد المصدرة هي مصنعة في معامل أو إنتاج مقاولات متعددة الجنسيات وهو ما يفرض على الحكومة خلق 24 مليون منصب شغل كل سنة. والخلاصة أن الصين على اعتبار، الانفجار السكاني ( مليار و 300 مليون نسمة) ملزمة بمواجهة عدد من الصعوبات والمعوقات، إذ أمامها طريق طويل وشاق لتحقيق النهضة المنشودة، وأضافت السفيرة قائلة بأن أي حركة للصين تثير انتباه العالم أجمع، وهناك من يعتبر التقدم الصيني تهديدا للعالم، وهنالك من يعتبرها بأنها لا تقوم بواجبها كاملا على المستوى الدولي، وأكدت أن سيطرة التنمية الصينية تعتمد على ثلاثة أشياء هي: 1- أن التنمية الصينية شاملة، لأن الثقافة التقليدية الصينية تقوم على فلسفة السلام والتفاهم المتبادل وثقافة التنوع بعيدة عن كل أشكال العنف أو الهيمنة. 2- إن التنمية الصينية تتميز بالانفتاح وتبادل المصالح بشكل مربح لكل الأطراف ذلك أنه ومنذ التحاق الصين بالمنظمة العالمية للتجارة عام 2001 بلغ حجم المعدل السنوي للاستيراد ما قدره 687 مليار دولار، وهو ما أدى إلى خلق ما يزيد عن 14 مليون منصب شغل في الدول والمناطق المعنية، وخلال سنة 2009 ساهمت الصين في تطوير الاقتصاد العالمي بنسبة 50%. 3- إن التنمية الصينية، هي تنمية مسؤولة باعتبارها اكبر دولة سائرة في طريق النمو، حيث لعبت خلال الأزمة المالية الأسيوية سنة 1997 دورا هاما حيث عملت على عدم تخفيض قيمة عملتها. وحين انفجار الأزمة الاقتصادية العالمية سنة 2008 قامت الصين بدورها، حيث وضعت 50 مليار دولار في صندوق النقد الدولي، ودفعت إلى خلق صندوق احتياط للعملات الأسيوية ب: 120 مليار دولار أمريكي، وبذلت مجهودات لدعم الدول التي طالتها تلك الأزمة. أما عن العلاقات الصينية المغربية، فأكدت السفيرة بأنها ضاربة في القدم منذ القرن الثامن الميلادي، حيث زار المغرب عدد من الصينيين خصوصا سنة 1336، وكذلك وصول أحد الرحالة الصينيين إلى المغرب، وبعد عشر سنوات أي سنة 1446 أقام ابن بطوطة المغربي الرحالة المشهور بالصين لمدة ثلاث سنوات علما بأن المغرب كان صلة الوصل بين الصين وأوروبا. وبعد الاعتراف بالصين، كانت المملكة المغربية الدولة الثانية التي أقامت علاقات ديبلوماسية مع الصين الشعبية في فاتح نونبر سنة 1958. ومنذ نصف قرن من العلاقات بين البلدين تم تطوير هذه العلاقات نحو الأفضل، حيث تبادل جلالة الملك محمد السادس والرئيس الصيني الزيارات تباعا عام 2002 و 2006 من أجل إعطاء دفعة قوية للعلاقات بين البلدين خصوصا القضايا المتعلقة بالقضايا المشتركة منها السيادة والوحدة الترابية للمملكة وحقوق الإنسان ومشكل الشرق الأوسط وغيرها من القضايا. كما أن المملكة المغربية دعمت الصين بقوة أثناء المعرض الدولي في شنغاي باقامة جناح خاص وهو البلد الوحيد من القارة الإفريقية الذي حقق هذا الأمر، وترأس عبد الواحد الراضي رئيس مجلس النواب الوفد الهام للمشاركة في الأيام الوطنية للمغرب في المعرض العالمي بشنغاي بالإضافة إلى علاقات التوأمة والشراكة بين عدد من مدن المملكة المغربية والمدن الصينية كالدار البيضاء وأكادير وطنجة وآسفي وشفشاون وفاس والرباط ومكناس، ونظيراتها: بيكين وتوكسي وهوزرو. وعلى الصعيد التجاري، فإن المعاملات بين البلدين بلغت سنة (2010) 3 مليارات دولار، وأصبحت الصين الشريك الثالث للمغرب، بينما المغرب الشريك التاسع على المستوى الإفريقي. كما أن الاستثمارات الصينية بالمغرب إلى حدود نهاية ستة 2008 بلغت 170 مليون دولار، وأصبحت شركتان في المواصلات شريكا أساسيا إلى جانب متعهدي الاتصالات بالمغرب. وخلصت إلى أن العلاقة الممتدة على مدى 52 سنة تحمل في طياتها إيجابيات للشعبين المغربي والصيني، وأن هذه الصداقة مبنية وقوية وواعدة ومتكاملة، وبعد مناقشتها من طرف الحاضرين وإبداء مجموعة من الآراء البناءة من أجل دعم وتمتين الصداقة بين البلدين، قامت السفيرة بعد محاضرتها بزيارة متحف للصور الذي أقيم على هامش زيارتها والذي يعكس مجالات التطور والنهضة التي عرفتها الصين، بالإضافة إلى معرض صور شنغاي الدولي والجناح المغربي الهام الذي عرف إقبالا من طرف الزوار.