تسبب المسؤولون عن حملة المرشح الجمهوري لخوض سباق الرئاسة جون ماكين في اندلاع جدل حاد داخل الولايات حول لون بشرة المرشح الديمقراطي باراك أوباما، بسبب نشر شريط فيديو قصير يحذر الأمريكيين من انتخاب أوباما لأنه مجرد نجم تلفزيوني مثله مثل باريس هيلتون وبريتني سبيرز. الفيديو تسبب في غضب أنصار أوباما الذين اتهموا ماكين بالعنصرية واستعمال فتيات مشهورات لكن «تافهات» مثل سبيرز وهيلتون عوض استعمال نجوم هوليود من ذوي البشرة السوداء مثل دانزل واشنطن ومورغان فريمان. تظهر في البداية بريتني سبيرز (نجمة موسيقى البوب) لابسة فستانا براقا يظهر صدرها، بينما تنسدل جدائل شعرها الأشقر على كتفيها وهي تحيي العشرات من المعجبين الذين اصطفوا لتحيتها، ثم تختفي فجأة لتظهر صورة باريس هيلتون، الشقراء فارعة الطول التي لم تقم بشيء تستحق من أجله شهرتها سوى كونها وريثة مالك سلسلة فنادق «هيلتون»، وتنجح دائما في الاستحواذ على اهتمام الباباراتزي بسبب كثرة الفضائح التي تتورط فيها. وفجأة يظهر باراك أوباما وهو يحيي الآلاف من أنصاره ويلقي كلمة تبث الحماسة فيهم ويبدؤون بالهتاف له «أوباما، أوباما، أوباما». تتوقف الصورة عند وجه أوباما الباسم وخلفه طيف الآلاف من المعجبين الشباب، ثم يتعالى صوت جهوري عميق ويقول: «هل أوباما قادر على قيادة البلاد؟» يؤكد الصوت الجهوري أن أوباما رجل مشهور مثله مثل هؤلاء الذين يطلق عليهم هنا وصف Celebrities، لكن صاحب الصوت يغير نبرته ويشكك بصرامة في مدى أهلية المرشح الديمقراطي لقيادة بلاد تعاني أسوأ أزمة اقتصادية منذ العشرينات من القرن الماضي، وتخوض حربين خاسرتين في دولتين بعيدتين بآلاف الكيلومترات، وتعاني من تدهور غير مسبوق في شعبيتها فيالخارج. هذا هو مضمون الفيديو الكليب الذي أثار موجة من الاستنكار بين أنصار باراك أوباما الذين اعتبروه إهانة بالغة لمرشحهم «المظلوم»، واتهموا حملة المرشح الجمهوري جون ماكين بالعنصرية الفاضحة بسبب اختيارهم لفتيات شقراوات ذوات بشرة بيضاء ناصعة ومقارنتهن بأوباما الأسود. واحتج مسؤولون في حملة المرشح الديمقراطي على التباين الواضح بين لون بشرة الفتيات المستعملات في الفيديو ولون بشرة أوباما، وقالوا إن حملة جون ماكين كان بإمكانها اختيار ممثلين مشهورين من ذوي البشرة السوداء مثل دانزل واشنطن ومورغان فريمان ومقارنة باراك أوباما بهما، عوض مقارنته بفتاتين صغيرتين و»تافهتين» مثل بريتني سبيرز وباريس هيلتون. حتى باراك أوباما أعرب عن غضبه من الفيديو كليب، واستغل فرصة لقائه مع عدد من أنصاره (من ذوي البشرة البيضاء) في ولاية ميسوري، وقال إن الفيديو كليب كان مسيئا إليه وأضاف: «إنهم يحاولون تخويفكم مني، سيقولون إنني لست وطنيا وإن اسمي غريب وإنني لا أبدو مثل جميع الرؤساء الأمريكيين الذين تطبع صورهم على الدولار... سيجعلونكم تعتقدون أن انتخابي سيكون محفوفا بالمخاطر». لكن حملة المرشح الجمهوري جون ماكين ردّت بعنف على تلك الاتهامات، وقالت إنها استخدمت بريتني سبيرز لأنها مغنية مشهورة وباريس هيلتون لأنها فتاة مجتمع تفوق الأولى شهرة، وإن موضوع لون بشرة الفتاتين لا يجب أن يكون موضوعا للنقاش. كما اتهم المسؤولون في حملة جون ماكين أوباما باستغلال لون بشرته ومحاولة تخويف الأمريكيين من الاقتراب من هذا الموضوع تلافيا لاتهامهم بالعنصرية، حتى إن أحد المتحدثين باسم حملة ماكين قال في تصريحات لشبكة «سي إن إن» : «يبدو أن حملة أوباما ترغب في إرعابنا ومنعنا من انتقاد المرشح الديمقراطي، إنها تحمل فزاعة العنصرية كي تخيفنا بها في كل مرة نحاول فضح افتقاره إلى الخبرة والتجربة التي تمكنه من قيادة البلاد مستقبلا». إحصاء أنفاس أوباما لم يكتف المسؤولون عن حملة المرشح الجمهوري جون ماكين باتهام غريمه الديمقراطي باراك أوباما بالسطحية والتمتع بالشهرة المجانية والافتقار إلى الخبرة اللازمة لقيادة البلاد، لكنهم عمدوا إلى إنتاج فيديو كليب ثان يشكك في وطنية أوباما، ويقول إن الأخير ألغى موعدا لزيارة بعض الجنود الذين أصيبوا خلال مشاركتهم في الحرب على العراق من أجل الذهاب لممارسة الرياضة، بعدما رفضت وزارة الدفاع السماح له باصطحاب الصحفيين وكاميرات التلفزيون. كما جاء في الفيديو أن أوباما لم يدع يوما إلى عقد جلسة استماع حول أفغانستان رغم أن بلاده تخوض حربا هناك، وأنه رفض التصويت على مشروع قانون لتمويل الجنود الأمريكيين المرابطين في العراق. وينتهي الفيديو بالتأكيد على أن أوباما رجل متغطرس ومتعال ونخبوي، ولا يعرف كيف يتعامل مع الفقراء والبسطاء من عامة الشعب. ولم تكتف حملة جون ماكين بذلك، بل وافقت على إنشاء موقع إلكتروني على شبكة الأنترنت يرصد ما يصفه بزلات لسان المرشح الديمقراطي، ويضع قائمة بالجمل التي تدل على غطرسته وتكبره. ويمكن أن تجد على الموقع جميع الجمل التي يعتبرها أصحاب الموقع دليلا على «غطرسة» أوباما مرفقة بتاريخ قولها ومكان قولها وما إذا كان أنصار أوباما قد صفقوا لها أم لا! أنصار أوباما يردون لم يتأخر أنصار أوباما في الرد على الحملة التي تستهدف مرشحهم، وقاموا بإنتاج فيديو كليب يظهر ماكين على أنه رجل ثري جدا يلبس ربطات عنق إيطالية باهظة الثمن من أجل لقاء عدد من عمال المصانع من الطبقة العاملة، كما يظهر ماكين في الفيديو وكأنه شيخ متعب لا يقوى على إتمام خطبه السياسية فبالأحرى قيادة البلاد خلال السنوات القادمة. وعمد أنصار أوباما أيضا إلى كتابة رسائل غاضبة للصحف المحلية والوطنية تدافع عن المرشح الديمقراطي وتهاجم الخطاب «الغاضب وغير المحترم» الذي يستخدمه ماكين في حملته ضد أوباما. أنصار أوباما ليسوا الوحيدين الذين شعروا بالغضب من الفيديوهات التي تطلقها حملة ماكين، بل هناك عدد من كتاب الأعمدة الليبراليين الذين انتقدوا الاستراتيجية التي انتهجتها حملة جون ماكين. أحد هؤلاء كان بوب هربرت الذي كتب مقالة غاضبة في صحيفة نيويورك تايمز، وجه خلالها انتقادا شديد اللهجة لجون ماكين وقال فيها: «حملة ماكين ترتكز على تحطيم المعارضين على طريقة كارل روف. هو لم يكتف بالتشكيك في وطنية منافسه، بل أضاف إلى ذلك ما يصل إلى حد الاتهام بالخيانة عندما أصر على أن أوباما سيفضل أن تخسر الولاياتالمتحدة الحرب إذا كان هذا يعني أنه سيربح الانتخابات». الكثير من البرامج السياسية في شبكات الأخبار الأمريكية خصصت حلقاتها لمناقشة المنحى الجديد الذي اتخذته المنافسة بين جون ماكين وباراك أوباما، ومعظم الضيوف شددوا على أن أسلوب الهجوم الذي تبناه ماكين سيضر به أكثر مما سيضر بمنافسه أوباما. من هؤلاء كان «دان شنور»، وهو محلل سياسي حل ضيفا على قناة «أ.بي.سي» للحديث حول هذا الموضوع، وقال: «إذا كان ماكين يرغب في إثارة الجدل حول أوباما، فعليه استعمال أسلوب آخر غير الهجوم. عليه القيام بذلك بطريقة لا تقلل من شأن خصمه، وعليه عوض ذلك تقديم نفسه للشعب الأمريكي بطريقة لا تنفره منه». وحتى جون ويفر، الذي كان يشغل منصب كبير مستشاري ماكين السياسيين قبل أن يقدم استقالته الصيف الماضي، وصف في تصريحات صحفية لإذاعة NPR الفيديو الذي أذاعته حملة ماكين حول أوباما بأنه «عمل طفولي». هل تشتد المنافسة؟ يتوقع بعض المراقبين داخل الولاياتالمتحدة أن تشتد حرارة المنافسة الانتخابية بين جون ماكين وباراك أوباما بسبب الاختلاف الشديد بين المتنافسين، فجون ماكين شيخ طاعن في السن يجر خلفه خبرة أكثر من ثلاثين سنة من العمل السياسي والعسكري، وسجلا حافلا كبطل قومي تعرض للأسر والتعذيب خلال حرب فيتنام، لكنه يفتقر إلى الكاريزما الشخصية بشكل كبير، وهذا ما ينفر الشباب منه، بينما باراك أوباما «وجه طازج» في الساحة السياسية الأمريكية، يتمتع بجاذبية غير مسبوقة، ويمنح الناس الأمل في غد أفضل، ويبث الحماسة وسط الشباب وكبار السن على حد سواء رغم افتقاره إلى التجربة العملية. التنافس الحالي حول الدخول إلى البيت الأبيض يجري بين رجلين يمثلان المنافسة، فأحدهما، كما وصفه أحد المحللين السياسيين الأمريكيين، يتحدث بخطاب الماضي المخضب بالتجربة والحنكة لكنه مؤلم ولا أحد يرغب في عيشه مجددا، وبين الآخر الذي يمثل نداء المستقبل المغري والمليء بالأمل والغموض والكل يرغب في المغامرة لعيشه، رغم الخوف من مفاجآت قد تحيل أمل التفاؤل إلى شعور بالندم بعد فوات الأوان.