هذه حكاية فلاح أراد أن يوفر في العلف. ففي كل يوم، كان يقلل كمية الطعام الذي يُقدمه إلى حصانه. ورأى أن الأمر حسن، فاستمر في التقليل والتقليل إلى أن لم يعد الحصان يحصل على شيء فمات. لهذه الحكاية المبتذلة جِدة الآن، فهي تثور من وثائق فلسطين الصادرة عن قناة «الجزيرة». الفلاح الإسرائيلي أمسك يده والحصان الفلسطيني يوشك أن يموت.. وفر ذاك ولفظ هذا أنفاسه. تخلى الفلسطينيون عن أكثر عالمهم وتسيبي ليفني الطماعة سادرة في غيِّها.. وماذا عن جبل أبو غنيم ومعاليه أدوميم، وقد أصبحوا ينسقون الاغتيالات خدمة لإسرائيل، ويبيعون الشيطان أرواحهم، ويؤيدون حصار غزة، يُبين محمود عباس مثل دعائي إسرائيلي أن العودة ستهدم دولة إسرائيل، ربما عشرة آلاف كل سنة، ما زالوا يحاولون، لكن عبثا، فليفني لا توافق. تخلوا عن أكثر المستوطنات في القدس، ولم تعد حتى البلدة القديمة كلها في أيديهم، لا شيء. بيتار العليا وموديعين العليا في أيدينا لكن هذا لا يكفي إسرائيل.. إذ تنسى أن حدود 1967 هي المصالحة الفلسطينية المصيرية. ماذا سنطلب أيضا؟ ماذا ستطلب إسرائيل من الحصان الذي يوشك أن يموت، قبل أن يلفظ أنفاسه بلحظة؟ أدولة فلسطينية في أبوديس الكبرى؟ أنشيد الأمل كنشيد وطني؟ وماذا سيكون آنذاك، مع موت الحصان؟ مُهر متوحش لن يوافق أبدا على العيش في الظروف التي عاش فيها الحصان العجوز. لن تُقترح على إسرائيل أبدا أبدا صفقة أفضل من تلك التي كُشف عنها الآن، فماذا كانت النتيجة؟ الرفض الإسرائيلي، العصيان.. لا ولا، لا البتة. فعن ماذا يكون الجواب بنعم؟ استمرار الاحتلال وتخليد الصراع. سنقول لأبنائنا منذ الآن: من اجل جبل أبو غنيم سنستمر في العيش على شفا الجبل البركاني.. هذه هي الحقيقة الفظيعة. هزم المستوطنون إسرائيل. لا يصعب أن نتخيل كم كان من الممكن إعادة الضفة إلى أصحابها لولا أن سكنها مئات الآلاف من المستوطنين. لولا أن نشأ هذا المشروع لكان سلام. ولما نشأ فإن إسرائيل غير قادرة على أن تقوم على قدميها وعلى الخلاص من هذا الاختناق. يُباحث ساسة إسرائيليون جيلا بعد جيل نظراءهم الفلسطينيين، ويدركون عظم الساعة، بل يُليّنون مواقفهم إلى أن يقع عليهم مرة واحدة الرعب من المستوطنين. ليس أمن إسرائيل ولا مستقبل الدولة هما اللذان يقفان نصب أعينهم بل خشية الإخلاء فقط الذي لا يقدر عليه أحد منهم. إنهم قريبون دائما من الحل، مُد يدك لتلمسه، وبعيدون عنه بُعد سنين ضوئية. إن جميع رجال السلام على اختلاف أجيالهم، إسحاق رابين وشمعون بيريس وإيهود باراك وإيهود أولمرت وليفني خشوا الخطوة الوحيدة التي كانت تجلب السلام، ألا وهي إخلاء المستوطنات. كان يمكن أن نتوقع في الليلة التي نشرت فيها الوثائق في «الجزيرة» أحداث شغب عظيمة في الغد، لا في الشارع الفلسطيني وفي العالم العربي فحسب بل في شوارع إسرائيل أيضا. وعجبوا أن الفلسطينيين والعرب أهاب بهم تخلي السلطة المفرط، مُهددين بتحطيمها نهائيا، أما إسرائيل فكان فيها سكون دقيق، فمن ذا يهمه. من ذا يهمه أنه كانت إضاعة فرصة مصيرية أخرى. ومن ذا يهمه أنه قد حُكم علينا بحياة الحروب والأخطار والإقصاء بسبب حكاية الضواحي العقارية هذه، أي معاليه أدوميم وأريئيل. ومن ذا يهمه أن قادتنا كذبوا علينا مدة عقد بوقاحة، يضللوننا بقولهم إنه لا يوجد شريك وإن الفلسطينيين يتهربون من الأجوبة وإنه لا يوجد البتة اقتراح فلسطيني وإن إسرائيل فوق كل شيء تريد السلام ولا يريده الفلسطينيون. قبلنا الأكاذيب في صمت، وعندما كُشف النقاب عنها الآن ظللنا في عدم اكتراثنا. أأحداث شغب؟ أمظاهرات احتجاج؟ أغضب على مضيعي الفرص ومضللي الشعب؟ لن يكون هذا عندنا. الآن سيمضي الحصان نحو الموت. قلنا ذات مرة إن ياسر عرفات هو آخر عقبة أمام التسوية، فما إن يُبعد حتى يأتي السلام، والآن سيذوي وريثه عباس أيضا أكثر الزعماء الفلسطينيين اعتدالا في جميع العصور، وهو مخدوع مرير النفس يائس. سيُبنى في جبل أبو غنيم حي آخر، وينشأ في مخيم بلاطة جيل آخر مصمم على النضال وفي شوارع تل أبيب، الابتهاج والفرح. عن ال«هآرتس»