أكد خالد الإدريسي، محام بهيئة الرباط، أنه بالرغم من أن من أهم المبادئ التي يرتكز عليها القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية هو مبدأ المساواة وجعل كافة الناس سواسية أمام القانون، سواء كانوا مغاربة أم أجانب، فإن الملاحظ هو أن الأجانب يتمتعون بكثير من الضمانات التي يمكن أن تصنف بالاستثناءات التي قد تجعلهم يعفون من العقاب. من خلال تجربتك، ما هي أنواع الجرائم التي يتورط فيها عادة الأجانب بالمغرب؟ - هناك العديد من الجرائم، التي يرتكبها الأجانب بالمغرب، ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر نجد الدعارة والفساد، والتغرير بقاصر وهتك عرض قاصر، والتزوير، والنصب والاحتيال، والجرائم الإرهابية وتمويل الإرهاب، والهجرة غير المشروعة، والاتجار في المخدرات... والملاحظ أن كل جنسية من الجنسيات الأجنبية تكون مختصة في نوع معين من الجرائم، فمثلا جرائم الهجرة غير المشروعة وتزوير العملات لصيقة بالأجانب الذين ينتمون إلى دول إفريقيا جنوب الصحراء أو إفريقيا السوداء، بينما جرائم العرض والشرف ولاسيما الفساد لصيقة بالأجانب الذين ينتمون إلى دول الخليج، أما جرائم العرض الخاصة بالتغرير بالقاصرين والشذوذ الجنسي فمرتبطة بالأجانب من جنسيات أوربية وأمريكية. ويختص الأجانب، الذين ينتمون إلى دول أمريكا اللاتينية، في الجرائم المرتبطة بالاتجار الدولي للمخدرات، مع العلم أن المغرب يطبق قانونه الجنائي حتى على بعض الجرائم التي يرتكبها أجانب خارج أرض الوطن، طبقا لمبدأ عينية النص الجنائي، ولاسيما منها الجرائم التي تمس بسلامة الدولة الخارجية وأيضا أمن الدولة من قبيل جرائم تزييف النقود أو الأوراق المتداولة بالمغرب بصفة قانونية، والعلة في ذلك أن هذه الجرائم الخطيرة لا تصيب سوى المغرب وحده دون باقي الدول التي قد لا يهمها أن يمس كيان المغرب السياسي أو الاقتصادي. هل هناك استثناءات بالنسبة للأجانب أثناء المحاكمة؟ - للأسف، رغم وضوح النصوص القانونية، ورغم أن من أهم المبادئ التي يرتكز عليها القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية هو مبدأ المساواة وجعل كافة الناس سواسية أمام القانون، سواء كانوا مغاربة أم أجانب، يلاحظ أن الأجانب يتمتعون بكثير من الضمانات التي يمكن أن نصنفها بالاستثناءات التي قد تجعلهم يعفون من العقاب. وربما أكثر ما يحز في النفس هو أنه في الغالب تتم متابعة العنصر المغربي، الذي ضبط مع الأجنبي في الجريمة التي نسبت إليه، بينما يتم إعفاء الأجنبي الذي تورط في نفس الجريمة. عادة ما يشاع أن تورط أجانب في الدعارة والفساد يقابل بنوع من التساهل في مجال ترحيلهم. هل الأمر كذلك أم أن الأمر يتعلق بطبيعة القوانين المتوفرة؟ - ربما أكثر ما ينطبق هذا الأمر على الأجانب الذين ينتمون إلى دول الخليج، الذين يفضلون المغرب كوجهة مفضلة لممارسة السياحة الجنسية، والذين يتم التعامل معهم بتساهل. و هذا الأمر يعود بالأساس إلى تدخل اعتبارات دبلوماسية من خلال الضغط الذي تمارسه الدولة التي ينتمي إليها هذا الأجنبي عبر سفارتها بالمغرب، وأيضا لاعتبارات اقتصادية واجتماعية مرتبطة بالفقر والهشاشة اللذين يضربان فئة كبيرة من المجتمع المغربي.
هل هناك اتفاقيات بين المغرب ودول أخرى فيما يخص تسليم المجرمين، مثلا عندما ترتكب جريمة من قبل أجنبي بالمغرب تتم محاكمته ويسلم لإتمام العقوبة، أم ماذا؟ - نظم المشرع المغربي مسطرة تسليم المجرمين، واعتبر أنها تخول لدولة أجنبية الحصول من الدولة المغربية على تسليم متهم أو محكوم عليه غير مغربي يوجد في أراضي المملكة ويكون موضوع متابعة جارية باسم الدولة الطالبة أو محكوم عليه بعقوبة صادرة من إحدى محاكمها العادية. وحدد شروطها ومسطرتها بمقتضى المادة 718 وما بعدها من قانون المسطرة المدنية. وهناك العديد من الاتفاقيات التي أبرمها المغرب مع العديد من الدول حول موضوع تسليم المجرمين، من بينها اتفاقية الإعلانات والإنابات القضائية وتنفيذ الأحكام وتسليم المجرمين بين حكومة المملكة المغربية وحكومة المملكة المتحدة، والاتفاقية الموقعة في بروكسيل في 7 يوليوز 1997 بين المملكة المغربية والمملكة البلجيكية بشأن تسليم المجرمين. وأيضا الاتفاقية، التي تمت بين المغرب وفرنسا حول تسليم المجرمين والضمان الاجتماعي. وهناك اتفاقيات أخرى عقدها المغرب مع دول عربية وأوربية وأمريكية حول مسطرة تسليم المجرمين. ومن بين حالات تسليم المجرمين، التي تمت من الناحية العملية، نجد تسليم إسبانيا المواطن البلجيكي من أصل مغربي علي أعراس المتهم بالإرهاب إلى المغرب. لكن مع ذلك تنبغي الإشارة إلى أن المسطرة المعقدة لتسليم المجرمين وتداخل بعض الاعتبارات الأخرى يجعلان حصول هذه المسطرة وتحققها أمرا صعب المنال. في رأيك، ما هي الحلول، من الناحية القانونية، من أجل التضييق على الجريمة التي يكون أبطالها أجانب ؟ - أظن أن الإشكال لا يرتبط بالجانب القانوني فحسب، بل يتعدى ذلك إلى الجانب الإداري والقضائي باعتبارهما الجهازين المكلفين بتطبيق القوانين الجاري بها العمل، وهكذا ينبغي تشديد العقوبات في الجرائم التي يرتكبها أجانب بالمغرب من دون أخذ أي اعتبار للبلدان التي ينتمون إليها، وأيضا تقوية الإجراءات المسطرية التي يخضعون لها، والتي تجعلهم يحسون بأنه لا أحد فوق سلطة القانون، وأن الاحتماء بالأعراف والقوانين الدبلوماسية يكون في الحقوق وليس في المظالم. كما أن الجهاز القضائي ولاسيما مؤسسة النيابة العامة مطالبة من خلال إشرافها على الضابطة القضائية، ومن خلال متابعتها للأشخاص الأجانب الذين يقترفون الجرائم بالمغرب، بعدم التساهل والضرب بيد من حديد على كل من سولت له نفسه اقتراف فعل مجرم قانونا. أما بخصوص الجانب الإداري، فإن هذا الأمر يرتبط بالإجراءات الإدارية الخاصة بجوازات السفر والجمارك، والشرطة والدرك وكافة المصالح الأمنية المعنية من خلال إنشاء لائحة بيانات تتضمن أسماء الأجانب، الذين سبق أن اقترفوا جرائم بالمغرب، ووضعهم في لائحة سواء يتم توزيعها على كافة المصالح الأمنية والإدارية والقضائية. ورغم كل الإجراءات السابقة ينبغي الاعتراف بأن إيجاد الحلول يبقى صعبا لأن الدبلوماسية والعلاقات الدولية تلين من قسوة وحدة القانون، لذلك يبقى الحل الشمولي لا يقتصر على الجانب القانوني والقضائي، وإنما ينفتح على الجوانب الأخرى من خلال إصلاحات تمس الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.