يتفق علماء الأديان على أن الكتب السماوية كلها جاءت متضمنة للمبشرات والنبوءات وأنها تناولت إخبارا يرتقي إلى حدود تصوير تفاصيل الأحداث والوقائع التي أنبأت بوقوعها في أزمنة لاحقة لزمن النبوءة وفي أماكن مختلفة ومترامية. ولا يختلف معتنقو الأديان السماوية الثلاثة في صدقية النبوءات باعتبارها صادرة عن الخالق المتصرف في كل شيء كما يعتبرونها برهانا للوحي وحجة لأحقية العقيدة التي هم عليها. ولعل أهم نبوءة في هذا الشأن تلك التي ترتبط ببعثة رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم والتي أكد القرآن الكريم ورودها في الكتب السابقة، كما أشار إلى كون البشارة جاءت مقترنة بذكر المختص بها على وجهي التلميح والتصريح. ففي سورة الأعراف يخبرنا عز وجل أن البشارة بنبي الإسلام قد وردت مسطورة في التوراة والإنجيل إذ قال الله تعالى: «الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم. فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه. أولئك هم المفلحون» (الأعراف 157). ودعوة إبراهيم تلميح على أن الله سوف يبعث من نسل إسماعيل نبيا يرشد قومه ويهديهم إلى سبيل الله، فقد قال تعالى: «ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم» (البقرة 129). ويتفق نص التوراة مع ما جاء في القرآن من إخبار بأن أمة مباركة ستخرج من نسل إسماعيل، (و أما إسماعيل فقد سمعت لك فيه. ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرا جدا. اثني عشر رئيسا يلد وأجعله أمة كبيرة) التكوين17: 20. وإذا كان المصدران يتفقان في البشارة بالنبي الذي سيأتي من نسل إسماعيل، فهل ذكر اسم محمد بالاسم في أحد الكتب السماوية؟. يعتقد بعض المهتمين بدراسة الأناجيل وعلى رأسهم الداعية الجنوب إفريقي أحمد ديدات أن اسم الرسول (محمد) ورد في العهد القديم بشكل صريح. ويستند في ذلك إلى ما جاء في كتاب نشيد الأناشيد لاسيما الإصحاح 5 الآية 16 حيث وردت عبارة (محمديم) بالنسخة العبرية التي تعتبر النسخة الأصلية للسفر. وفي إحدى مناظراته المشهورة ينبه الداعية إلى أن كلمة «محمديم» مركبة من الجذع root الذي هوو الذي يعني محمد ومن اللاحقة suffix (: إيم) التي تستعمل للتفخيم والإجلال. واللافت للنظر حقا أن من بين أسماء الله باللغة العبرية نجد اسم إيل El وإيلوه Eloh الذي هو مرادف لاسم الجلالة (الله) وأن العبريين يدعونه إيلوهيم Elohim وهو ما يتوافق والفكرة التي يدافع عنها أحمد ديدات وغيره. فلماذا لا نجد أثرا لهذا الاسم في الترجمات المتعددة للعهد القديم؟ لا يحتاج المرء أن يكون متعمقا في الدراسات الإنجيلية ليتبين بوضوح أن أسماء الأشخاص في الروايات الإنجيلية كلها مرتبطة بمدلولات وسياقات وقوعها. فالاسم العلم في الثقافة العبرية القديمة كان غالبا ما يحمل دلالة الحدث الذي جاء فيه، فهي إما صفة للشيء الذي صدر الخلق منه كاسم آدم عليه السلام الذي من أديم خلق أو لغاية سببية (ودعا آدم اسم امرأته حواء لأنها أم كل حي) سفر التكوين3:20، وإما هو صفة مركبة من كلمتين أو أكثر كإسماعيل المكون من كلمتي «إسماع» و«إيل» (وتدعين اسمه إسماعيل لأن الرب قد سمع لمذلتك) سفر التكوين 16:10. بل إن أسماء الأماكن والمدن أيضا كانت تطلق حسب سياق الحدث ففي الإصحاح الحادي عشر لسفر التكوين الآية 9 نجد ما يلي «لذلك دعي اسمها بابل. لأن الرب هناك بلبل لسان كل الأرض. ومن هناك بددهم الرب على وجه كل الأرض». ولا يختلف العرب مع أبناء العمومة من العبرانيين في هذا الشأن، ذلك أن العرب كانوا يختارون لمواليدهم أسماء مستقاة من مخزون لغتهم والتي كانت تحمل تارة معاني الشرف والنبل والشجاعة وغيرها من القيم وتارة تربطهم بعبودية معينة. إذا كانت الأسماء على هذا الحال في اللغتين العربية والعبرية فإنه من البديهي أنها قابلة لترجمة مدلولاتها إلى كل اللغات، ولكن الأمانة العلمية للترجمان تقتضي أن يستثني الاسم العلم كأسماء الأشخاص والأماكن من عملية الترجمة. وإذا علمنا أن عمليات الترجمة الأولى للكتب المقدسة (الترجمة السبعينية وترجمة جيروم القرن 4 م) كانت تسهر عليها الكنيسة فإنه لا غرابة في أنها سعت إلى ترجمة الكلمة بما يخدم عقيدتها، وأن القصدية طغت على عملية الترجمة برمتها. إن المترجمين عن النسخة العبرية قاموا بترجمة كلمة محمديم وهو الأمر الذي أدى إلى غيابها خلال عملية الترجمة من لغة المصدر إلى اللغات المترجم إليها. وبغض النظر عن دوافع هذا الخطأ المتعمد أو غير المتعمد فإن بعض أهل الكتاب يجادلون في كون العبارة صفة على صيغة الجمع، لذا ظل الاختلاف قائما حول سياق سفر نشيد الأناشيد وتحديد موضوع السفر، كما أنهم يتمسكون بأن كلمة محمديم جاءت في نشيد الأناشيد المنسوب للملك سليمان بن داود عليهما السلام في سياق وصف الفتاة السمراء الجميلة التي تتغزل واصفة معشوقها بالعبارات التالية: «حَلْقُهُ حَلاَوَةٌ وَكُلُّهُ مُشْتَهَيَاتٌ هذَا حَبِيبِي وَهذَا خَلِيلِي يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيم». وبذلك ترجمت كلمة محمديم بعبارة «مُشْتَهَيَاتٌ». وتطرح ترجمة لفظ (محمديم) ثلاث إشكالات لغوية تتعلق بالجمع والشكل والسياق. فأما الجمع باللغة العبرية القديمة فهو نوعان جمع العدد وجمع الإجلال وكلاهما يرسم بإضافة اللاحقة (إيم) إلى الكلمة ولا أدل على ذلك من كلمة إيلوه التي تكتب وبإضافة لاحقة جمع الإجلال تصيرأو إيلوهيم. وأما من حيث الشكل فيذهب بعض المنكرين لدلالة اللفظ على نبي الإسلام إلى أن «المصدر الرسمي المعتمد في أكاديميات اللاهوت البروتستانتي هو: ومنطوقه هكذا: مَحَمَدِّيم وليس هكذا: مُحَمَّدِيم» ومن المعروف أن الرسم باللغتين العربية والعبرية أقدم من الشكل. فنظام الشكل بالحركات والنقط يعد حديث العهد بالنسبة لتاريخ اللغتين. وباعتبار الرسم المكون للفظ اسم الرسول الكريم فإن التطابق صارخ في تركيبه من نفس الحروف محمد و (م=، ح=، م= د=). ومن حيث السياق فإن أهل الكتاب يقرون بأن معاني سفر نشيد الأناشيد ليست حقيقية وإنما مجازية ذلك أن الوصف في هذا السفر يميل نحو الإغراق في ذكر مفاتن العشيق بنحو ينأى عن الإطار المحتشم والرزين المعهود في الكتب المقدسة، كما أن المفسرين وشراح العهد القديم يميلون إلى القول إن الصور الكلامية التي تتحدث عن الزنا والتنجس في سفر حزقيال إنما هو تعبير مجازي عن خيانة الرب، بنفس المنهج التحليلي الذي يقبلون به يكون إذا سياق سفر نشيد الأناشيد مجازيا وتكون «الفتاة التي تترنم هي رمز لبني إسرائيل، وغزلها ما هو إلا شوقها الروحي لذلك المنتظر، أما المنتظر فما هو إلا نبي آخر الزمان الذي صرحت باسمه الذي يهفو قلبها ووجدانها لتعاليمه!!!».