«وددت لو كنت اليوم في السادسة عشرة من عمري فأجمل الأيام في انتظاري» هكذا غنى الفنان إيدي ميتشال على هذه المرحلة التي تتميز بالتمرد والمغامرة والتهور. هذه الأغنية تحيي فينا ذلك الحنين إلى الماضي! فكيف يا ترى يعيش مراهقونا هذه السن في المغرب؟ ما هي آمالهم ومخاوفهم؟ ما الذي يجعل شبابنا وهم في بحثهم عن كيانهم متمردين بالكامل؟ أحداث العيون، مسيرة الدارالبيضاء الاحتجاجية، اختطاف مصطفى ولد سيدي مولود.... كلها أحداث لن تمر مرور الكرام على تاريخنا الوطني. والفضل بكل بساطة يعود إلى الحماس والاندفاع الذي يعرفه شبابنا والذي ترجموه بشكل واضح على أرض الواقع. وبالفعل ففي وقت الشدة تبرز قيمة الشباب. وكما قالت الروائية أندري مورواس «إن من لم يتمرد في سن السادسة عشرة فلن يكون في سن الثلاثين نشيطا كفاية لقيادة قوات المطافئ». وفي ذلك تلميح إلى كون هذه السن بمثابة مرحلة ذهبية، فالإنسان في سن السادسة عشرة يجد لحماسه أسبابا ودوافع لا يفهمها غيره! و لهذا تبقى هذه المرحلة هي أكثر مراحل الإنسان اضطرابا وكذلك تميزا فهي تجمع بين التمرد والنضال. وعلى أي حال فهناك من يعيش هذه المرحلة الانتقالية بشغف وحماس وهناك من تمر عليه مرور الكرام، بينما هناك من يعيش هذه المرحلة بحذر شديد مخافة الوقوع في ما لا تحمد عقباه! المراهقة بعيون الكبار يتذكر عبد العالي بدون تحسر وهو على مشارف الستين من عمره «في سن ال16 كنت ألتهم الكتب بشكل يومي وكنت مولعا في نفس الوقت بالموسيقى الغربية، هذا بالإضافة إلى السياسة الداخلية. فبعد استقلال المغرب بدأت الأوضاع الداخلية تستأثر باهتمامي بشكل كبير»، ثم يضيف بمرح «لو كان باستطاعتي الرجوع بالزمن إلى الوراء وعيش كل لحظة مجددا فلن أتردد في ذلك فلا شيء يعوض الشباب!» أما فاطمة وهي في الستينات من عمرها فتتذكر مراهقتها وكأنها كانت البارحة: «جل ما أتذكر من مراهقتي هي تلك الدردشات التي كنت أعشقها في وقت الاستراحة حيث كنا نناقش أنا وزملائي تطور الأوضاع الداخلية في البلاد. والحديث عن السياسة آنذاك كان شيئا عاديا فنحن كنا أكثر حماسا وانشغالا بالسياسة الوطنية من شباب اليوم». و يبدو أن شباب الأمس لديهم الكثير من الأسباب ليتفاخروا بماضيهم فيكفي مثلا أن تتحدث مع رجل في الستينات من عمره كي يطلق العنان لذاكرته التي تختزن نضالاته ومجده. فتارة يتحدث عن نضال أيام الاستعمار وتارة عن الخطاب المسالم لمحبي الجاز «الهيبي» دون أن ينسى مشاركته في استقلال المغرب والانتفاضات التي كانت تسود الأجواء آنذاك. و الواقع أن آباء اليوم لم يعد يراهنون على شباب مماثل، إذ تقول زينب، سكرتيرة متقاعدة في سن ال65، «إن الشباب الذي يشارك في المظاهرات مثلا أو في الندوات قلما يكون متأثرا بروح الجيل السابق، فإذا كان هذا الأخير يناضل في صمت فشباب اليوم يتباهى بذلك لا غير، كما أن نضالاتهم غالبا ما تخدم أجندة سياسية معينة على خلاف نضالاتنا النبيلة.....» و لا جدال أن كتب التاريخ تشهد بتميز هذا الجيل السابق في الساحة السياسية والشؤون الداخلية للبلاد، وفي زمن كان فيه سن الرشد محددا في 21 كان الشباب بدون شك أكثر حماسا من شباب اليوم، وخير دليل على ذلك أن شباب الأمس كان لهم دور أساسي في استرجاع الصحراء المغربية والحق يقال فجيل الستينيات كان مناضلا وتبقى أبرز النضالات التي يفتخر بها هي المشاركة في المسيرة الخضراء. المراهقة بعيون الشباب لقد انتهى وقت الخطابات الواعظة عن الهوية الاجتماعية والثقافية وحل محله وقت الاختلاط والاندماج بالامتياز. مرحبا بهذا الشباب الجديد الذي يعيش بحماس وروح خلاقة. واليوم، لم يعد مظهر شاب ما كيفما كان معاصرا يعكس الوسط الذي ينتمي إليه والسبب هو أن التمازج الثقافي داخل نفس الأسرة أصبح جاريا به العمل! إذ يمكن أن تكون لك أخت محجبة وأخرى ترتدي آخر صيحات الموضة، وأخ أصغر يعشق «التيكتونيك». هذا الواقع بكل بساطة يعكس التنوع الذي أصبح يعيشه الشباب المغربي زد على ذلك القاموس اللغوي الغني الذي أصبح يتواصل به شبابنا. وإذا رجعنا بضع سنوات إلى الوراء سنلاحظ كيف أن «بولڤار» الشباب أحدث زوبعة في الوسط المغربي وهذا يوضح بشكل جلي أن الفن غذاء الروح ويطلق العنان للإبداع. وبعدها بسنوات قليلة، ظهر تيار «نايضة» المعاصر والذي أحدث ضجة بدوره وأظهر مرة أخرى أن الشباب المغربي يتطلع إلى مستقبل مشرق وغني بالإبداعات والدليل هو أن قادة هذا التيار أصبحوا الآن هم سفراء الشباب المغربي، ولا ننسى ذلك التكاثر المدهش لإعلاميينا في شاشة التلفاز أو على أثير المذياع. وإذا كان الجيل القديم لا زال يتشبث بذكريات «لهيبزم»، فإن شباب اليوم اتبع تيار «التيكتونيك»، الذي يدعو إلى السلم والسلام في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك فهذا الجيل ليس بذلك الاستهتار الذي يبدو عليه! ويشرح لنا البروفيسور بوشعيب كرومي «اهتمامات هذا الجيل هي فردية وجماعية في نفس الوقت إلا أنهم يرفضون اتباع خطوات سلفهم وهذا حق من حقوقهم المشروعة ويبقى أكثر ما يبحث عنه هؤلاء الشباب هو النضوج». والحقيقة أنه غالبا ما يسعى الآباء لاستنساخ أنفسهم في أبنائهم. السياسة منذ نعومة الأظافر هل هذا الجيل الإلكتروني والمعولم أقل اهتماما بالشأن السياسي؟ إن هذا الانطباع الذي ترسخ ليصبح اعتقادا عند الأغلبية ليس له أي أساس من الصحة، فالعديد من المراهقين ينتظرون بفارغ الصبر أن يصلوا إلى سن الرشد لكي يدلوا بأصواتهم في الانتخابات في محاولة لإكمال مسيرة سلفهم بل تجد أحيانا شبابا أكثر حماسا من آبائهم. طولها متر وثمانون سم، نظرتها ثاقبة، شابة في 17 من عمرها كوثر لا تتكلم عن شيء سوى السياسة وكرة القدم. منذ صغرها وجل اهتمامها مركز على كل ما هو سياسي والآن هي في سنتها الأولى الجامعية تحضر لنيل إجازتها في القانون العام، أما حلمها فهو دراسة العلوم السياسية والتأثير في الشأن السياسي الداخلي، ولم يأت شغف كوثر من فراغ فهي ورثت ذلك عن والديها الاستقلاليين اللذين أصبحا بعدها اشتراكيين. ترغب في أن تكون مناضلة سياسية بامتياز لكي تدافع عن مواقفها وآرائها ولكي تساند المعوزين وتدافع عنهم. تقول كوثر في هذا الصدد: «يجب ألا ينفر الشباب من السياسة فهي ليست حكرا على الكبار بل بالعكس يجب أن يسحب شباب اليوم البساط من تحت أرجل بعضهم ليدخل غمار السياسة من بابها الواسع لأنه بدوننا لا يسعنا أن نتكلم عن الديمقراطية».و مع بعض الفارق يقول لنا ياسر وهو أيضا مشروع رجل سياسي واعد: «أنا لا أشعر بأن هؤلاء السياسيين الذين يحترفون الخطابات يمثلوننا فعوض أن يعطونا الكلمة يحتكرونها لقول التفاهات»، وأكثر ما يحبطه الآن هو عدم قدرته حاليا على التصويت، ومن حسن الحظ أن هذا الحال لن يدوم طويلا وفي انتظار أن يبلغ ياسر السن التي تخول له حق التصويت فهو يعبر عن آرائه في مدونته الإليكترونية التي ينشر فيها بانتظام أشعاره وأفكاره وخواطره... شباب المعلوميات من الرائع أن تكون شابا في حاضرنا هذا فوسائل الترفيه لا تعد ولا تحصى ومن هنا علينا أن نتساءل بخصوص هذا الكم الهائل من التقنيات الحديثة للتواصل وما إذا كانت هذه التقنيات في طريقها لأن تدفع بشبابنا إلى الانطواء. و يفسر الانثروبولوجي محمد ناجي : «إن مراهقي الأمس كانوا أكثر بساطة من مراهقي اليوم . إن مراهقا في سن الثامنة عشرة آنذاك لم يكن يعرف ما يعرفه الآن مراهق في الرابعة عشرة وذلك بفضل التكنولوجيات الحديثة للمعلوميات والتواصل. فحياة الجيل السابق كانت أبسط مع إمكانيات مادية متواضعة ووسائل تكنولوجية شبه منعدمة» ويضيف: «على عكس جيلنا الحالي، فشباب الأمس كانوا من حيث المستوى الثقافي أكثر إلماما وتحديدا أكثر شغفا بالقراءة علما بأن شباب اليوم يعيش في ظروف أفضل». حان وقت التغيير أظهرت دراسة أنجزتها، مؤخرا، المندوبية السامية للتخطيط أن مراهقينا لا زالوا يفتقرون إلى النضج. ويعزى هذا التأخير في النضج إلى الشخصية العصبية للمراهق أو إلى وسطه العائلي أو الاجتماعي أو الثقافي. وتدعم هذه الدراسة نظرية أن الانحراف في هذه السن هو ظاهرة ذكورية بامتياز وإذا كان القانون يقنن هذا الانحراف، فإنه لا يأخذ بعين الاعتبار بعده النفسي والسيكولوجي. و لقد تم إصدار بعض التوصيات بشأن التعامل مع المراهقين في هذه المرحلة الحرجة مع التأكيد بأن الإخفاق الدراسي أو الاضطراب في السلوك لا يرجع بالضرورة إلى الحالة النفسية للفرد بقدر ما يرجع إلى بعض العوامل البيداغوجية والتربوية . أضف إلى هذا أن هذه الدراسة حاولت الإحاطة بالوضعية القانونية للمراهق، إلا أنها اقتصرت على التحقيق في ثلاثة جوانب قانونية تخص الحياة المدنية والاجتماعية والجنائية للمراهق. وتجدر الإشارة كذلك إلى أن الهيئات الوزارية بالمغرب على غرار نظيراتها ببلدان أخرى تهتم بمسألة المراهقة حيث تم التركيز على تحليل دور ونشاطات بعض المؤسسات ذا الصلة كدور الشباب مثلا ونزل الطلبة والمؤسسات التعليمية ومراكز حماية الأطفال والمؤسسات الإصلاحية.
المراهقة في أرقام 6.4- ملايين مغربي على وشك بلوغ سن الرشد أي ما يناهز خمس الساكنة. - حوالي%80 من المراهقين المغاربة متمدرسون %22 من المراهقين المغاربة يعيشون في المدن الكبرى 23% يعيشون موزعين على المدن الأخرى والبقية تعيش في البادية عن المندوبية السامية للتخطيط