عندما تستمع إلى أغاني الفنان الليبي باسط الحاسي يأخذك أداؤه الرفيع إلى الوقوف عند تفاصيل الجمل الغنائية العميقة، رائحة الشرق الليبي تفوح من بين ثناياها، وصدق التعبير يجرك إلى إعادة الاستماع مرات عديدة، لتجد نفسك أنت وباسط الحاسي في نفس المركب تغنيان الكلمات نفسها، بنفس الإحساس وبنفس الصدق وبنفس العمق. هكذا يأخذك باسط الحاسي إلى عالمه الذي حمله يوما إلى أوروبا واستقر به هناك، دون أن تأخذه أوربا إلى عالمها، فلقد ظل حاسي وفيا للشرق ولأبنائه، وهو فضاء بنغازي المدينة المطلة على المتوسط، والمحتفظة بحرارة الجنوب، دون أن تتخلى على حمل دفئها إلى شمال المتوسط بصوت باسط الحاسي الفنان الذي أبهر الملايين من عشاقه لأنه استطاع أن يجعل من محليته فنا كونيا راقيا من خلال الاشتغال على البحث الموسيقي والتجديد من منطلق الحفاظ على خصوصية التراث الليبي الغني بالطرب الأصيل... ولد باسط الحاسي بمدينة بنغازي في أوائل الستينات، نمت ملكة الغناء لديه منذ يفاعته، وبدأ في ممارستها كهاو عندما تعرّف على الشقيقين «عمرو وهشام المنفي» بمصيف جليانة في بنغازي في منتصف الثمانينيات وقد توثقت عرى الصداقة بينه وبين «الأخوين المنفي» وصاروا يحرصون على اقتناء روائع الموسيقى والغناء العالميين، لتنمية ً الموهبة التي كانوا يتمتعون بها، ومن ضمن هذه الروائع أغنيات الفنانين العالميين (بول سايمون وكرافنك ) و(بوب ديلن) ولا ينسى مثله مثل أي فنان شاب، أسم الفنان الكبير « أحمد فكرون « الذي كان يمثل النجاح الذي وصل إليه في تلك الفترة، حلم أي موهوب وهاوٍ يتلمس طريق النجاح . وشيئاً فشيئاً، أحسّ بأنّ عالم الموسيقى والغناء هو عالمه وجزأ منه، ولا يستطيع أن يبتعد عنه، مؤمناً بذاته التي أراد أن يعبر عنها بهذا الفن الجميل، وأول ما قام به، هو اقتناء (قيثارة) أراد أن يترجم على أوتارها مشاعره و أحاسيسه - كأي شاب في مقتبل العمر، كما صاحبيه «هشام» و»عمرو» اللذين صارا فيما بعد من أبرز العازفين في بنغازي - التي غنى على رنين أوتارها أجمل أغنيات الفنان الكبير «أحمد فكرون» مثل (يمة يمة) وغيرها . لكن طموحه لم يقف عند هذا الحد، و أراد أن يُسمع صوته وفنه للعالم، فآثر السفر إلى (سويسرا) في سنة 1990 وهناك أقام لمدة أربعة سنوات، حيث عُرف عنه أداء أغنيات الفنان العالمي (كات ستيفنس)، ليحط به الرحال في (ألمانيا) في عام 1994، وبعد أن استقرت أموره هناك، توالت أعماله وبالتحديد في مدينة (فرانكفورت) حيث أصدر ثلاثة ألبومات حصيلتها من الأغاني (19) أغنية، حملتها الألبومات التالية: «فرسان»، «يا ليل و يا قمر» ، «من قال». وأعمال الفنان باسط الحاسي متنوعة بين الفلكلور وكلمات الشعراء المعاصرين، مثل: «سليمان الدرسي» و «أحمد العبيدي». } باسط الحاسي من الفنانين الآتين من شرق ليبيا بن غازي. ما هي المرجعية الشرقية التي أثرت فيك كفنان من هده المنطقة؟ في البداية أحب أن أشكرك أختي بديعة على هذه الدعوة الرائعة التي تشرفني وتشرف بلادي ليبيا، وأغتنم هذه الفرصة الطيبة بتقديم تحياتي إلى الشعب المغربي الشقيق. فعلا المرجعية الشرقية أثرت فيا كفنان ليبي من الشرق و إذا استمعت إلى أعمالي القديمة والجديدة ستجدين في كل ألبوم عمل أو اثنين كلماته قديمة جدا من المنطقة الشرقية مثل عمل (يا أنظار شين الموح) في البوم (يا ليل و يا قمر) للشاعر الفضيل الشلماني التي تقول كلماتها يا أنظار شين الموح ما طقتنه اتهانن على البطنان و تريدنه و هذه القصيدة تحكى على أسماء وديان و أماكن في منطقة البطنان في شرق ليبيا و كتبها الشاعر في زمن الاحتلال الايطالي لليبيا و تغنيت أيضا بكلمات أغاني شعبية من الخمسينات و الستينات مثل أغنية (هبلة تاريك) للفنان علي الشعالية وأغنية (كيف نوصفك) للفنان محمد صدقي وأغنية (دخيلك) للفنانة خديجة الفونشة و حتى ألبومي الجديد الذي انتهيت من تسجيله الأيام الماضية فيه أغنية من الخمسينات اسمها (طولتي الغيبة) للفنان السيد بومدين، يعني الموسيقى بشكل عام في المنطقة الشرقية أثرت فيا و بالذات مدينة بنغازي. } المستمع إلى باسط الحاسي يجد توجها تجديديا في الأغنية الليبية، ما هي مقومات هذا التوجه؟ التجديد في الأغنية الليبية بالنسبة لي مهم جدا لكن بدون عبث في القواعد الموسيقية الليبية لأن لا شك فيه أننا نمتلك ارث تاريخي موسيقي قوى و جميل ولو عبثنا في هذا الإرث سوف يكون هناك فقدان في الهوية ومقومات توجهي في تجديدي للأغنية الليبية هو إدخال التقنية وعدم تقليد الموسيقى الغربية واستعمال الإيقاع والآلات الموسيقية العربية والغناء باللهجة الليبية. } في أغاني باسط الحاسي دفء شرقي وانفتاح على الموسيقى العالمية، ما هي المدرسة التي وجهتك في ذلك؟ المدرسة التي وجهتني إلى ذلك هي مدرسة الفنان الليبي الكبير احمد فكرون فهو فعلا مدرسة أتذكر عندما كنت صغيرا في السبعينات استمعت لأول مرة لأغاني هذا الفنان الرائع وكانت أغاني ألبوم (اوعدنى) انبهرت بهذا اللون الجديد للموسيقى الكلمات ليبية والموسيقى عالمية والفنان احمد فكرون أتقن هذا النوع من الموسيقى في ليبيا فعندما تستمعين إلى أغنية (عيونك) مثلا فستجدين أن الأغنية اليبية عالمية بصوت آلة الكمان والقانون والناي واغلب أعماله بهذا الشكل وعندما تعلمت آلة القيتار كنت أغنى مجموعة من أعماله مثل,عيونك، يما يما، يابلادى، لا يا حب، اوعدنى وهو يعتبر أسطورة في ليبيا وأعماله معروفة حتى في بريطانيا وفرنسا وايطاليا ودول أوربية أخرى. } نلاحظ أن باسط الحاسي يسعى إلى الاشتغال على البحث الموسيقي من أجل تجربة منفردة، هل من مقومات موسيقية قادتك إلى ذلك؟ هذا صحيح سمعت هذا من أصدقائي والمعجبين قالوا بأن أعمالي متميزة ومنفردة وهذا يأتي من الاجتهاد والبحث المستمر في الموسيقى وسماع رأى الآخرين في أعمالي واختيار اللحن والكلمات والتوزيع كل هذا له دور في تمييز الفنان وانفراده. } يتعامل باسط الحاسي مع شعراء شباب ويبحث عن الدفء في الكلمة دون الاكتراث بالأسماء الكبيرة، هل هذا يعني أن باسط الحاسي يسعى إلى خلق توجه جديد وخاص في الأغنية الليبية؟ اختيار الكلمات مهم جدا و دائما ابحث عن الكلمات غير المستهلكة وأجدها عند شعراء ليبيين و هم أصدقائي مثل احمد العبيدي و على إبراهيم و سليمان الدرسي وهاني البركي ولا أسعى إلى توجه خاص في الكلمات أهم شيء هو أن تكون الكلمات صادقة وهادفة. } باسط الحاسي يتنقل بين دول أوربية مختلفة حاملا في دهنه وفنه حرارة الجنوب، ما هي رسالة باسط الحاسي في هذا الاتجاه؟ رسالتي هي أني أنا في الغربة في أوربا ممكن أمتلك أغلب إمكانيات الراحة ونغنى ونعرف الغرب بالفن الليبي لكن الغربة صعبة جدا و لا تحس بالأمان و الاطمئنان الحقيقي إلاّ في وطنك. } الفلكلور وكلمات الشباب الشعراء المعاصرين هي العناوين الكبرى لأعمال باسط الحاسي، من أي منطلق فني وتعبيري تعاملت مع هاذين الجانبين؟ كلمات الشعر المعاصر كتبت في الزمن الذي يعاصر القراء أو المطربين ووصفه بالمعاصر يدل على مرحلة في حياة الشعر الحديث وهى المرحلة التي نعاصرها يعنى كلمات الشعر المعاصر هي مواضيع نعيشها ونعاصرها ولذلك عندما يستمع الناس لأغاني بكلمات الشعر المعاصر تكون سهل فهمها ويتقبلها وبالنسبة لكلمات الفلكلور تعجبني فيها المصطلحات البنغازية القديمة التي عندما أغنيها أحس بارتياح وسلاسة أكثر. } كيف ينظر باسط الحاسي اليوم إلى الأغنية الليبية، وهل بإمكان الخصوصية والمحلية أن تصبح عنواناً للعالمية خصوصا وأن باسط الحاسي اختار التواجد في الضفة الأخرى؟ أنا أنظر إلى الأغنية الليبية بأنها في الطريق الصحيح و هناك أصوات شابة تؤدى الأغنية الليبية بإجادة وإتقان والمشكلة الوحيدة هي نقص في شركات الإنتاج و بالنسبة أن تصبح عنوانا للعالمية فالأغنية الليبية الحديثة وصلت العالمية عن طريق الفنان احمد فكرون والفنان ناصر المزداوي الفنان احمد فكرون سافر إلى لندن في عام 1970 و انشأ فرقة هناك واشتهرت أعماله وقدم عرض على مسرح (ليز كليف هول) وبعد هذا العرض عرض عليه الممثل والمذيع الانجليزي المشهور(تومى فانس) تسجيل ألبوم (اوعدني) ومنها كانت انطلاقته العالمية وتحصل على جوائز عالمية منها الاسطوانة الذهبية وحتى الفنان ناصر المزداوى تحصل على الاسطوانة الذهبية وهو من لحن أغنية (نور العين) للفنان المصري عمرو دياب وتحصلت هذه الأغنية على جوائز عربية و عالمية كثيرة وحتى الذي قام بتوزيع هذه الأغنية فنان ليبي مشهور وهو الفنان حميد الشاعري وفعلا أنا موجود الآن في الضفة الأخرى وهي فرنسا وبالتحديد باريس أعرف بالفن الليبي وأعمالي تنتشر بهدوء والحمد الله أنا واثق بأن خطواتي صحيحة.