في المغرب، حيث كانت دائما نخبوية وعالمة، كثيرا ما ارتبطت الثقافة، بعمق، بالمؤسسات، باعتبارها وسائط وقنوات تنظيمية، معرفية واجتماعية، لخلق الطلب على المثقفين، أولا باعتبارهم مالكي المعرفة التي من شأنها تحليلُ الواقع، نقدُ ظواهره أو تبريرُها، حسب زاوية الطرح النظري والإيديولوجي التي يتبنّونها، وتحديد مواقعهم وأوضاعهم الاعتبارية، ثانيا في علاقتهم مع مؤسسة /مؤسسات السلطة، من حيث إمكانية اندماجهم فيها وتوافقهم معها أو ابتعادهم عنها واتخاذهم مواقف نقدية منها. كانت هذه الثقافة العالمة والنخبوية، دائما، سمة مميزة للطرفين معا، أي السلطة والمثقفين، لأن السمة الغالبة والمهيمنة على السواد الأعظم هي الأمية التي تحدَّث عنها العروي في كتابه «من ديوان السياسة» وسماها ثقافة الأم وعرّفها قائلا: «الأمي هو من لا يزال في حضن أمه، يتكلم بلهجتها، يتصف بصفاتها، يتوخى أغراضها، يعمل على إرضائها، يعيش في حِماها ولا يتعدى أفق حياتها حتى عندما يهاجر بعيدا. ترتفع الأمية لا بإتقان الكتابة والقراءة ولا بحفظ مقولات عن الكون والإنسان والماضي، بل عندما يستقل المرء بذاته ويرى فيها المادة التي يُشيِّد بها الكيان السياسي». عزلة المؤسسات الثقافية ارتبطت المؤسسات الثقافية في المغرب، دوما، بفئات وشرائح معزولة، نوعا ما، عن الواقع، أي بمثقفي السلطان أو من يمكن تسميتهم المثقفين «المخزنيين»، الذين يؤدون وظائفَ محدَّدةً داخل برنامج إيديولوجيّ عامّ أو بمثقفي المعارضة السياسية، الذين خلقوا هم أيضا مؤسساتهم البديلة، سواء كانت فضاءات ثقافية داخل أحزاب وتنظيمات معينة، أو كانت جمعيات واتحادات تروم توظيف الثقافة، وخصوصا في مرحلة «سنوات الجمر والرصاص»، في إطار الصراع السياسي وتنازع الشرعية والبحث عن بدائل مغايرة. لم تكن هناك، إذن، في أي وقت من الأوقات، مؤسسات ثقافية «بريئة» وخالصة، لأن الثقافة نفسَها انطرحت كعنوان ضمن عناوين عديدة للصراع السياسي، وبالتالي لم يكن ممكنا بالنسبة إلى الفَعَلة الثقافيين تحييدها أو ربطها بوظيفتها الأولية، وهي التثقيف. بمقدار ما كان هذا الأفق السياسي والإيديولوجي واضحا في نمط اشتغال هذه المؤسسات الثقافية، بمقدار ما غاب أفقها الثقافي واحتل مكانا ثانويا، ضمن ما أسماه الكثير من الدارسين تبعية الثقافي للسياسي، والتي طغت عبر مرحلة طويلة بأكملها، وما زالت آثارها حاضرة إلى حد الآن. لقد كانت المؤسسات الثقافية الرسمية منسجمة مع برامجها ومع أهدافها الإيديولوجية، عبر إنتاج خطابات فكرية وإيديولوجية، الهدف منها تحصين الشرعية وإعادة إنتاج الخضوع في أبعاده الاجتماعية والعقائدية، والسياسية. لنا في شخصية علال الفاسي الصورة الأكثر وضوحا ودلالة على مثقف ارتبط بالمؤسسة الحزبية الثقافية والرسمية حتى النخاع وكان، باستمرار، حاضرا داخل أنماطِ تعبيرٍ عديدة (الشعر الخطاب السياسي، الخطاب الفكري... إلخ) كمدافع عنها ومبرِّر لاختياراتها وشارح لثوابت شرعيتها واستمراريتها. إن المؤسسة الرسمية الثقافية لا تنحصر فقط في مجرد جمعية، بل تمتد عبر مجالات وتفريعات متعددة، بدءا من الفاعل الحزبي، إلى الفاعل الثقافي، إلى الفاعل المخزني.. إلخ. وهي المجالات التي اجتمعت أحيانا كثيرة في نفس الشخص، دون أي تناقض، ظاهريا، على الأقل. إيديولوجيا المؤسسات هناك تقليد موروث عبره تنتج المؤسسة الثقافية الرسمية الفَعَلة (les acteurs) الذين يمتلكون رأسمالا رمزيا قويا للدفاع عن المؤسسة السياسية، وهو التقليد المتجلي في شريحة الفقهاء والعلماء من خريجي القرويين والمدارس العتيقة، كما في مراكش وغيرها. حضر وجود هؤلاء الفَعَلة من المثقفين داخل المؤسسة الثقافية التقليدية والرسمية، دوما، باعتباره الضامنَ الفكريَّ والعلمي لاستمراريتها التاريخية، عبر قرون عديدة، منذ المرابطين وإلى الآن. كانت المؤسسة الثقافية الرسمية، دوما، بمثابة تحصيل حاصل، حتى حين تعصْرَنت واتخذت شكل أكاديمية المملكة، أو تلبست الشكلَ الحديث الذي صارت عليه الآن، من حيث الموضوعات والأبعاد، الدروسُ الحسنية التي تُلقى كل عام في شهر رمضان. يكفي هنا استحضار الدور الحاسم الذي لعبه مثقفون رسميون مخزنيون في مرحلة التجاذب والصراع السياسي، إبان حكم الحسن الثاني، في ترسيخ المضمون الديني والشرعي لإمارة المؤمنين، حتى صارت المادة التي تحيل عليها في الدستور المغربي من أهم المواد وأكثرها زخَماً وإثارة للانتباه في ما يخض الربط بين الوظيفتين الدينية والدنيوية للحاكم. كانت المؤسسات الثقافية، دوما، في قلب الصراع، لذا بادر المثقفون إلى خلق مؤسسات مغايرة، للتعبير عن أفكار وآراء مختلفة ومعارضة لطبيعة النظام السياسي، ضمن ما سمي، في فترة ما، «بناء الثقافة الوطنية الديمقراطية»، باعتبار الثقافة ومؤسساتها البديلة جزءا من حركة التحرر الوطني ورافدا من روافد الوعي بالحرية والمواطنة والمساواة والعدالة الاجتماعية. ولعل المؤسسة الثقافية الأساسَ التي شكلت القناة المعبِّرةَ عن ثقافة تحررية معارِضة وتقدمية هي «اتحاد كتاب المغرب»، وخصوصا بعد المنعطف الذي سلكه منذ نهاية الستينيات وحتى أواسط الثمانينيات من القرن الماضي، باعتباره الواجهة الثقافية للصراع الطبقي وللممارسة الثقافية النضالية، كما نظَّر لها الكثيرون في كتابات تراوحت بين التنظير والسجال، وتكفي هنا العودة إلى البيانات والنصوص التي نشرتها مجلة «أنفاس»، في نسختيها العربية والفرنسية، وكلمات العدد لمجلة اتحاد كتاب المغرب «آفاق»، خصوصا في عقد السبعينيات، وامتدادات النقاش النظري والإيديولوجي حول «المسألة الثقافية» في مجلات مثل «جسور»، «الثقافة الجديدة»، «المقدمة»، «البديل» وغيرها. معنى هذا أن مسألة المؤسسة الثقافية كانت دوما حاضرة في قلب السجال الثقافي، بمختلف الأبعاد والآفاق التي يرسمها كل طرف على حدة، «المؤسسة الرسمية الثقافية» من جهة، وما يمكن تسميته «المؤسسة الثقافية المعارضة»، بمختلف تلويناتها وتفريعاتها وتشعُّباتها، الثقافية والحزبية والجمعوية. معنى هذا أن المؤسسة الثقافية في المغرب لم يكن همُّها الأساس، في أي وقت من الأوقات، خدمة الثقافة في حد ذاتها، بمعزل عن التجاذبات السياسية، التي حولت الثقافي فقط إلى خطاب حامل. لقد نشر المخزن ثقافته الناهضة على إعادة إنتاج ما هو سائد، بقوة السلطة الناعمة، أحيانا، المبنية على الإغراءات ومنح الامتيازات، خصوصا في المرحلة التي شهدت بزوغ ما يسمى «جمعيات السهول والأنهار»، وبعنف السلطة وشراستها، أحيانا كثيرة، خصوصا في «المرحلة السوداء»، التي شهدت توقيف العديد من الجمعيات والمنظمات والمجلات الثقافية، حيث لا صوت علا، حينها، على صوت السلطة. ينبغي أن نستحضر، في هذا السياق، الدور الهام الذي لعبته المؤسسات الثقافية المرتبطة بالمجتمع المدني في خلق فاعلية ثقافية تحررية بديلة وفي تنظيم أنشطة كان لها دور أساس في تفعيل نوع من المقاومة والصمود المدنيين والتأسيس لنوع من الثقافة المواطنة، التي كان همهما نشر الوعي، بمختلف أشكاله، سواء كان سياسيا، ثقافيا، مدنيا، حقوقيا، فرديا، أو جماعيا. نستحضر في هذا السياق الدورَ الذي لعبته، في مرحلة ما، فروع «اتحاد كتاب المغرب»، خصوصا النوادي السينمائية المنتشرة في مناطق ومدن عديدة، من الدارالبيضاء وحتى بني ملال، دمنات وورززات.. وهي النوادي التي كانت منضوية في إطار «الجامعة الوطنية للنوادي السينمائية» وفي إطار جمعيات أخرى، مثل «الشعلة» و»المواهب» و«الطفولة الشعبية» وغيرها.. والتي كانت تشتغل، ثقافيا، على هامش البرنامج الثقافي الرسمي، بوسائل محدودة. لقد خلقت هذه المؤسسات الثقافية، البديلة طبعا، طلبا ثقافيا مغايرا على أنشطتها، وأسهمت بشكل قوي في دمقرَطة الثقافة ونشرها وتحويلها إلى ممارسات يومية عادية بالنسبة إلى الكثيرين، خصوصا عبر الاشتغال داخل «دور الشباب»، لكنها ظلت محكومة بعوائقها الداخلية، بحكم تبعية الكثير منها لتنظيمها وشبيبات حزبية وعجزها عن تحقيق نوع من الاستقلال التام عنها، سواء على مستوى التصور الثقافي أو نوعية الأنشطة. لقد منح هذا الاشتغال على دمقرطة الثقافة، بدل «مخْزنَتها»، وضعا اعتباريا رئيسيا للثقافة، بعدما ظلت، لسنوات، ذاتَ طابع ثانوي وفلكلوري، في أغلب الأحيان، بتصور قدحي وتبخيسي للثقافة. يجب ألا ننسى، في هذا السياق، أن الثقافة ليست مجرد ملحق ثانوي، لأنها يجب أن تكون النفَس الحيويَّ الذي به تحيى الجماعة الإنسانية داخل كل مجتمع على حدة. لكن المشكلة هي أن الثقافة، بالرغم من الأنشطة والمؤسسات العديدة، ظلت دوما شأنا مرتبطا بالأقلية... الطلب على الموسسات لقد تشعَّب الآن الطلب على المؤسسات الثقافية، وتعددت آفاقها ولم تعد فقط محصورة في ما هو ثقافي خالص، أي الكتاب أو الثقافة النظرية العالمة وذات الطابع الأكاديمي، من مسرح وشعر وفن تشكيلي... إلخ. لقد تنوعت «الجغرافيا الثقافية» في المغرب تنوعا شديدا نحا بها، في الكثير من الأحيان، منحى الفلْكَرة المجانية، التي تجمع في نفس النشاط أو الأسبوع الثقافي المنظم من طرف مؤسسة، ما بين الندوة الفكرية والطرب الشعبي، دون أدنى إحساس بالتناقض. إنه، نوعا ما، التصور الأنثروبولوجي للثقافة والمؤسسة الثقافية، بالمعنى الذي يحدده بول كلافال قائلا: «الثقافة هي مجموع السلوكات والمعارف العلمية والتقنيات والقيم المتراكمة من طرف الأفراد إبان حياتهم، وعلى مستوى آخر، من طرف الجماعات التي يكونون أعضاء فيها، إنها إرث ينتقل من جيل إلى آخر». لا توجد الثقافة إلا عبر هذا الانتقال، لأن الأفراد الذي يتبنَّوْنها ويستعملونها يُغْنونها ويغيرونها وينشرونها بدورهم، ليست الثقافة، إذن، شيئا جامدا، بل هي في حالة تحول دائم، لكن المشكلة لدينا في المغرب هي أن المؤسسة الثقافية، عموما، لم تأخذ بهذا الفهم الدينامي للثقافة. نرى في هذا السياق أن ما يمكن تسميته المؤسسة الثقافية المدنية، أي تلك المرتبطة بجمعيات المجتمع المدني ومؤسساته، لم تخرج عن نطاق التنشيط الثقافي، بمعناه الضيق، أي عقد ندوات وموائد مستديرة يحضرها مختصون وأفراد قليلون، غالبا ما يكون مصيرها الطبع في كتاب أو الصدور كملف في مجلة يقرؤها عدد محدود من القراء، وغالبا ما يكونون من المعنيين والمختصين. لقد ظلت المؤسسات الثقافية المدنية حكرا على أشخاص «يحاورون» بعضهم البعض ويطّلعون على مستجدات الأبحاث والدراسات التي ينجزها أقرانهم من الباحثين والدارسين. أما المؤسسة الثقافية الرسمية فقد اختارت اتجاها آخر، حيث ظلت المؤسسة الثقافية الرسمية كما هي تجترّ نفس الخطاب، بنفس اللغة والمصطلحات التراثية العتيقة منذورة لمهمتها الأساس، كما أسلفنا الذكر، وهي «تحصين الشرعية وإعادة إنتاجها»، بينما اختارت مؤسسات ثقافية أخرى ممارساتٍ وأنشطةً ثقافيةً مفتوحة على رياح العولمة، مثل المهرجانات الموسيقية أو السينمائية والمواسم ذات الطابع الإثنولوجي الثقافي المعولَم والسياحة الثقافية... مقارنة سوسيولوجيا يجب ألا ننسى أن المقاربة السوسيولوجية للمجال الثقافي تنزع إلى خلق التكامل بين الجانب النفسي الفردي والبنية الاجتماعية. يحدد علم الجمال الثقافة عبر الفن. إلا أن هذه المقاربة لا تروم تحديد طبيعة ما هو جميل فقط، بل دراسة الفن داخل وظيفته الاجتماعية، أي إسهامه في التنشئة الاجتماعية للأفراد. أيا كان تعريف الثقافة، فإنها كلها تركز على اعتبارها مجموعة من المنظومات الرمزية. تُستدعى الثقافة، إذن، كمجموعة معقَّدة جدا ومتنوعة من التمثلات والموضوعات التي تنتظمها علاقات وقيم محددة تتجلى في التقاليد والمعتقدات والفنون... إلخ. تشمل الثقافة كل هذه الأبعاد لكنها، في إطار السياسة الثقافية، تتحول من مجرد مفاهيم وتصير ملموسة وعلمية، في إطار الأهداف التي ينبغي تحقيقها وبلوغها. من الدال، هنا، الإشارة إلى أن إسبانيا، بمجرد ما طوت صفحة الفرنكوية، أسست سنة 8791 وزارة للثقافة. تنهض السياسة الثقافية في فرنسا على مهام كبرى ينبغي إنجازها وعلى رؤية كونية للظواهر الثقافية. إن مهمة وزارة الثقافة في فرنسا هي نشر الثقافة الكونية والفرنسية أولا، لذا فإن العمل الثقافي يحدد أهدافا جوهرية قابلة للتحقيق مثل: تشجيع الخلق والإبداع، الحفاظ على التراث الثقافي وتطوير الصناعات الثقافية، دمقرطة الأنشطة الفنية وتشجيع التنوع الثقافي...
تحديات المؤسسات الثقافية في زمن الكونية إن مسألة السياسة الثقافية في المغرب تبدو بعيدة المنال وصعبة التحقق، سواء كأهداف مسطَّرة أو كممارسات، فوزارة الثقافة مثلا تقوم فقط بتدبير الشأن الثقافي في أبعاده الإدارية والبيروقراطية، بعيدا عن كل منظور ثقافي متنوع وخلاق من شأنه نشر ثقافة الكتاب والتشجيع على القراءة والعمل على نشر إبداعات الثقافة الوطنية التحررية والمعاصرة في المدارس والعاهد والجامعات وإعادة الاعتبار إلى الكاتب، عبر طبع البعض من كتبه، بعيدا عن الاختيارات التي كثيرا ما لا تخلو من المحاباة والزبونية، لأنها في نهاية المطاف مؤسسة وطنية ملكُ عمومِ المثقفين والباحثين. لم تعد المؤسسة الثقافية، في زمن من العولمة الثقافية الاستهلاكية والنمطية، تواجه فقط تحديات مرتبطة بما هو وطني وجهوي، بل بما هو كوني أيضا، لأن زمن العولمة أسهم بشكل وافر في تفقير كل قطاعات الأنشطة الثقافية، ناهيك عن التفقير المتوارَث في المغرب والمرتبط بنسبة الأمية والعزوف عن القراءة وبأمية المتعلمين، من خريجي المعاهد والجامعات، وانتشار ثقافة محافِظة ماضوية لا تشجع على الخلق والابتكار، بالإضافة إلى التحفيز الاجتماعي للثقافة واعتبارها مجرد شيء زائد عن الحاجة. الخطير في الأمر أن العولمة الثقافية الاستهلاكية تحاصرنا من كل الجوانب، عبر القنوات الفضائية والشبكة العنكبوتين... إلخ. بالرغم من أننا، سواء كبلد أو كمؤسسات ثقافية تعاني من تأخر تاريخي، لم نحقق حتى الآن، ولو الحد الأدنى من أي مشروع ثقافي، وعلى رأسها تحويل الثقافة إلى هم مشترَك بين العدد الأكبر من أفراد المجتمع، باعتبار الثقافة والتنوع الثقافي الضامنَيْن للّحمة الاجتماعية. لم نقطع أيضا، بالرغم من الصراع الثقافي المشار إليه، أشواطا بعيدة في دمقرطة الثقافة، سواء كمضمون أو كمؤسسات، الدمقرطة باعتبارها عنصرا يتلاءم مع التشكيلة السياسية والاجتماعية التي يجب أن تكون أفقا لاشتغال المؤسسات الطامحة بالفعل إلى نشر نوع من الثقافة الهادفة والبانية. لا يمكن الحديث أو الرنو إلى دمقرطة الثقافة دون سياسة ثقافية ديمقراطية وبدون مثقفين ديمقراطيين، متصفين بفضائل الاعتراف بالآخر، والقبول بالاختلاف وطرح تصورات ومشاريع تهم الشأن الثقافي التحرري، بعيدا عن أخلاقيات الأنانية والإقصاء والاستحواذ على المؤسسات الثقافية وإحكام إغلاقها وتجميدها، وبعيدا عن الصراعات الفصائلية والشللية، التي تحول الممارسة الثقافية إلى نوع من نميمة المقاهي والجلسات الخاصة... إن المؤسسات الثقافية لا تكتسي، في العمق، أهميتها ومشروعيتها ولا تنفتح أمامها الآفاق الرحبة إلا انطلاقا من أهمية ومشروعية الفَعَلة داخلها، أي المثقفين الحاملين لهَمٍّ حقيقي وصادق، كما كان مثقفو مجلة «أنفاس» و«جسور» و«الثقافة الجديدة» وغيرها.. وكما كان مثقفون كثيرون، بعضهم مات والبعض الآخر مازال يمشي في الأسواق أو «يعاقر» ال..عزلة!...