ماذا بعد استقبال مجلس الشيوخ الفرنسي لحكومة جمهورية القبائل؟    الركاني: من يدعم فلسطين توجه له تهم جاهزة وعواقب وخيمة ستلاحق كل من تواطئ لجعل غزة مسرحا للجريمة    تحت الرئاسة المغربية: مجلس السلم والأمن الإفريقي يعتمد بالاجماع الموقف المشترك بشأن هيكل الأمم المتحدة لبناء السلام    الدرهم ينخفض بنسبة 0,2 في المائة مقابل الدولار    شركة "رايان إير" تُسلّط الضوء على جوهرة الصحراء المغربية: الداخلة تتألق في خريطة السياحة العالمية    وكالة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية: النظام التجاري العالمي يدخل مرحلة حرجة مع فرض الولايات المتحدة رسوما جمركية جديدة    'مجموعة أكديطال': أداء قوي خلال سنة 2024 وآفاق طموحة    الدار البيضاء: الخطوط الملكية المغربية والموريتانية للطيران تبرمان اتفاقية شراكة استراتيجية    النظام التجاري العالمي يدخل مرحلة حرجة مع فرض الولايات المتحدة رسوما جمركية جديدة (أونكتاد)    اتحاد طنجة يحذر جماهير فارس البوغاز من "الأخبار الزائفة"    حصيلة الزلزال في بورما تتجاوز 3300 قتيل    حالة انتحار أخرى والضحية أربعيني من بني صالح بشفشاون    تعزيز السياحة الثقافية بمنصة رقمية لاقتناء تذاكر المآثر التاريخية    بلاغ: لجنة دعم المهرجانات والتظاهرات السينمائية تدعم 29 مهرجانا وتظاهرة بمبلغ 6 ملايين و770 ألف درهم    في قلب باريس.. ساحة سان ميشيل الشهيرة تعيش على إيقاع فعاليات "الأيام الثقافية المغربية"    سفير السلفادور .. المغرب أفضل بوابة لولوج إفريقيا    مغاربة يطالبون بإلغاء الساعة الإضافية (فيديو)    إسبانيا.. العلاقات مع المغرب من بين "الأقوى عالميا" ولا تقارن إلا بالعلاقات الأمريكية البريطانية    عاملة نظافة ضحية "استغلال بشع" بأجر 250 درهم شهريا    معاناة مهاجرين مغاربة في مليلية.. شتات على الأرصفة وحقوق تنتهك بصمت    بيل غيتس: 3 مهن ستصمد في وجه الذكاء الاصطناعي    المغرب يعزز جاهزيته الأمنية لتنظيم كأس العالم 2030 وكأس إفريقيا 2025    بحضور عائلتها.. دنيا بطمة تعانق جمهورها في سهرة "العودة" بالدار البيضاء    الرباط تحتضن إقصائيات العصبة الإفريقية لكرة السلة "البال"    كأس العرش.. ثلاثة أندية من البطولة الاحترافية مهددة بالخروج مبكرا    بوابة إعلامية بريطانية: أشرف حكيمي.. أيقونة كرة القدم والثقافة    مولر يعلن الرحيل عن بايرن ميونيخ    الرئيس الإيراني يقيل نائبا له بسبب "رحلة ترفيهية في القطب الجنوبي"    كيوسك السبت | الحكومة معبأة لتنزيل القانون المتعلق بالعقوبات البديلة خلال غشت المقبل    توقعات أحوال الطقس لليوم السبت    الوزيرة السغروشني تسلط الضوء على أهمية الذكاء الاصطناعي في تعزيز مكانة إفريقيا في العالم الرقمي (صور)    فشل محاولة ''حريك'' 3 لاعبين من المنتخب الأوغندي للفتيان خلال إقامتهم بكأس إفريقيا بالجديدة    جانح يهشم زجاج 06 سيارات بحي القلعة بالجديدة .    شراكة ترتقي بتعليم سجناء المحمدية    بورصة وول ستريت تهوي ب6 بالمائة    وقفة مغربية تدين الإبادة الإسرائيلية في غزة و"التنفيذ الفعلي" للتهجير    مشاركة مغربية بصالون الفرانكفونية    الوديع يقدم "ميموزا سيرة ناج من القرن العشرين".. الوطن ليس فندقا    أسود القاعة ضمن الستة الأوائل في تصنيف الفيفا الجديد    ترامب يبقي سياسته الجمركية رغم الإجراءات الانتقامية من الصين    الملياني يبرز أبعاد "جيتيكس أفريقيا"    المغرب فرنسا.. 3    تعادل أمام زامبيا في ثاني مبارياته بالبطولة .. منتخب للفتيان يقترب من المونديال ونبيل باها يعد بمسار جيد في كأس إفريقيا    على عتبة التسعين.. رحلة مع الشيخ عبد الرحمن الملحوني في دروب الحياة والثقافة والفن 28 شيخ أشياخ مراكش    الإعلان عن فتح باب الترشح لنيل الجائزة الوطنية للثقافة الأمازيغية برسم سنة 2024    أمين الراضي يقدم عرضه الكوميدي بالدار البيضاء    30 قتيلاً في غزة إثر ضربة إسرائيلية    النيابة العامة تقرر متابعة صاحب أغنية "نضرب الطاسة"    تكريم المغرب في المؤتمر الأوروبي لطب الأشعة.. فخر لأفريقيا والعالم العربي    دراسة: الفن الجماعي يعالج الاكتئاب والقلق لدى كبار السن    دراسة: استخدام المضادات الحيوية في تربية المواشي قد يزيد بنسبة 3% خلال 20 عاما (دراسة)    خبراء الصحة ينفون وجود متحور جديد لفيروس "بوحمرون" في المغرب    بلجيكا تشدد إجراءات الوقاية بعد رصد سلالة حصبة مغربية ببروكسيل    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خفايا العلاقة الغامضة للجمهورية الفرنسية بإسرائيل
كتاب «ساركوزي في الشرق الأوسط» يسلط الضوء على تقلب تاريخ العلاقة الفرنسية بالشرق الأوسط
نشر في المساء يوم 10 - 10 - 2010

منذ قيامها عام 1948 حظيت إسرائيل بمساندة لا مشروطة من طرف فرنسا. يجد هذا الدعم مصدره في الوعي الشقي وفي رغبة حل عقدة كفارة الذنب تجاه اليهود. غير أن هذه المساندة
تحولت على مر التاريخ إلى نوع من الابتزاز المزمن مارسته الدولة العبرية على فرنسا. هكذا، ما من رئيس فرنسي في التاريخ الحديث للجمهورية الخامسة إلا مدح بحماس «الصداقة» النموذجية مع إسرائيل. غير أن مجيء نيكولا ساركوزي يشكل في الحقيقة منعطفا خطيرا في تاريخ العلاقات بين البلدين. ف«رجل القطائع» أعرب من دون مواربة عن مساندته اللامشروطة للدولة العبرية. وبدل أن يساعد هذا الدعم على الاندماج السلمي لإسرائيل في المنطقة، شجعها بالعكس على الانسياق وراء رغبتها المخربة والانتحارية.
في هذا الكتاب ترسم المداخلات الخطوط العريضة للانخراط الفرنسي في قضايا الشرق الأوسط منذ حرب الستة أيام مع التشديد على مسلسل الانتقال من شيراك إلى ساركوزي، «مع العلم أنه إن كان ساركوزي مناصرا لإسرائيل فإن شيراك ليس بالضرورة مقربا من العرب»، يشير فاروق مردم بك في تقديمه لهذا العمل الجماعي.
ويسترسل المشرف على منشورات «سندباد» التابعة ل«آكت سود» أنه ابتداء من نهاية الحرب الكونية الثانية وإلى غاية حرب يونيو 1967، قدمت فرنسا للحركة الصهيونية ثم لدولة إسرائيل مساعدة متعددة الأشكال. في عز أزمة الإمبراطورية الفرنسية بإفريقيا الشمالية، أقيم تحالف ضمني، سياسي وعسكري بين البلدين. كما تجسد هذا التعاون في التواطؤ بينهما ضد مصر في عهد عبد الناصر عام 1956 وتسليم فرنسا تكنولوجية القنبلة الذرية. استمر هذا التحالف في عهد الجمهورية الخامسة ليشمل أيضا التعاون على المستوى النووي، على الرغم من إعادة إقامة فرنسا علاقاتها الدبلوماسية، الاقتصادية والثقافية مع الدول العربية غداة استقلال الجزائر. لكن ما أن وقف الجنرال ديغول عام 1967 عند المطامع الترابية لإسرائيل، حتى أدخل تغييرا على سياسة فرنسا تجاه ما أسماه «صديقنا وحليفنا» (إسرائيل). تخلصت هذه السياسة من المجاملة، لكن من دون أن تتقرب من العرب. وإن بدت كذلك فلأنها أحدثت قطيعة مع العصر الذهبي لإسرائيل في فرنسا لما كان اللوبي الاستعماري يملي على الحكومات الفرنسية كيفية تصرفها، في الوقت الذي كان شمعون بيريز يتوفر على مكتب بوزارة الدفاع الفرنسية. على مر الأحداث التي تخللت الفترة الواقعة بين 67 و73 تطورت المواقف الفرنسية في اتجاه ما سمي، في غياب تعبير آخر، ب«السياسة العربية لفرنسا».
تشبثت فرنسا بالمبادئ الأساسية الثلاثة التي أعلن عنها في 21 من يونيو 1967 : حق جميع دول الشرق الأوسط، بما فيها إسرائيل، في العيش ضمن حدود آمنة ومعترف بها، رفض الإقرار بجميع «التغيرات التي تمت في الميدان عن طريق العمل العسكري»، وضرورة تدخل مشترك للقوى العظمى لضمان تطبيق المبدأين الأولين. وقد جاءت التوصية رقم 242 لمجلس الأمن، التي تم التصويت عليها في 22 من نوفمبر لدعم الموقف الفرنسي. وكانت الندوة الصحافية التي عقدها الجنرال ديغول، بعد خمسة أيام على التصويت على القرار، بمثابة موقف تاريخي حاسم، إذ تناولت الواقع والآفاق السياسية، على اعتبار أن الاحتلال لا شرعي وبأنه يولد بالضرورة مقاومة لم ينظر لها المحتل إلا كإرهاب، وعلى أنه لا حل سوى الحل الدولي وبأن القدس يجب أن تحظى بقانون دولي.
كان الهجوم الجوي الإسرائيلي على مطار بيروت في نهاية ديسمبر من عام 1968 بداية الخلاف بين إسرائيل وفرنسا، حيث دفع بالجنرال ديغول إلى فرض حظر على بيع الأسلحة على إسرائيل مع إظهار استيائه بشكل رسمي من الحملة العنيفة التي نظمتها وسائل الإعلام الفرنسية المساندة لإسرائيل ضد سياسته في الشرق الأوسط. غير أن صيغة «السياسة العربية لفرنسا» ليست من صنيع الجنرال ديغول، بل يرجع استعمالها إلى الرئيس جورج بومبيدو، بما في ذلك فكرة البحث عن إجماع أوروبي حول ضرورة حل شامل للصراع العربي الإسرائيلي. إذ بفضل سياسة جورج بومبيدو، ثم لاحقا فاليري جيسكار ديستانغ، استطاعت القضية الوطنية الفلسطينية أن تحرز على مستوى المحفل الأوروبي بعض الشفافية، وخاصة في قمة البندقية المنعقدة في 13 يونيو 1980 مع إعلان التسعة الذي لم يقتصر فحسب على التأكيد على لاشرعية الاحتلال أو محاولة تغيير الوضع القانوني للقدس، بل التحفظ على مسلسل كامب ديفيد، مع الإشارة إلى حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وضرورة إشراك منظمة التحرير في مفاوضات السلام. أما مواقف فرانسوا ميتران، سواء قبل أو بعد انتخابه رئيسا للجمهورية، فقد كانت مبهمة، لكنه خلص إلى الدعوة في خطاب أمام الكنيسيت إلى قيام دولة فلسطينية، قبل أن يستقبله في باريس عند بداية ولايته الثانية الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات. وعليه تشكل «العقيدة الفلسطينية» النواة الصلبة لسياسة فرنسا بالشرق الأوسط، وهي التي عارضها المفندون ل«السياسة العربية لفرنسا». عاب هؤلاء، عن حق، على فرنسا نزعتها الميركانتيلية وتواطؤها مع أنظمة عربية استبدادية، لكن وجبت الملاحظة بأنه لا توجد حكومة غربية تستند مواقفها في العالم العربي على اعتبارات أخلاقية أو تحرص على تعلقها بحقوق الإنسان.
ينتقل فاروق مردم بك إلى معالجة السياسة العربية لجاك شيراك، الذي قيل عنه إنه الرئيس الفرنسي للجمهورية الخامسة، الذي كان شديد الحساسية تجاه المطالب العربية، أو على الأقل الرئيس الذي كان شديد التعلق ب«الاستثناء الفرنسي» في معالجة قضايا الشرق الأوسط. لكن يجب الحذر تجاه هذا التصور. وبصفته كان كاتب دولة، ووزيرا ثم وزيرا أول، لعب جاك شيراك بالكاد قبل انتخابه رئيسا للجمهورية دورا فاعلا في تعزيز العلاقات بين فرنسا والدول العربية. كما أن انخراطه الشخصي في مشروع بناء أوزيراك وإمداد العراق بأحدث الأجهزة العسكرية، علاوة على علاقات الصداقة التي أقامها مع صدام حسين وأيضا مع أغلب رؤساء الدول العربية وسفرائها في باريس، تسبب كل ذلك في إفساد سمعته لدى الإسرائيليين. لكن كعمدة لباريس، إما بدوافع قرابة ثقافية أو بسبب حسابات انتخابية، حرص شيراك على التعاطف مع اليهودية، مقيما علاقات ودية مع هيئاتها ومسيريها. وقد عبر أمامهم وفي أكثر من مناسبة عن تعارضه مع سياسة جيسكار المؤيدة للفلسطينيين. كما عارض فتح مكتب لمنظمة التحرير في باريس. وأثناء زيارة الرئيس ياسر عرفات لباريس وجد ذريعة ليسافر إلى نيويورك. وهو وزير أول في عهد ميتران، أكد في مقابلة خص بها صحيفة «يديعوت أحرنوت» معارضته لقيام دولة فلسطينية... لكن لما أصبح رئيسا، سعى شيراك إلى أن يكون الوريث الشرعي للسياسة العربية للجنرال ديغول وجورج بومبيدو، وهذا ما عبر عنه في الخطاب الذي ألقاه في جامعة القاهرة في أبريل 1996 . لم يكسب شيراك «شهرته العربية» بفضل هذا الخطاب، بل بفضل بعض المواقف الرمزية أثناء التحضير لحرب العراق أو زيارته للقدس في أكتوبر 1996 وصدامه العنيف مع رجالات الأمن الإسرائيليين. تتعارض هذه الصورة مع صورة ليونيل جوسبان، الذي استقبله الفلسطينيون بجامعة بير زيت بالحجارة بسبب تصريحاته الطائشة عن حزب الله. على أي، نجح شيراك في ترجيح كفة الرأي العام والشارع العربي لصالحه، خصوصا لما تدخل شخصيا لتنظيم سفر ونقل الرئيس عرفات، الذي كان مريضا ومحاصرا في المقاطعة منذ 2003 . ولم يفته القيام بتكريم الزعيم الفلسطيني في القاعدة الجوية لفيلاكوبلي قبل نقل رفاته إلى فلسطين. وتجاه سوريا شعر شيراك دائما بالخيبة بسبب موقفها من لبنان.
التوجه الأطلسي لساركوزي
قبل أن ينتخب رئيسا للجمهورية، عبر ساركوزي في أكثر من تصريح عن رغبته في القطع مع السياسة المستقلة تجاه الولايات المتحدة، التي نهجها الجنرال ديغول وإنعاش علاقة الود الفرنسية-الإسرائيلية. ولربما كانت المسألتان متلازمتين في ذهنه، إذ أن «حب إسرائيل» (الإسرائيلوفيلية) هي أحسن وسيلة ل«إعادة كسب قلوب الأمريكيين»، والركض في اتجاه بوش هو ضمانة وفاء لشارون. خلال استقباله الرسمي، وبحفاوة بالغة، في إسرائيل في ديسمبر 2004 لما كان رئيسا للتجمع من أجل حركة شعبية، تقدم ساركوزي أمام كبار ممثلي الصهيونية العالمية كبطل لمحاربة اللاسامية في فرنسا، ولم يتردد في استعادة الاعتداء المشترك الذي قامت به إسرائيل وفرنسا ضد مصر. كما أن التعاون في مجال الاستعلامات يبدو له نموذجيا. أما الترام الذي سيربط القدس بالمستعمرات اللاقانونية فهو من صنع فرنسي ويجسد التعاون الاقتصادي النموذجي. ولما انتخب عام 2007، سافر ساركوزي إلى واشنطن لإلقاء خطاب أمام الكونغرس صفق له النواب، ولما نال جائزة اللجنة الأمريكية اليهودية، التي تعتبر إحدى مجموعات الضغط الأكثر نفوذا في العالم، كانت الجائزة مكافأة على «صداقته الوفية للولايات المتحدة، لإسرائيل والشعب اليهودي». إن التوجه الأطلسي لساركوزي ضمن حلف يلعب فيه المحافظون الجدد الدور الرئيسي هو في آخر المطاف هدفه الاستراتيجي . مظهر آخر أثار الملاحظين هو ذاك الذي يتعلق بالعلاقات السورية- الفرنسية. أعطت أمريكا الضوء الأخضر لفرنسا لفتح قنوات الحوار بهدف الوصول إلى اتفاق حول لبنان. لكن الأساليب الترقيعية التي جربها ساركوزي أظهرت أن معرفته بالشرق الأوسط لا تزال ناقصة. لقد تخلص ساركوزي من العناصر المؤسسة ل«الاستثناء الفرنسي» في العالم العربي ليحافظ على البقية.
ساركوزي.. الصديق الحميم لإسرائيل
تحت عنوان «نيكولا ساركوزي.. الصديق الحميم لإسرائيل»، عالجت الصحافية إيزابيل أفران الدور النافذ الذي لعبه ويلعبه ساركوزي لصالح الدولة العبرية، سواء في انضمامها لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، أو لترسيم وتعزيز مشاريع اقتصادية وعسكرية وفي مجالات عديدة ومتباينة. وقد أصبحت فرنسا بموجب هذا التعاون الثنائي الزبون الثامن لإسرائيل. وعليه عرفت السياسة الفرنسية في الشرق الأوسط، بمجيء ساركوزي إلى الحكم، إعادة ترتيب في اتجاه تقارب حميمي مع إسرائيل، فيما المجتمع المدني يطالب بسياسة بديلة ومتكافئة. أما بحث المؤرخ بيرنار رافونيل، فيركز على المحور الاستراتيجي الثنائي، العسكري والسياسي بين فرنسا والدولة العبرية. دونيه سيفر، رئيس تحرير أسبوعية «بوليتيس»، خصص بحثه لما سماه بالساركوزية الإعلامية والثقافية، مشيرا إلى أنه لا يوجد مثقفون ساركوزيون بقدر ما هناك أشخاص التحقوا بركب الرئيس للدعاية لأفكاره. فيما وقف دومينيك فيدال، المؤرخ والصحافي بشهرية «لوموند ديبلوماتيك»، على المنزع الانتحاري لإسرائيل والقاضي بنصب فزاعات «الانقراض» الذي يهدد إسرائيل من طرف الدول العربية، الذي يبرر كل ممارساتها إما لجلب عطف الغرب وإما للاعتداء على الشعب الفلسطيني بفرض سياسة الأمر الواقع في فلسطين. تتكامل وتتقاطع هذه الدراسات عند أكثر من فرضية واستنتاج، وخاصة عند فكرة أن ساركوزي قد أحدث بالفعل قطيعة مع سياسة سابقيه، بجعلها نظيرة لسياسة إسرائيل، الشيء الذي انتقص من مكانة، وصورة وموقع فرنسا في الشرق الأوسط وفي العالم العربي عموما.


جرد حساب للسياسة الخارجية الفرنسية
القطع مع سياسة الثوابت والاستمراريات في السياسة الخارجية الفرنسية ذاك هو الشعار، الذي حمل لواءه ساركوزي غداة تبوئه للسلطة. اليوم، وبعد ثلاث سنوات من التسيير ذي الاتجاه الأحادي للسياسة الخارجية، يتطلب الأمر القيام بجرد حساب لهذه السياسة. في هذا الاتجاه اندرجت الدراسة التي قام بها آلن شونال، الأستاذ المحاضر بجامعة نانتير. ويلاحظ شونال بأن أهم «ميزة» لهذه السياسة هي طغيان التوجه الإعلامي على حساب المنحى الديبلوماسي، بغاية تلميع صورة ساركوزي. وعليه يبقى السؤال : من المسير للسياسة الخارجية؟ إن احتكرت الحاشية المقربة للرئيس دواليب السياسة الخارجية، فإنه يبقى في الأخير صاحب القرار والاختيار النهائي. وخلافا للرؤساء الذين سبقوه، لا يملك ساركوزي الثقافة ولا الرؤية التاريخية التي كان يتحلى بها ديغول، وميتران، بل حتى شيراك. على النقيض من ذلك ينمي ساركوزي مشاعر الحقد تجاه الدبلوماسيين، القضاة، الموظفين، الباحثين، الفلاحين، وأبناء الضواحي...وهكذا يبقى المشهد الدولي مجرد وسيلة لدعم صورته.
نادرا ما قدم ساركوزي رؤية متكاملة لديبلوماسية فرنسا، لأهدافها ولأدواتها. الطاغي على تصرفاته هو الحرص الأمني والنفعية المادية. مثلا لا نعرف شيئا عن تحركات المستشار الخاص للرئيس، الذي يقوم مقام وزير الخارجية، لعواصم مثل دمشق، الدوحة، كيغالي، ليبروفيل، لواندا. أما بيرنار كوشنير فليس سوى مرافق باهت للرئيس. عرفت الديبلوماسية فيما مضى وزراء خارجية ديناميين وفاعلين أمثال آلن جوبيه وهوبير فيدرين. مع ساركوزي ثمة نزوع إلى الاستسلام. ويتابع كوشنير، بلا حول ولا قوة، التهميش المتسارع لوزارته والهدم المنهجي للديبلوماسية وللسياسة الثقافية الفرنسية. وتتحدث الصحافة باستمرار عن مغادرته المرتقبة للوزارة. لا تتوفر هذه الدبلوماسية على هندسة شاملة ولا على أي استمرارية.
وإن كانت هناك من قطيعة مع ثوابت السياسة الخارجية الفرنسية التقليدية فإنها لم تتم بهدف الانخراط في عالم معقد، بل للانسياق ضمن رؤية المحافظين الجدد الأنغلوساكسون، الذين أصبحوا عرضة لنقد شمولي، إما بسبب سياستهم في أفغانستان، أو من خلال دفاعهم عن إسرائيل والرفع من تمثيليتها لدى المجموعة الأوروبية. كما أن طريقة تسيير فرنسا للملف الإيراني عربون على هذا التوجه. وبتخليها عن دورها التقليدي كجسر ممدود في اتجاه الشرق، وكمحاور منفتح على جميع الأطراف، فضلت باريس الانسياق من دون تمييز وراء الرؤية الإسرائيلية للقول بوجود «خطر إيراني». ويبقى موقف ساركوزي العدائي من انضمام تركيا إلى المجموعة الأوروبية حجة بينة على جهله بالواقع التاريخي، السياسي والإنساني لهذا البلد، لطاقاته وزخمه. كما يبرهن على احتراسه الدائم من العالم الإسلامي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.