عانت «بيتي باتول»، البلجيكية من أصل مغربي آلاما كثيرة منذ طفولتها، وصادفت حياتها العديد من الصعاب منذ أن كانت نطفة في بطن أمها، التي سعت بشتى الوسائل كي تجهضها فأصرت «الباتول بن الحول»، البالغة حاليا من العمر 45 سنة، على القدوم إلى هذا العالم. عاشت طفولة صعبة في كنف أسرة تنقلت كثيرا بين المغرب وبلجيكا، تعرضت لاعتداءات جنسية متكررة منذ أن كانت تبلغ من العمر أربع سنوات، اعتداءات وعنف ذاقت مرارته منذ الطفولة إلى حين البلوغ، لجأت إلى شرب الخمر لعلها تنسى آثار ما تعرضت له لكن ذلك ضاعف من معاناتها، حاولت الانتحار لكن لم يكن الطريق سهلا، حتى التقت برجل ساهم في تغيير مجرى حياتها فأصبحت إيجابية، درست وعملت وتزوجت وأنجبت أربعة أطفال. اختارت أن تدون سيرتها الذاتية في كتاب تحت عنوان «شقائق النعمان في الشتاء؟ لم لا..»، لعله ينير درب مثيلاتها ويشعر الجميع بمعاناة من يتعرضون للاعتداء الجنسي والعنف، ننشره على حلقات مع بعض التصرف الذي يقتضيه الاختصار. انتقلت عند عائلة جديدة تسكن بالقرب من السوق بمدينة الجديدة، وكانت مكونة من زوجين وأطفال وهذا على الأقل سيعفيني من الأعمال المنزلية، حسب ما يبدو. بهذا المنزل الأكل متوفر ولا ينقصني شيء، فقط علي أن أنهض باكرا لأذهب إلى المدرسة، خاصة أنني أستغرق 40 دقيقة مشيا على الأقدام من أجل الوصول إليها، وهي ضعف المدة التي كنت أستغرقها عندما كنت أقيم عند العائلة الأولى، كان أبي يزورني أحيانا ويعطيني بعض المال، فكنت أشتري »سندويتش» به سمك السردين بالطماطم، وكنت أركب عربة كي أعود وأنا مستمتعة بما أكلت، وكأنني أميرة . كل الأمور كانت جيدة عند هذه العائلة التي يسمى الأب ب«الحاج»، وهو لقب يطلق على كل مسلم أدى مناسك الحج، هل كل شيء على ما يرام عند هذه العائلة، لا يمكن أن يسير كل شيء على مايرام.. كنت أنام على أريكة في «الصالون» ذات مساء، فأيقظني الأب واضعا يده على فمي ليطلب مني ألا أتكلم فاستلقى ورائي وبدا أنه يستمتع بحركاته البطيئة التي يفعل، بينما أنا قمت لأغير المكان بسرعة.. لم يصر بعد ذلك ، وفي الغد وجدته زوجته نائما في الصالون ففهمت أنه لم يعد على مكان عند هذه العائلة، وإذا لم أقم بأي رد فعل، فإنه سيواصل استكشافه لجسدي ليعتدي علي بصورة منتظمة. لحسن الحظ أن الحجاج ليسوا كلهم هكذا، فأغلبهم أقوياء بدينهم ويضاعفون مجهوداتهم من أجل فعل الخير، خاصة أنهم في المغرب يتقاسمون مع الفقراء ما لديهم. أصبح الوضع حرجا، بقيت أختاي مع أبي في فندق «لابريز»، في ضواحي مدينة الجديدة، وليستا بعد متمدرستين، ولم تكن هناك عائلة مناسبة لأقيم عندها، قررت أمي أن تعود إلى المغرب، فاكترى أبي شقة بمدينة الجديدة وذهبنا للعيش فيها رفقة أمي، كانت «ماريزا» تتابع دروسا في الرقن على الآلة الكاتبة وجميلة تتابع دروسا في الحلاقة، وأنا أتمم تعليمي الابتدائي في المدرسة. بدأت الحياة تأخذ مجراها الطبيعي، نقضي طيلة الأسبوع في الجديدة ونهايته بمشروع أبي «لابريز»، كما قامت أمي باستغلال جزء من الشقة لفتح متجر لبيع ملابس نسائية جاهزة، خاصة أنها تعرف الخياطة، كما تعرض موادا تجميلية أوروبية. أذهب كل يوم إلى المدرسة وكنت أحصل على نتائج جيدة لكنني بقيت تلك الغريبة التي ينظر إليها بعدم الثقة وتلقب ب«نصرانية»، هذه الكلمة التي كانت تعني «أوروبية»، كنت أحس أن لهذا اللقب معنى قدحيا وهذا كان يؤلمني وكانوا يذكرونني به في حالة ما إذا نسيته... بعد ذلك تعلمت المشي حافية وتناولت الوجبات المحلية، وفي المدرسة كنت أتلو الآيات القرآنية كالباقي وكنت أستعمل اللوح والطباشير أو الريشة والمحبرة كالآخرين، وبالطبع كنت أتعرض للضرب على يدي بمسطرة خشبية. ويوما تعرضت للضرب عندما دخلت إلى المدرسة متأخرة بسبب حادثة سير بعدما دهستني سيارة وكان المارة يريدون المناداة على الشرطة، لكنني رفضت لأنني لم أكن أريد أن أتأخر عن المدرسة، كان الدم يسيل من ركبتي ، فضمد لي رجل ركبتي وتركني أذهب لأنه أشفق على دموعي، مشيت بسرعة أقل من العادة بسبب الألم، عندما وصلت لم يكن لدي الوقت لكي أشرح أي شيء، طلب مني الأستاذ أن أمد يدي اليمنى فسمع صوت المسطرة وبعدها اليد اليسرى ليطلب مني الجلوس، ومرة أخرى اكتشفت قسوة الرجال، هل هذا الموقف كاف ليجعلني أفهم أنه يجب ألا أدخل متأخرة؟ كنت أستمع لأسطوانات أحضرتها لي أمي من بلجيكا وأحببت كثيرا أغنية “ارسم لي السعادة” فهي بمثابة رسالة أمل بالنسبة لي. وأبدأ أتذكر ذكرياتي مع أصدقائي في بلجيكا، وظل الرابط الوحيد الذي يربطنا ببلجيكا هو خالتي «تيريز» وعمي «جون» اللذان جاءا لزيارتنا بالمغرب وكانت فرصة لمرافقتهما في زيارة استكشافية لمدن المغرب التي عرفنا من خلالها التباينات الجغرافية لهذا البلد. وعندما عادا إلى بلجيكا انقبض قلبي واحتفظت بألمي داخلي، ومنذ مغادرتهما وأنا أترقب ساعي البريد في انتظار أخبار جديدة، فلما رأى تلهفي سألني ذات يوم لماذا تنتظرين أخبارا من بلجيكا، فأجبته قائلة : لا أريد أن أبقى في المغرب، العرب مغفلون جدا. اغتاظ الساعي فأخبر أبي بما قلته، فأشبعني أبي ضربا. سمعت أمي صراخي وكان يجب أن تتدخل لأن أبي استمر في ضربي وأنا على الأرض. فجربت لماذا كانت أمي تعاني مع هذا الملاكم السابق، تألمت كثيرا من أثر الضرب، بقيت في السرير وكانت تعتني بي أختاي وأمي، لم أرغب في رؤية أبي ولم أكن مستعدة لأنسى ما حدث لي... فسر لي فيما بعد أن دما عربيا يسري في عروقي وأنه من قلة الاحترام أن أشتم الناس الذين هم من عرقي وأنه يجب ألا أتفوه بمثل هذا الكلام، بل بالعكس علي أن أدافع عن أصولي ضد الذين يريدون تدنيسها، واليوم استوعبت وزن تلك الكلمات وأنه من حسن الحظ أن تنتمي إلى ثقافتين.