عانت «بيتي باتول»، البلجيكية من أصل مغربي آلاما كثيرة منذ طفولتها، وصادفت حياتها العديد من الصعاب منذ أن كانت نطفة في بطن أمها، التي سعت بشتى الوسائل كي تجهضها فأصرت «الباتول بن الحول»، البالغة حاليا من العمر 45 سنة، على القدوم إلى هذا العالم. عاشت طفولة صعبة في كنف أسرة تنقلت كثيرا بين المغرب وبلجيكا، تعرضت لاعتداءات جنسية متكررة منذ أن كانت تبلغ من العمر أربع سنوات، اعتداءات وعنف ذاقت مرارته منذ الطفولة إلى حين البلوغ، لجأت إلى شرب الخمر لعلها تنسى آثار ما تعرضت له لكن ذلك ضاعف من معاناتها، حاولت الانتحار لكن لم يكن الطريق سهلا، حيث التقت برجل ساهم في تغيير مجرى حياتها فأصبحت إيجابية، درست وعملت وتزوجت وأنجبت أربعة أطفال. اختارت أن تدون سيرتها الذاتية في كتاب تحت عنوان «شقائق النعمان في الشتاء لم لا؟»، لعله ينير درب مثيلاتها ويشعر الجميع بمعاناة من يتعرضون للاعتداء الجنسي والعنف، ننشره على حلقات مع بعض التصرف الذي يقتضيه الاختصار. يصعب أن نعرف إلى أين نذهب إن لم نعرف من أين أتينا، لازمتني هذه الجملة كثيرا، لذلك سألت والدي لمعرفة قصتهما قبل ولادتي، اكتشفت أنها حياة مليئة بالتجارب الصعبة، وببساطة إنها حياة صعبة ومؤثرة. ولدت أمي في بروكسيل سنة 1941 عبر لقاء عابر دون زواج، اسمها «جنين» وكان اسم أمها «أوديل» والتي كان لديها أربعة أطفال من الزواج الأول، طفلتان وطفلان ففقدت زوجها بعد سنوات قليلة، لتتعرف بعدها على «لويس» ولتكتشف نفسها حاملا غير أن أبناءها رفضوا هذا الاتصال القصير، فأنجبت «أوديل» ابنتها جنين والتي لم تعرف والدها أبدا. تركت أمي الدراسة في سن مبكرة دون الحصول على شهادة، اشتغلت في معمل لتساعد والدتها التي قررت الزواج مرة أخرى، لكن للأسف أصيبت بمرض السرطان وماتت في أقل من ثلاثة أشهر تاركة جنين يتيمة في سن السابع عشرة سنة. عندما انطفأت الحياة في جسد جدتي «أوديل» استقبل جسد أمي «جنين» الحياة، أي الحمل، لتتكرر نفس القصة، حملت في أحشائها طفلا ناتجا عن لقاء قصير ليست له تتمة، ولأنها فقدت والدتها قررت الاحتفاظ بهذا الطفل الذي تعلقت به. بعد وفاة والدتها كان لا بد أن تغادر «جنين» بيت زوج أمها، لتعيش عند أختها «ماري تيريز» وتستقر في منزل صغير، لتلد بعد أشهر قليلة طفلة أسمتها «ماريزا» في يوليوز من سنة 1959 واشتغلت في معمل. أرسلت أمي أختي «ماريزا» إلى دار الحضانة، والتي لا تستطيع أن تذهب إليها عندما تكون مريضة ما نجم عنه صعوبة في الرعاية. ذات يوم كانت «جنين» تخرج من مقهى ببروكسيل فتعرفت على أبي الذي ينحدر من المغرب، وقد ولد بكرسيف قرب مدينة وجدة، ويدعى «قدور»، لا نعرف تاريخ ولادته، لكن أباه مغربي، أصل والده من قبيلة رحلت من العربية السعودية واستقرت بكرسيف في القرن التاسع عشر، ولديه طفلان من زواج سابق «قندوسي» و«عائشة»، قضى القندوسي نحبه في الفيتنام، حيث كان ضمن الجيش الفرنسي وكان يبلغ من العمر 20 سنة فقط، وترك بالمغرب زوجة له منها طفل عمره وقتها عدة أشهر يسمى «محمد أمير». عاشت عائشة حياة شاقة لم ترزق بأطفال وماتت بعد مرض دام طويلا، وبعدها التحقت أخت صغرى بهم اسمها «الباتول» لكنها ماتت قبل أن تكمل السنتين. عندما كان والدي يبلغ من العمر سبع سنوات، افترق والداه، واختار أن يعيش مع والده بينما تركته والدته «يامنة» التي لم تعانقه عندما غادرت المحكمة، مات والد «أبي» بعد سنتين، وعندما عنفته عمته ترك المنزل وعاش في الشارع، فانتقل من مدينة إلى أخرى وكله أمل في أن يعثر على والدته، عاش فترة صعبة ينتقل من مكان إلى آخر، تنقل في المحطات ليجد أمه التي رافقها بعدما تزوجت من رجل جزائري لتهاجر معه إلى تلمسان. في سن الخامسة عشر غادر والدي قدور في اتجاه أوروبا فتجول بإيطاليا وفرنسا حيث كان يلعب كرة القدم، وأخيرا بدأ ملاكما في ألمانيا حصل على وثائق الإقامة وعلى رخصة الملاكمة، لعب مباريات لصالح نادي «أفيا». بعد ذلك غادر إلى سويسرا واشتغل بمطعم في المطبخ حيث تعلم هذه المهنة، تعرف على امرأة واستقر عندها لعدة شهور، لتموت في حادثة سير، فانتقل بعدها إلى هولندا وسرقت منه حقائبه وهو في الطريق ليحط الرحال ببروكسيل وعاش في «فكبوند» إلى حين التقى أمي. اعتادت «جنين» الذهاب إلى المقهى عندما لا يكون لديها عمل، وذات مساء فتح قدور باب المقهى فلمحته وكان وقتها مندفعا، وتجاهلته، غير أنه تبين أن هذه المرأة الجميلة تملك أناقة لا تلائم هذا المكان واعتبر أنه إذا اقترب منها قد لا يصيب الهدف. عاد مرة أخرى فقبلت «جنين» أن تشرب معه كأسا ورغب في أن تمضي معه الليل في غرفة استأجرها بفندق غير أن دخول الفندق ممنوع على من يقل سنها عن 21 سنة، واقترح عليها مرافقتها إلى بيت والديها، غير أنه اكتشف أن الشابة التي أمامه لديها ماض قاس، فرافقها إلى حيث تقيم ليجد لديها طفلة «ماريزا»، عاشا معا، كان «قدور» يلعب لعبة «البوكير» تارة يربح ومرة يخسر، و«جنين» ترافقه في نزهته الليلية. انتهت لحظات اللامبالاة مع وجود احتياجات الكراء والأكل... فعادت «جنين» للعمل كخادمة، بينما وقع «قدور» على عقد للملاكمة وهذا يتطلب الحصول على رخصة. مرت أشهر لتكتشف «جنين» أنها حامل فطلبت من قدور أن يتزوجها فرفض لأنه كان يرغب في الزواج من ابنة بلده من المغرب، لكنه تمنى أن تحتفظ بالجنين الذي في بطنها، انهارت فرحلت لتعمل في ملهى ليلي في «أوستوند». بعد شهرين مرت «جنين» ببروكسيل فلمحت امرأة ترسم على إطار زجاجي مقوى وتعرفت في الصورة النموذج على وجه قدور وأخبرها نادل المقهى أنها صديقته الجديدة، اقتربت منها وتعرفت عليها فسألتها عن صاحب الصورة فبدأت الرسامة تتحدث عن قدور بإعجاب وانه ملاكم، فاقترحت عليها «جنين» أن تذهبا لمشاهدة مبارة من مبارياته، فلما رآها تعرف عليها ففهمت من نظرته أن عليها العودة وانتظاره في المقهى فمنحها مفتاح غرفته، شعرت بألم في بطنها ولما عاد قدور وجدها في بركة من الدم فنقلها إلى المستشفى فكانت النتيجة إجهاض ففقدت ما في بطنها فاصطحبها معه. لما استعادت صحتها اقترح عليها قدور مشروع مقهى ولكن لفتح مثل هذه المؤسسة لابد من توفر شرطين إما أن تبلغ 21 سنة أو تكون متزوجا، وفجأة قبل قدور الزواج من أمي التي كانت تبلغ حينها 20 سنة. في أبريل من سنة 1961 تزوجت جنين بقدور فكان ينتظرها الأسوأ، فللزوج العديد من المتطلبات ينبغي الوفاء بها، وإذا رفضت طلبا فالعنف سيغير رأيها، لتكتشف أنها حامل وكانا يسكنان بالمقهى، سمع قدور بالخبر وفرح وتمنى أن يكون المولود ذكرا وفق التقاليد المغربية، سيسميه جميل وسيكون قويا ووسيما وقد يكون ملاكما أو لاعب كرة قدم. مرت أوقات عصيبة، فعادت أختي «ماريزا» التي جاءت لتعيش رفقة والدي إلى دار الحضانة، وذهبت أمي لتعمل كنادلة وأخذ أبي في البحث عن مباريات للملاكمة.