«بيتي باتول» واسمها الحقيقي «باتول بن الحول»، بلجيكية من أصل مغربي،عانت في طفولتها من الاعتداءات الجنسية وحاولت الانتحار من أجل التخلص من المعاناة، وشربت الكحول محاولة النسيان فتعرفت على رجل زاد من حجم معاناتها بعدما اغتصبها وحملت منه، لتتعرف على رجل آخر ساهم في تغيير مسار حياتها فتحولت إلى امرأة إيجابية لها عمل مستقر وأم لأربعة أطفال وتعمل إطارا في شركة، منذ 11 سنة، مجال تخصصها النقل السككي، خرجت «الباتول»، البالغة من العمر 45 سنة، عن صمتها لتدون قصتها في كتاب باللغة الفرنسية يحمل عنوان «شقائق النعمان في الشتاء لم لا»، من أجل مساعدة النساء ضحايا الاغتصاب والعنف على الخروج من آلام المعاناة ومواصلة مسيرة حياة ملؤها الحب والاحترام. - ما هو الهدف الذي جعلك تصدرين كتابك الذي هو عبارة عن سيرة ذاتية؟ إن الهدف الأول الذي أتوخاه من كتابي هو مساعدة النساء ضحايا الاغتصاب والعنف على الخروج من معاناتهن ومنحهن الأمل في عيش حياة جديدة ملؤها الحب والاحترام، قد تكون هناك نساء لهن نفس المعاناة واجتزن نفس المسار لكنهن لم يفصحن عن تجاربهن. من خلال تجربتي تعرفت على الرجل السيئ والعنيف، وبعدها تعرفت على الرجل المحب والمحترم والذي هو حاليا زوجي، والذي ساعدني كثيرا، وأعرف أن أمثاله موجودون في المجتمع. ومن بين الأهداف التي أرغب في تحقيقها من خلال هذا الكتاب هو أنه يمكن للمرأة ضحية الاغتصاب والعنف أن تنعم بحياة مستقرة، كما أنني أسعى إلى أن يعرف الشباب الذين عاشوا أوقاتا صعبة مثلي وتعرضوا لاعتداءات جنسية في طفولتهم أنهم ليسوا وحدهم الذين حدث لهم ذلك. إنني أقدم مثالا حيا لطفلة وامرأة اسمها «البتول» لم تكن بداية حياتها جيدة وقاست الكثير، ولكنها هي الآن لديها أسرة وتعيش في حب واحترام. لقد استغرقت في كتابة الكتاب أربع سنوات، ثلاث منها كانت لكتابة الجزء الأصعب في مساري، ثم الجزء المتعلق بإعادة هيكلة حياتي التي ضاع منها وقت طويل، وسخرت بعض الوقت من أجل عقد لقاءات مباشرة مع نساء ضحايا الاغتصاب والعنف الزوجي من أجل أن أحكي لهم عن تجربتي ومساعدتهن على الخروج من دائرة المعاناة، وأرغب في أن يدرس الشباب كتابي, كماأعتقد أن كل من قرأ الكتاب فإنه سيقرر حتما أنه لن يعنف امرأة أو يؤذيها. - ما هي خلاصة قصتك مع الاعتداءات الجنسية؟ ابتدأت القصة منذ أن كنت أبلغ من العمر أربع سنوات، حيث تعرضت للعديد من الاعتداءات الجنسية وآخرها كان سني 12 سنة، لم تصل إلى حد الاغتصاب، كانت لدي وقتها الرغبة في أن أحكي لوالدي ما يحصل لي، غير أن الخوف كان يتملكني وقف حاجزا دون ذلك، خاصة أن العلاقة بين أمي وأبي لم تكن جيدة، فوالدي كان عنيفا وكان يشرب الخمر وأمي كانت تكافح من أجل الاهتمام بنا، إضافة إلى أن حياتنا عرفت العديد من التنقلات، ولم أكن أقوى على أن أخبر أمي بأن هناك من يعترض سبيلي ليلمسني ويقبلني خصوصا أن الأطفال وقتها كانوا لا يستطيعون الحديث إلى آبائهم بحرية بخلاف اليوم حيث تغيرت الأوضاع، وهذا يستوجب على الآباء أن يخبروا أطفالهم أنهم مستعدون للإنصات إليهم كلما حدث لهم أي شيء، فلو كانت الفرصة متاحة لي وقتها لفعلت وربما وجدت الدعم منهم، ولكن مع الأسف لم يفتح مجال الحوار مع والدي إلا عندما كبرت، وكل هذا أدى بي إلى أنني كبرت وأنا لا أقدر ذاتي ولا أحترمها، وعندما وصلت إلى سن المراهقة شعرت أنني لست فتاة طاهرة نتيجة التحرشات التي تعرضت لها، وبدأت أشعر أنني لا شيء وأنفر من الذكور وكانت حياتي بدون معنى، وهذا ما جعلني أتمنى الموت وحاولت الانتحار من أجل التخلص من معاناتي ولكن لم تكن الفكرة مناسبة، ثم لجأت إلى شرب الكحول من أجل النسيان ولم يكن هذا أيضا الحل الأنسب، فالتقيت بعدها بشخص زاد من حجم معاناتي. - هل هذا الرجل مغربي أم بلجيكي؟ هو رجل بلجيكي، ولكن أعرف أن هناك مغاربة يفعلون هذا أيضا، لقد كان يضربني وكنت وقتها حاملا وما زالت آثار الضرب على جسدي، ونقلت مرات عديدة إلى المستشفى، لقد كان وحشا بفعل ممارسته العنيفة، والرجل الذي يضرب المرأة يمكن أن تصدر منه الضربة المميتة، لذلك أقول للنساء اللواتي يعشن نفس معاناتي ينبغي أن تحذرن من ذلك، فإنه يمكن أن ينتج عن العنف إعاقة أو ما شابه ذلك. - هل من تفاصيل عن التحرشات الجنسية التي كنت ضحيتها ببلجيكا والمغرب؟ تم الاعتداء علي جنسيا مرتين في المغرب، مرة من لدن رجل كنت أقيم عندهم بمنزلهم وأنا طفلة، ومرة أخرى من لدن شاب عمره حوالي 18 سنة خلال العطلة بإقليم الجديدة وكنت أبلغ 11 سنة، حيث طلب مني الشاب مرافقته ليريني بعض الأشياء في كوخ صغير وتبعته ببراءة وابتعدت عن الطريق وبدأ يقبلني ويلمسني وأراد اغتصابي وحاولت المقاومة فوجهت ضربة إلى عضوه التناسلي وشعر بالألم ففررت، وأظن أنه لو لم أتصرف هكذا لكان قد اغتصبني لأنه رغم أنني صرخت بشدة لم يسمعني أحد. أما ببلجيكا فإنه تم التحرش بي جنسيا ثلاث مرات، فذات مرة كنت في الشارع فتتبع خطواتي رجل فبدأ يلمسني ورفع تنورتي فبدأت أصرخ، لقد كان منظرا مقززا وبكيت ثم تركني. لقد كان الله يحفظني من الاغتصاب في طفولتي خاصة أن اسمي «البتول»، وهو اسم مغربي، ومعناه العذراء. - كيف كانت علاقتك مع والديك؟ والدي مغربي، كنت أراه في الصباح عندما كنت أذهب إلى المدرسة، ذات مرة ضربني لأنني قلت كلاما لم يعجبه، كان عنيفا ويشرب الخمر، فهو أيضا عانى في طفولته لأنه من أطفال الشوارع، وكان لقاؤه بأمي ببلجيكا فأنجبني أنا وأختي جميلة، وكانت أمي تتحمل أعباء مصاريف المنزل، كان والدي سلطويا وضربني مرات عندما كنت صغيرة، لقد كان ملاكما سابقا، لقد توفي وأنا سامحته، ومن بين الأشياء التي ساعدتني من أجل الخروج من محنتي هو العفو عن كل من آذاني. أما أمي فكانت تعمل في حانة، وغالبا الأطفال الذين يتعرضون للاعتداء يعيشون في ظروف غير عادية نتيجة المشاكل بين الآباء، وهذا جعلني أشعر أن كل حديث عن مشاكلي سيأزم العلاقة بين والدي، لذلك اكتفيت بالصمت، وهذا ما جعلني أشعر أنني غير موجودة، ولما يصبح الإنسان راشدا تصبح شخصيته غير مستقرة وضعيفة. أما الآن، فإنني أعيش حياة سعيدة وأتمناها حقا لكل امرأة، أتمتع بالاستقرار لدرجة أنني أرغب في أن أشارك الناس سعادتي، وبالأخص الذين يعانون وأساعدهم في منحهم الأمل بأنه من الممكن أن يعيشوا حياة أفضل وهناك رجال مميزون ويمكنهن تأسيس أسر، ولما كنت صغيرة كنت أحلم دائما أن يكون لدي منزل كبير في البادية وزوج لطيف ويكون أبا حنونا يداعب أطفاله، والآن قد تحقق كل ما كنت أتمناه. - هل زوجك يشرب الكحول؟ لا يتعاطى الكحول أبدا، إنه أب رائع هو الذي يسهر على الأطفال عندما أكون بالمغرب، وأعتقد أن هناك رجالا مثله بالمغرب، وهذا يجعل من الممكن للمرأة أن تغير الرجل والعكس صحيح، وعلى المرأة أن تتحلى بالصبر وتقدم تنازلات لأن هناك من النساء من لا يستوعبن هذا. إنني أعيش حياة مستقرة رفقة زوجي منذ 17 سنة، نحب بعضنا البعض ولدينا أربعة أطفال، ومنهم الطفل الذي كان نتيجة الاغتصاب الذي تعرضت له، وهو ينادي زوجي الذي منحه اسمه العائلي بأبي، وأطفالي كلهم يعرفون حقيقة الواقع لأنني صريحة مع الجميع ولا يمكن أن أخفي ما حدث. - في نظرك, ما هي أسباب الاعتداءات الجنسية التي ترتفع يوما بعد يوم؟ لا أعرف ما إذا كان هناك أي ارتفاع في حجم الاعتداءات الجنسية، ولكن يمكن أن أقول إن الضحايا أصبحوا يتحدثون حاليا ولم يعد الموضوع «طابو» بالشكل الذي كان في الماضي، وهناك كثيرون ما زالوا يختارون سياسة الصمت، ولو علمنا الأرقام الحقيقية فسوف نفاجأ ونصدم بما يحدث، ونجد أن الذين يتحدثون هم الذين ينتمون إلى الفئات الهشة، لأن الذين ينتمون إلى الأوساط الراقية يفضلون الصمت، لأنهم يخشون على سمعة العائلة، وهناك أيضا زوجات أغنياء يتعرضن للعنف الزوجي ولكن يعتقدن أن الحديث عن ذلك سيكلفهن ترك المال والسيارة والحساب البنكي... وحبذا لو نعرف الأرقام الحقيقية للنساء اللواتي يجتزن آثار الاعتداءات عوض معرفة عدد اللواتي يتعرضن للتحرشات والاغتصاب والعنف. - ما هي الحلول التي ترينها مناسبة من أجل الحد من ظاهرة الاعتداءات الجنسية ؟ أعتبر أن الحل يكمن في مساعدة الذين يتعرضون للاعتداءات من أجل إعادة هيكلة حياتهم، وينبغي التركيز على مرافقة النساء الضحايا، فمنهن مرموقات عانوا كثيرا ويتحدثن ويرغبن في أن تبقى قصصهن طي الكتمان، لأنهن يخشين على مناصبهن، وهذا طبيعي، فأنا أيضا عندما كنت أرغب في الكتابة فكرت في وضعي المهني وخشيت من فقدان مصداقيتي ومن أن يؤثر هذا على سمعة الشركة التي أعمل بها وترددت كثيرا، لكنني قررت الكتابة وقلت إن شهادتي التي تتضمن حلولا ممكنة لتجاوز آلام المعاناة ستساهم في حل مشاكل الكثيرين. ولا بد من التنبيه إلى أننا دائما نقرأ عن حوادث الاعتداءات والقتل والاغتصاب دون أن نقرأ عن تجارب ناجحة لنساء تعرضن للاغتصاب والعنف، وأتساءل بالقول، كيف يمكن لهذه المرأة أن تجد حلولا وهي تقرأ حوادث ستحطمها أكثر ولا تنفعها في شيء؟ لذلك فكتابي حتى إذا قرأه شخص غير معني بموضوع الاعتداءات فإنه حتما سيشعر بالأمل، والتقيت نساء في مراكز اجتماعية أكدن أنهن سيتبعن منهجي، منهن من قررت متابعة دراستها، وأشجعهن وأقول لهن «عندما نريد نستطيع»، وأريد أن تكون نماذج أخرى وأعرف أن هناك كثيرات ولكن نرغب في أن نشكل كتلة واحدة ونقوم بأشياء جميلة للصالح العام. - ما هي أهم النصائح التي يمكن توجيهها إلى الآباء؟ أول شيء هو أن يأخذ الآباء الحيطة والحذر و يقوموا بالاستماع إلى أبنائهم ويفتحوا لهم باب الحوار ويحفزونهم على الحديث ويساعدونهم على بناء شخصيات سليمة تمكنهم من احترام وتقدير الذات، ولقد أطلقت فكرة داخل أسرتي اسمها «يوم أمي»، أخصصه لأحد أطفالي وأترك له حرية اختيار برنامج اليوم وأنفذ اقتراحاته، وبهذه الطريقة يتعلم الطفل العديد من الأشياء مثل الاحترام وتحمل المسؤولية. - برأيك ما هي السياسة التي ينبغي أن تتبعها الحكومة من أجل القضاء على ظاهرة الاعتداءات الجنسية؟ أعتقد أنه ينبغي العمل في اتجاه الوقاية أولا، عبر الحديث إلى الشباب وتوعيتهم بالمجال، ثم ثانيا يجب تطبيق القانون وتنفيذ العقوبات في حق المعتدين جنسيا على الأطفال دون رحمة ولا تسامح من أجل إنصاف الضحايا. وشخصيا لا أثق في القضاء، لأن هناك معتدين حتى في قطاع العدالة وهذا ما يجعلنا نركز حملاتنا التحسيسية على الجانب الوقائي قبل حصول الاعتداءات. ولا بد من الإشارة إلى أن الرشوة تعرفها العديد من القطاعات، ومنها القضاء سواء ببلجيكا أو المغرب، المتهم الذي يكون ذا نفوذ قد يستغل ذلك من أجل تخفيف الحكم، وهذا ما ينعكس على نفسية الضحية الذي إذا لم يتم إنصافه فإن حجم معاناته يزداد. ومن بين الأمور التي ينبغي التركيز عليها هو تتبع الضحايا من أجل أن يتخلصوا من المعاناة حتى يكونوا نموذجا للآخرين، إضافة إلى ضرورة توعية الآباء والشباب في المدارس والكليات بما يترتب عن الاعتداءات الجنسية من مشاكل في حالة حدوثها وما ينجم عن ذلك في حالة عدم معالجتها في وقتها.